الديوان » ماهر كمال خليل » "حينَ أغلقت الأرضُ أبوابها"

"حينَ أغلقت الأرضُ أبوابها"

 

على أبوابِ الأرضِ التي تُنكِرُنا،

نقفُ حفاةً، كأنّ الوطنَ انفلتَ من بين أيدينا،

تناثرت دروبه في ليلٍ لا يعرفُ وجهَنا

 

على عتباتِ الغياب،

مضت أعوامٌ،

كانتْ لنا أرضٌ… نقفُ عليها نَحمِلُها وتَحملُنا،

تضحكُ لنا،

وتبتسمُ أيّامُها زهرًا ورديًا، وثُلوجًا نقية،

كأنَّ الفجرَ يُولَدُ من بين أنفاسنا،

رويدًا رويدًا، يختلطُ مع خُطانا

 

أرضٌ تهتزُّ شُموخًا تحت أقدامِنا،

تُضيءُ سماءَنا، تحملُنا عاليًا نحو الأفق،

جُفونُها لا تغيبُ عَنّا،

لا تنامُ إلا وعيونُ الله تُظلُّنا،

تُطعِمُنا مِن خيراتِها، تُسقينا من وردِها،

وتَخطُّ بالنورِ خارطةَ النضالِ على جبينِ الزمن

 

هي ما أختارهُ لُطفُ اللهُ كونًا، يسكنُ فينا،

عَليها وُلِدنا، ونقشتِ الحُروفُ أبجَديتنا

في كُلِ ذَرةٍ مِن تُرابِها تَسكُنُ حِكاية،

وأنفاسُ أسلافِنا تتناثرُ فوق أفقِ الكونِ

 

والآن، بعد كُلِّ ما مضى، نَقِفُ حُفاةً،

كأن الأرض قد انفلتت من بين أناملنا،

توارت خلف سرابٍ من الضباب، وعمقت أهاتِنا،

لم تعُد تسكُنُنا كما كانت، وكأننا نجومٌ

ماتت في عُتمةِ السماء، وانصهرت في أفقِ الأزل

 

أيا أرضُ، بالله عليكِ، لا تحملينا همَّ الانتظار 

ولا تُحملينا أرقَ التائهين الحَيارى

فلا أبواب لنا سوى أبوابِكِ أن نقِفُ،

بلادُ الغيرِ سرابٌ، يتناثرُ بين أصابعنا،

وزهرٌ لا يُعانِقُنا، ومورِدٌ لا يروينا

 

وجوهٌ غريبة مدت أصابِعها

مِن خَلفِ السِتار

وخلفَ الجدرانِ التي بنيناها بأغانينا،

زرعوا مرايا لا تعكسُ وجوهنا،

كانوا منّا، لا يشبهوننا،

بل استعاروا صمتنا ليغتالوا صراخنا

وسرقتْ من صدورِنا مَسكَننا،

ومحَت من شرايينِنا نشيدَ العودة

عودة الحياةِ إلى الزُقاق

عودتها إلى الجبل!

 

وفي أقصى الغيابِ،

يبقى هُناك ظلًّا يشبهنا…

يسيرُ في البُعدِ، يحمِلُ شُعَلةً

من نُورِ الجَرحِ،

ويَلوّحُ للريحِ بأنْ اصمُتي قليلاً،

فثَمَّةَ عائدٌ مِن صُلبِ الغياب،

يَرشُّ الماءَ على حُروفِ التراب،

ويَكتُبُ فوقَ كُلِّ حائطٍ هُجِرَ:

"سَنعود… سَنعود"

 

 

ماهر كمال خليل

(جميع الحقوق محفوظة – لا يجوز النسخ أو الاقتباس دون إذن الكاتب)

نبذة عن القصيدة

المساهمات


معلومات عن ماهر كمال خليل

ماهر كمال خليل

15

قصيدة

ماهر كمال خليل، شاعر كوردي من إقليم كوردستان العراق، وُلد في العراق بتاريخ 1 كانون الأول/ديسمبر 1976. نشأ في مدينة الموصل، ثم انتقل إلى مدينة دهوك عام 1991. تخرّج في كلية الحقوق – جامعة صلاح

المزيد عن ماهر كمال خليل

أضف شرح او معلومة