عدد الابيات : 107
طباعةلِسُرَارَةَ أَطْلَالٌ بِسَوْحِ الْمُهَنَّدِ
تَلُوحُ كَوَجْهِ الصُّبْحِ بِاللَّيْلِ أَغْمَدِ
وَوَقَفْتُ بِهَا، وَالصَّمْتُ يَشْكُو لَوَاعِجِي
وَقَدْ بَانَ مِنْ عَيْنَيَّ سِرِّيَ مُنْشَدِ
فَقَالُوا تَجَلَّدْ، لَا تَكُنْ مُسْتَهَامَهَا
فَقُلْتُ: وَهَلْ يُبْقِي الْفُؤَادُ تَجَلُّدِي؟
فَمَا رَقَّ دَمْعِي غَيْرَ حُزْنٍ يُذِيبُهُ
حَنِينٌ كَصَوْتِ الرِّيحِ بِاللَّيْلِ مُتَبَدِّدِ
وَحُبِّي لَهَا نَارٌ تُذِيبُ صَبَابَتِي
كَمَا أَحْرَقَ الْجَمْرُ الضَّعِيفَ الْمُوقَدِ
لِثَغْرٍ كَمَا يُبْدِي النَّهَارُ بَهَاءَهُ
وَوَجْهٍ كَمَاءِ الْبَدْرِ فِي اللَّيْلِ مُفْرَدِ
وَعَيْنٍ كَنَجْمِ السَّعْدِ يَوْمَ تَجَلَّتِ
يُنَاجِي بِهَا النُّوَّارُ شَوْقَ الْمُوَدِّدِ
تُحَلِّي جَمَالَ الشَّمْسِ وَهْيَ ضِيَاؤُهَا
وَتَسْكُنُ فِي الْأَرْوَاحِ كَالسِّحْرِ أَوْ أَلِدِ
وَخَدٌّ كَوَرْدِ الرَّوْضِ يَوْمَ تَفَتُّحِ
وَرَاحٌ كَمَاءِ الْمَزْنِ صَفِيٌّ مُتَجَوِّدِ
لَهَا قَدُّ غُصْنٍ أَوْ كَفَرْعٍ مُنَوِّرٍ
يَمِيلُ كَمَا يَهْفُو النَّسِيمُ بِأوْتَدِ
فَقُلْتُ لَهَا: إِنِّي أَرَى الشَّوْقَ سَيِّدًا
يُؤَمِّرُنِي فِي الْحُبِّ عَطْفًا وَمُتَسَدِّدِ
وَهَلْ يَسْتَقِيمُ الْعَيْشُ بَعْدَكِ بِالدُّنَا
وَقَدْ كُنْتِ رُوحِي وَالْهَوَى الْمُتَمَرِّدِ
بَكَيْتُكِ حُزْنًا لَيْسَ يَنْفَكُّ دَمْعُهُ
كَغَيْثٍ سَقَى الْأَرْضَ الْجُدُوبَ بِمُرْعِدِ
وَهَبَّتْ رِيَاحُ الذِّكْرِ تُوقِظُ لَوْعَتِي
فَأَصْبَحْتُ فِي دَرْبِ الْغَرَامِ الْمُقَيَّدِ
أَجُوبُ الْفَيَافِي شَارِدَ الْعَقْلِ خَافِقًا
كَطَيْرٍ بِعَصْفِ الرِّيحِ عَاثَ بِمَفْرَدِ
فَيَا لَيْتَ لَيْلَ الْهَجْرِ يُفْلِحُ فِي غَدٍ
وَيَا لَيْتَ دَمْعِي فِي الْغَرَامِ مُتَبَدِّدِ
وَيَا لَيْتَ دَهْرِي يَلْتَقِيكِ مُؤَنَّقًا
كَمَا كُنْتِ وَجَنَّاتُ الْجَمَالِ مُنْشِدِ
فَهَذِي الْأَمَانِي بَاتَتِ الرِّيحُ تَذْرُهَا
