الديوان » عمار شاهر قرنفل - الرحال » الحب والفراق: سارة في ذاكرة الأطلال

عدد الابيات : 211

طباعة

أَقِفُو الدِّيَارَ وَلِلْحَنِينِ تَوَهُّجٌ

فِي مُقْلَتِي نَارٌ تُسَاقِطُ كَالدِّيَمِ

وَأُنَاجِيَ الْأَطْلَالَ بَعْدَ تَفَرُّقٍ

قَدْ كَانَ لِي فِيهَا الْأَمَانُ الْمُتَنَعَّمِ

يَا دَارَ سَارَةَ، هَلْ سَمِعْتِ تَنَهُّدًا

مِنْ عَاشِقٍ يَرْجُو الزَّمَانَ وَلَمْ يَنَمِ؟

كَمْ كُنْتُ أَرْفُلُ فِي رُبَاكِ مُبَجَّلًا

وَالْمَجْدُ يَسْعَى لِي بِكَفِّ الْمُغْتَنِمِ

وَالرَّوْضُ يَحْلُمُ أَنْ يُصَافِحَ خُطَاهَا

وَالزَّهْرُ يَبْكِي كُلَّمَا مَرَّتْ نَعَمِ

قَدْ كُنْتُ أُنْشِدُ فِي هَوَاهَا لَوْعَتِي

وَأُسَائِلُ الظِّبَاءَ عَنْ ذَاكَ النَّسَمِ

وَالرِّيحُ تَحْمِلُ مِنْ عَبِيرِ جَمَالِهَا

مَا يُسْكِرُ الْأَرْوَاحَ مِنْ غَيْرِ الْحُجَمِ

سَكَنَتْ فُؤَادِي قَبْلَ أَنْ تَسْكُنْ ثَرَى

وَبِهَا غَدَوْتُ إِلَى الْعُلَا مِنْ مَغْنَمِ

لَكِنْ تَفَرَّقْنَا، كَأَنَّكِ نارُ لَوْعَةٍ

هَجَرَتْ فُؤَادِي وَارْتَحَلَتْ فِي الظُّلَمِ

يَا دَارَهَا، يَا طَيْفَهَا، يَا أَنْجُمِي

يَا أَيُّهَا الْحُسْنُ الْمُكَلَّلُ بِالْكَرَمِ

إِنِّي سَأَلْتُ اللَّيْلَ: هَلْ تُرْجَى الرُّؤَى؟

فَأَجَابَنِي: صَبْرُ الْجَمِيلِ مِنَ النِّعَمِ

وَسَكَبْتُ دَمْعِي فِي ثَرَاكِ، كَأَنَّهُ

عَهْدُ الْوَدَاعِ تَسَطَّرَهُ يَدُ الْقَلَمِ

كَمْ مَرَّةٍ نَاحَتْ خُيُولُ الذِّكْرِ بِي

وَرَمَتْ فُؤَادِي بِالْمَوَاجِعِ وَالْحُمَمِ

أَهْفُو إِلَيْكِ، كَمَا يَهِيمُ مُسَافِرٌ

قَدْ ضَلَّ دَرْبَ النُّورِ فِي زَمَنٍ عَدِمِ

سَارَةُ، أَمَا لِلْحُسْنِ فِيكِ نِهَايَةٌ؟

أَمْ أَنَّكِ الْحُسْنُ الَّذِي لَا يُخْتَتَمِ؟

تَغْفُو الْقَصَائِدُ فِي جُفُونِكِ طَائِعًا

وَتَصِيرُ لَحَظَاتُ اللِّقَا حُلْمَ الْحِمَمِ

أَيْنَ الْمَوَاعِيدُ الَّتِي قَدْ وَاعَدَتْ

شَمْسَ الصَّبَاحِ بِجِيدِكِ الْمُتَرَنِّمِ؟

