"عزلة المكان عن الزمن"
هاجس خفي يتملكني
وأنا أمشي في دربي القديم،
ذات المكان والوجوه القاتمة،
أُبصِر…
أمشي وحيداً دون همس بيني وبينهم.
أجتاز المكان بحذر،
وهو شاذٌ عني،
ينتابني شعور بالغربة والانفصال.
فلا شوق يحملني إليه،
ولا لهفة إلى درب الأمس تأخذني،
الوجوه والأماكن اسودّت،
تناثرت وتبعثرت،
فقد غابت عنها الضحكة الأصيلة،
وجوهر الحقيقة والانتماء،
تكدّست في موج شظي قاتم
في موج الزمن البارد الجديد،
فهل تغيرنا أم تغير الزمن؟
أم أننا بعنا الماضي الرصين
بحاضر مجهول يحتضر؟
والعصافير الجميلة الزاهية
ارتحلت،
تاركةً وراءها صدى أنين
يجتاح الكيان الذي يئن بصمت
وشجن…
هنا تحن الروح
لأرواح غادرت المكان،
ولذكريات جميلة اندثرت،
لقهوة المساء وليالي السمر،
تحنُّ لآمال شعب عظيم مخذول،
تسمو إلى عنفوان يسري
إلى ليل يبعث في الروح الأمل،
يجتاح الألم،
ويكشف زيف المظاهر البالية
وغرور الأوهام وأحلام الترف.
تحن إلى قلوب عشقت الوطن
عبر أزمنة قديمة،
ولم تتلون بلون الحرباء الخداع،
إلى لحن أصيل يعزف على وتر
فراق الأحبة عن الهوى،
إلى بزوغ شمس الصباح،
وعودة دفئها للحقول وسفوح الجبال.
هي الحياة أنهكتنا بثوبها المريب،
أثقلت ما فينا من هم وضجر،
واكتوينا ببلسم التيه والخداع.
فليغدُ وميضنا ضوء صفاء،
نداوي مآسينا في هذا الضياع،
ولتغدُ ثنايا ما بقي من الزمن
صوتاً رنيناً عابراً
يعبر حجب الروح والسماء.
فلا الأرض ماتت ولا الأمكنة،
بل إنها النفوس التي تجاوزت
حدود الوفاء…
إنها النفوس التي تجاوزت
حدود النقاء
ماهر كمال خليل
(جميع الحقوق محفوظة – لا يجوز النسخ أو الاقتباس دون إذن الكاتب)
15
قصيدة