يَا لَيْتَ قَلْبِي مَا رَأَى فِيهَا الصَّبَا

      أَوْ مَا سَمِعْتُ النُّطْقَ مِنْ ثَغْرِ نَاعِمِ

هِيَ فِي الدُّنَا طَيْفٌ، وَلَكِنْ فِي دَمِي

      سَيْفٌ يُجَرِّحُنِي بِحُسْنِ التَّقَادُمِ

قَدْ عُلِّقَتْ نَفْسِي بِطَيْفٍ غَائِبٍ

      يَأْبَى سُكُونَ الْحُبِّ فِي طُهْرِ عَالِمِي

مَا كَانَ ذَنْبِي غَيْرَ أَنِّي عَاشِقٌ

      يَسْقِي دُمُوعَ الشَّوْقِ مِنْ خَمْرِ حَالِمِ

ذَكَرْتُ هَوَاهَا وَالرِّمَاحُ مُشَارِفٌ

      صَدْرِي، وَجَيْشُ الْهَمِّ يَغْزُو مَعَالِمِي

قَدْ كُنْتُ أَكْتُمُ حُرْقَةً مِمَّا جَرَى

      فَتَفَجَّرَتْ فِي الصَّدْرِ نَارُ الْخَصَّائِمِ

فَتَنَاثَرَتْ أَشْلَاءُ صَبْرِي فِي الدُّجَى

      وَتَهَاوَتِ الْأَحْلَامُ تَحْتَ سَحَائِمِي

وَتَكَسَّرَتْ فِي النَّفْسِ أَلْحَانُ الرُّؤَى

      وَتَشَظَّتِ الذِّكْرَى بِمِرْمَى قَوَاصِمِي

مَا بَيْنَ أَجْفَانِي وَنَفْسِي وَجْدُهَا

      وَتَنَزَّهَ التَّفْسِيرُ عَنْ فَيْضِ كَاتِمِي

وَتَعَثَّرَتْ خُطَبُ الْبَيَانِ بِحُسْنِهَا

      فَتَأَرْجَحَ الْإِيجَازُ فِي سِحْرِ خَاطِمِي

هِيَ لَحْنُ أَحْزَانِي، وَرَوْنَقُ وَجْدَتِي

      وَبُكَاءُ أَيَّامِي، وَوَجْدُ التَّنَادِمِ

قَدْ كَانَ جُرْحًا، ثُمَّ صَارَ قَصِيدَةً

      تَتَلَاوَحُ الْأَوْجَاعُ فِيهَا كَنَاغِمِ

إِنْ سَاءَلُوا عَنِّي وَفَاضَتْ عَبْرَتِي

      قُلْتُ: الْهَوَى وَاللَّهِ خَطْبُ الدَّوَاهِمِ

فَإِذَا اسْتَفَاقَ اللَّيْلُ فِي أُفْقِ اللُّظَى

      نَادَتْ مَشَاعِرُهُ عَلَى نَفْسٍ هَائِمِ

وَتَنَفَّسَتْ ذِكْرَاكِ فِي أَحْشَائِنَا

      حَتَّى غَدَا جَسَدِي وَقُودَ التَّنَاغُمِ

مَا ضَاعَ وَعْدُكِ لَوْ نَظَرْتِ لِهَوًى

      مِمَّا سَكَبْتُ لِحُبِّكِ الْمُتَضَارِمِ

إِنِّي وَإِنْ صَارَ الْهَوَى أَسْرَابَ دَمْـ

      ـعٍ، فَأَنْتِ بِلُبِّهِ سِرُّ التَّكَتُّمِ

هَلْ تَسْمَحِينَ لِمُقْلَتِي أَنْ تَسْتَقِي

      طَيْفَ الْجَمَالِ بِخَافِقٍ مُتَحَطِّمِ؟

أَمْ هَلْ سَتَرْجِعُ فِي الدُّرُوبِ خُطَانَا

      لِتُرَتِّلَ الذِّكْرَى بِنَبْضِ التَّقَدُّمِ؟

قَدْ كَانَ وَجْهُ الْبَيْنِ سَهْمَ مَآسِدٍ

      يَرْمِي وَلَسْتُ بِقَادِرٍ لِمُجَارِمِي

فَتَشَابَهَتْ سُبُلُ الْعُيُونِ بِدَمْعِهَا

      وَتَكَاثَرَتْ فِي النَّفْسِ لَحْنَ مَآتِمِي

يَا مَنْ سَكَنْتِ جَوَانِحِي وَصَدَاهُكِ

      يَسْتَلُّ مِنْ صَمْتِي خُيُوطَ تَكَتُّمِي

مَا زِلْتُ أَحْفَظُ وَعْدَ عَيْنٍ نَاطِقٍ

      بِالصِّدْقِ، لَمْ يَحْتَجْ لِسِحْرِ التَّرْجُمِ

فَإِذَا سَكَتُّ، فَذَاكَ صَمْتُ مُتَيَّمٍ

      قَدْ عَانَقَ الْآهَاتِ فِي عُمْقِ تَفَاخُمِ