عدد الابيات : 146
طباعةأَلَا فَاسْكُبُوا مِنْ نَدَى الشِّعْرِ مَا يَحْتَمِلُ
فَلَيْلَةُ الْعِشْقِ لَا تُرْوَى وَلَا تُمَلُّ
أَلَا فَاشْهَدُوا أَنَّنِي فِي الْحُبِّ قَدْ شَهِدَتْ
قَوَافِيَ الْعِزِّ، مِنْ سَارَةَ الْمُقَلُّ
أَتَيْتُ مِنَ الْحَرْفِ نَهْرًا لَا يُكَابِدُهُ
سِوَى الَّذِي فِي هَوَاهُ الْقَلْبُ يَشْتَعِلُ
وَمِنْ مُقْلَتَيْهَا تَدَلَّتْ سُورَةُ أَبَدٍ
كَأَنَّهَا فِي رُبَا الْفِرْدَوْسِ تَرْتَحِلُ
وَمِنْ قَسَمَاتِي تَرَاكَمَ الْحَنِينُ، وَمِنْ
صَدَى ضُلُوعِيَ قَامَتْ لِلْهَوَى دُوَلُ
بَانَتْ سَرِيرَةُ وَجْدِي حِينَ أَفْصَحَهُ
دَمْعُ الْعُيُونِ وَأَشْجَانِي وَتَنْكِيلُ
سَارَةُ الْبَدْرُ إِنْ غَابَتْ فَلَيْلِيَهَا
جَمْرٌ يَلُوحُ وَأَشْبَاحٌ وَأَذْيَالُ
لَا عَيْبَ فِي خَلْقِهَا إِلَّا إِذَا نَظَرَتْ
فَإِنَّهَا تُسْقِطُ الْأَبْطَالَ مَذْهُولُ
تَبْدُو الثَّنَايَا كَأَنَّ الْبَدْرَ بَيْنَهُمُ
وَالرَّاحُ تَقْطُرُ مِنْ فِيهَا وَتَسْتِيلُ
وَسِحْرُهَا فِي نَوَاصِي اللَّيْلِ مُنْعَطِفٌ
كَأَنَّهُ قَوْسُ بَرْقٍ فِيهِ تَهْالِيلُ
يَنْسَابُ مِنْهَا الْهَوَى كَالْمَاءِ مِنْ شَفَةٍ
عَذْرَاءَ صَبٍّ عَلَيْهِ الْبَوْحُ مَنْحُولُ
آهٍ عَلَيْهَا، إِذَا قَالَتْ صَدَقْتُ لَهَا
خَانَ الزَّمَانُ وَمَا فِي الْعَهْدِ تَأْوِيلُ
تُنْسِيكَ عَهْدًا وَتُبْدِي غَيْرَ مَا سَتَرَتْ
كَأَنَّهَا نَارُ هَجْرٍ فِيهِ تَقْوِيلُ
تَغْدُو وَتَرُوحُ كَأَطْيَافٍ يُلَاحِقُهَا
ظِلُّ الْغُرَابِ، لَهَا فِي الْغَدْرِ تَمْثِيلُ
إِنْ جَرَّدَتْ مِنَ الْوَفَاءِ حَدِيثَهَا
صَارَ الْهَوَى مِثْلَ مَاءٍ فِيهِ تَرْحِيلُ
سَارَتْ سَرَى اللَّيْلِ وَالْخَفَّانُ تَشْهَدُهَا
وَالرِّيحُ تَعْزِفُ أَشْوَاقًا وَتَدْلِيلُ
لَكِنَّ سَارَةَ عِنْدَ الْبَيْنِ بَاهِتَةٌ
فِيهَا الْحَيَاءُ وَفِي الْأَهْدَابِ تَنْكِيلُ
كَأَنَّهَا الْخَمْرُ فِي كَاسَاتِهَا طَرِبَتْ
مِنْهَا الْمَهَابَةُ وَالْإِغْرَاءُ مَحْمُولُ