هَذِي الدِّيَارُ تَئِنُّ مِنْ ذِكْرَى الْمَدَى

وَمَلَامِحُ الْمَاضِي تُرَاوِغُ كَالْخَيَمِ

لَوْ أَنَّنِي نَسَجْتُ رُوحِيَ فِي الْهَوَى

لَكُنْتُ طَيْفَكِ فِي الْمَدَى الْمُتَلَثِّمِ

لَكِنَّنِي رَغْمَ الْغِيَابِ مُتَيَّمٌ

أَبْكِي عَلَى عَهْدٍ كَحُلْمٍ مُبْهَمِ

يَا دَارَ سَارَةَ فِي الْحِمَى وَالْمَوْئِمِ

هَذِي الدُّمُوعُ عَلَى ثَرَاكِ تُتَرْجَمُ

أَبْكَيْتُ حَتَّى خِلْتُ أَنِّي غَيْمَةٌ

تَهْوِي عَلَى الْأَطْلَالِ كَيْ لَا تُرْحَمُ

عَيْنَاكِ كَانَتْ فِي الْمَدَى مُتَأَلِّقًا

وَالْآنَ وَحْدِي فِي الظَّلَامِ أَتَحَدَّمُ

أَيْنَ الْجَمَالُ هُنَاكَ؟ أَيْنَ حَنِينُهُ؟

كُلُّ التُّرَابِ يُجِيبُنِي: قَدْ أُعْدِمُوا

حَلَّتْ هُنَا، وَمَشَتْ هُنَالِكَ، فَاْنثَنَى

قَلْبٌ يُنَازِعُنِي هَوَاهَا الْمُبْهَمُ

مَا كُنْتُ أَرْجُو غَيْرَ بَسْمَةِ ثَغْرِهَا

لَكِنْ مَضَى عَهْدُ الْمُنَى وَتَهَدَّمُوا

نَادَيْتُهَا: "يَا سَارَةُ"، فَتَقَطَّعَتْ

صَوْتِي الدُّرُوبُ، وَضَاعَ صَوْتِي الْمُفْعَمُ

قَوْمِي الَّذِينَ هُنَا نَزَلْتُ بِدَارِهِمْ

صَارُوا كَطَيْفٍ مَا لَهُ أَنْ يُعْلَمُ

وَالرَّمْلُ يَذْكُرُ خَطْوَهَا فِي صَمْتِهِ

وَيَسِيلُ دَمْعِي كُلَّمَا تَتَقَدَّمُ

يَا دَارَهَا، يَا مَهْبِطَ الذِّكْرَى، أَمَا

فِيكِ اشْتِعَالُ الشَّوْقِ؟ هَلْ تَتَكَلَّمُ؟

كَانَتْ هُنَا.. وَالضَّحْكُ فِي شُرُفَاتِهَا

كَالْعِيدِ، كَيْفَ تَغَيَّبَتْ؟ وَتَوَهَّمُوا؟

مَرَّتْ خَيَالَاتُ اللَّيَالِي حَوْلَنَا

وَالْمَوْتُ فِيَّ، وَفِي الْجِدَارِ تُرْجَمُ

يَا حَجَرَ الدَّارِ الْقَدِيمَةِ، خَبِّرِ

عَنْ لَمْسَةٍ مِنْهَا، فَقَلْبِي يُضْرَمُ

كَمْ قُلْتُ: سَارَةُ، وَالْمَدَى مُتَجَمِّدٌ

كَالصَّمْتِ، لَا شَمْسٌ، وَلَا مَا يُرْحَمُ

يَا بُعْدَ أَيَّامِي، وَيَا قَفْرَ الْهَوَى

مِنْ أَيْنَ أَبْدَأُ؟ وَالْحَنِينُ مُجَرْجَمُ

أَبْكِي عَلَى بَابِ الطُّلُولِ، كَأَنَّنِي

عَنْتَرَةٌ أَضْنَاهُ دَمْعٌ مُؤَلَّمُ