وَأَضْحَتْ كَحُلْمٍ فِي الْمُحَاقِ الْمُزَبَّدِ
وَلَوْ كَانَ بِي جُرْحٌ لَسَالَ بِهِ دَمِي
وَلَكِنَّ جُرْحِي فِي الْفُؤَادِ الْمُبَعَدِ
فَمَنْ لِي إِذَا مَا غَابَ وَجْهُكِ بَيْنَنَا؟
وَمَنْ لِي إِذَا جُنَّ الْفُؤَادُ الْمُسَهَّدِ؟
أَعُدُّ اللَّيَالِي فِي الْغَرَامِ وَإِنَّهَا
طِوَالٌ كَمَا يَبْدُو الْقَفِيرُ بِمَوْصَدِ
إِذَا الْقَوْمُ قَالُوا مَنْ صَبِيٌّ بِحُبِّهَا
قُلْتُ: أَنَا وَاللَّهِ الْفَتَى الْمُتَفَرِّدِ
أُجَارِي سُيُوفَ الْهَجْرِ وَهْيَ مُهَنَّدٌ
وَأَرْكُضُ فِي لَيْلِ الْعَذَابِ الْمُهَدَّدِ
وَأُقْسِمُ بِاللَّهِ الَّذِي خَلَقَ الْهَوَى
لَأَبْقَى عَلَى الْعَهْدِ الْقَدِيمِ الْمُنَشَّدِ
وَيَا لَيْتَ دَهْرِي يُنْصِفُ الْقَلْبَ بَعْدَمَا
تَقَطَّعَتِ الْأَحْلَامُ فِي اللَّيْلِ مُصَعَّدِ
وَيَا لَيْتَ بَرْقًا مِنْ نَوَاكِ يُنِيرُنِي
لِأُدْرِكَ فِي وَجْهِ الدُّجَى نُورَ مُرْشِدِ
أَحِنُّ إِلَيْكِ الْحُبُّ يَشْوِي جَوَارِحِي
كَمَا يَشْتَعِلُ الْجَمْرُ الْقَدِيمُ الْأَعْوَّدِ
وَأَسْأَلُ عَنْ وَجْهِ الْمُنَى فِي مَجَالِسٍ
لَعَلِّي أَرَى بَيْنَ الْأَحَادِيثِ مَوْعِدِي
وَمَنْ لِي إِذَا مَا كَانَ صَوْتُكِ غَائِبًا
وَضَاعَ صَدَى الْأَيَّامِ فِي الرِّيحِ مُبْتَدِ
أَرَى كُلَّ شَيْءٍ فِي الْحَيَاةِ كَئِيبَةً
وَحُسْنَ الدُّنَا يَبْكِي كَثَكْلَى مُغَرَّدِ
فَيَا نَفْحَةَ الذِّكْرَى الَّتِي جَاءَ بَرْقُهَا
أَتَاهَا جَوَادُ الشَّوْقِ يَحْمِلُ مَوْلِدِي
وَيَا دَهْرُ هَلْ تَأْتِي الرِّيَاحُ بِحَامِلٍ
يُبَشِّرُنِي أَنَّ اللِّقَاءَ بَاتَ بِمَرْصَدِ
أَخَافُ إِذَا مَا قِيلَ جَاءَتْ وَقُرِّبَتْ
أُفِيقُ عَلَى وَهْمٍ كَحُلْمِ سِحْرٍ مُبَدَّدِ
فَإِنْ جَاءَ وَجْهُ الْعِيدِ بَعْدَكِ مُغْبِرًا
فَمَا الْعِيدُ إِلَّا حُزْنُ مُتْرَاحٍ مُسْنَدِ
وَإِنْ طَالَ عُمْرِي فِي الْبِلَى فَلَعَلَّهُ
يَمُرُّ كَطَيْفٍ فِي اللَّيَالِي مُتَشَرِّدِ
وَإِنْ قِيلَ لِي أَفْنَيْتَ دَهْرَكَ حَسْرَةً
