الديوان » عمار شاهر قرنفل - الرحال » الرّحال يخطب في محفل القوافي

عدد الابيات : 229

طباعة

قِفَا نَبْكِ لِذِكْرَى فَتًى كَانَ مَنْزِلِي  

وَمَغْنَاهُ بَيْنَ النُّقْبِ وَالمُتَهَلِّلِ  

وَأَرْسُمُهُ بَانَتْ مَعَ الشَّوْقِ أَسْطُرًا  

كَطَرْسِ اللَّيَالِي فِي جُفُونِ الأَرْمَلِ   

فَيَا دَارَ سَارٍ بِالرِّبَى كَانَ طَيْفُهَا  

كَبَارِقَ نَوْرٍ فِي دُجَى المُتَسَهِّلِ  

رَأَيْتُ بِهَا آثَارَ أَيَائِلَ وَكَأَنَّهَا  

خُطُوطُ جُمَانٍ فِي ثَرَى المُتَنَبِّلِ   

وَمَاطَلَنِي وَعْدُ الظِّبَاءِ وَعِنْدَهُمْ  

يُمَازِجُنِي وَجْدٌ كَطَعْمِ الأَنْجَلِ  

وَجَاوَرْتُهُمْ شَطْرَ الحَيَاةِ بِحُرْقَةٍ  

كَنَازِفِ جُرْحٍ فِي الجَنَانِ المُقَتَّلِ   

فَقَالُوا: تَجَلَّدْ، إِنَّ صَبْرَكَ حِكْمَةٌ  

وَصَبْرِي دَمٌ يُهْدَى لِكُلِّ مُتَمَهِّلِ  

وَإِنِّيَ مَا ذُقْتُ المَنَامَ وَلَا أَرَى  

سِوَى خَيَالٍ فِي الظَّلَامِ المُؤَكْلِلِ   

وَيَا لَيْتَنِي يَوْمَ النَّوَى لَمْ أَكُنْ بِهِ  

كَسَاهِي الحِجَا فِي مَوْقِفٍ مُتَغَفِّلِ  

أُحَدِّثُ نَفْسِي وَالهُمُومُ تُعَانِقُنِي  

كَنَائِحِ وَجْدٍ فِي الرُّبَى المُتَهَلِّلِ   

وَكَمْ سَهْدَةٍ قَضَّتْ فُؤَادِي بِلَوْعَةٍ  

كَنَايِحِ طَيْرٍ فِي الشُّجُونِ المُجَفَّلِ  

تَسَاقَطَ دَمْعِي فِي الرُّبَى مُسْتَهَامَةً  

كَمِزْنَةِ نَوْءٍ فِي السُّهَى المُتَذهِّلِ   

فَلَا خَيْرَ فِي الدُّنْيَا إِذَا مَا تَصَرَّمَتْ  

رُبُوعُ الهَوَى مِنْهَا وَوُدُّ المُتَبَذِّلِ  

وَأَيَّامُنَا فِي الحُبِّ كَانَتْ كَفِصَّةٍ  

تُشِعُّ ضِيَاءً فِي الدُّجَى المُتَفَلْفِلِ   

أُحِبُّكِ حَتَّى يُشْرِقَ القَبْرُ مِنْ دَمِي  

وَيَهْتِفَ فِينِي صَادِحٌ لِلتَرَحُّلِ   

أُقَلِّبُ ذِكْرَاهَا بِسِرِّي وَكَأَنَّهُ  

وَجِيبُ خَيَالٍ فِي الضُّلُوعِ المُوَكَّلِ  

وَأَسْقِي هَوَاهَا مِنْ جُفُونِي دُمُوعَهَا  

كَطَلِّ السَّحَابِ المُنْهَمِرِ المُتَرَسَّلِ  

فَيَا لَيْتَ دَارًا ضَمَّتِ الحُبَّ بَيْنَنَا  

تَعُودُ كَمَا كَانَتْ بِنُورٍ مُؤَصَّلِ  

وَيَا لَيْتَ أَيَّامَ الْهَوَى لَمْ تَفُتْنِي  

كَسَهْمٍ جَرَى مِنْ قَادِحٍ مُتَعَجِّلِ  

وَآهٍ عَلَى أَيَّامِنَا وَنَعِيمِهَا  

كَفَجْرِ الرَّبِيعِ العَابِرِ المُتَبَدِّلِ  

تُقَبِّلُنِي وَالرَّوْضُ يُغْرِي شَذَاهُهُ  

فَتَصْطَفِقُ الْأَوْرَاقُ فِي المُتَنَبِّلِ  

وَكُنَّا كَنَجْمَيْنِ احْتَوَاهُمَا الدُّجَى  

عَلَى مَهَلٍ فِي لَيْلَةِ المُتَظَلَّلِ  

فَهَذِي الْخُطَى صَارَتْ رَمَادًا بِبُعْدِهَا  

وَلَيْسَ لَهَا بَعْدَ الرُّدَى مِنْ مُعَوِّلِ   

وَمَنْ يُحْيِ قَلْبًا أَذْبَلَ الشَّوْقُ رَوْعَهُ  

كَزَهْرٍ تَوَلَّى فِي الرَّمَادِ المُجَلْجَلِ؟  

وَكَيْفَ أُنَاجِي نَجْمَهَا بَعْدَ بَيْنِنَا  

وَقَلْبِي كَصَبٍ فِي اللَّيَالِي المُوَلْوِلِ؟   

أَمَا كَانَ لِي الحُبِّ صَفْحَةُ عَاشِقٍ  

يُسَامِرُهَا لَيْلًا وَحْيٌ بِوُدٍّ مُبَجَّلِ؟  

فَسَافَرَتِ الْأَيَّامُ عَنِّي وَخَلَّفَتْ  

رُفَاتَ غَرَامٍ فِي الضُّلُوعِ المُعَلْقَلِ   

وَكَمْ زَفَرَاتٍ قَدْ أَذَابَتْ جَنَانَنِي  

كَنَايٍ حَزِينٍ فِي الوُجُودِ المُرَجَّلِ  

فَهَلْ تَسْمَعِي يَا مَنْ سَكَنْتِ جَوَانِحِي؟  

أَمِ الرَّوْحُ تَشْكُو لِلسُّكُونِ المُعَطَّلِ؟   

أُقَاسِي سُهَادَ اللَّيْلِ وَالنَّجْمُ شَاهِدٌ  