ضَحِكُ الثَّنَايَا كَأَنَّ الْبَدْرَ فُجِّرَ فِي
لَيْلِ الْمَدَى، وَانْثَنَى الْيَاقُوتُ مَبْذُولُ
حَوْرَاءُ مِنْ ضَوْءِ أَنْقَى الْحُسْنِ مَشْرَبُهَا
فِيهَا الطُّهُورُ وَفِي أَنْفَاسِهَا الشْكُّولُ
كَأَنَّهَا قُطْرُ مَزْنٍ فِي الصَّبَاحِ إِذَا
أَهْدَى الْفَلَاةَ رَذَاذًا مِنْهُ مَنْهُولُ
لَكِنَّهَا فِتْنَةٌ تَمْضِي وَتَرْجِعُ بِي
كَالطَّيْفِ، إِنْ حَضَرَتْ غَابَتْ تَعْلِيلُ
حَلَّتْ بِنَارِي وَمَا أَطْفَأَتْ لَهْفَتَهَا
كَأَنَّهَا حُلْمِيَ الْمَذْبُوحُ مَقْتُولُ
تَبْدُو كَمِرْآةِ وَهْمٍ إِنْ نَظَرْتَ لَهَا
فِيهَا التَّمَنِّي، وَفِيهَا السِّرُّ مَجْهُولُ
تَهْوَى وَتُدْبِرُ فِي آنٍ، وَمِنْ طَبْعِهَا
أَنْ الْهَوَى عِنْدَهَا فِي الْغَيْمِ مَحْلُولُ
كَمْ خَابَ ظَنٌّ بِهَا إِذْ زَانَ مَوْعِدُهَا
فَانْسَلَّ كَالْوَهْمِ فِي وَهْمٍ وَمَجْدُولُ
أَرْجُو وِصَالًا، وَلَكِنْ دُونَ مُدْرَكِهِ
دَهْرٌ يُغَالِطُ فِيهِ الْحُلْمُ تَأْجِيلُ
إِيَّاكَ أَنْ تَصْطَفِيَ مِنْ وَعْدِهَا سُبُلًا
فَالْوَعْدُ مِنْ ثَغْرِهَا سَهْمٌ وَتَضْلِيلُ
بَاتَتْ سَرَارَةُ فِي أَرْضٍ يُضِلُّ بِهَا
كُلُّ الدَّلِيلِ، وَيَهْوِي الصَّوْتُ وَالنِّيلُ
لَا يُدْرِكُ النَّجْمَ مَنْ سَارَ الْهُوَيْنَى، وَلَا
يَبْلُغُ سَارَةَ إِلَّا الْفَحْلُ مَشْمُولُ
تَمْشِي كَمَنْ حَازَ طَوْدًا فِي سَوَاعِدِهِ
وَالرِّيحُ تَعْجِزُهُ، وَالْجَوُّ مَفْعُولُ
تَرْنُو إِلَى الْأُفُقِ الرَّامِي كَأَنَّ لَهَا
فِي الْحَدَقِ نَارٌ وَفِي الْأَعْطَافِ قِنْدِيلُ
فِي مَشْيِهَا فَخْمٌ، فِي صَوْتِهَا وَقْرٌ
كَأَنَّهَا تَاجُ حُسْنٍ فِيهِ تَفْضِيلُ
مِنْ نَسْلِ مَجْدٍ، بِهَا الْأَعْرَاقُ مُزْدَهِرَةٌ
شُمٌّ بَنَاتُ الْمَعَالِي، وَالْعُلَى سُؤُولُ
فِيهَا مِنَ الْبِيدِ إِنْ جَادَتْ حَوَافِرُهَا
هَزَّتْ رُبَا الْأَرْضِ مِنْهَا الْخِصْبُ مَنْهُولُ
يَا مَنْ وَصَفْتَ ظِبَاءَ الْبِيدِ مُفْرَدَةً
دَعْنِي أُصَوِّرُهَا فِي الْحُسْنِ مَعْقُولُ
سَارَةُ تُرْهِبُ مَنْ فِي الْحُبِّ هَمْسَ فَمٍ