أَسْتَفْهِمُ الْأَطْلَالَ: هَلْ مِنْ نَافِخٍ

رُوحَ اللِّقَاءِ؟ أَمْ تُرَى لَا يُحْلَمُ؟

مَا بَيْنَ عَيْنَيْهَا سَكَنْتُ، فَإِنْ غَفَتْ

مَاتَ الْهَوَى، وَسَرَى الْفُؤَادُ الْمُعْدَمُ

لِي فِي الرِّمَالِ قَصَائِدٌ مِنْ حُزْنِهَا

كَتَبْتُهَا بِدُمُوعِ قَلْبٍ يُؤْلَمُ

فَدَعُوا الدِّيَارَ.. فَكُلُّ بَيْتٍ بَعْدَهَا

قَفْرٌ.. وَكُلُّ حَنِينِ رُوحِي مُحَرَّمُ

سِرْتُ الْهُيَامَ عَلَى جَوَادٍ أَدْهَمِ

يَعْدُو كَأَنَّ الرِّيحَ خَلْفِي تُرْحَمُ

صَهْوَتُهُ نَارُ الْحَنِينِ.. وَسَرْجُهَا

قَلْبٌ يُحَاصِرُهُ الْهَوَى الْمُتَقَدِّمُ

خُطْوِي كَظِلِّ الْبَارِقِ الْمُتَكَسِّرِ

مَا بَيْنَ وِجْدَانِي، وَطَيْفٍ مُبْهَمُ

أَسْرِي كَمَنْ غَابَتْ نُجُومُ طَرِيقِهِ

وَرَمَتْهُ ذِكْرَى فِي السُّمَادِ الْمُظْلِمِ

أَقْفُو الدُّرُوبَ كَأَنَّنِي أَسْتَفْتِي الـ

أَشْجَارَ: أَيْنَ مُحِبَّتِي تَتَكَتَّمُ؟

وَالصَّوْتُ فِي فَلَوَاتِ قَلْبِي مُوحِشٌ

إِلَّا صَدَى سَارَةَ.. يَئِنُّ وَيُضْرَمُ

يَا وَيْحَ رَاحِلَتِي، أَتَبْكِي صَحْبَهَا

أَمْ أَنَّنِي أَبْكِي، وَهِيَ تَتَحَتَّمُ؟

خِفَّافُهَا أَدْمَى الصُّخُورَ صَهِيلُهَا

كَالْوَجْدِ فِي صَدْرِ الْفُؤَادِ الْمُكَلَّمُ

تَطْوِي الْفَيَافِي وَهِيَ تَرْجُفُ مِثْلَمَا

يَرْجُفُ الْمُحِبُّ إِذَا الْهُيَامُ تَقَسَّمُ

مَا بَيْنَ عَيْنَيْهَا الْحَنِينُ مُهَيْمِنٌ

وَكَأَنَّهَا، مِنْ شَوْقِ قَلْبِي تُلْجَمُ

كُحْلِيَّةُ الْأَحْدَاقِ تَرْنُو إِنْ مَشَتْ

وَكَأَنَّهَا بَرْقٌ عَلَى جَفْنِ الْعَتَمُ

تَجْرِي إِلَيَّ كَأَنَّهَا الذِّكْرَى الَّتِي

حَاوَلْتُ أَنْ أَنْسَاكِ فِيهَا، فَتَعْلَمُ

تَمْضِي الطَّرِيقَ، وَنَبْضُ قَلْبِي خَلْفَهَا

يُجْرِي الدُّمُوعَ، وَلَا يُقَالُ: تَوَهَّمُ

يَا رَاحِلًا فِي الشَّوْقِ، هَلْ مِنْ عَوْدَةٍ؟

أَمْ قَدْ خَطَفَتْكَ الرِّيحُ، لَا تَتَكَلَّمُ؟

فِي كُلِّ جَفْنَةِ مَاءِ وَادٍ طَافِحٍ