وَدَمْعِي كَنَهْرٍ فِي الحَنَايَا مُمَهْطِلِ  

هَذِهِ حَنَاجِرُ شَوْقٍ فِي اللَّيَالِي  

تُرَدِّدُ أَسْمَاءَ الْهَوَى بِاجْتِلَالِ  

فَإِنْ تَكُ قَدْ رَحَلَتْ فَإِنَّ ذِكْرَاهَا  

بِقَلْبِي كَنَارٍ لَا تَزَالُ بِاحْتِدَالِ   

أُكَابِدُ شَوْقًا لَا يَكِلُّ لَهُ الْوَنَى  

وَيُبْكِيهِ صَبْرِي فِي اللِّقَاءِ المُؤَجَّلِ  

تَغَرَّبَ عَنِّي وَالهَوَى مُتَمَسِّكٌ  

بِقَلْبٍ كَشَكْوَى المُغْرَمِ المُتَبَتِّلِ   

وَمَا خَفَقَتْ نَفْسِي بِذِكْرَاكِ لَحْظَةً  

إِلَّا وَكُنْتِ الْفَجْرَ فِي المُتَرَحِّلِ  

فَسِرْتُ وَأَشْوَاقِي جِبَالٌ عَلَى النَّدَى  

تُقَاتِلُ خَطْوِي فِي الطَّرِيقِ المُجَدَّلِ   

وَكَمْ قُلْتُ لِلنَّجْمِ البَعِيدِ: تَحَدَّرِ  

لَعَلِّي أُسَرِّي فِي الدُّجَى المُتَهَلِّلِ  

فَيَا لَيْتَ رِيحَ الشَّوْقِ تُحْدِثُ صَوْتَهَا  

فَتَهْتَزُّ أَوْجَاعِي بِنَبْضٍ مُؤَكْلِلِ   

وَيَا نَفْسُ صُونِي مَا تَبَقَّى مِنَ الرُّؤَى  

فَإِنَّكِ أَضْحَيْتِ الزَّمَانَ المُخَلْخَلِ  

وَمَا العَيْنُ إِلَّا مِرْآةُ قَلْبٍ مُعَذَّبٍ  

تُجَاهِدُ وَالأَحْلَامُ نَوْمٌ مُعَطَّلِ   

سَقَيْتُ هَوَاهَا مِنْ فُؤَادِي جَوَارِحِي  

فَأَثْمَرَ دَمْعًا فِي الرُّبَى المُتَسَلْسِلِ  

أَمَا قَدْ بَلَوْنَا الحُبَّ لَفْظًا وَمَعْنًى  

وَذُقْنَا مِنَ الآهَاتِ صَبًّا مُنَزَّلِ؟   

فَصُبِّي دُمُوعَكِ يَا جُفُونِيَ رِقَّةً  

فَإِنِّي بِكَيْفِ اللَّوْعَةِ المُتَمَثِّلِ  

وَخُذْنِي إِلَى سُهْدِ المَنَامِ فَلَعَلَّهُ  

يَرَى ظِلَّهَا قَلْبِي الحَزِينُ المُبَجَّلِ   

وَمَا الحُبُّ إِلَّا نَارُهُ لَا تَخْمُدُ  

وَلَا يُطْفِئُ الشَّوْقَ القَدِيمَ المُتَأَصِّلِ  

وَيَا وَيْحَ مَنْ صَارَتْ خَيَالًا حَبِيبَتُهُ  

يُطَارِدُ ظِلًّا فِي الهَوَى غَيْرَ مُوصِلِ   

فَهَلْ بَعْدَ هَذَا الشِّعْرِ يُنْكِرُ نَاظِمٌ  

بَصِيرَةَ قَوْلِي فِي البَيَانِ المُفَصَّلِ؟   

 فَيَا لَكَ مِنْ عَتْمٍ كَأَنَّ ضِيَاءَهُ  

بِكُلِّ مَدَارِ الْجُرْمِ جُرَّتْ بِأَسْفُلِ  

كَأَنِّي فِي رَكْبٍ يُسَاقُ بِمُهْمِلٍ  

عَلَى كَاهِلٍ مِنْهُ الْحَدِيدُ مُثَقَّلِ   

أُقَاسِي سُهَادَ اللَّيْلِ وَالنَّجْمُ شَاهِدٌ  

وَدَمْعِي كَنَهْرٍ فِي الْحَنَايَا مُتَهَلِّلِ  

أُرَاجِعُ أَيَّامَ الْوِصَالِ وَذِكْرَهَا  

فَتَهْتَزُّ أَوْجَاعِي بِنَبْضٍ مُثَقَّللِ   

وَأَسْتَحْضِرُ الْأَيَّامَ حِينَ تَجَمَّعَتْ  

قُلُوبُنَا فِي الْحُبِّ وَالْوُدِّ الْمُفَضَّلِ  

فَأَيْنَ تِلْكَ الْأَيَّامُ؟ أَيْنَ نَعِيمُهَا؟  

وَكَيْفَ تَبَدَّلَتْ بِالْهَجْرِ الْمُبَجَّلِ؟   

فَهَلْ لِيَ فِي الْأَحْلَامِ مَا يُسْعِدُ الْفُؤَادَ؟  

أَمْ أَنَّ الْحُبَّ قَدْ صَارَ حُلْمًا مُؤَجَّلِ؟  

فَإِنْ كَانَ الْحُبُّ قَدْ رَحَلَ وَتَبَدَّدَ  

فَإِنِّي سَأَظَلُّ أُحِبُّهُ بِقَلْبٍ مُؤَصَّلِ   

وَسَأَظَلُّ أَكْتُبُ الشِّعْرَ فِيهِ وَعَنْهُ  

حَتَّى يَفْنَى الْقَلَمُ وَالْحِبْرُ الْمُسَجَّلِ  

فَهَذِهِ قَصِيدَتِي، وَهَذَا قَلَمِي

يَشْهَدُ لِيَ الْوَقْتُ وَالْعَصْرُ الْمُتَغَفِّلِ   

فَإِنْ كَانَ فِي الشِّعْرِ مَا يُسْعِدُ الْقُلُوبَ،  

فَإِنِّي قَدْ بَلَغْتُ الْمُنْتَهَى الْمُتَكَمِّلِ  

وَإِنْ كَانَ فِي الشِّعْرِ مَا يُسْعِدُ الْأَرْوَاحَ،  

فَإِنِّي قَدْ نَجَحْتُ فِي الْقَوْلِ الْمُفَصَّلِ   