كَأَنَّهَا السِّحْرُ مَأْمُولٌ وَمَفْعُولُ
تَمْشِي الْهُوَيْنَى، وَلَكِنْ كُلَّمَا عَبَرَتْ
يَذُوبُ قَلْبِي بِهَا، وَالصَّبْرُ مَفْلُولُ
فِي نَحْرِهَا عُنُقُ الْمَيَّاسَةِ ارْتَجَفَتْ
كَأَنَّهَا الْغُصْنُ مُذْ نَادَى بِهِ الطُّولُ
وَالرَّمْشُ سَيْفٌ، وَلَكِنْ دُونَ مِقْبَضَةٍ
إِذَا تَمَايَلَ فِي الْأَجْفَانِ مَقْتُولُ
تُهْدِي الْهَوَى بِضُحًى يَزْهُو مَبَاسِمُهَا
وَفِي الْخُدُودِ نَدًى شَفٌّ وَمَبْلُولُ
إِنْ قُلْتُ عَنْهَا شُعَاعَ الصُّبْحِ مَا خُدِعَتْ
بَلْ أَوْمَأَتْ نَحْوِي، وَالْعَقْلُ مَأْكُولُ
مَا الْغِيدُ فِي وَصْفِهَا إِلَّا هَوَاكَ بِهَا
إِنْ شِئْتَ أَوْ لَمْ تَشَأْ، فَالْعَقْلُ مَذْهُولُ
هَذِي سُعَادُكَ قَدْ وَلَّتْ بِلَا أَثَرٍ
لَكِنَّ سَارَةَ فِي نَبْضِي مَعْسُولُ
قِفْ بِالْخَيَالِ وَقُلْ: يَا نُوقُ لَا تُسْرِعِي
فَفِي هَوَاهَا أَنَا الْمَجْنُونُ وَالْخَوَلُ
يَا مَنْ غَدَتْ طَلْعَةً تُنْسَى بِهَا الشُّهُبُ
وَفِي حَدِيثِ دُجَاهَا يُسْكِرُ الْحُولُ
مَا بَيْنَ جِيدٍ كَشَمْسٍ لَا تُضَاهَى بِهَا
وَنَحْرِهَا نُورُهُ الْمَنْثُورُ مَسْهُولُ
تَمْشِي الْهُوَيْنَى وَفِي أَرْجَاءِ طَلْعَتِهَا
عِطْرٌ مِنَ الْمَجْدِ لَا يُمْحَى وَيَزُّولُ
خَدَّا سُرُورٍ وَنُورٍ فِي تَأَلُّقِهِ
كَأَنَّهُ الْمِسْكُ مَذْبُوحٌ وَمَحْمُولُ
لَهَا مَشْيُ الْعِيسِ فِي صَبْرٍ وَمَكْرُمَةٍ
وَالْأَرْضُ تَرْتَجُّ إِنْ مَالَتْ بِهَا الْخَيْلُ
غَبْرَاءُ تَنْفُثُ مِنْ لَهْوِ السُّرى نَغَمًا
وَالرِّيحُ تُتْبِعُهَا فِي الْعَطْفِ تَبْدِّيلُ
فِيهِ الْغَمَامُ كَأَنَّ النَّارَ تُوقِظُهُ
وَالنَّجْمُ تَائِهٌ وَجَهْدُ الْوَقْتِ مَقْتُولُ
ذُو عَطْفَةٍ مِنْ جَلَالِ الْحُسْنِ مُشْرِفَةٍ
تُمْلِي عَلَى التِّبْرِ أَنْ يَرْقَى وَيَنْصُولُ
كَأَنَّ فِي الْعِيسِ أَنْفَاسًا لَهَا دُعْجٌ
تَهْدِي الْعُقُولَ وَتَرْوِي السَّهْلَ وَالجَبَّلُ
فَاهْتَزَّ مِنْهَا الضُّحَى، وَانْسَابَ فِي شَفَةٍ