فَقُلْتُ: وَهَلْ لِلْعَاشِقِ الْمُسْتَهْدِدِ؟
فَلَا الْحُبُّ يَنْجُو مِنْ سُيُوفِ الْمُقَادِرِ
وَلَا الْعِشْقُ يَبْقَى فِي الْفُؤَادِ الْمُقَيَّدِ
وَلَكِنَّنِي مَا زِلْتُ أَرْجُو لِلِقَائِهَا
وَأُقْسِمُ بِالرَّحْمَنِ أَنِّي عَلَى الْعَهْدِ
سَلَامٌ عَلَى وَجْهِ الْمُنَى وَالتَّوَدُّدِ
عَلَى بَدْرِ حُسْنٍ فِي الدُّنَا لَمْ يُوعَدِ
سَلَامٌ عَلَى سَارَةٍ زَانَ حُسْنُهَا
رُبَى الْعِطْرِ وَالْأَزْهَارِ فِي كُلِّ أَوْدُّدِ
بِهَا الْعِشْقُ يَسْرِي كَالضِّيَاءِ إِذَا سَرَتْ
بِشَامَةِ حُسْنٍ كَتْفٍ أَوْ بِوَرْدٍ مُجَعَّدِ
وَإِنْ قِيلَ فِي الْخَدَّيْنِ بَشْرٌ وَنَضْرَةٌ
فَقَدْ زَانَهُم نُورُ الْوِصَالِ الْمُسَعَّدِ
وَيَا قَمَرَ اللَّيْلِ الَّذِي أَشْرَقَ الرُّؤَى
إِلَى كُلِّ قَلْبٍ فِي الْهَوَى لَمْ يُبَلَّدِ
إِذَا أَضْحَكَتْ زَهْرَ الرَّبِيعِ تَبَسُّمًا
تَنَاثَرَ مِنْهَا النُّورُ فِي كُلِّ مُرَدِّدِ
تُجَلِّي دُجَى الْعُشَّاقِ إِنْ لَاحَ وَجْهُهَا
كَنُورِ الصَّبَاحِ فِي الدُّجَى الْمُتَفَرِّدِ
وَيَا سَارَةَ الْحُسْنِ الَّذِي لَا يُمَاثِلُهُ
جَمَالٌ، وَلَا زَهْرٌ، وَلَا بَدْرُ سَرْمَدِ
فَمَهْمَا يَقُلْ فِي الْوَصْفِ أَهْلُ بَلَاغَةٍ
فَإِنَّ جَمَالَ الرُّوحِ لَيْسَ بِمُشَهَّدِ
لَعَلَّ اللِّقَاءَ الْقَادِمَ يُنْعِشُ مُهْجَتِي
وَيُكْسِبُ لِأَيَّامِي السَّنَاءَ مُجَدَّدِ
وَيَا دَهْرُ هَلْ تُهْدِي الْقُرُوضَ لِعَاشِقٍ
يُدَاوِي بِهَا صَبْرًا أَطَالَ التَّهَجُّدِ؟
فَإِنْ جَاءَ وَعْدُ الْوَصْلِ بَعْدَ تَوَهُّمٍ
فَقَدْ زَالَ عَنِّي كُلُّ الْجِرَاحِ مُوَلَّدِ
فَسَارَةُ نُورُ الْعُمْرِ بَلْ هِيَ رُوحُهُ
وَلَيْسَ لِمَنْ عَاشَتْ بِهِ أَيُّ مُهْتَدِ
وَيَا سَارَةَ الْأَحْلَامِ يَا نُورَ مُهْجَتِي
وَيَا رَوْضَةَ الْآمَالِ فِي كُلِّ مَوْطِدِ
سَكَنْتِ فُؤَادِي فَاسْتَقَرَّ بِهِ الْهَوَى
كَنَبْضٍ تَرَاءَى فِي الشُّرْيَانِ مُتَّقِدِ
وَمَهْمَا يَطُلْ دَرْبُ النَّوَى وَشُجُونُهُ