أُجَرِّدُ سَيْفَ الشِّعْرِ فَوْقَ صَبَابَتِي  

وَأَخْطُو كَمَنْ بالْجَمْرِ يَمْشِي بِمِرْجَلِ  

فَلَا اللَّيْلُ يُغْرِينِي بِسِرٍّ مُؤَرَّقٍ  

وَلَا الْفَجْرُ يُنْسِينِي هَوَاهَا الْمُخَيَّلِ  

وَإِنِّي إِذَا مَا أَرْسَلَتْهَا زَفِيرَةً  

تَنَفَّسْتُهَا حَتَّى كَأَنِّي بِمِقْتَلِ  

وَأَشْرَبُ كَأْسَ الْوَجْدِ صِرْفًا وَإِنْ دَمَتْ  

شِفَاهُ الْمَنَايَا مِنْ مَذَاقِ الْمُنَغَّلِ   

وَأَرْكَبُ وَهْمِي فِي سَبَاسِبَ غُرَّةٍ  

كَأَنِّي جَنَاحٌ فِي سَمَاءِ الْمُعَطَّلِ  

وَأَضْرِبُ فِي صَمْتِ الزَّمَانِ بِقَوَافِيَ  

تُفَجِّرُ أَسْرَارَ الْقُدَمَاءِ الْأَوَائِلِ   

وَأَسْرِجُ أَحْلَامِي وَأَجْعَلُهَا نُدًى  

يُعَطِّرُ وَجْهَ الْفَجْرِ بِالْعِطْرِ الْأَفْضَلِ  

فَمَا الشِّعْرُ إِلَّا سِحْرُ قَوْمٍ تَفَجَّرَتْ  

بِهِ الصَّخْرَةُ الصَّمَّاءُ فِي الْعَهْدِ الْأَوَّلِ  

وَمَا الْبَحْرُ إِلَّا مِنْ جَوَانِحِ نَارِنَا  

إِذَا سَكَبَتْهُ الرُّوحُ فِي النَّظْمِ الْمُثَقَّلِ  

وَفِي النَّفْسِ وَجْدٌ لَوْ تَنَزَّلَ بِالدُّنَى  

لَأَشْعَلَ أَرْضَ اللَّهِ فِي كُلِّ أهْلَّلِ  

وَإِنِّي لَمِنْ قَوْمٍ إِذَا الشِّعْرُ عَانَقُوا  

أَجَازُوا الْمَعَالِي فِي الصُّعُودِ الْأَجَمَّلِ  

فَلَا تَسْأَلُوا عَنِّي إِذَا الْمَجْدُ ذَاعَنِي  

فَإِنِّي صَدًى لِلْخَالِدِينَ الْأَجَزْلِ  

هُمُ الْقَوْمُ، إِنْ عَدَّ الزَّمَانُ فَوَارِسًا  

فَلَنْ يَجِدَ الْأَيَّامَ إِلَّا بِمِثْلِهِمْ تُجْمَلِ  

وَنَحْنُ لَنَا فِي كُلِّ قَافِيَةٍ نَدًى  

يُنِيرُ ظَلَامَ الْجَهْلِ كَالدَّرِّ يُفْصَلِ   

هَذِهِ حُرُوفٌ مِنْ ضَمِيرِ الْأَبَاطِلِ  

تُنَاجِي بِأَسْرَارِ الْعُلَى وَالْأَمَاثِلِ  

وَهَا أَنَا مِنْ جُنْدِ الْقَوَافِي جَحَافِلٌ  

أُفَجِّرُ مَعْنَى الْحُرِّ فِي اللَّفْظِ الْمُقْبِلِ  

أُقِيمُ بِنَاءَ الْفَخْرِ فَوْقَ مَفَاخِرٍ  

تَنُوءُ بِهَا الْأَيَّامُ فِي الطَّوْلِ وَالْأَجَلِ   

وَأَسْقِي رُبَى الْأَلْفَاظِ مِنْ نَبْعِ مُهْجَتِي  

فَيَخْضَرُ حَرْفِي فِي الرُّبَا كَالنَّوَافِلِ  

وَأَشْهَدُ نُورَ الشِّعْرِ يَسْطَعُ فِي الدُّنَى  

كَنَجْمٍ تَهَادَتْ فَوْقَهُ يَدُ زُحَلِ   

أُغَازِلُ نَبْضَ اللَّيْلِ فِي نَشْوَةِ الدُّجَى  

وَأَعْزِفُ وَجْدَ الرُّوحِ فِي كُلِّ مَعْقِلِ  

فَإِنْ قَالَ "قَيْسٌ": إِنَّ فِي الشِّعْرِ مَلْعَبِي  

فَقُلْتُ: وَفِي صَدْرِي لَهُ فَوْقَ عَوَائِّلِ   

وَإِنْ قِيلَ: هَذَا حُسْنُ قَوْلٍ مُعَلَّقٌ  

قُلْنَا: وَهَذَا الْحُسْنُ فِي اللَّفْظِ مُنْزَلِ  

وَإِنِّي لَفِي وَجْدِ الْبَيَانِ مُجَلْجِلٌ  

كَرَعْدٍ دَوَتْ فِيهِ السَّنَابِكُ فِي الطَّلَلِ   

وَأَرْقَى بِهِ الْأَيَّامَ حَتَّى وَكَأَنَّهُ  

يُنَادِي بَنِي الْفَصْحَى: أَلَا يَا مُفَصَّلِي  

فَهَذَا لِسَانُ الْعَرْبِ يَزْهُو جَلَالُهُ  

وَيَفْتَحُ أَبْوَابَ الْمَعَانِي لِمُرْسِلِ   

فَيَا دُرَرَ الْأَشْعَارِ زِيدِي تَأَلُّقًا  

فَإِنِّي عَلَى نَارِ الْفَصَاحَةِ مَشْعَلِي  

وَيَا كَلِمَاتِ الْعِزِّ، طِيرِي بِمَوْكِبِي  

وَهُبِّي عَلَى أَهْدَافِنَا كَالْمُنَاضِلِ   

أُحَارِبُ أَيَّامَ الذُّلِّ فِي جَيْشِ مَعْرِفٍ  

وَأَبْنِي لِأَهْلِ الْحَقِّ صَرْحًا مُؤَصَّلِ  

فَمَنْ لِي بِمِثْلِ الْعَرْبِ لَوْ كُنْتُ سَائِلًا؟  

