عدد الابيات : 49
أَلْقَيْتُ وَجْهِي فِي الدُّجَى، وَتَوَسَّدَتْ
أَحْلَامُ قَلْبِي جُرْحَ كُلِّ مُجَرَّبِ
وَمَضَيْتُ أَطْرُقُ بَابَ مَنْ زَعَمُوا الْوَفَا
فَإِذَا الْقُلُوبُ كَجَلْمَدٍ مُتَقَلِّبِ
نَادَيْتُ فِيهِمْ: هَلْ سِوَايَ مُوَدِّعٌ؟
فَأَجَابَنِي صَمْتُ الْجَفَاءِ الْمُخَرِّبِ
مَا كُنْتُ أَحْسَبُ أَنْ يُشْقَى طَيِّبٌ
إِلَّا غَدًا فِي ظُلْمَةِ الْمُتَقَرِّبِ
أَلْقَى التَّظَاهُرَ بِالْوِدَادِ وُجُوهُهُمْ
وَبِبَاطِنِ الْأَيَّامِ طَبْعُ الثَّعْلَبِ
وَسَمِعْتُهُمْ يُثْنُونَ ظَنًّا فَاسِدًا
فَتَذَكَّرَتْ آيَاتُ صَدْرِي مَذْهَبِي
لَا خَيْرَ فِي قَوْمٍ إِذَا نَادَى النَّدَى
أَعْرَضْتَ عَنْهُمْ فِي الْهُدَى وَالْمَطْلَبِ
إِنَّ السَّلَامَ عَلَى الذَّلِيلِ مَذَلَّةٌ
وَسُكُونُ حُرٍّ فِي اللَّئِيمِ تَعَذُّبِ
أَنَا مَا مَدَدْتُ إِلَى الدَّنِيءِ يَمِينَنَا
لَكِنْ وَفَيْتُ لِمَنْ غَدَا مُسْتَعْذِبِ
أَنَا مَنْ إِذَا احْتَدَمَتْ خُيُولُ مِحْنَةٍ
حَمَلْتُ حَقِّي كَالسِّلَاحِ الْمِنْجَبِي
وَأَظَلُّ أَمْشِي فَوْقَ حَقْلِ نَوَايَتِي
وَأَزْرَعُ الْمَعْرُوفَ فِي كُلِّ الدُّرُبِ
وَالنَّاسُ أَصْنَافٌ، فَمِنْهُمْ نَازِحٌ
عَنْ كُلِّ صِدْقٍ، وَالْبَقِيَّةُ فِي التَّعَبِ
لَا تَعْجَبَنَّ، فَإِنَّ بَعْضَ مَوَدَّةٍ
سُمٌّ يُسَاقُ بِوَجْهِ مَنْ لَمْ يُذْنِبِ
تَبْقَى الْعُقُولُ إِذَا الْتَمَعَتْ أَفْهَامُهَا
نُورًا يُبَدِّدُ غَيْبَ كُلِّ مُرْتَقِبِ
وَأَظَلُّ أَكْتُبُ مَا تَفِيضُ بَصِيرَتِي
فَالشِّعْرُ دِينِي، وَالْعَفَافُ مَذْهَبِي
لَا خَيْرَ فِي وُدٍّ إِذَا مَا غَابَ عَنْ
عَيْنِ الْحَقِيقَةِ صِدْقُ كُلِّ مُهَذَّبِ
مَنْ لَا يُقَدِّسُ فِي الضَّمِيرِ وَفَاءَهُ
يَبْقَى كَظِلٍّ فِي الدُّجَى الْمُتَغَرِّبِ
إِنِّي وَإِنْ طَالَ الطَّرِيقُ بِمُقْلَتِي
مَا خِفْتُ فِيهِ سِوَى صَدَى الْمُتَغَضِّبِ
يَا مَنْ خَنَعْتَ لِعَابِرٍ لَمْ يَعْرِفِ
حَقَّ الصِّحَابِ وَلَمْ يَكُنْ مِنْ مَنْسِبِ
مَا كُلُّ رَاكِعٍ فِي الدِّيَارِ بِصَادِقٍ
مَا كُلُّ مُبْتَسِمٍ بِدِفْءِ التَّرَحُّبِ
كَمْ قَدْ سَقَانِي مِنْ شَرَابِ خَدِيعَةٍ
وَجْهٌ يُبَشِّرُ بِالْوِدَادِ الْمُخَرِّبِ
حَتَّى إِذَا مَا ضَاقَ صَدْرِي لَمْ أَجِدْ
إِلَّا الْبُعَادَ وَذُلَّ صَمْتِ الْمُجْتَنِبِ
فَتَرَكْتُهُمْ، وَمَضَيْتُ فِي دَرْبِ النُّهَى
وَرَجَعْتُ لِلْحَقِّ الْعَتِيقِ الْمُجْتَبِي
وَسَمِعْتُ صَوْتَ الْقَلْبِ حِينَ تَجَرَّدَتْ
كُلُّ الْمَعَانِي مِنْ غِطَاءِ الْمُذْهِبِ