فَإِنَّ اللِّقَاءَ الْآتِي غَيْرُ الْمُنَكَّدِ
سَأَسْرِي إِلَيْكِ الشَّوْقُ يَحْمِلُنِي إِذَا
تَنَاءَى بِنَا الدَّهْرُ الْعَنِيدُ بِأَبْعَدِ
وَإِنْ قِيلَ لِي: كَيْفَ التَّصَبُّرُ بِالنَّوَى؟
فَقُلْتُ: بِذِكْرَى لَحْظِهَا الْمُتَوَرِّدِ
وَبِالْبَسْمَةِ الْغَنَّاءِ تُحْيَا مَجَالِسِي
كَمَا يَزْهُرُ الْبُسْتَانُ فِي فَجْرِ أَرْغَدِ
أَحِنُّ إِلَى لَمْحِ الْعُيُونِ وَرَوْنَقِ
مِنَ السِّحْرِ مَا لَمْ يَكْتَحِلْ بِالتَّزَيُّدِ
وَيَا دُرَّةَ الْأَكْوَانِ يَا بَدْرَ حُسْنِهَا
يُنِيرُ دُجَى الْعُشَّاقِ بِاللَّيْلِ أَسْوَدِ
وَمَهْمَا يَكُنْ مِنْ بُعْدِ دَارٍ وَغُرْبَةٍ
فَأَنْتِ دِيَارِي وَالْمَلَاذُ لِأَمْجَادِي
فَدُومِي سَنًا فِي رُوحِ عُشَّاقِكِ
الَّذِي يَرُدُّ إِلَيْهِ الْعُمْرَ بَعْدَ التَّرَفُّدِ
وَيَا سَارَةَ الْأَفْرَاحِ يَا بَدْرَ مُهْجَتِي
وَيَا فَجْرَ أَيَّامِي وَبَهْجَةَ أَوْلَادِي
تَجَلَّيْتِ فِي عَيْنِي كَفَجْرٍ مُبَشِّرٍ
يُحَلِّي ظَلَامَ الْعُمْرِ فِي كُلِّ عَهْدِي
لَئِنْ نَطَقَتْ أَشْعَارُ حُسْنِكِ مِدْحَةً
فَمَا كَانَ إِلَّا السِّحْرُ فِي كُلِّ مُشَدِّدِ
فَأَنْتِ بَهَاءُ الْكَوْنِ أَزْهَى صَبَاحِهِ
وَأَنْتِ الضِّيَاءُ السَّاطِعُ الْمُتَعَبِّدِ
وَخَدَّاكِ إِشْرَاقُ الرَّبِيعِ وَبَسْمَةٌ
يُغَنِّي بِهَا الزَّهْرُ الْمُعَطَّرُ النَّدِي
وَأَنْتِ كَمَا الْأَنْجُمُ فِي أُفُقِ السَّمَا
تُبَارِكُهَا الْأَمْلَاكُ مِنْ حُسْنِ مُتَمَرِّدِ
وَلَحْظُكِ إِعْجَازٌ، وَفِي صَوْتِكِ الصَّدَى
يُرَتِّلُهُ الشُّعَرَاءُ فِي الْعِشْقِ وَالْغَدِ
وَمَهْمَا يَكُنْ مِنْ حُسْنِ دُنْيَا وَرَوْنَقٍ
فَحُسْنُكِ فِي عَيْنِي أَجَلُّ وَأَسْعَدِ
فَكُونِي كَمَا أَنْتِ الْمَلَاذُ وَرَوْضَةٌ
يُقَبِّلُهَا قَلْبِي وَيَهْوَى لِتَوَدُّدِي
وَيَا سَارَةَ الدُّنْيَا وَيَا نُورَ مُهْجَتِي
أَضَاءَتْكِ أَحْلَامِي وَمَوْعِدُ مَرْفَدِي
فَكَيْفَ افْتِرَاقُ الْعُمْرِ يَسْلُبُ بَهْجَتِي