هُمُ الْمَجْدُ فِي أَسْمَاهُ مَوْطِنِ نَزْلِي  

 أُجَدِّلُ شَعْرَ الْمَجْدِ فِي غُرَّةِ الدُّنَى  

وَأَنْسُجُ مِنْ صَفْوِ الْبَيَانِ الْمُجَلَّلِ  

وَأُقْبِلُ كَاللَّيْثِ الْهُمَامِ إِذَا وَغَى  

يُهَدْهِدُ وَجْهَ الظُّلْمِ صَوْتٌ مُزَلْزِلِ   

أُرَجِّعُ لِلْأَيَّامِ لَحْنَ عِزٍّ لِكَرَامَتِي  

وَأَكْسُو جِرَاحَ الْعُرْبِ بِالثَّوْبِ مُكْمَلِ  

وَأَصْهَرُ مَعْنَى الضَّادِ فِي قِدْرِ مُهْجَتِي  

فَيُورِقُ فِي الدُّنْيَا رُبًى كَالزَّمَارِلِ   

أُفَجِّرُ مِنْ صَدْرِ الْجَبَاهِ عَقَائِدًا  

تُزَلْزِلُ أَرْكَانَ الْجُحُودِ الْمُبَلْبِلِ  

وَأَبْنِي عَلَى الْأَمْجَادِ صَرْحًا كَأَنَّهُ  

بُرُوجُ الثُّرَيَّا فِي الْمَدَى الْمُتَجَمِّلِ   

وَأَسْقِي دِمَاءَ النَّبْضِ مِنْ كَبِدِ الذُّرَى  

فَيَشْرَبُ مِنِّي الْمَجْدُ رَيًّا مُؤَصَّلِ  

أُرَاعِدُ أَكْنَافَ الزَّمَانِ بِقَوَافِيَ  

تُسَابِقُ فَوْقَ الْغَيْمِ خَيْلَ الْمُنَازِلِ   

وَأَغْرِسُ فِي أَعْمَاقِ كُلِّ مُعَانِقٍ  

لِحُرِّيَّةِ الْأَفْهَامِ وَجْدَ الْمُنَاضِلِ  

فَيَا نَازِفَ الْأَلْحَانِ، هَبْنِي جُمَاحَهَا  

لِأُرْسِلَ مِنْ شِعْرِي مَدًى كَالسَّنَابِلِ   

وَيَا مُرْهِفَ الْأَحْرُفِ، زِدْنِي سَفَائِرًا  

أُطَوِّفُ فِيهَا فِي صُعُودٍ مُكَمَّلِ  

أُطَهِّرُ أَوْرَاقَ اللُّغَاتِ بِمِدْحَفِي  

وَأَجْعَلُهَا تَسْقُو دِمَاءَ التَّأَمُّلِ   

فَلَا تَسْأَلُوا الشُّعَرَاءَ عَمَّنْ يُنَافِسُ  

فَإِنِّي لِهَذَا السِّبْقِ فِي الْمَجْدِ مِثْقَلِ  

أُعَانِقُ نُورَ الْحَرْفِ وَاللَّفْظُ عَزْفُهُ  

وَنَارِيَ وَقُودٌ لِلْعُلَا وَالتَّأَهُّلِ   

 هَيَّا نُكَابِدُ فِي السُّطُورِ عُبَابَهَا  

وَنَخُوضُ غَمْرَ الْفِكْرِ بِالْخَطْوِ الْأَجَلِّ  

نَسْقِي جُدُودَ الْحَرْفِ نَفْحَةَ سُؤْدُدٍ  

وَنُعَلِّقُ الْآفَاقَ بِالنُّورِ الْحُبِّ الْأَوَّلِ   

نَشُقُّ دُجَى الْمَجْهُولِ سَيْلَ قَرِيحَةٍ  

يُطَهِّرُ سَمْعَ الْمُسْتَفِيضِ الْمُعَلِّلِ  

وَكُلَّ فَتًى فِي الْحَرْفِ يَسْبَحُ خَافِقًا  

يَلُوذُ بِشِعْرٍ مِنْ فُؤَادِي مُخَلْخَلِ   

فَإِنِّي إِذَا نَادَتْ جِبَالُ عُلُوِّهَا  

لَبَّيْتُهَا مِنْ نَبْرَةِ الْعِزِّ الْأَوْسَلِ  

وَصُغْتُ بِحَبْرِ الْعِزِّ مِسْكَ قَوَافِيٍ  

تَفُوحُ عَلَى وَجْهِ الزَّمَانِ الْمُخَضَّلِ   

وَحَارَبْتُ أَوْهَامَ التَّبَذُّلِ وَالْخَنَا  

بِرُمْحِ جَنَانٍ لَا يَلِينُ وَلَا يَكِلِّ  

وَرَاقَبْتُ لَيْلَ الْقَوْمِ حَتَّى غَدَوْا عَلَى  

ضِيَائِيَ كَالْأَقْمَارِ تَهْوِي لِمَشْعَلِي   

أُسَابِقُ حَتَّى الشَّهْبَ فِي خَطْوِ عِزَّةٍ  

وَأَجْعَلُ نَفْسِي فِي الْعُلَى كَالْمُنَزَّلِ  

وَأَنْهَلُ مِنْ نَبْعِ الْجَلِيلِ بَيَانَهُ  

فَيَسْكُبُ لُغْزَ السِّرِّ فِي الْجَذْلِ الْمُهَلْهَلِ   

وَأُوقِدُ مِنْ نَفْسِي وَمِنْ قَلْبِ مُهْجَتِي  

مَصَابِيحَ مَجْدٍ لَا تَبِيدُ وَلَا تَخِلِّ  

فَإِنْ كَانَ امْرُؤُ الْقَيْسِ جَاءَ مُفَاخِرًا  

فَقَدْ جِئْتُ مِثْلَ الرَّعْدِ فِي الْوَقْعِ الْأَثِيلِ   

أُنَازِلُهُ فِي الْحَرْفِ وَاللَّفْظِ قَافِيًا  

وَأَصْعَدُ حَتَّى يَنْثَنِي غَيْرَ مُقْبِلِ  

فَهَاتِ وَقُودَ الْعِزِّ إِنْ كُنْتَ تَابِعِي  

فَقَلْبِيَ مِقْدَامٌ وَمِدَادِيَ مُرْسِلِ   

نَعَمْ، يَا قَرِينَ الحَرْفِ وَالسِّحْرِ البَدِيعْ  