لَمَّا نَطَقَتْ، كَأَنَّ اللَّيْلَ مَذْهُولُ
بَكَّاءَةٌ، إِنْ تَذَكَّرَتْنِي بَكَتْ طَرَبًا
وَالصَّبْرُ عَنْهَا بِأَحْشَائِي مَقْتُولُ
تَبْكِي وَتَنْثُرُ مِنْ كَفَّيْ مَحَاسِنِهَا
عِطْرًا يُذِيبُ الْهَوَى، وَالْعَقْلَ مَأْمُولُ
وَالْوَاشِيَاتُ بِأَحْضَانِ الْغَرَامِ مَضَيْنَ
يَنْسِجْنَ كَذْبَ الْهَوَى، وَالسُّمَّ مَخْبُولُ
قَالُوا: سَتَنْسَى هَوَاكَ الْيَوْمَ مُنْشَغِلٌ
فَقُلْتُ: إِنِّي بِوِجْدَانِ الْهَوَى مَوْلُ
خَلُّوا طَرِيقِي فَإِنِّي فِي لَظَى وَجْدِي
مَا دَامَ فِي الصَّدْرِ قَلْبٌ فِيهِ مَعْقُولُ
وَكُلُّ حَيٍّ وَإِنْ طَالَتْ سَعَادَتُهُ
يَوْمًا سَيُلْقَى عَلَى الْأَكْفَانِ مَحْمُولُ
أَرْجُو الرَّسُولَ إِذَا جَازَ الْهَوَى قَدَرِي
فَالْعَفْوُ مِنْهُ لَنَا فِي الدِّينِ مَأْمُولُ
مَهْلًا رَسُولَ الْهُدَى إِنِّي مُتَيَّمُهَا
وَفِي قُلُوبِ الْهَوَى تَذْرُو التَّفَاصِيلُ
لَا تَأْخُذَنِّي بِوَشْيٍ كَانَ دَافِعُهُ
جُرْحًا مِنَ الْحِقْدِ، لَا عَدْلٌ وَلَا قِيلُ
لَوْ قُمْتُ فِي النَّاسِ أَرْوِي مِنْ مَحَبَّتِهَا
لَمَا تَحَمَّلَ مَا أُبْدَيْتُهُ الْفِيلُ
لَرُبَّ بَرْقٍ إِذَا نَادَى بِعَيْنِ ضُحًى
أَغْوَى الطَّرِيدَةَ حَتَّى ضَاعَ مَقْصُولُ
مَا زِلْتُ أَرْكُضُ فِي صَحْرَاءِ ذَاكِرَةٍ
ظِلِّي طَوِيلٌ، وَلَيْلُ الشَّوْقِ مَسْجُولُ
حَتَّى الْتَقَيْتُ بِعَيْنٍ لَا تُضَاهِيهَا
سِحْرًا، وَفِي كَفِّهَا سَيْفٌ وَمِجْدُّولُ
هَيْهَاتَ أَفْتَحُ بَابَ الْوَصْلِ دُونَ رِضًا
فَكُلُّ قَوْلٍ بِلَا عَيْنٍ هُوَ مَأْمُولُ
هِيَ مِنْ أُسُودِ الْهَوَى، إِنْ ضَاقَ مَأْمَنُنَا
جَاءَتْ تَهْدُّ الْجِبَالَ، الصَّدْرُ مَغْلُولُ
لَا تَهْدَأُ النَّارُ فِي خَدَّيْنِهَا، وَلَهٌ
وَفِي يَدَيْهَا حَدِيثٌ لَيْسَ يَسْؤُولُ
تَمْشِي كَأَنَّ الزَّمَانَ انْقَادَ هَيْبَتَهَا
فَمَا تُرَى قَطُّ فِي فِعْلٍ بِمَجْهُولُ
إِنْ قِيلَ سَارَةُ، سَكَتَ الْحُسْنُ وَانْطَلَقَتْ
شَمْسُ الْجَمَالِ، وَأَهْلِيهَا التَّجَامِيلُ
