عدد الابيات : 37
ســوريّــةُ، يــا قُــبْلَــةَ الأرواحِ فـي التَّــعَـبِ
وَيـا ضِيــاءً سَــرَى فِـي مُقْـلَـةِ السَّــغَـبِ
كـم زَلْـزَلَ الشَّــوْقُ فِـي الأضْـلاعِ مَرْكَـبَنَا
فَـصِرْنَـا نَبْـكِـي عَـلـى الأطْــلالِ وَالْخَـرَبِ
هُنــا حَمَــاةُ، وَفِيـها المــاءُ يَـنْحَــدِرُ
مِـنْ نَـغْـمَـةِ العَـاصِي، كَـأنَّـهُ النَّـدَبِ
وَفِي حَـلَبْ ضَـجَّ فَـوْقَ الطِّـينِ مِـئْذَنَةٌ
تُصَلّــي الْــجُـرْحَ وَالأَنّــاتِ لَمْ تَغِــبِ
وَفِي دِمَـشْقَ، أَشِـمُّ الطِّـيْنَ مَـمْـسَحَـةً
يَـسُـوحُ فِـي دَمِـنَا مِـنْ غُصَّـةِ الْـقُرَبِ
أَرْضٌ، وَلَكِنْ عَلَى كُلِّ الذِّرَى بَكَتِ
وَنَـحْـنُ نَـحْـفَظُهَا فِـي الْقَـلْـبِ وَالْكُـتُـبِ
أَيَـا رُبَــى “إدْلِــبَ” الْخَضْـرَاءِ، مَا غَفَلَتْ
عَيْـنِـي، وَإِنْ طَـالَ فِـي النَّفْـيِ انْتِسَـبِي
مَـازِلْتُ أَسْمَعُ “سَلْقِينًا” وَتَنْشُـرُنِي
نَـسَائِمَ الْمِـسْكِ فِي أَحْلَامِ مُنْسَكِبِ
وَفِي “اللَّاذِقِيَّةِ” شَـمْسٌ لا تُفَارِقُنَا
وَإِنْ تَغَرَّبْـنَا، تَبْكِي نَفْسُـهَا السَّـحَبِ
يَا وَطَنَ الرُّوحِ يَا فَجْرَ الْحَنِينَ أَلَـمْ
يَـكْـفِ الغِيَـابُ؟ أَلَـمْ تَشْـتَقْ لِـمُـنْقَـلِبِ؟
أَعُــودُ؟ نَعَــمْ لَـكِ عَـهْـدٌ فِـي دَمِــي سَطَعَـتْ
أَسْقِـيكِ مِـنْ شِـعْرِيَ الْـمَجْنُـونِ فِي الطَّرَبِ
سُــوريَّـةُ، يَـا نَـبْضَ أَيَّـامِـي وَبَـاقِيَـةَ الـ
حُـلْـمِ الــذي لا يَـزُولُ الـرَّغْـمَ مِنْ كُـرَبِ!
وَيَا سُــوريَا، مَهْمَا تَكَلَّمْنَا وَأَجْهَشَنَا
يَبْقَى الْكَلَامُ عَلَى الأَجْفَانِ لَمْ يَثُبِ
يَبْقَى الدُّخَانُ بِأَعْيُنِنَا وَفِي دَمِنَا
كَأَنَّهُ الْعُمْرُ فِي جُدْرَانِ مُنْتَحِبِ
أَيَـا رُبَـى “الْغُوطَـةِ” الْخَضْـرَاءِ، مَا سَـكَنَتْ
ذِكْرَاكِ فِي دَمِنَا، كَالْقَافِ فِي الْكُتُبِ
كُنَّا نُرَتِّلُ فِي أَسْوَارِكِ الصُّبُحَ
وَالآنَ نَحْفَظُ فِي قُبُورِكِ مَنْ ذَهَبِ
أَيْنَ الْجَمِيلَةُ “حِمْصٌ”؟ أَيْنَ مِئْذَنَةٌ؟
تُصَلِّي الْفَجْرَ فَوْقَ الْجُرْحِ لَمْ تَغِبِ
وَفِي دَرْعَا نَامَ الحَجَرْ، بَلْ صَاحَ يَسْأَلُنَا:
مَتَى نَعُودُ؟ وَمَنْ بِالْعَوْدِ مُرْتَقِبِ؟
وَفِي “قَنَاصِلِهِ” لِلشَّمْسِ مَأْتَمُهَا
وَكُلُّ قَبْرٍ يُصَلِّي وَهْوَ فِي غَضَبِ!