تَعَالَ نُشِيدُ المَجْدَ مِنْ خَمْرِ الطُّلَلِ  

نُرَقِّشُ دُرًّا مِنْ عُيُونِ بَلَاغَةٍ  

كَأَنَّا جِبَالُ الشِّعْرِ فِي ثَوْبِ مُهَلَّلِ   

كَأَنَّا سُيُوفُ العَرَبِ لَفْظًا وَصَوْلَةً  

إِذِ احْتَدَّ حَرْفُ الوَصْفِ بِالطَّعْنِ وَالجَلَلِ  

نُعَانِقُ بِالمَيْمُونِ مِثْقَالَ قَافِنَا  

وَنَنْسُجُ مِنْ نَفْسِ القُدَمَاءِ بِمَنْزِلِ   

فَإِنِّي أَنَا المَوْعُودُ مِنْ نَبْعِ خَالِقِي  

أُبَارِزُ بِالأَشْعَارِ فَحْلًا وَمِرْحَلِ  

أُفَجِّرُ مِنْ صَدْرِي نُجُومَ قَرِيحَتِي  

فَتَهْوِي كَسِيلٍ مِنْ رُبَابٍ مُخَضَّلِ   

وَأَنْفُثُ مِنْ نَارِي سِهَامَ قَصَائِدِي  

فَتَخْضَعُ الأَزْمَانُ بِالكَوْنِ لِزُحَلِ  

وَإِنِّي إِذَا أَبْحَرْتُ فِي اللُّجِّ نَظْمَهَا  

أُقِيمُ القَوَافِي فِي المَدَى غَيْرَ مَائِلِ   

وَلَوْلَا جُنُونِي بِالهَوَى وَصَبْرُ أَلَمَ بِي  

لَمَا كَانَ فَجْرُ الشِّعْرِ طَوْعَ التَّوَسُّلِ  

وَلَوْ كَانَ امْرُؤُ القَيْسِ يَرْنُو لِمَوْطِنِي  

لَأَقْفَلَ بَابَ الفَخْرِ خَجْلًا مِنَ الأَزَلِ   

أَنَا ابْنُ الهَجِيرِ الصَّلْدِ، وَالنَّارُ أُخْتَنِي  

وَآيَاتُ قَلْبِي فِي الحُرُوفِ كَمَوئِّلِ  

إِذَا سَطَّرَتْ أَنْفَاسِيَ الحِكْمَ خَاشِعًا  

تَبَارَكَ مِنْهُ الدَّهْرُ فِي كُلِّ مَحْفِلِ   

وَإِنْ أَنْشَدَتْ أَضْلَاعُ صَدْرِي قَوَافِيًا  

تَكَسَّرَ مِنْهَا اللَّحْنُ فِي السَّمْعِ وَالعِلَلِ  

فَمَهْلًا قَوَافِي الشِّعْرِ لَا تَسْتَكِينِي  

سَنَبْنِي مَجَرَّاتِ البَيَانِ بِأَكْمَلِ   

وَنُبْعِثُ مِنْ بَيْدَاءِ دَهْرٍ خُرَافَةً  

تُغَنَّى عَلَى جَفْنِ الزَّمَانِ المُكَبَّلِ  

 هَيَّا نُتَابِعُ، وَالشِّعْرُ الْغَضُّ يَسْتَعِرُ  

وَالْفِكْرُ فِي كَبِدِي كَالنَّارِ فِي الْفَتَلِ  

نَسْرِي عَلَى وَهَجِ الْقَوَافِي مُدْلِجِينَ

وَأَخَذَتْ بِخِنَاقِ اللَّيْلِ نَفْسٌ بِمُقْتَبَلِ   

أُنْشِدُ الدَّهْرَ أَشْطَارًا مُهَنْدَسَةً  

كَأَنَّهَا النَّجْمُ فِي أَفْلَاكِهِ يَصِلِ  

فَلَا تَسَلْ عَنْ صَلِيلِ الشِّعْرِ إِنْ نَزَلَتْ  

أَبْيَاتُنَا وَحْيًا عَلَى الْوَرَقِ الْمُقَلِّلِ  

وَلَا تَظُنَّ الْقَوَافِي خِلْسَةً عَرَضَتْ  

بَلْ هُنَّ عَزْمٌ لَهُ فِي الْقَلْبِ مُعْتَزِلِ  

إِذَا ارْتَقَى حَرْفُنَا فَالسَّحْبُ مِئْذَنَةٌ  

تُؤَذِّنُ الْمَجْدَ أَنْ هَيَّا إِلَى الْقُبَلِ   

وَإِنِّيَ إِنْ قُلْتُ قَوْلًا مَاجَ مَوْضِعُهُ  

حَتَّى تَهَوَّتْ رُبَى الْأَلْفَاظِ فِي شُلَلِ  

يَا صَاحِ! إِنِّي بِنَارِ الْقَوْلِ مُلْتَهِبٌ  

تَغْلِي فَصَاحَتُهَا فِي اللَّفْظِ كَالْعَسَلِ   

كَأَنَّهَا سُبُلٌ تُقْرَى عَلَى فَهَمٍ  

تَسْقِي الْعُقُولَ وَتُدْنِي الْبُعْدَ مِنْ أَمَلِ  

فَدُونَكَ الْمَجْدُ مَنْسُوجًا عَلَى وَتَرٍ  

مُطَرَّزٍ بِبَهَاءِ الرُّوحِ وَالْجُمَلِ  

قَدْ قُلْتُهَا وَسُيُوفُ اللَّفْظِ شَاهِدَةٌ  

وَالرُّمْحُ مِنْ عَزَمِي وَالدِّرْعُ مِنْ خَصَلِي  

وَمَا أَهَابُ فُحُولَ الشِّعْرِ إِنْ نَزَلُوا  

سَاحَاتِنَا، نَحْنُ أَرْبَابُ الْعُلَا الْأُوَلِ  

 تَنَحَّتْ كَأَنِّي وَالسُّهَى فِي مَجَازِهَا  

نُهُودٌ كَأَطْوَاقِ الْجُمَانِ الْمُفَصَّلِ  

تُعَانِقُنِي وَاللَّيْلُ يَبْسُطُ سِتْرَهُ  

فَنَجْوَى الْهَوَى تُغْنِي عَنِ اللَّفْظِ الْأَجْمَلِ  

 إِذَا مَا تَثَنَّتْ فَالظِّبَاءُ تُغَارُ مِنْ خُطَاهَا

