عدد الابيات : 55

طباعة

جاءَت تَثنَّى مِشيَةَ المُتَبَختِرِ

فجلَت لنا ضوءَ الصَباحِ المُسفِرِ

تمشي فتَعثَرُ في الذُّيولِ لأنَّها

نَشوانةٌ مِن خمرٍ فيها السُّكَّرِي

وتجُرُّ من حُلَلِ الحريرِ مطارفاً

مِن أصفَرٍ في أحمَرٍ في أَخضَرِ

فكأنّما أخذَ السحابُ لِقوسِهِ

من شكلِها عكساً بديعَ المنظَرِ

برَزَت كبدرٍ فوقَ غُصنٍ في نَقا

تحتَ الدُّجى يَرنُو بمُقلةِ أَحوَرِ

وتلفَّتت عن جيدِ ظَبيٍ نافِرٍ

وتبسَّمت عن لؤلؤٍ في كوثرِ

وَعَطَت ومَاسَت في غلائلِ حُسنِها

فسطت علَيَّ بأبيضٍ وبأسمرِ

ما إن رأَينا أو سمعنا قبلَها

بقضيبِ تُفّاحٍ ببدرٍ مُثمِرِ

ما خامَرَت طِيباً أوانَ مجيئِها

ويفوحُ منها فوقَ نفحِ العنبرِ

علمَت بأني في هواها مُغرَمٌ

مُغرىً أَسيرُ صبابةٍ وتذكُّرِ

فرثَت لمُضناها وجادت باللِّقا

مِن غيرِ ميعادٍ ولم تتأخَّرِ

ما ضرَّها لو أنها انتسبت فقد

نالَت منَ الآدابِ أكرمَ عُنصرِ

وأتَت تُحيِّيني فأحيَت مَيّتاً

بالوجدِ إِلّا أنهُ لم يُقبَرِ

لم يدرِ أينَ فؤادُهُ حتى بدا

من خدِّها الورديِّ خالٌ عنبري

للَّهِ يومٌ مُفرَدٌ في حسنِهِ

جمَعَ الإِلهُ بهِ جمالَ الأعصُرِ

باتت يمينُ اليُمنِ تسقيني به

كأسَ المُنى والدَّهرُ بي لم يشعرِ

طابَ الصبوحُ فقُم بعيشِكَ فاسقِني

يمنيَّةً من حِصرمٍ لم تُعصَرِ

بُنّاً تُسمَّى قهوةً لكنّها

تُزري بها عندَ اللبيبِ وتزدَرِي

لا تنزلُ الأحزانُ في ساحاتِها

صَهباءَ إلّا أنها لم تُحظَرِ

كم جيشِ همٍّ قد أقامَ بمُهجتي

حملَت عليهِ منَ السرورِ بعسكرِ

قُليَت فعرَّقَها الحيا فتقنَّعت

من تِبرِها بخِمارِ وشيٍ أصفَرِ

قُليَت وحاشاها القِلى لمزيَّةٍ

بالامتحانِ تُريكَ فضلَ الجوهرِ

جالَ الحبابُ بمائِها فكأنَّهُ

قِطعُ الزُّمُرُّدِ في عقيقٍ أحمَرِ

قُم فاسقِنيها بالكبيرِ وغنِّني

فعساكَ تُبردُ غلَّتي وتسعُّرِي

فطالما أمسَت دموعي خمرتِي

وتزفُّري أضحى تغنِّي مِزهري

واهًا لقلبي من تجنِّي شادِنٍ

متجبِّرٍ في حكمِهِ متكبِّرِ

متعزِّزٍ متمنِّعٍ مترفِّعٍ

متوحِّشٍ متشرِّدٍ متنفِّرِ

لم يُوفِ ديني وهوَ مُثرٍ قادرٌ

والظُّلمُ كلُّ الظُّلمِ مطلُ الموسِرِ

مَه يا عذولُ فقد طَعِمتُ من الهوى

ما لم تذُق ونظرتُ ما لم تنظُرِ

مَن لي بكتمِ غرامِهِ وجوانحي

تروي صحيحَ حديثِ شوقي المُضمَرِ

فجوانحي عن واقدٍ وأضالِعي

عن هاشمٍ ومحاجري عن جعفرِ

