عدد الابيات : 22
يَدُ المَنوِنِ أَصَبتِ جَمرَةَ الكَبِدِ
بَينَ الحُشاشَةِ لا أَقوَى عَلَى الجَلَدِ
سَلَبتِ صَبرِي وَما أَبقَيتِ مِن رَمَقٍ
إِلَّا الأَسَى، وَسَهَادَ اللَّيلِ وَالكَمَدِ
أَوهَنتِ عَزمِي وَعَزمِي لَم يَكُن وَهِنًا
قَبلَ المَنِيَّةِ يا عَزمِي وَيا جَلدَي
كَذَّبتُ سَمعِيَ عِندَ النَّعيِ مِن جَزَعِي
قَالوا لعمرُكَ مَاتَت! فَاكتَوَى كَبِدِي
فَاليَومَ قَد أَظلَمَت دُنيَايَ مُفجِعَةً
وَغَابَ وَجهُكِ عَنِ عَينَيَّ يا سَندِي
يا أُمَّ خَيرٍ بَكَتكِ الصَّالِحَاتُ دَمًا
وَالصَّالِحُونَ مِنَ الآبَاءِ وَالوَلَدِ
وَالدَامِعُونَ مِنَ الأَقْوَامِ فَنَّدَهُم
فرقَاكِ وَالعَينُ لَم تَسلَم مِنَ الرَّمَدِ
والتَائِهُونَ مِنَ الرُّعَاةِ قَاطِبَةً
فَأَيُّ جُرحٍ ثَوَى فِي ذَلِكَ الشَّهَدِ
وَالعَابِرُونَ دِيَارَ الحَيِّ نَاظِرُهُم
نَحوَ القُبُورِ تَهَادَوا دُونَمَا رَشَدِ
يدُورُ طَرفُهُمُ فِي كُلِّ نَاحِيَةٍ
يَلتَمِسُونَ ضَرِيحَ الحُسنِ وَالجَوَدِ
يُسَائِلُونَ ضَرِيحًا كَانَ سَاكِنَهُ
حُسنٌ تَفَرَّدَ فِي الأَخلَاقِ لَم يَعُدِ
قَد كُنتِ بَرًّا وَإِحسَانًا وَمُكرَمَةً
وَمَنبعَ الطُّهرِ فِي الأَقوَالِ وَالعَمَدِ
والذِّكرُ مِنكِ شَذَاهُ لَا يَزَالُ يُرَى
كالغَيثِ يَسقِي قُلُوبَ الخَلقِ بِالبردِ
أَزكَى رَجَائِي بِأَن يَرضَى الإِلَهُ بِمَا
قَدَّمتِ مِن طِيبِ ذِكرٍ طَاهِرِ الأَحَدِ
صَلَّى عَلَيكِ إِلَهُ الخَلقِ مَا طَلَعَت
شَمسٌ وَمَا نَاحَ طَيْرُ البَانَةِ الغَرِدِ
صَلَّى عَلَيكِ إِلَهُ الخَلقِ مَا سَجَعَت
طُيُورُ وَادِيكَ بَينَ السَّهلِ وَالنَّجَدِ
يَا رَبِّ فَاجعَل لَهَا فِي الْقَبرِ مُتَّسَعًا
وَظَلِّلِ الرُّوحَ بِالرَّحْماتِ وَالرَّغَدِ
وَاسقِ الجِنانَ لهَا حُبًّا وَرَحمَةَ مَن
تَرجُو رِضَاكَ وَفَضلَ العَفوِ وَالمَدَدِ
وَارفَع مَقَامَ رَجَاءٍ كَانَ يَحفَظُهَا
فِي كُلِّ حِينٍ بِخَيرِ السِّترِ وَالسَّنَدِ
وَاغفِر ذُنُوبًا مَضَت وَارفَع مَنَازِلَهَا
بِحُسنِ خَتمٍ وَنُورٍ غَيرَ مُنصَرِدِ
يَا رَبِّ وَاسكِن فُؤَادًا قَد تَزَلزَلَ مِن
هَولِ الفِرَاقِ وَأَسعِدهُ بِطِيبِ غَدِ
وَاجعَل لِقَلبِ الَّذِي يَبكِي لِفَرقَتِهَا
صَبرًا جَمِيلًا بِطِيبِ الرُّوحِ وَالجَسَدِ
18
قصيدة