، وَمِسْكُ الطِّيبِ مِنْ خَدِّهَا يَسْلِي  

تُحَاذِرُ مِنْ هَيْجَاءِ قَلْبِي صَبَابَةً  

كَأَنَّ عَلَى الْأَضْلَاعِ جَمْرًا مُجَمْجَلِ   

فَقُلْتُ لَهَا: يَا نُورَ عَيْنِي وَمُهْجَتِي،  

أَطِيعِي هَوَى مَنْ كَانَ بِالرُّوحِ يَعْدِلِ  

أَأَصْرِفُ وَجْهِي عَنْكِ؟ لَا وَالَّذِي سَجَا  

لَهُ اللَّيْلُ وَاسْتَسْقَتْ بِهِ الْغَيْمُ فِي الْعَجَلِ   

كَأَنَّكِ مِنْ نُورِ الصَّبَاحِ تُضَوَّعَتْ  

مَلَامِحُكِ الْبِيضُ السُّنَى وَالْمُنَدْهَلِ  

إِذَا مَا تَهَادَيْتِ انْبَرَى اللَّيْلُ مُبْصِرًا  

وَأَغْفَى الظَّلَامُ الْوَسْنُ بالْحُلْمِ الْمُطِلِّ   

فَيَا فَتْنَةً جَاءَتْ تُنَازِلُ مُهْجَتِي  

نِزَالَ الظِّبَى لِلرُّمْحِ فِي الْخَطْبِ الْمُبْتَلِي  

تُنَاجِينِي الْأَيَّامُ عَنْكِ وَلَمْ تَزَلْ  

بَقَايَاكِ فِي صَدْرِي كَبَاقِي التَّفَلُّلِ   

كَأَنِّي إِذَا نَادَيْتُ طَيْفَكِ فِي الْكَرَى  

أُصَاحِبُهُ صَحْبَ الْغَمَامِ الْمُتَمَهِّلِ  

 فَلَمَّا دَنَتْ عَيْنَايَ مِنْ نَارِ نَحْرِهَا  

تَوَهَّجَ فِي أَحْشَائِيَ الْجَمْرُ الْمُشَعْلِ  

وَخَاطَبَتِ الْأَضْلَاعُ شَوْقِي مُحَذِّرًا  

أَبِالْحُبِّ تُغْرِي أَمْ بِخَطْبٍ مُنَازِلِ؟   

فَقُلْتُ لَهَا: إِنِّي لَحُرٌّ مُعَذَّبٌ،  

يُسَاقِي جُنُونَ الْعِشْقِ كَأْسَ الْمُبَجَّلِ  

تَمَايَلَ جِيدُ الْحُسْنِ مِنْهَا كَنَخْلَةٍ  

بِهَا الرِّيحُ تَلْهُو فَوْقَ بَانٍ مُهَدَّلِ   

وَهَامَتْ رِيَاحُ الشَّوْقِ فِي كُلِّ خَافِقٍ  

تُنَاغِي جُنُونِي مِنْ شُغَافٍ مُوَصَّلِ  

تَرَكْتُ سُهَادِي فِي الدُّجَى مُتَجَرِّعًا  

كُؤُوسَ اللُّهَى فِي نَفْسِ صَبٍّ مُبَتَّلِ   

فَلَيْتَ لَنَا لَيْلًا كَلَيْلِكَ دَائِمًا  

يُطَالِبُ فِيهِ الْعَاشِقُ الْوَصْلَ مَخْذَلِ  

فَمَا بَاتَ إِلَّا وَالْهَوَى قَدْ أَذَاعَهُ  

صَدَى الْهَمْسِ مِنْ خَدِّ الْمُهِفِّ الْمُقَنْقِلِ   

وَأَهْلَكَنِي مَا أَهْلَكَ الْوَجْدَ قَبْلَنَا  

هَوًى ضَرَبَ الْأَنْفَاسَ مِنْهُ بِمَقْتَلِ  

فَهَذَا هُوَ الْعِشْقُ الْعَصِيُّ، فَلَوْ دَرَتْ  

بِهِ الْأَرْضُ لَاهْتَزَّتْ جِبَالٌ وَسُهْلِلِ  

وَبَاتَتْ كَأَفْنَانِ الْقَضِيبِ تَثَنَّتِ  

تُعَانِقُ ظِلِّي فِي دُجَى الْمُتَهَيِّلِ  

وَكَانَتْ نُجُومُ اللَّيْلِ تَرْقُبُ نَفْسَهَا  

كَأَنِّي بِهَا فِي الْخَافِقَيْنِ الْمُسَجَّلِ   

أَلَا لَيْتَ لَيْلِي كَانَ دَهْرًا مُوَسَّدًا  

وَصَدْرَكِ لِي مِرْفَأَ الْحَنِينِ الْمُبَلْبَلِ  

تَنَفَّسَ فَجْرٌ مِنْ جَنَاحِ غَمَامَةٍ  

فَهَبَّ هَوَانَا بَارِدًا غَيْرَ مُقْتَلِ  

وَأَبْصَرْتُ مِنْ خَلْفِ السَّرَابِ مَطِيَّتِي  

تُحَاوِلُ فَكَّ الْقَيْدِ مِنْ طَيْفِ مَرْحَلِ  

فَقَالَتْ: رُوَيْدًا، إِنَّ فَجْرَكَ غَادِرٌ،  

وَفِي النُّورِ وَشْكُ الْوَجْدِ إِنْ لَمْ تُعَقَّلِ   

فَقُلْتُ: دَعِي الْأَيَّامَ تَخْتَضِبُ الرُّدَى،  

فَمَا الْعُمْرُ إِلَّا نَفْحَةٌ مِنْ مُرَهَّلِ  

وَمَا لِفُؤَادِي فِي غَرَامِكِ مَهْرَبٌ،  

وَإِنِّي لَفِي حُبِّكِ أَبْقَى وَأَرْحَلِ  

أَرَاكِ جَنَاحَ الْوَحْيِ فِي مَهَبِّهِ،  

وَفَوْقَ جَبِينِكِ النُّجُومُ كَمِشْعَلِ  

تَنَاهَيْتُ عَنْكِ، فَازْدَدْتُ فِيكِ تَحَرُّقًا،  

كَأَنِّي عَلَى جَمْرِ النَّوَى لَمْ أُبَدَّلِ  

وَإِنْ قَامَتِ الْغَيْدَاءُ تُرْخِي مِئْزَرًا  