باللَّهِ هاكَ ثيابَ نُسكي علَّني

من شرِّ لومِكَ أستريحُ وتسترِي

فالعُمرُ غُصنٌ والشبيبةُ ماؤُهُ

وزُهورُهُ ولعٌ جميلُ المخبَرِ

والمَرءُ رَبعٌ والعلومُ ربيعُهُ

وثمارُهُ عملٌ بحُسنِ تبصُّرِ

وأَرى المعالي كالنجومِ عزيزةً

لكنّما عبدُ العزيزِ المُشتَرِي

ألقت لهُ عَوصُ العلومِ قِيادَها

قبلَ الفِطامِ وإنّهُ لبذا حَرِي

لو سارَ في مِضمارِهِ العَلَمُ السُّرى

علِمَ الورى يا صاحِ أيُّهما السَّرِي

إن كانَ في عدِّ السنينَ تأخَّرت

أيّامُه فَسَناهُ لم يتأخَّرِ

قد فاقَ في حفظٍ وفهمٍ مثلما

قد فاقَ في خَلقٍ وخُلقٍ أزهَرِ

بل لو جرى معهُ جريرٌ جُهدَهُ

يوماً لقالَ الناسُ ما هذا جَرِي

ومتى يخطُّ فما ابنُ مُقلة كاتباً

ومتى يقُل أبدى صحاحَ الجوهري

يا ماجِداً أهدى إليَّ لآلئاً

منضُودةً من نظمِهِ المُتخيَّرِ

يا للعجائبِ كيفَ نظَّمها بلا

سِلكٍ وتثقيبٍ ولم تتنثَّرِ

فلئن غدَت في طِرسِها دُرّاً على

صَدَفٍ فيُمنَاهُ كخَمسَةِ أبحُرِ

نظمٌ كساني حُلّةً من سُؤدَدٍ

تبلى الليالي وهيَ لم تتغيَّرِ

سقياً لربعِ الكوتِ كم قد حازَ من

حَبرٍ بأنواعِ النَّدى مُتفجِّرِ

ما الكوتُ إلّا روضةٌ قد أثمرت

ببدورِ تمٍّ فضلُها لم يُنكَرِ

تَاللَّهِ أفتأُ ناشراً من ذِكركم

شيئاً يطيبُ بهِ حديثُ السُّمَّرِ

ولقد سموتَ إلى العلاءِ بهِمّةٍ

أقدامُها من فوقِ هامِ الأنسرِ

ورشفتَ راحَ الفخرِ غيرَ محرَّمٍ

وقنصتَ صيدَ المجدِ غيرَ منفِّرِ

ورَعيتَ روضَ العلمِ غيرَ مُزاحمٍ

ووردتَ حوضَ البِرِّ غيرَ مُكدَّرِ

كم فاضِلٍ فيهِ العيونُ تنافَسَت

لكن بحيثُ إليكم لم تنظُرِ

فإليكَ من أبكارِ فكري غادةً

من عسجدٍ صيغَت ومِسكٍ أذفَرِ

قد ضاعَ منها نشرُ ذِكرِ جمالِكم

لكنَّهُ ما ضاعَ عندَ المُبصِرِ

يا ربِّ صلِّ على الذي قدماً به

نظمُ الرسالةِ تمَّ وارحَم واغفِرِ

نبذة عن القصيدة

المساهمات


معلومات عن عبد العزيز بن عبد اللطيف آل الشيخ مبارك

avatar

عبد العزيز بن عبد اللطيف آل الشيخ مبارك

السعودية

poet-Abdulaziz-Al-Sheikh-Mubarak@

20

قصيدة

7

الاقتباسات

0

متابعين

عبد العزيز بن عبد اللطيف آل الشيخ مبارك (1892 - 1924)م. شاعر سعودي وُلد في الأحساء سنة 1310 هـ/1892 م، إبّان الحكم العثماني، ونشأ بها وتلقّى تعليمه الأولي في كنف أسرة ...

المزيد عن عبد العزيز بن عبد اللطيف آل الشيخ مبارك

اقتراحات المتابعة

أضف شرح او معلومة