وَيَسْرِقُ مِنِّي الْأَمْلَ فِي كُلِّ مَشْهَدِ
بَكَيْتُ وَمَا أَجْدَى الْبُكَاءُ عَلَى الَّذِي
تَبَدَّدَ كَالطَّيْفِ الْبَعِيدِ الْمُبَعَّدِ
وَمَا كَانَ جُرْحِي غَيْرَ أَنَّكِ غَائِبٌ
وَأَنَّكِ فِي بُعْدٍ يُحِيلُ تَمَرُّدِي
فَأَيْنَ اللِّقَاءُ الْمُرْتَجَى فِي مَدَامِعِي
وَأَيْنَ الْوُصَالُ مُرْتَجَى مِنْ سُؤْدُدِي؟
أَلَيْسَتْ هَذِهِ الدُّنْيَا دِيَارًا لِعَاشِقٍ
يُفَتِّشُ فِي عَيْنَيْكِ عَنْ حُلْمِ سَيِّدِ؟
أَمَا كَانَ مِنْهَا غَيْرَ جُرْحٍ وَحَسْرَةٍ
وَذِكْرَى تُؤَرِّقُنِي وَشَوْقٍ مُؤَكِّدِ؟
أُحِبُّكِ أَكْثَرَ مَا يَظُنُّ عَاشِقٌ لَكِنْ
أَضَاعَنَا الدَّهْرُ الَّذِي لَمْ يُوَحِّدِ
فَإِنْ غِبْتِ يَا سَارَةُ عَنِّي فَمَا الَّذِي
يُضِيءُ ظَلَامَ الْعُمْرِ فِي كُلِّ مَيَّادِ؟
وَإِنْ كَانَ فِي الْبُعْدِ احْتِضَارِي وَحُسْرَتِي
فَسَأَحْيَا عَلَى ذِكْرَاكِ يَا نُورَ سُهْدُدِي
وَيَا سَارَةَ الرُّوحِ الَّتِي كَانَ نَبْضُهَا
يُغَنِّي هَوَاكِ فِي الظُّلُوعِ وَيُنْشِدِ
أَتَيْتُكِ وَالْأَيَّامُ تَسْرِقُ أَعْمَارَنَا
وَأَلْقَتْنِي الْأَسْقَامُ فِي ظِلِّ مَرْتَدِي
وَفِي الصَّدْرِ أَنْفَاسٌ ثِقَالٌ كَأَنَّهَا
تُوَدِّعُ دُنْيَا الْعِشْقِ فِي صَوْتِ مُنْشَدِ
فَهَلْ جِئْتِ يَا سَارَةُ تَمْسَحُ دَمْعَتِي
وَتُطْفِئُ جَمْرَ الشَّوْقِ فِي قَلْبِ مُجَهَّدِ؟
وَهَلْ يَدَيْكِ الطُّهْرُ يَشْفِي مَوَاجِعِي
وَيَرْجِعُ لِي صَوْتِي إِلَيْكِ لِيُرْشِدِي؟
تَقَاسَمْتُ وَالْأَحْزَانُ عُمْرِي وَرَاحَتِي
فَكَمْ كَانَ صَبْرِي بَيْنَ دَاءٍ وَمُجَسَّدِ
أَرَى الدُّنْيَا تَفْنَى وَالرُّؤَى تَتَبَدَّدُ
وَغَيْرُ هَوَاكِ الْيَوْمَ لَمْ يَتَصعَّدِ
إِذَا مُتُّ يَا سَارَةُ فَاذْكُرِي مَحَبَّتِي
وَقُولِي هُنَا عَاشَ الَّذِي لَمْ يُسْعَدِ
وَإِنْ غَابَ عَنْكَ الصَّوْتُ فَاسْمَعِي
دُعَائِي يُرَتِّلُ لِطَيْفِ الرِّيَاحِ وَمُشْهِدِ
سَأَبْقَى وَإِنْ غَابَتْ جُرُوحِي وَأَضْلُعِي