إِنْ قِسْتُهَا بِالظِّبَاءِ الْفُضْلِ لَمْ تَفِهَا
وَالْبَدْرُ فِي عَتْمَةِ الْأَيَّامِ مَغْلُولُ
هِيَ الرَّحِيقُ، وَإِنْ غَابَتْ بِأُحْجِيَةٍ
تُرْوَى اللَّيَالِي، وَيَشْدُو الْحَرْفُ مَقْتُولُ
إِنِّي لَعِنْدِي بِهَا حُكْمٌ أُعْلِنُهُ
لِمَنْ يَبِيعُ الْهَوَى: الْحُبُّ مَسْؤُولُ
وَالْوَصْلُ عِنْدِي لَهَا نَهْرٌ بِهِ فِتْنَتِي
وَالْهَجْرُ مِنْ نَارِهَا بِالرُّوحِ مَغْسُولُ
مَا كُنْتُ أَطْمَعُ إِلَّا أَنْ أَكُونَ لَهَا
سِرًّا يَفِيضُ إِذَا ضَاقَتِ الْمُيُولُ
يَا رَبِّ لَيْلٍ بِهَا قَدْ طَالَ مُعْتِمُهُ
فِيهِ الْغَرَامُ عَلَى الْأَجْفَانِ مَجْعُولُ
إِنَّ الرَّسُولَ لَفِي قَلْبِي وَقَدْ كَتَبَتْ
بِاسْمِ سَارَةَ لِلْعُشَّاقِ تَفَّاصِيلُ
فَمَا اهْتَدَى غَيْرُ مَنْ وَالَاهُ مُقْتَدِيًا
إِنَّ الرَّسُولَ لَنَا بَشَرٌ وَتَنْزِيلُ
أَمْشِي عَلَى الْهَوْلِ وَالْأَنْفَاسُ خَاشِعَةٌ
كَأَنَّ لِي مِنْ لَظَى الْأَقْدَارِ تَسْجِيلُ
فَجَاءَنِي بِيَدٍ بَيْضَاءَ بَاسِمَةٍ
كَأَنَّهَا فِي صَدَى الْأَيَّامِ تَرَّاتِيلُ
فَقُلْتُ: لَسْتُ عَلَى تَقْصِيرِ مَعْذِرَتِي
لَكِنَّ لِلْعَزْمِ عِنْدَ الصِّدْقِ تَبْجِيلُ
كَأَنَّهُ مِنْ عَرِينِ الْمَجْدِ مُنْفَلِتٌ
لَهُ مِنَ الْهَيْبَةِ الْعَمْيَاءِ تَهْلِيلُ
وَيَحْمِلُ اللَّيْلَ فِي عَيْنَيْهِ مُنْقَضِبًا
كَأَنَّمَا الشَّوْكُ فِي أَجْفَانِهِ سَيْلُ
تَغْدُو السِّبَاعُ إِذَا مَرَّتْ مَوَاطِنُهُ
خَلْفَ الدِّيَارِ لَهُ التِّذْكَارُ مَقْتُولُ
حَتَّى الرِّيَاحُ تَمُرُّ الْخَوْفُ سَابِقُهَا
وَكُلُّ ظِلٍّ لَهُ فِي الْأَرْضِ تَهْوِيلُ
مَا إِنْ يُجَاوِرُهُ إِلَّا وَفِي جَسَدِهِ
سَهْمٌ مِنَ الْمَوْتِ لَا تُبْقِيهِ تَعْلِيلُ
وَكَمْ شَفَى الْعَدْلُ مِنْ عَدْلٍ بِمَبْعَثِهِ
وَسَارَ فِي النَّاسِ نُورٌ لَيْسَ يَزُولُ
سَارَتْ تَنُوحُ عَلَى عَيْنَيْكَ مِنْ أَلَمٍ
كَأَنَّهَا الطَّيْرُ إِذْ نَاحَتْهُ عَذْلُولُ
تُسْقِي دُمُوعَ الْأَسَى خَدًّا تُمَزِّقُهُ
