الديوان » لبنان » عمر تقي الدين الرافعي » مواعظ الدهر من ماضيه للآتي

عدد الابيات : 55

طباعة

مَواعِظُ الدَهرِ مِن ماضِيهِ لِلآتي

مِرآةٌ انتَصَبَت في جَنبِ مِرآةِ

نِعمَ المُؤَدِّبُ دَهرٌ كُلُّهُ عِبَرٌ

بِها العُقولُ تَرقى في الكَمالاتِ

لَم تَخلُ مِن حِكمَةٍ يَوماً وَقائِعُهُ

وَهِيَ الهُدى لِقُلوبٍ مُستَنيراتِ

وَلَم تَكُن تَنتَهي فينا عَجائِبُهُ

وَفي تَصاريفِهِ كُلُّ العَجيباتِ

فَدارِ وَقتَكَ في كُلّ الشُؤونِ فَما

يَطيبُ عَيشُكَ إِلّا بِالمُداراةِ

وَلا تُماري اِمرءاً أَنكَرتَ سيرَتَهُ

إِنَّ السَلامَةَ في تَركِ المُماراةِ

وَالدَهرُ لَم تَطَّرِد عاداتُهُ وَلَئِن

تَشابَهَت أَو تَساوَت بَعضَ أَوقاتِ

فَلا تُعارِضهُ وَاستَسلِم لِجَريَتِهِ

وَاِترُك مُجاراتَهُ عِندَ المُجاراةِ

فَالدَهرُ هِمَّتُهُ كَم قَصَّرَت هِمَمٌ

عَنها فَلَيسَت تُبارى بِالمُباراةِ

وَكُن بَصيراً بِأَحوالِ الزَمانِ فَكَم

تَلقى بِها حُكماً تَجلُو البَصيراتِ

كَم نِقمَةٍ خَفِيَت في طَيِّها نِعَمٌ

وَنِعمَةٍ ضَمِنَت أَدهى البَلِيّاتِ

وَلَيسَ في الأَمرِ إِلّا الخَيرُ مُطَّرِداً

إِنَّ البَلايا هَديّاتُ العِناياتِ

سُبحانَ مالِكِ هَذا المُلكِ يَفعَلُ ما

يَشاءُهُ وَلَهُ حُكمُ المَشيئاتِ

يُعطي وَيَمنَع وَالأَقدارُ جارِيَةٌ

بِالمَنعِ طوراً وَطوراً بِالعَطيّاتِ

يَقضي وَيَمضي شُؤوناً شاءَها وَلَكَم

يَمحو وَيُثبِت آياتٍ بِآياتِ

إِن كانَ أَثبَتَ في أُمِّ الكِتابِ بِأَن

أَحيا وَخالَفَها ثَبتُ السِجِلّاتِ

فَما أُبالي بِما خَطَّ القَضاءُ بِها

فَإِنَّما الحُكمُ فيها لِلنِهاياتِ

كَم في الزَوايا خَبايا خِفتُها فَأَتى

أَمنٌ مِنَ اللَهِ مِن شَرِّ المَخوفاتِ

نَجّى لَهُ الشُكرُ نَفسي بَعدَ ما يَئِسَت

مِنَ الحَياةِ بِحُكمٍ ظالِمٍ عاتِ

قَضَت جَبابِرَةُ الدُنيا عَلَيَّ بِهِ

فَصَدَّهُم حُكمُ جَبّارِ السَمواتِ

قِف وَاستَمِع قِصَّتي حَقّاً بِلا دَخـ

ـل يا مَن يَعي الحَقَّ مِن دونِ الدَخيلاتِ

وَاِنظر إِلَيها بِعَينِ الاِعتِبارِ فَكَم

مِن عَبرَةٍ تُجتَلى مِنها بِنَظراتِ

قَد ساقَني الدَهرُ بِالأَقدارِ نَحوَ بَني الـ

ـدُنيا وَما أَنا مِن أَهلِ الدَنيّاتِ

وَلاحَ كَوكَبُ سَعدٍ راحَ مُستَتِراً

بِكَوكَبِ النَحسِ في لَيلِ النُحوساتِ

فَبِتُّ أَرصُدُهُ وَالطَرفُ يَتّبِعُهُ

فَكانَ لي ضِلَّةٌ عَن هَدي مِشكاتي

سَرَيتُ مَسراهُ مُغترّاً بِطالِعِه

حيناً فَلَم أَحمَدِ المَسرى بِلَيلاتِ

لا مَرحَباً بِأَخي التُقى إِذا جَمَحَت

عَن الهُدى نَفسُهُ نَحوَ الضَلالاتِ

إِنّي هَمَمتُ وَلَم أَفعَل فَعائِلَهُ

فَهَمَّ أَمرُ القَضا بي دونَ أَن يَأتي

سُجِنتُ حَولَينَ ساءَت حالَتي بِهِما

حَكيتُ يُوسُفَ في بَعضِ الحِكاياتِ

أَلَم تَكُن عَثرَتي في العُمرِ واحِدَةً

