على مَهْدِ الوحي… تنبُتُ الأرضُ وعدًا

أطيبُ التُرابِ من تُرابِ موطني

وأغلى النُفوسِ قد حَلَّتْ في ثَراها

مِنها مهدُ الكونِ، والأرضُ بها فارتْ

أرضٌ عليها رُسُلُ اللهِ قد نَزلوا

يَطيبُ الذِكرُ في الأُفقِ بسَجاياها

وتَبعثُ الروحُ أنفاسَ الكونِ في ثَناياها

تَنحني لها القاماتُ، والراياتُ، والهِمَمُ

وتَلمَعُ في شَرايينِ الزمانِ مَلامِحُها،

كأنَّ المجدَ في نَفَسِ الحَنينِ مُقيمُ

هي البدءُ حين نُطِقَ الخُلُودُ، وإن دنا،

فجرُ العصورِ تَفيقُ منهُ الحُروفُ

عُيونُ الجُموعِ عليها قاطِبةً تَتّجِهُ

ترفُّ عليها سُحُبُ العرشِ من عَلٍ،

كَحلمٍ قديمٍ لم تُفارقْهُ السُّنَنُ

في مَهابطِها تجلّى اللهُ في كَلِمٍ،

ونادى موسى من الوادي… فكانَتْ قُدسًا ومِحرابًا

وفي رُبوعِها مَرَّتْ رُوحُ اللهِ، فانبثقتْ

من الطُّهرِ آيةٌ تُغني الترابَ سَلامًا

ثمّ خَتمَ النورُ حُلُمَ الخلقِ مُبتعثًا،

وفي رُباها مشى الحبيبُ، وسارَتْ معهُ السّماواتُ

كأنّها اللوحُ، والوحيُ، والزمانُ شاهِداً

على أرضٍ بها اللهُ تجلّى…

فاندحرَ الجَورُ، وانكسفَتْ سُجُونُ القَهرِ

ما هَوَتْ يومًا، إلّا وعادتْ، ونهضَتْ شامِخةً

لِتُحرِقَ من نارِ جَمرِها كُلَّ باغيها

مِن أعماقِها يتنفّسُ بَلسمُ آهاتِنا،

سهولٌ خضراءُ نضِرةٌ، وغيومٌ تُطَرِّزُ بَياضَنا،

سُفوحٌ تُسارِعُ الرّيحَ عن سِرِّ المدى،

وتَنسُجُ في صُعودِها نُسخةَ أَسلافِنا

هيَ الهِضابُ، بأجمَلِ سِرٍ في عَباءةِ الزَّمان،

خَلَقَها اللهُ لَوحَةً تُبدي سِرَّهُ للأنامِ

تُنبِتُ من الجُرحِ سَنابلَ عِزٍ لا تَزولُ

وتَسقي الكونَ من دَمِها نُبوءَةَ الوُصولِ

على ثَراها تَتَكسّرُ الظُلماتُ خاشعةً

وفي جَبينِ جِبالِها يَرتَسِمُ الحُلُمُ

هيَ الآيةُ الباقيةُ، والوعدُ في شَغَفٍ

تُدمي الخُطى… وسِوى العُلا لا تَميلُ

كأنّا نُولدُ في وجَعِها… كي نَبلغَ الحُلُمَ الجميلَ

جميع الحقوق محفوظة © لماهر كمال خليل.

يُمنَع النسخ أو الاقتباس أو النشر بأي وسيلة كانت دون إذن خطي من الكاتب