كَأَنَّهُ السُّهْدُ مَذْبُوحٌ وَمَخْذُولُ
حَتَّى إِذَا بَلَغَ النَّمَّامُ مَجْلِسَهَا
قَالُوا: سَعِيدُكِ فِي الْأَشْوَاقِ مَقْتُولُ
كُلُّ الْأَحِبَّةِ قَدْ خَانُوا مَوَدَّتَهُمْ
كَأَنَّهُمْ خُلِقُوا لِلْخُذْلِ مَفْضُولُ
دَعُونِي أَمْضِي عَلَى دَرْبِي وَمَنْهَجَتِي
فَاللَّهُ فِي الْعُسْرِ وَالتَّيْسِيرِ مَسْؤُولُ
مَا الدَّهْرُ إِلَّا مَرَارٌ ثُمَّ يَنْقَطِعُ
فِي قَبْضَةِ الْمَوْتِ إِذْ نَادَى الْمُعَاجِيلُ
لَكِنَّهُ الْبَحْرُ إِنْ جَادَتْ شَوَاطِئُهُ
فَالْعَفْوُ فِيهِ كَمَاءِ الْغَيْمِ مَبْلُولُ
فَاصْدَعْ بِمَا أُمِرَتْ أَرْوَاحُنَا طَرِبَتْ
بِالْحَرْفِ إِنْ نُزِّلَ التَّنْزِيلُ تَنْوِيلُ
فَالظَّنُّ سَهْمٌ يُصِيبُ الْقَلْبَ مِنْ سُقُمٍ
وَالْمِسْكُ لَا تَشْهَدُ الْأَلْفَاظُ لِلْغُولِ
أَقِفُ الزَّمَانَ بِأَشْعَارِي وَأَطْعَنُهُ
حَتَّى يُقَالَ: سَلِيلُ الْمَجْدِ مَقْتُولُ
فِي مَوْكِبٍ مِنْ بُنَاةِ الْمَجْدِ مَنْزِلُهُمْ
أَعْلَى الْمَعَالِي إِذَا لَاحُوا وَأَنْجُولُ
مَضَوْا، فَمَا خَلَّفُوا فِي الْحَرْبِ مُرْتَكِزِّا
وَلَا تَرَنَّحَ فِيهِمْ يَوْمَهَا الْجَوْلُ
شُمُّ الْقُرَى، عُنْصُرُ الْهَيْجَا سَجَايَاهُمْ
وَسَيْفُهُمْ فِي الْوَغَى بَرْقٌ وَمِعْوَلُ
بِيضُ الدُّرُوعِ إِذَا انْقَادَتْ بِهَا زُمَرٌ
تُنْسِي الْعَدُوَّ، وَيَشْقَى مَنْ بِهَا نُولُ
يَمْشُونَ مَشْيَ الْمُلُوكِ الْغُرِّ مَا خُلِعُوا
إِلَّا بِعِزٍّ، وَفِي أَكْتَافِهِمْ حُولُ
لَا يُبْهِرُونَ إِذَا رَامُوا وَقَدْ رَمَوْا
وَلَا يُهَانُونَ إِنْ رَامَ الْعِدَى سُولُ
يَلْقَوْنَ طَعْنَ الرَّدَى صَدْرًا بِلَا وَجَلٍ
مَا زَاغَ عَنْهُمْ رُكُوعٌ أَوْ تَأَخُّلُ
سَارَةُ بَدْرُ الدُّجَى إِنْ حَلَّ مُرْتَحَلُ
كَأَنَّهَا السَّيْفُ فِي أَجْفَانِهِ الْأَمَلُ
تُدْمِي الْخُطُوبَ بِعَيْنٍ لَا تُزَلْزِلُهَا
رِيحُ الْمَلَاحِمِ إِنْ ضَاقَتْ بِهَا السُّبُلُ
تَزْهُو كَأَنْ بِهَا الْأَرْوَاحُ مُذْ خُلِقَتْ