إِذا تُعَدَّ عَلى مِثلي بِعَثراتِ

فَمَن مُعيري لِهَذا سَمعَهُ فَلَكَم

تَقَطَّعَت مِنهُ أَصواتي وَأَنّاتي

كَم ذا أُداري اللَيالي وَهيَ عابِسَةٌ

وَلا تُريني اِبتِساماً بَعضَ لَحظاتِ

وَكَم أُداوي جُروحي وَهيَ دامِيَةٌ

وَكَم أَكفكِفُ عَبراتي بِعَبراتي

فَمَن تَرى مُنصِفي في الأَمرِ عَن كَرَمٍ

فَنِصفَةُ المَرءِ دينٌ في الدِياناتِ

يا أُمَّةً نَبَّهَتها الحادِثاتُ إِلى

ما قَد أُريدَ بِها في يَومِها الآتي

ما لي أَراكِ هَداكِ اللَهُ نائِمَةً

عَن الحَقائِقِ شُغلاً بِالخَيالاتِ

وَيلي عَلَيكِ وَوَيلي مِنكِ وَا لَهفي

عَجِزت وَاللَهِ عَن تَعدادِ وَيْلاتي

أَلَم تَكُ الأُمَمُ الأَفرادُ ما اِجتَمَعَت

فَكَيفَ حالُكِ في هَذي الجَماعاتِ

ما لِلخِلافَةِ صانَ اللَهُ شَوكَتَها

وَهِيَ الإِمارَةُ ديناً في الإِماراتِ

تَفَرَّقَ الناسُ أَشياعاً بِها وَلَقَد

كانَ التَفَرُّقُ مِن سُمِّ السِياساتِ

وَحَسبُنا عِظَةً في الدَهرِ نَكبَتُنا

بِها وَما قَد لَقينا مِن أَذيّاتِ

فَما لَنا وَلِهَذا كُلَّهُ فَدَعوا اِخـ

ـتِلافَكُم حَيثُ أَدّى لاِختِلافاتِ

وَيَمِّموا شَطرَ أَقوامٍ قَد اِجتَمَعوا

لَها يُريدونَها جَمعاً لِأَشتاتِ

إِخوانَنا يا بَني الإِسلامِ ما لَكُمُ

نِمتُم طَويلاً وَغُصتُم في المَناماتِ

هَذي فِلَسطينُ قَد ضاعَت بِرُمَّتِها

في حُكمِ جامِعَةٍ في شَرِّ أَوقاتِ

وَاللاجِئونَ كِرامٌ كَم وَكَم سُلِبوا

مِنَ الحُقوقِ بِأَحكامِ الجَهالاتِ

هُبّوا نُخَفِّف مِن الإِملاقِ رَوعَتَهُم

فَيُؤمِنُ اللَهُ مِنّا كُلَّ رَوعاتِ

هُبّوا نُواسِهِمو بِالمَالِ نُنعِشُهُم

يا أَنعَشَ اللَهُ أَربابَ المُواساةِ

هُبّوا لِنَمسَحَ دَمعَ المُعدَمينَ فَلا

عَدِمتُ مِنكُم لَها الأَيدي السَخِيّاتِ

هَذي المُروءَةُ لا تَبغوا بِها بَدَلاً

بَل دونَكُم شَأنَها أَهلَ المُروآتِ

وَحَسبُكُم يا بَني الإِسلامِ دينُكُمُ

أُخوَّةً بَينَكُم دونَ الأَخوّاتِ

فَاِمضوا لِتَشييدِهِ فَالمَجدُ أَجمَعُهُ

بِالدينِ لا بِالمَواضي المُشرَفِيّاتِ

إِن تَنصُروا اللَهَ يَنصُركُم بِقُدرَتِهِ

حَقّاً وَيَرحَمُكُم مَن في السَماواتِ

هَذا هُوَ الحَقُّ لا قَولٌ يُزَخرِفُهُ

وَحيُ الشَياطينِ في بَعضِ المَقالاتِ

أَقولُ هذا وَحُسنُ القَصدِ مُنتَجَعي

وَاللَهُ يَعلَمُ أَعمالي وَنِيّاتي

نبذة عن القصيدة

المساهمات


معلومات عن عمر تقي الدين الرافعي

avatar

عمر تقي الدين الرافعي

لبنان

poet-Omar-Taqi-al-Din-Al-Rifai@

165

قصيدة

8

الاقتباسات

2

متابعين

عمر تقي الدين بن عبد الغني بن أحمد الرّافعي الطرابلسي (1882 - 1964) م. فقيه وقاضٍ، متصوف نقشبندي، أديب وشاعر لبناني، وُلد في مدينة صنعاء بولاية اليمن العثمانية في 17 أغسطس ...

المزيد عن عمر تقي الدين الرافعي

اقتراحات المتابعة

أضف شرح او معلومة