عدد الابيات : 60
طباعةأَقِفُو الدِّيَارَ وَقَدْ سَالَتْ مَدَامِعُنا
كَأَنَّهَا غَيْمُ حُزْنٍ هَاطِلٍ مُغْتَمِ
هُنَا سَكَنَتْ سَارَةُ، وَالْعِطْرُ يَشْهَدُ لِي
أَنَّ الْغَرَامَ بِوَادِيهَا لَمُلتَزِمِ
تَنْسَابُ ذِكْرَاهَا عَلَى رَمْلِ الدِّيَارِ كَمَا
يَسْرِي الْحَنِينُ بِوَجْدِ الْقَلْبِ مُنْسَجِمِ
يَا دَارَ سَارَةَ، هَلْ تُخْبِرِينَنِي
عَنْ قُبْلَةٍ سَكَنَتْ شُرْفَاتِهَا بِقُدُمِ؟
تَبْكِي الدِّيَارُ عَلَى عَهْدِي، وَتَشْهَقُ فِي
أَنْفَاسِهَا كُلُّ وَجْدِي الْمُلْتَهِمِ
كَأَنَّهَا صَدَّعَتْ قَلْبِي بِمِرْآتِهَا
حَتَّى غَدَوْتُ أَنَا الْأَطْلَالَ فِي الْقِدَمِ
رَكِبْتُ صَهْبَاءَ شَوْقٍ لَا يُطَاوِعُنِي
صَبْرٌ، وَإِنْ رَكِبَ الْعُشَّاقُ فِي الْحُلُمِ
تَسْرِي الرِّيَاحُ عَلَى الْخَدِّ الَّذِي قَبَّلَتْ
فِيهِ السُّرَى طَيْفَ سَارَةَ وَهُوَ مُبْتَسِمِ
وَالرِّيحُ تَسْأَلُ عَنْ عَيْنَيْكِ فِي وَلَهٍ
كَأَنَّهَا الْحُلْمُ فِي صَدْرِي مِنَ الْعَدَمِ
يَا دَرْبَهَا، كَمْ خُطَايَ الْيَوْمَ ضَائِعَةٌ
بَيْنَ السُّمَى وَالتَّبَارِيحِ الَّتِي أَلَمِ
وَالدَّرْبُ يَسْأَلُ عَنْ خَطْوِي بِلَا أَمَلٍ
مَا عَادَ يَعْرِفُنِي فِي وَجْدِهِ الْقَدَمِ
تَاهَتْ جِهَاتِي، وَصَوْتُ الرِّيحِ يُنْذِرُنِي
بِأَنَّنِي وَحْدَتِي فِي الرَّكْبِ وَالْقِسَمِ
هِيَ الْبَهِيَّةُ، مَا أَبْهَى تَفَاصِيلَهَا
إِنْ رَامَهَا الْبَدْرُ خَجْلًا عَادَ كَالْمُظْلِمِ
فِي وَجْهِهَا النُّورُ مِنْ طِينِ السَّمَاءِ سَنَا
وَبالضُّحَى، هِيَ فَجْرُ الْحُسْنِ لِلْعَلَمِ
مَا لَاحَ وَجْهُكِ إِلَّا خَافَ مِنْ شُعَلٍ
ضَوْءُ النُّجُومِ وَلَاذَ اللَّيْلُ بِالْقِتَمِ
كَأَنَّهُ سِرُّ هَذَا الْكَوْنِ قَدْ خُلِقَتْ
فِيهِ الْمَلَامِحُ مِنْ سِحْرٍ وَمِنْ نَجْمِ
لَهَا الْمَلَامِحُ إِنْ مَرَّتْ عَلَى بَصَرِي
أَطْفَأَتْ نُجُومَ السَّمَا، وَالْكَوْنَ فِي نَغَمِ
هِيَ الْبَهَاءُ إِذَا مَا الْحُسْنُ يَسْأَلُنِي
مَنْ أَيْنَ جَاءَتْ؟ أَقُولُ: اللَّهُ فِي الْقَلَمِ
أُحِبُّهَا، وَالْهَوَى نَارٌ تُشَبُّ دَمِي
حَتَّى كَأَنَّ يَدَيْ قَلْبِيَ مِنْ سَجَمِ
مَا عَادَ لِي غَيْرُهَا نَبْضٌ أُسَمِّعُهُ
وَمَا سِوَاهَا سِوَى الذِّكْرَى بِلَا نَظْمِ