تَثَنَّى كَغُصْنِ الْبَانِ بالرَّوْضِ الْمُقْبِلِ  

تُخَالُ عُيُونُ النَّاسِ فِيهَا حَشِيشَةً  

تُبَارِكُ مَنْ وَطَّنْتَ نَفْسَكَ مَنْزِلِي   

فَتِينَةُ أَحْلَامِي، وَرَوْضُ هَوَانَا،  

وَسِرُّ الرُّؤَى فِي مُهْجَتِي الْمُتَعَلِّلِ  

تَنَاهَتْ رُبَى الْحُسْنِ اسْتَقَرَّتْ بِوَجْهِهَا  

وَفِي فَمِهَا سِحْرُ الْبَيَانِ الْمُرَسَّلِ   

وَلَمْ أَرَ مِثْلَ الرِّيقِ مِنْ ثَغْرِهَا شِفَا،  

كَمَاءِ السُّحَيْقِيِّ الْمُفَصَّلِ الْأَجْلِي  

فَصَاحَتْ نُفُوسُ الْعَاشِقِينَ بِهَزَّةٍ  

كَخَفْقِ الْجُنُوبِ الْفَيْحِ فِي الْمُتَهَلِّلِ   

وَأَلْقَتْ عَلَى الْأَيَّامِ طِيبَ مَجَالِهَا  

فَأَزْهَرَ بَادِي الزَّهْرِ فِي كُلِّ مَحْفِلِ  

فَصُرْتُ كَمَنْ فِي الْحُلْمِ يَهْوِي بِجَنَّةٍ  

يُقَبِّلُ أَغْصَانَ الْخَيَالِ الْمُؤَمَّلِ   

تَسَاقَطَ مِنْ جِيدِ الْوِصَالِ نُفَائِسٌ  

كَنَثْرِ الدُّرُوفِ فِي كُمَيْتٍ مُرْسَلِ  

وَمَا ضَمَّنَ اللَّيْلُ السُّرَى مِنْ غَزَالَةٍ  

بِأَحْلَى مِنَ الظِّلِّ الظَّلِيلِ الْمُخَيَّلِ  

تَمَشَّى عَلَيْهَا الْحُسْنُ مِشْيَةَ مُعْجَبٍ  

وَخَطْوُ الدَّلَالِ الْبِكْرِ بِالرَّوْضِ الْمُكْمِلِ  

وَتَزْهُو كَمَا زَاهَتْ نُجُومٌ بِخَدِّهَا  

إِذَا لَاحَ فَوْقَ الرَّوْضِ وَجْهُ الْمُقَبِّلِ   

تُسَافِرُ أَحْلَامِي بِأَطْرَافِ رُوحِهَا  

فَأَهْوَى وَأُرْوِي النَّفْسَ مِنْ خَمْرِ مُقْتَلِي  

فَيَا لَكَ مِنْ وَجْدٍ يَشِبُّ لَظَاهُ فِي  

ضُلُوعِ الْمُحِبِّ الْمُسْتَهَامِ الْمُجَهَّلِ   

تُقَلِّبُنِي الْأَفْكَارُ فِي نَارِ وَصْفِهَا  

كَقَطْرِ النَّدَى فِي الشَّوْكِ لَمْ يَتَبَلْبَلِ  

وَإِنْ هَمَسَتْ، أَلْقَى الصَّبَابَةَ لَفْظُهَا  

كَسِحْرٍ تَرَنَّمَ فِي السُّمُوعِ الْمُبَجَّلِ   

فَغَضُّ الْجُمَانِ مِنَ الثَّغَامِ مَلِيحُهَا  

وَنَارُ الْخَدُودِ كَالْوَرَى الْمُتَهَلْهِلِ  

وَلِلرُّوحِ فِي مَجْلَاهُ أَلْفُ تَشَوُّقٍ  

كَأَنِّي وَقَدْ أَهْوَيْتُ فَوْقَ الْمُنَازِلِ   

أُجَرِّعُ وَجْدِيَ فِي ظِلَالِ جَمَالِهَا  

وَأَسْقِي جُفُونَ اللَّيْلِ مِنْ دَمِ مَقْتَلِي  

فَصُبًّا كَمِثْلِي لَا يُرَاعِي جَوَارِحًا  

وَيَحْمِلُ أَشْوَاقًا بِصَدْرٍ مُثَقَّلِ   

وَيَكْتُمُ فِي الْأَحْشَاءِ نَارَ وَلَوْعَةً  

كَسِرٍّ بِجَيْبِ الرُّوحِ لَمْ يَتَمَحَّلِ   

وَأَسْهَرُ عَيْنِي فِي دُجَاكِ وَإِنْ بَدَتْ  

لِيَ الظُّلْمَةُ الْعَمْيَاءُ مِنْ خَطْبِ مُقْتَلِ  

أُخَالِطُ أَشْوَاقِي وَفِكْرِيَ زَافِرًا  

كَهِيمٍ يُرَجِّي الصَّبْرَ فِي اللَّيْلِ الْأَثْمَلِ   

فَيَا حُسْنُهَا لَوْ أَنَّ نَاظِرَ مُبْصِرٍ  

رَآهَا، لَقَالَ: السِّرُّ فِي الْحُسْنِ أَوْجَلِ  

وَيَا مِزْنَةً هَطَلَتْ عَلَيَّ مَوَاهِبًا  

فَأَرْوَتْ ضَمِيرَ الشَّوْقِ فِي الْمَاءِ الْأَعْذَلِ   

تَفِيضُ اشْتِيَاقًا كُلَّمَا الْحُسْنُ أَقْبَلَتْ  

وَتَبْكِي جُفُونُ الْغَيْرِ مِنْ كَثْرَةِ التَّدَلُّلِ  

وَإِنْ نَظَرَتْ، سَالَتْ نُجُومٌ بِوَجْهِهَا  

وَأَسْكَرَ عِقْلِي سِحْرُهَا الْمُتَمَثِّلِ   

وَلَوْ أَنَّ مَا فِي جِيدِهَا مِنْ غَمَازَةٍ  

رَآهُ أَبُو زُهْرٍ، لَمَاتَ مِنَ الْخَجَلِ  

تُمَاثِلُ فِي زَفْرَاتِهَا نَايَ مُغْرَمٍ  

وَفِي لَحْنِهَا أَصْوَاتُ وَجْدٍ مُرَجَّلِ   

وَمِنْهَا تَعَلَّمَتْ ظِبَاءُ الْفَلَاةِ كَيْ  