لَمَحْتُ ظِلَّكِ.. وَالْأَسَى يَتَرَسَّمُ

وَسَمِعْتُ بَيْنَ الصَّخْرِ أَنْفَاسَ الْهَوَى

تَجْرِي، كَأَنَّكِ بَيْنَ ثَوْبِي تَحْلُمُ

يَا شَمْسَ أَيَّامِي، وَيَا جَمْرَ الدُّجَى

أَيَّ السَّبِيلِ إِلَيْكِ؟ قُولِي، أُسْجَمُ

هَذَا الطَّرِيقُ إِلَيْكِ جَفَّتْ نَبْضُهُ

لَكِنْ عَلَى أَثَرِ الْهَوَى أَتَسَلَّمُ

مَا سِرْتُ يَوْمًا فِي الْمَنَازِلِ مِثْلَمَا

أَسْرِي عَلَى جَمْرِ الْحَنِينِ، وَأُكْرَمُ

فَإِذَا خَبَا ضَوْءُ الرَّجَاءِ تَذَكَّرِي

أَنِّي عَلَى دَرْبِ الْوَفَاءِ مُتَيَّمُ

يَا دَارَ سَارَةَ بِالْمَقَامِ تَكَلَّمِي

هَلْ نَامَ فِيكِ الْعَاشِقُ الْمُتَأَلِّمِ؟

إِنِّي نَزَلْتُ حَيَاءَ وَجْهِكِ سَاجِدًا

وَالْحُبُّ فِي صَدْرِي كَمَاءِ زَمْزَمِ

وَسَكَبْتُ دَمْعِي فِي ثَرَاكِ تَحَسُّرًا

وَالْقَلْبُ يَرْجُفُ كَالطَّرِيدِ الْمُنْعَمِ

قَدْ طَافَ وَجْهُكِ فِي الْمَدَى فَتَجَلَّتِ

شَمْسًا تُغَنِّي فِي ضَمِيرِ الْأَنْجُمِ

هِيَ لَا تُقَارَنُ بِالْبَشَرِ، فَجَبِينُهَا

فَجْرُ الضِّيَاءِ وَنَبْعُ سِرٍّ مُبْهَمِ

وَالنُّورُ يَنْسَابُ الرُّبَى مِنْ كَفِّهَا

كَالنَّهْرِ يُرْسِلُ رِقَّةَ الْمُتَحَلِّمِ

مَا هَزَّ قَلْبِي مِثْلَ سَارَةَ زِلْزَلًا

هَزَّتْ جَنَاحِي مِثْلَ خَفْقِ الْأَرْقَمِ

فِي مِشْيَتِهَا سُكْرُ الْغَزَالَةِ إِنْ مَشَتْ

وَتَمَايُلُ الْبَانَةِ فِي الْجَوِّ السَّمِ

سُبْحَانَ مَنْ صَاغَ الْخُدُودَ بِلُؤْلُؤٍ

وَرَسَمَ حُسْنَ حَدِيثِهَا الْمُتَبَسِّمِ

إِنْ قَالَتِ الْأَيَّامُ: مَنْ حَسْنَاؤُنَا؟

قُلْتُ: اسْأَلُوا سَارَةَ، وَلَا تَتَلَوَّمِ

بِالْحُسْنِ تُزْهِرُ زَهْرَةً نَدِيَّ الْجَنَى

فِيهَا الْوِصَالُ كَأَنَّهُ لَمْ يُحْرَمِ

مَا زِلْتُ أَلْحَقُ بِالْعَفَافِ خُطَا الْهَوَى

وَالْحُبُّ يُلْجِمُ خَاطِرِي أَنْ أَغْشَمِ

فَإِذَا نَظَرْتُ إِلَى سُهَادِ عُيُونِهَا

سَكِرَ الْفُؤَادُ، كَأَنَّهُ لَمْ يُسْلِمِ

كَادَتْ تَمِيلُ الرِّيحُ مِنْ أَنْفَاسِهَا