مِنْ وَهَجِ نَارٍ، لَهَا فِي الْغَيْبِ مُشْتَعِلُ
إِنْ قِيلَ مَنْ فَارِسُ الْهَيْجَا؟ أَجَابَ لَهَا
رُمْحُ الْفَصَاحَةِ مِنْ فَاهٍ بِهِ خَجَلُ
تَخْشَى الْجِيَادُ إِذَا خَطَّتْ مَوَاطِنَهَا
وَعِنْدَهَا كُلُّ مِقْدَامٍ لَهُ وَجَلُ
تَمْشِي الْهُوَيْنَى، وَفِي الْأَعْطَافِ مَلْحَمَةٌ
كَأَنَّهَا الْوَتَرُ الْمَشْدُودُ يَشْتَعِلُ
كَمْ فَارِسٍ خَرَّ فِي لَيْلٍ عَلَى يَدِهَا
وَلَمْ تَنَلْهَا سِوَى الْأَخْلَاقِ مَا خَلَلُ
مَا هَزَّهَا صَخَبٌ مِنْ سَيْفِ ذِي شَطَطٍ
وَلَا أَغَرَّ بِهَا فِي الْحَرْبِ مِنْ خَطَلُ
سَارَةُ... وَفِي اسْمِهَا تُنْسَى الْمَآسِي كَمَا
تُنْسَى الْجِرَاحُ إِذَا وَافَى بِهَا الْأَجَلُ
يَا مَنْ تَسَامَتْ عَلَى الْأَيَّامِ فِي شَمَمٍ
وَفِي مَلَامِحِهَا لِلْأَمْنِ مُرْتَحَلُ
إِنِّي وَإِنْ كُنْتُ فِي حُبٍّ أُصَارِعُنِي
فَإِنَّ حُبَّكِ فِي الْأَعْمَاقِ مُحْتَمَلُ
إِنْ غِبْتِ، لَا تَنْطَفِي نَارٌ بِذَا صَدْرِي
وَلَا يَذُوبُ مِنَ الْأَشْوَاقِ مُشْتَعِلُ
يَا سَارَةَ، الْمَجْدُ فِي عَيْنَيْكِ مَنْزِلَةٌ
وَفِي جَبِينِكِ تَاجٌ سَاطِعٌ جَزْلُ
كُونِي لِأَشْعَارِي الْأُولَى وَمَفْخَرَتِي
فَأَنْتِ مِنْ دُونِكِ الْأَشْعَارُ تَخْتَزِلُ
يَا سَارَةَ الْعِزِّ إِنَّ الْعِزَّ مَفْخَرَةٌ
وَإِنَّكِ التَّاجُ لِلْأَمْجَادِ يَحْتَمِلُ
مَا ضَرَّ فَخْرِي إِذَا نَادَى الزَّمَانُ بِهِ
أَنَّ الَّتِي مَلَأَتْ دَمْعِي هِيَ الْأَمَلُ
يَا وَرْدَةً مِنْ رُبَا نَجْدٍ نَمَتْ شَرَفًا
تَنْدَى لَهَا الْمُقَلُ الْغُرُّ إِذْ تَصِلُ
فِي وَجْنَتَيْكِ نَدَى الْفَجْرِ الْمُنَمَّقَةِ
وَفِي مُحَيَّاكِ بَدْرٌ صَافِهُ الْجَلَلُ
تَمْشِي فَتَسْحَرُ آفَاقًا بِأَكْمَلِهَا
كَأَنَّمَا الْأَرْضُ مِنْ أَنْفَاسِهَا خَجَلُ
وَإِنْ ضَحِكْتِ تَدَفَّقَ لَحْنُ قَافِيَتِي
كَأَنَّ صَوْتَكِ فِي آيَاتِهِ هُبَلُ
أُغَنِّي لِسَارَةَ وَالْأَشْعَارُ بَاكِيَةٌ
مِنْ قَبْلِ رُؤْيَاكِ مَا ذَاقَ الْهَوَى خَلَلُ