سَارَةُ إِنِّي بِحُبٍّ لَا يُمَاثِلُهُ
نَفْسٌ، وَلَا جُنَّ عَاشِقٌ مِنَ الْعَدَمِ
أَنْتِ الْهَوَى، وَالْهَوَى فِي الْقَلْبِ أُغْنِيَةٌ
تَشْدُو إِذَا قِيلَ: مَا سَارَةُ؟ قُلْ: عَزْمِي
مَا عُدْتُ أُخْفِي هَوَاهَا، كَيْفَ أَكْتُمُهُ؟
وَالْحُبُّ نَارٌ تُرَى فِي طَرْفِ مُحْتَشِمِ
يَا سَارَةَ الْقَلْبِ، إِنْ ضَيَّعْتِنِي زَمَنًا
سَأَرْتَدِيكِ دُعَاءً فِي دُجَى الْحُلُمِ
رَأَيْتُهَا وَابْتَدَتْ أَيَّامُ مُعْجِزَتِي
كَأَنَّنِي كُنْتُ قَبْلَ الْوَصْلِ فِي عَدَمِ
فَصَارَتِ الدُّنْيَا أَنْسَامًا مُبَسْمَلَةً
فِي حَضْرَةِ الْعِشْقِ وَالْأَنْوَارِ وَالنَّعَمِ
لَمَّا رَأَيْتُكِ، كَادَ الْقَلْبُ يَنْفَجِرُ
مِنَ الْبَهَاءِ، وَمِنْ طُهْرِ الْهَوَى الْقُدُمِ
سَارَةُ، يَا لَحْنَ مِيلَادِي وَمِسْكَتِي
يَا مَنْ وَقَفْتُ بِهَا عَنْ كُلِّ مَنْ نَعِمِ
كَأَنَّنِي كُنْتُ فِي غَيْبٍ، وَأَيْقَظَنِي
نُورُ الْعُيُونِ، فَأَزْهَرْتُ عَلَى قَدَمِ
مَا بَيْنَ نَبْضِكِ وَالْأَيَّامِ فَرْحَتُنَا
خَطٌّ مِنَ الْعِطْرِ، لَا يُمْحَى وَلَا يُلَمِ
أَيْنَ الَّتِي إِنْ غَفَتْ رُوحِي تُقِيمُ بِهَا؟
صَارَتْ كَطَيْفٍ عَلَى الْأَطْلَالِ لَمْ يُقِمِ
غَابَتْ، فَكُلُّ دُرُوبِي بَعْدَهَا صَدِئَتْ
وَكُلُّ نَجْمٍ بِلَا عَيْنَيْهَا لَمْ يَسُمِ
مُذْ غِبْتِ، وَالْعُمْرُ لَا يَمْضِي عَلَى خُطُوَ
اتِي كَأَنَّهُ اللَّيْلُ فِي أَنْفَاسِهِ نَدَمِ
كُلُّ الزَّمَانِ إِذَا غَادَرْتِهِ سَكَنًا
لَا شَيْءَ فِيهِ، سِوَى الْأَشْبَاحِ وَالْأَلَمِ
غَيَّبَتْنِي عَنِّيَ الْأَشْوَاقُ فَانْكَسَرَتْ
كُلُّ الْجِرَاحِ، وَلَمْ تُبْقِ عَلَى أَلَمِ
أَمْشِي عَلَى ظِلِّ ذِكْرَاكِ الَّتِي سَكَنَتْ
حَتَّى الْمَرَايَا، وَحَتَّى الضَّوْءُ فِي الْعَدَمِ
يَا رِيحُ، إِنْ مَرَّتِي يَوْمًا بِمَسْكِنِهَا
لَا تَلْمُسِي خَدَّهَا، إِنِّي مِنَ النَّدَمِ
وَيَا عُيُونَ الْوَرَى، كُفُّوا عَنِ النَّظَرِ
فَإِنَّ نَظْرَكُمُ لِلْحُسْنِ فِي حُرُمِ
لَا تَنْطِقِي يَا نُجُومُ بِاسْمِ سَاحِرَتِي
فَكُلُّ حَرْفٍ بِهَا يُشْقِي وَيُؤْلِمي
حَتَّى السَّلَامُ عَلَى كَفَّيْهِ مُرْتَكَبٌ
إِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْهُ عَهْدُ الصِّدْقِ مُلْتَزِمِ