طِيبًا كَعِطْرِ الشَّامِ فَوْقَ الْمُرْتَمِ

وَتُزَيِّنُ الْأَيَّامَ إِنْ هَبَّتْ بِهَا

وَتُضِيءُ لَيْلِي دُونَ نُورِ الْمُنَجِّمِ

سَارَةُ… وَإِنْ طَالَ الْمَسِيرُ فَإِنَّنِي

أَهْذِي بِذِكْرَاهَا وَقَلْبِيَ مُضْرَمِ

حُورِيَّةٌ سَكَنَتْ رُبَا وَجَوَانِحِي

وَأَعَادَنِي الشَّوْقُ الْقَدِيمُ الْمُفْعَمِ

أَسْرَيْتُ لَيْلَ الْوَجْدِ أَحْمِلُ نَدَمِي

وَتَسَاقَطَتْ دَمْعَاتُ قَلْبٍ مُزْحَمِ

سَارَتْ بِدَرْبِي سَارَةٌ فَتَبِعْتُهَا

كَمَنِ اسْتَضَاءَ بِنَجْمِهَا الْمُتَبَسِّمِ

عَيْنَاكِ يَا سَارَةُ انْفِلَاقُ كَوَاكِبٍ

فَتَنَتْ عُيُونَ الْفَاتِكِ الْمُتَرَجِّمِ

قَدْ كُنْتُ أَخْشَى الْبَوْحَ حِينَ هَيَامِهِ

وَالْيَوْمَ أُعْلِنُهُ كَصَوْتِ الْمِعْلَمِ

وَاللَّهِ مَا قَلْبِي بِقَلْبِ مُدَّعٍ

لَكِنَّهُ عَبْدٌ لِسِحْرِكِ مُغْرَمِ

هَذِي يَدِي وَكَأَنَّهَا لَمْ تَلْمُسِ

إِلَّاكِ، يَا ذَاتَ الْجَمَالِ الْمُلْهَمِ

سَكَنَتْ حَشَايَ وَقُلْتُ هَيْهَاتِ الْمُنَى

إِنْ لَمْ تَكُونِي أَنْتِ فِيهِ تُخَيِّمِي

لَوْلَاكِ مَا صَبَرَتْ قُدَّامِي زَفْرَةٌ

وَمَا جَرَتْ دَمْعَاتُ شَوْقٍ مُنْجَمِ

أَنَا الْمُقَاتِلُ لَا أَهَابُ مَهَالِكًا

لَكِنْ أَخَافُ فُرَاقَ عَيْنِكِ فَارْحَمِي

سَيْفِي الَّذِي فِي الْحَرْبِ كَانَ مُرْهَفًا

صَارَ ارْتِعَاشًا فِي هَوَاكِ الْمُحْكَمِ

يَا سَارَةَ الْعَيْنَيْنِ يَا نَبْعَ النَّدَى

يَا زَهْرَةً فِي الرُّوحِ لَمْ تَتَكَلَّمِ

كَمْ رُحْتُ أَبْحَثُ فِي الْوُجُوهِ فَلَمْ أَرَ

إِلَّاكِ تُشْرِقُ كَالْبُدُورِ الْأَنْجُمِ

هَيْهَاتَ يَا قَلْبِي تَعُودُ سَلَامَةً

بَعْدَ الَّذِي أَخْفَيْتُهُ مِنْ مَغْرَمِ

إِنِّي أُجَرِّدُ لِلْغَرَامِ قَصِيدَتِي

وَأَمُدُّهَا بِخَفَايَا الْمُتَكَتِّمِ

هِيَ فَاطِمَةُ أَيَّامِي وَجَنَّتُهَا

وَضِيَاؤُهَا فَوْقَ الْمَدَى الْمُتَرَسِّمِ

وَاللَّهِ مَا لِسِوَاكِ عِنْدِي وِجْهَةٌ