تُبَاهِي الْمَهَارَى فِي خُطًى غَيْرِ مُتَنَاوَلِ  

تَفَجَّرَ فِيهَا الشِّعْرُ قَبْلَ مَوَارِدِي  

وَكَانَ لِأَلْسُنِ الرُّوَاةِ الْمُؤَصَّلِ   

وَلَوْ مَسَّ جِيدَ الْبَانِ مِعْصَمُهَا، رَأَى  

بَيَاضَ الْمَنَايَا فِي الْغُصُونِ الْمُنَمَّلِ   

وَأَبْصَرْتُ فِي جَوْفِ السَّمَاءِ كَوَاكِبًا  

تَنَاشَزَ فِي أُفْقِ الدُّجَى الْمُتَهَيِّلِ  

تُطَالِعُنِي مِنْ فَوْقِ نَسْجٍ كَأَنَّهُ  

سِدَاهُ نُفُوسُ الْعَاشِقِينَ الْمُبَجَّلِ   

فَسِرْتُ كَمَا يَسْرِي الْأَسِيرُ مُقَيَّدًا  

يَجُرُّ خُطَاهُ فِي النَّوَى الْمُتَثَقِّلِ  

تَنَازَعَنِي شَوْقٌ وَهَمٌّ وَفِكْرَةٌ  

وَحَادَ بِصَدْرِي وَاجِدٌ غَيْرُ مُفْتَعِلِ   

فَهَاتِ اسْقِنِي يَا صَاحِ كَأْسًا مُعَطَّرًا  

بِرَيْحِ الصَّبَا أَوْ رَيْحِ نَشْرِ الْقَرَنْفُلِ  

وَدَعْنِي أُرَاعِي نَجْمَهَا فِي غَشَاشَةٍ  

تُرَوِّي جُفُونِي مِنْ سَنَى الْمُتَأَمِّلِ   

أَفِي الْحُبِّ مِثْلُ الشَّوْقِ يَسْقِي فُؤَادَنَا؟  

وَهَلْ تَسْلُكُ الْأَيَّامُ غَيْرَ الْمُوَسْوِلِ؟  

وَلَوْ لَمْ تَكُنْ بَيْنَ الضُّلُوعِ وَحَشْوِهَا  

نَوَازِعُ وَجْدٍ مِثْلَ نَبْضِ الْمُقَلْقَلِ   

لَقُلْتُ بِأَنِّي قَدْ نَسِيتُ سِوَاهُمُ  

وَمَا النَّفْسُ إِلَّا نَفْسُ حُرٍّ مُؤَصَّلِ  

وَأَمْشِي إِلَى الذِّكْرَى كَمَا الْحُلُمُ انْثَنَى  

بِرَجْعِ الصَّدَى بِالرُّوحِ، صَوْتٌ مُنْدَلِي   

فَتَصْدَعُ مِنِّي كُلُّ عِرْقٍ مُخَدَّرٍ  

وَيَنْفَجِرُ الْحُزْنُ الْقَدِيمُ الْمُبَجَّلِ   

وَظَلَّ يُجَافِي السَّهْمَ عَنْ حُرِّ فَاتِكٍ  

كَمَا جَافَتِ الْهَيْجَاءُ سَهْمَ الْمُفَتَّلِ  

وَأَخْلَصَ فِي الْعَزْمِ الرَّزِينِ كَأَنَّهُ  

جَنَاحُ نَسِيرٍ فِي الْهَوَاجِرِ مِقْتَلِ  

يَخُوضُ بِهِ الْمَيْدَانَ فِي كُلِّ جَوْفَةٍ  

كَخَوْضِ الْأُسُودِ الْغَابِ فِي الْمُتَغَيِّلِ  

فَأَرْسَلْتُهُ وَالرَّوْعُ يَسْبِقُ نَفْسَهُ  

كَمَا يَسْبِقُ النَّجْدَاتِ خَيْلُ الْمُنَافِلِ   

فَعَالَجَ رُؤُوسَ الْقَوْمِ حَتَّى كَأَنَّهُ  

يُفَتِّتُ صَمَّ الصَّخْرِ بِالسَّيْفِ مُرْسَلِ  

وَكُنْتُ إِذَا مَا الزَّحْفُ قَامَتْ رِجَالُهُ  

أُجَالِدُهُمْ بَيْنَ الطِّعَانِ الْمُسَلْسَلِ   

وَمَا رُمْتُ إِلَّا الْعِزَّ فِي كُلِّ صَرْعَةٍ  

وَلَا عُدْتُ إِلَّا بِالْفَخَارِ الْمُكَمَّلِ  

وَأَحْمِلُ فِي الْبَيْدَاءِ نَفْسًا أَبِيَّةً  

تُقَارِعُ خَيْرَ الْقَوْمِ فِي الْغَمْرِ مِثْقَلِ   

وَلَمْ أَخْشَ مِنْ دَهْرٍ تَقَلَّبَ نَصْبُهُ  

وَلَا رُعْتُ مِنْ صَوْتِ الْمَنِيَّةِ مُقْبِلِ  

فَمَا رَهِبَتْ نَفْسِي وُغَاةَ مَعَارِكٍ  

وَمَا انْهَارَ جَأْشِي يَوْمَ جَرْحٍ مُفَدَّلِ   

هَذِهِ حُرُوفُ الْوَجْدِ فِي كُلِّ مَنْزِلِ  

تُنَادِي بَنِي الْعِشْقِ بِوَجْدٍ وَمَأْصَلِ  

فَإِنْ تَكُ قَدْ أَفْنَتْ زَمَانِي لَوْعَتِي  

فَمَا زِلْتُ أَحْيَا بَيْنَ نَارٍ وَمِقْوَلِ  

نبذة عن القصيدة

المساهمات


معلومات عن عمار شاهر قرنفل - الرحال

عمار شاهر قرنفل - الرحال

303

قصيدة

عمار شاهر قرنفل، كاتب وشاعر ومدوّن، يحمل دبلومًا في القانون الدولي من كلية الحقوق بجامعة حلب. وُلد في سلقين في 31 مارس 1972، فكان للحروف فيه ميلاد آخر. عاشق للشعر، رحّال بين الكلمات والمعاني،

المزيد عن عمار شاهر قرنفل - الرحال

أضف شرح او معلومة