أَحْبَابُ قَلْبِي قَدْ تَوَارَوْا لَحْظَةً
فَتَبَيَّنَتْ صِدْقَ الشُّعُورِ الْمُهْتَبِ
وَبَكَيْتُ لَمَّا أَدْرَكَتْنِي فَجِيعَةٌ
فِي مَنْ حَسِبْتُهُ فِي الْوَفَا كَالْمُنْجَبِ
مَا كُنْتُ أَدْرِي أَنَّ كُلَّ مَوَدَّتِي
تَلْقَى الْجَفَاءَ وَتُقْلَبُ بِالْمُقَلَّبِ
لَكِنَّنِي مَا زِلْتُ أَمْشِي شَامِخًا
رَغْمَ الرِّيَاحِ وَقَسْوَةِ الْمُتَجَلِّبِ
فَاللَّهُ يَرْعَى مَنْ تَرَفَّعَ هِمَّتُهُ
عَنْ كُلِّ ضِيقٍ أَوْ نِزَاعٍ مُعْتَبِ
وَسَمَوْتُ، لَا أَرْجُو ثَنَاءَ قَبِيلَةٍ
وَلَا الْمَدِيحَ مِنَ الْغَوِيِّ الْمُعْجَبِ
يَكْفِينِي أَنِّي لَمْ أَخُنْ عَهْدَ الْهَوَى
وَلَمْ أَكُنْ فِي الْعَهْدِ يَوْمًا مُخْلِبِ
مَا خِفْتُ فِي دَرْبِ الْقَوَافِيَ عَاتِبًا
وَلَا اعْتَنَقْتُ مُجَامَلَاتِ الْمُخْدَبِ
أَنَا فِي ضَمِيرِ الشِّعْرِ طِفْلٌ حُرَّةٍ
تَحْنُو عَلَيَّ بِطُهْرِ أُمٍّ تَنْكُبِ
إِنِّي رَضِعْتُ الصِّدْقَ حَتَّى صَارَ لِي
وَجَعٌ بَلِيغٌ فِي فُؤَادٍ مُتْعَبِ
أَنَا لَسْتُ مِنْ أَهْلِ الرِّيَاءِ وَمَنْ غَوَى
فِي ظَنِّهِ أَنَّ الْمَعَانِيَ تَكْذِبِ
بَلْ شَاعِرٌ، لَوْ زُلْزِلَتْ أَرْضِيَ الَّتِي
فِيهَا وُلِدْتُ، لَقُمْتُ لَمْ أَتَهَدَّبِ
وَسِلَاحُ صِدْقِي فِي يَدِي لَا يَنْحَنِي
وَسَمَا قَلَمِي كَالسَّيْفِ لَمْ يَتَغَضَّبِ
إِنِّي ابْتَنَيْتُ مِنَ النَّزَاهَةِ مِئْذَنًا
وَحَمَلْتُ شَمْسَ الرُّوحِ فَوْقَ الْمِشْنَبِ
وَأَنَا الَّذِي فِي الْحُزْنِ شَدَّتْ قَامَتِي
مَا بَيْنَ مَوْجٍ صَامِتٍ وَمُرَكَّبِ
إِنِّي عَرَفْتُ النَّاسَ حِينَ خَذَلْتُهُمْ
بِيَدِ الْفَضَائِلِ، وَالرَّجَا لَمْ يُخْلَبِ
لَوْ أَنَّهُمْ عَلِمُوا بِأَنِّي شَاعِرٌ
نَطَقَ الزَّمَانُ بِحَرْفِهِ الْمُسْتَعْذِبِ
لَسَأَلْتُهُمْ: هَلْ فِي الْوَفَاءِ كَرَامَةٌ؟
أَمْ هَلْ يَظَلُّ الشَّهْمُ دُونَ تَغَضُّبِ؟
لَكِنَّ فِي أَعْمَاقِ فِكْرِي مَقْبَرَةٌ
دُفِنَتْ بِهَا أَقْوَالُ كُلِّ الْمُرْكِبِ
فَالصِّدْقُ لَا يُشْرَى، وَلَا يُسْتَأْجَرُ
وَلَا يُبَاعُ لِمَكْرِ قَوْمٍ مُرْتَبِ
قَدْ عِشْتُ وَحْدِي فِي الْمَبَادِئِ نَازِفًا
لَكِنَّنِي أَعْلَى مِنَ الْمُتَقَلِّبِ
فَإِذَا كَتَبْتُ، فَإِنَّ شِعْرِي قَسَمٌ
فِيهِ الْجِرَاحُ، وَفِيهِ وَجْهُ الْمُهْتَبِ
وَإِذَا نَطَقْتُ، فَكُلُّ حَرْفٍ عِنْدَهُمْ
يَبْقَى يَقِينًا لَا يُبَاعُ بِمُكْذِبِ
هَذِي قَصِيدَتُنَا، بِهَا التَّحَدِّي وَاضِحٌ
لِلْبِيدِ، فِي صِدْقِ الْبَيَانِ الْمِعْزَبِ
148
قصيدة