وَفِي “الْبُكَا” أَرَى سِنْسَالَ الزَّمَانِ يَدٌ
تَفُكُّ أَضْلُعَنَا مِنْ خَوْفِهِ الْمُرْعِبِ
سُــورِيَّــةُ، إِنْ مَـزَّقُـوا صُــوَرَ الـهَــوَى
فَـقَـدْ نَقَـشْـنَـاكِ فِـي الأَحْـشَـاءِ وَالْـهُـدُبِ
وَإِنْ هَجَرْنَا الْخُطَى فَالرُّوحُ فِي وَطَنٍ
فِـيهِ الْـجُرُوحُ، وَلَكِنْ فِيهِ مُنْقَلَبِي
سَأَرْجِـعُ يَـوْمًا، وَفِـي كَفِّي قَصِيدَتُنَا
وَفِي جُفُونِكِ حَلْمٌ فَاقَ فِي الطَّرَبِ
وَأَرْقُـصُ الآنَ فَوْقَ الدَّمْعِ مُبْتَسِمًا
وَإِنْ شَهِقْتُ فَفِي نَبْضِي لَكِ الطَّلَبُ!
وَأُمِّي هُنَاكَ تُقَلِّبُ خُبْزَهَا خَجَلًا
تَبُثُّ فِي “التَّنُّورِ” شَكْوَاهَا مِنَ السَّغَبِ
تُهَشْهشُ النَّارَ وَالذِّكرَى تُؤَرِّقُهَا
كَأَنَّهَا تَعْجِنُ الأَيَّامَ فِي التَّعَبِ
يَدَاهَا قَصِيدَتِي الأُولَى، وَفِي لَهَبٍ
مِنَ “الْفُقَارِ”، تُغَذِّي شُوقَ مُغْتَرِبِ!
وَكَيْفَ أَنْسَاكِ، يَا أُمِّي؟ وَفِي دَمِي
صَلاَتُكِ الْحَارَّهُ السَّامِيَةُ النَّسَبِ؟
كُنْتِ الْوَطَنْ، قَبْلَ أَنْ أَفْقِدَ الْوَطَنَا
وَكُنْتِ فِي الدَّرْبِ ظِلًّا مِنْ دَمٍ ذَهَبِ
سَلُوا الطُّيُورَ الَّتِي عَادَتْ بِأَجْنِحَةٍ
مِنْهَا الرَّمَادُ، وَمِنْهَا نَبْضُ مُغْتَصَبِ
هَلْ رَأَتِ الأُمَّ فِي سُورِيَّةَ ابْنَهَا
يَعُودُ مِنْ حَرْقِهِ بِالْيَأْسِ وَالْكُرَبِ؟
وَأَبِي… يَضُمُّ فِي عَيْنَيْهِ مَسْأَلَةً:
مَتَى الْعَوْدُ؟ يَا وَلَدِي، مَتَى الْهَرَبِ؟
وَالْبَيْتُ؟ أَيْنَ الْبَيْتُ؟ كَانَ نَشِيدَنَا
فَصَارَ رُكَامًا مِنَ الْأَطْيَافِ وَالْخُرُبِ!
وَالأُخْتُ تَرْقُبُ فِي عَيْنِ “الْمِرَايَا” مَنًى
وَلَكِنْ غِيَابَكِ فِي عَيْنَيْهَا الْمَصِيبُ العَصِبِ
أَيَا بِلادَ الدَّمْعِ، إِنَّا مَا نَسِينَا
وَإِنْ بَعُدَتْ خُطَانَا، فَالْهَوَى مُثُبِ
فَإِنْ سَأَلُوا مَنْ أَنْتَ؟ قُلْتُ مُوَطَّنِي
سُورِيَّةُ وَالشَّوْقُ أَنْشُودِي وَمَذْهَبِي
148
قصيدة