لَا تَلْمِسُوا اسْمَهَا، لَا تَمَسُّوا ظِلَّهَا
فَالسِّرُّ فِيهَا لَظًى لَا يَعْرِفُ السَّقَمِ
قَدْ أَغْلَقَ الْقَلْبُ أَبْوَابًا لِعِشْقِكِ لَا
تُفْتَحُ إِلَّا بِدِفْءِ الْحُبِّ وَالْعَلَمِ
سَارَةُ النُّورُ فِي أَخْلَاقِهَا قَمَرٌ
إِنْ نَطَقَتْ، سَكَنَتْ أَرْوَاحُنَا الْكَلِمِ
صَفْحٌ، وَعِزٌّ، وَجُودٌ لَا يُضَاهِيهِمَا
إِلَّا الْمَدَى، وَالْعُلَى، وَالْبَرْقُ فِي الظُّلَمِ
تَسْرِي الْفَضَائِلُ فِي سُلُوكِكِ لَحْنَهَا
فَتَخْجَلُ الْوَرْدُ مِنْ عِطْرٍ وَمِنْ كَرَمِ
وَإِذَا نَظَرْتِ إِلَى الدُّنْيَا تَبَسَّمَتْ
حَتَّى تَجَمَّلَ فِيهَا الْقُبْحُ بِالسُّحُمِ
يَا بِنْتَ طُهْرٍ تَسَامَى فِي مَعَارِجِهِ
سَارَتْ بِكِ النُّورُ فِي خُطْبٍ مِنَ الْحِكَمِ
كَأَنَّ فِيكِ مَلَامِحَ كُلِّ أُمَّتِنَا
فِيكِ الْكَرَامَةُ، فِيكِ الْخَيْرُ وَالْهِمَمِ
كَمْ لِي مَعَكِ مِنْ لَيَالٍ لَا تُعَدُّ غَدًا
بَلْ هِيَ الْأَبَدُ الْمَحْفُورُ فِي الْقَدَمِ
كَأَنَّهَا جَنَّةٌ فِي الْأَرْضِ قَدْ فُتِحَتْ
وَسَارَةُ الْحُورُ فِيهَا دُونَ تَقَدُّمِ
كُنَّا نُقَسِّمُ وَقْتَ الْحُبِّ ضَاحِكَةً
بَيْنَ الْقُلُوبِ، كَأَنَّ الْوَقْتَ لَمْ يُقَمِ
فَمَتَى نَعُودُ؟ وَمَتَى الْأَيَّامُ تُزْهِرُنَا
كَمَا ابْتَدَأْنَا، عَلَى نَبْضٍ مِنَ الْعَلَمِ؟
مَا كَانَ يَكْفِينَا مِنْكِ الْحُبُّ نَعْرِفُهُ
بَلْ كَانَ يَكْفِينَا فِي خُطْوَتِكِ الْقِدَمِ
لَوْ عُدْتِ يَوْمًا، لَعَادَتْ كُلُّ أُغْنِيَةٍ
مَاتَتْ، وَعَادَ الْهَوَى مِنْ رَحْمَةِ النَّدَمِ
يَا رَبُّ، إِنْ كَانَتِ الْأَقْدَارُ فَاصِلَنَا
فَاجْعَلْ لِقَلْبِي بِهَا حَظًّا مِنَ النِّعَمِ
وَاكْتُبْ لَنَا الْوَصْلَ فِي دَهْرٍ نُقَبِّلُ فِيهِ
كَفَّ الْوَفَاءِ، وَنُحْيِي الْعَهْدَ بِالْقَسَمِ
إِنِّي دَعَوْتُ، وَقَلْبِي فِي تَضَرُّعِهِ
يَرْجُو السَّمَا أَنْ تُعِيدَ الشَّوْقَ لِلْقُدُمِ
يَا رَبُّ، إِنَّ فُؤَادِي مُذْ غَفَتْ يَدُهَا
لَمْ يَعْرِفِ الْفَرَحَ، لَمْ يَرْقُصْ عَلَى نَغَمِ
يَا رَبُّ، إِنَّ فُؤَادِي دُونَ سَارَةَ فِي
لَيْلِ الْحَنِينِ غَرِيبٌ، ضَائِعُ الْعَدَمِ
فَاجْمَعْ بِهِ الرُّوحَ إِنْ تَاهَتْ، وَأَلْهِمْنِي
صَبْرًا، إِذَا مَرَّ طَيْفُ الْعِشْقِ فِي الْحُلُمِ
374
قصيدة