تَغْدُو الْقَصَائِدُ فِي عَيْنَيْكِ مُزْهِرَةً
وَتَنْثَنِي الْكَلِمَاتُ الطَّوْعُ تَجْتَزِلُ
يَا مَنْ بِذِكْرِكِ سَافَرْتُ الْأَنَامَ فَمَا
أَدْرَكْتُ إِلَّا بِأَنَّ الْحُسْنَ مُكْتَمِلُ
يَا فَجْرَ دَهْرٍ، وَيَا أَنْفَاسَ ذَاكِرَةٍ
مَا زَالَ يَلْهَثُ خَلْفَ الْبَدْرِ مَنْ ذُهِلُوا
أَقْسَمْتُ إِنْ غِبْتِ عَنِّي ثَانِيَةً
أَنْ لَا أُقِيمَ، فَقَلْبِي عَنْكِ مُرْتَحِلُ
لَكِنَّ رَجْعَكِ نَبْضٌ فِي خَوَاطِرِنَا
يُمْلِي الْحَيَاةَ إِذَا ضَاقَتْ بِنَا السُّبُلُ
هَذِي اللَّيَالِي وَمَا فِي اللَّيْلِ مِنْ وَلَهٍ
تَسْقِي الْمُحِبَّ بِنَارٍ مَا لَهَا مِثْلُ
كَمْ مِنْ دُمُوعٍ سَقَيْنَاهَا عَلَى أَمَلٍ
لَكِنْ رَجَاؤُكِ فِينَا ثَابِتُ الْأَزَلِ
فَلَا تَظُنِّي بِأَنَّ الصَّمْتَ يَخْذُلُنَا
وَلَا بِأَنَّ الْهَوَى فِي الْقَلْبِ مُعْتَزِلُ
بَلْ إِنَّ سَارَةَ فِي كُلِّ الْقَصَائِدِ لِي
نَبْضٌ، وَفِي كُلِّ بَيْتٍ مَسَّهُ الْخَجَلُ
فَكُلُّ مَعْنًى، وَكُلُّ السِّحْرِ مُنْتَظِمٌ
إِذَا انْتَسَبْنَا إِلَيْكِ الْعِزَّ وَالنُّبْلُ
قَدْ جِئْتُ بِالْقَوْلِ مِنْ أَعْمَاقِ صَاعِقَتِي
كَأَنَّهُ الْبَدْرُ يُصْلَى تَحْتَهُ الْعَذَّلُ
مَنْ ذَا يُقَابِلُ شِعْرِي بَعْدَكِ افْتِخَارًا؟
مَنْ ذَا يَخُطُّ سِوَى مَا أَرْتَقِي سُبُلُ؟
وَيَا امْرَأَ الْقَيْسِ، إِنْ كُنْتَ الَّذِي فَلَقَتْ
عِشْقُهُ الدَّمْعَ، فَالْآنَ انْتَهَى الْجَدَلُ
سَلِي الْحُرُوفَ: أَمَا أَدْمَتْ جَوَانِحَنَا؟
أَمَا بَكَتْ فِي هَوَاهَا الْحَرْفَ وَالْجُمَلُ؟
أَمَا انْثَنَتْ كُلُّ أَبْوَابِ الْقَصَائِدِ مِنْ
صَدَى اسْمِ سَارَةَ؟ أَمْ هَلْ طَالَنَا الْخَجَلُ؟
لَقَدْ خَتَمْنَا بِنُورِ الْحُبِّ مُعَلَّقَةً
كَأَنَّهَا فِي سَمَاءِ الْعِشْقِ تُشْتَعَلُ
سَارَةُ تَاجِي، وَفِيهَا الْعِزُّ مُشْتَرَكٌ
وَفِي مُحَيَّاهَا الْمَدَى وَالْحُسْنُ وَالْقُبَلُ
أَبْقَى بِهَا شَاعِرًا، فَالْعُمْرُ مُذْ كَتَبَتْ
أَهْدَتْ إِلَيَّ مَجْدًا مَا لَهُ سَوُالُ
186
قصيدة