يا خالق الأكوان يا باري الورى
يا عالماً سرّ القلوب بلا مرا
يا موجداً وهو الوجود ولن يُرى
يا من بهِ عقل العباد تحيَّرا
وهو الإله حقيقةً وتصوُّرا
يا أيها الأزليُّ يا فردٌ صمَد
يا سرمديٌّ لن يزوال إلى الأبد
ولهُ أقانيمٌ مُلَّثةُ العَدَد
موجودةٌ ذاتاً بلا هوتٍ أحد
عن جوهر التوحيد لن يتغيَّرا
وإلى الكليم أشار في كلماتهِ
أمراً بهِ أشهار تنبيهاتهِ
وببدءِها إعلان وحدة ذاتهِ
لكنما نلقى عديد صفاتهِ
لم يحصها عدٌّ كما قد سُطِّرا
يا أيها المعبود من كل الأمم
يا موجداً هذا الوجود من العدم
يا ناظراً عمق البحور مع القُمَم
ومُعحجَّباً عن دَرك أبصار النَسَم
ومن الرموز بهِ اليقين تقرَّرا
يا لاجم الأبحار عن جريانها
يا مانع الأمطار عن طوفانها
يا رافع الأفلاك في أوزانها
ومُدور الأرضينَ مع أركانها
ولها جعلتَ بكل قُطبٍ محورا
أنت القدير المالك المُلك العظيم
أنت الرأوف الباعث المولى الكريم
أنت الحليم البرُّ ذو الفضل العميم
بصفاتك الحُسنى أيا ربٌّ رحيم
لا تقصِ عبداً قد أتى مستغفرا
أني أتيتكَ بالدموع الذُرَّفِ
ولظى الندامة لاعج لا ينطفي
وطرحتُ ذاتي عند بابك فالطُفِ
يا ربَّ كل تلطُّفٍ وتعطُّفٍ
عفواً لعبدٍ بالذنوب تسعَّرا
قد كان قلبي للملاهي منحرف
والآن جئتك تائباً لك معترف
ولبحر عفوك قد أتيتُ لأغترف
يا عالماً هل أنَّ حنّا ينصرِف
كلّا بلا جدواك لن أتديَّرا
أقضيتُ عمري بالملاهي والغوا
وعن المناهي قطُّ قلبي ما أرعوى
ولكَم رخَيتُ عنان نفسي للهوى
ورقَت جماح الثائرات من الهوا
فكبَت بها والآن رُدَّت للوَرا
ولدَتني أُمّي بالجرائم ممتلي
وبها نما جسمي ومنها ما خُلي
والآن مذ أيقنتُ ذا ما حُلَّ لي
ناديتُ يا رَبّاهُ لطفاً حلَّ لي
قيداً بهِ الآثام حكَّمت العرى
يا ربُّ آثامي حكت ثِقَلَ الرُبى
وبصبغها القاني غدوتُ مخضَّبا
يا صادق الميعاد صيَّرها هبا
واجعلني في ثوب البياض مُجلببا
ووفا الإلهِ بوعدهِ لن يُنكرا
لو بتُّ جوّاب الفيافي سائحا
أقضي زماني بالتوسل نائحا
أو كنتُ أملأتُ الفضاءَ ذبائحا
ما وازنت ما قد أتيتُ قبائحا
لولا مراحمك التي لن تُحصرا
قد جئتُ بابك باكياً مُتندّما
وهمَت شؤوني بالندامة عندما
وجَرت فخضَبتِ الحضيض من الدما
يا راحمٌ وخضمُّ جودك قد طمى
جد لي بصفحٍ خالقي عمّا جرى
مَرنعتُ وجهي بالثرى بتذلُّلي
وأفضتُ دمعي أنهراً بتوسلي
وعليك قد ألقيتُ كل توكلي
بشفاعة العذراء مريمَ رقَّ لي
هب لي صلاحاً دائماً وتبرُّرا
يا مريمُ العذراءُ يا بحرَ الندا
يا خِضرِمَ الاشفاق يا أُمَّ الفدا
أنتِ الشفيعةُ فاطردي عنّا العِدى
وأحصينا ما بين الملائك سرمدا
كي نتلو سجاً للعي وتشكرا
حنّا بك الأسعد (1820–1898)
حنّا بن أسعد بن جريس أبي صعب، المعروف بـ"حنّا بك الأسعد"، شاعر وأديب لبناني من مشايخ الموارنة، وُلد في نواحي البترون بلبنان عام 1235هـ / 1820م، وتوفي ...