حَيَاتِي دُعَاءٌ فِي هَوَاكِ وَتَعَبُدِي
وَيَا دَاءُ مَهْلًا، كَيْفَ تَسْلُبُ وَصْلَنَا؟
وَتَرْمِينِي فِي الْبُعْدِ كَالسَّهْمِ مُرَعَّدِ
أَلَمْ تَدْرِ أَنَّ الْعَيْنَ تَسْهَرُ وَحْدَهَا
وَأَنَّ فُؤَادِي مُذْ نَأَيْتِ بِهَا مُبَدَّدِ؟
سَرَقْتَ مِنَ الْأَيَّامِ نَبْضَ سَعَادَتِي
وَأَوْقَدْتَ نَارَ الشَّوْقِ بِالْقَلْبِ تَعَنُّدِ
أَتَسْلُبُنِي سَارَةَ وَهْيَ حَيَاتُنَا؟
وَتَجْعَلُنِي شَيْخًا عَلِيْلَاً بِغَيْرِ مُزَوَّدِ
فَإِنْ كَانَ فِي الْأَقْدَارِ فُرْقَةُ مُغْرَمٍ
فَكَمْ مِنْ دُعَاءٍ لِلسَّمَاءِ سَيَصْعَدِ
سَأَرْجُوكَ يَا دَاءُ ارْحَمِ الْعُمْرَ وَاسْمَحِ
بِطَيْفٍ مِنَ الذِّكْرَى يُوَاسِي وَمُسْعِدِ
فَلَوْ كَانَ فِي الدُّنْيَا شِفَاءٌ لِمَا بِيَ
لَكَانَ هَوَاهَا بَلْسَمًا لِيَ لِيُجْدِدِي
وَيَا سَارَةُ إِنْ غَابَ عَنْكِ حَبِيبُكِ
فَذِكْرَاكِ فِي قَلْبِي دُعَاءٌ مُوَحَّدِ
وَيَا سَارَةُ، الْقَلْبُ الَّذِي كُنْتِ نَبْضَهُ
تَرَاهُ عَلَى مُرِّ بُعْدِ اللِّقَاءِ مُصَفَّدِ؟
يُحَاوِلُ أَنْ يَسْلُوَ وَأَنْ يَتَنَاسَى حبنا
وَلَكِنَّهُ فِي ذِكْرَى الْحَبِيبِ مُتَجَدِّدِ
يُحَدِّثُنِي الطَّبِيبُ عَنِ الصَّبْرِ مُرْهَقًا
وَمَا صَبْرُ مَنْ عَاشَ الْهَوَى مُتَرَفَّدِ؟
أُفَاخِرُ فِي الْأَسْقَامِ أَنَّكِ بَلْسَمِي
وَأَعْلَمُ أَنَّ الْحُبَّ لِوِصَالِكِ مُبَدَّدِ
وَإِنْ طَالَ لَيْلُ الْحُزْنِ أَوْ جَفَّ مَطَرُهُ
فَسُحْبُ هَوَاكِ الْيَوْمَ حُبْلَى بِأَجْوَدِ
سَتَرْجِعُ أَيَّامُ اللِّقَاءِ وَكَأَنَّهَا نُوْرُ
بَهَاءُ الضُّحَى لِلصُّبْحِ بَعْدَ التَّهَجُّدِ
فَلَا الدَّاءُ يُبْقِينِي وَحِيدًا بِغُرْبَتِي
وَلَا الْحُبُّ يَفْنَى بِالْقُلُوبِ الْمُوَحَّدِ
سَيَحْمِلُنِي الشَّوْقُ الَّذِي كَانَ مُنْهَكًا
إِلَى عَتَبَاتِ الْوَصْلِ طِفْلًا مُتَوَدِّدِ
وَإِنْ مِتُّ، فَاخْتَارِي لِقَبْرِيَ مَوْضِعًا
قَرِيبًا إِلَيْكِ، فِي الْهَوَى لَمْ أُبَعَّدِ
148
قصيدة