فَامْسَحِي جُرْحِي بِعَيْنِ الْمُرْحِمِ

فَأَنَا الَّذِي مَا لَانَ فِي جَبَهَاتِهِ

سِوَى لِجَبْهَتِكِ النَّدِيَّةِ فَافْهَمِي

فَإِنِ اسْتَقَامَتْ لِي خُطَاهَا مَرَّةً

فَكَأَنَّمَا دُنْيَايَ فِيكِ تُنْظَمِ

إِنِّي لَأَرْفَعُ فِي هَوَاكِ رَايَتِي

وَأُقِيمُ مَمْلَكَتِي بِرَوْضِكِ فَاحْتَرِمِي

لَمَّا بَدَا وَجْهُ الْحَبِيبَةِ كَالْبَدْرِ

أَوْقَدْتُ فِي قَلْبِي لَهِيبَ التَّضَرُّمِ

وَغَدَوْتُ أَشْهَقُ مِثْلَ عَاشِقٍ مُولَهٍ

قَدْ ضَاقَ صَدْرُ الْحُلْمِ بَعْدَ تَبَرُّمِ

سَارَةُ، يَا شَمْسَ الضُّحَى إِنْ أَشْرَقَتْ

ذَابَتْ جَلِيدَاتِي، وَهَمِّي الْمُعْتَمِ

كَانَتْ يَدِي تَرْجُو يَدَيْكِ، فَلَمْ أَجِدْ

غَيْرَ الْجِرَاحِ وَدَمْعَةٍ فِي الْمَأْتَمِ

وَإِذَا الْتَقَيْنَا وَالنُّجُومُ شُهُودُنَا

رُكْنُ السَّمَا فِي خَافِقِي لَمْ يُظْلِمِ

لَمَّا نَطَقْتِ، تَسَاقَطَتْ أَحْزَانُهُ

قَلْبِي، كَمَا الْوَتَرِ الْمَشْدُودِ الْمُنَغَّمِ

يَا زَهْرَةً فِي كُلِّ سَطْرٍ نَاطِقٍ

قَدْ كَانَ حَرْفُكِ فِي الْمَدَى مُتَرَسِّمِ

إِنْ قُلْتُ إِنَّكِ مُهْجَتِي، فَكَأَنَّمَا

أُقْسِمْتُ فِيكِ كَرَامَتِي وَتَكَرُّمِي

مَا كُنْتُ أَحْسَبُ أَنَّ يَوْمَ لِقَائِنَا

سَيَكُونُ مِيقَاتِي، وَيَوْمَ تَرَحُّمِي

لَكِنَّ عَيْنَيْكِ الَّتِي أَبْكَيْتُهَا

نَسَجَتْ مِنَ الْأَنْفَاسِ أَهْدَابَ النَّدَمِ

جَاءَتْ إِلَيَّ كَأَنَّهَا وَجَعُ الْمَدَى

وَبَكَتْ عَلَيَّ كَأَنَّنِي لَمْ أُظْلَمِ

فَتَلَعْثَمَ الْمَعْنَى وَصُعِقْتُ بِالْبُكَا

وَلَمَحْتُ فِيكِ مَلَامِحًا مِنْ مَغْرَمِ

يَا زَهْرَةً بَيْنَ الْقِفَارِ تَرَعْرَعَتْ

فَأَحَلْتِ صَحْرَائِي جِنَانَ التَّنَعُّمِ

مَنْ أَنْتِ؟ هَلْ جِئْتِ مِنَ الْغَيْمَاتِ أَمْ

حَمَلَتْكِ أَجْنِحَةُ النَّسِيمِ الْمُفْعَمِ؟

أَنَا مَا رَأَيْتُ الْحُسْنَ حَتَّى جِئْتِنِي

فَبَدَتْ مَلَامِحُهُ بِلَوْنِ التَّرَحُّمِ

وَغَدَوْتُ عَبْدًا فِي هَوَاكِ، كَأَنَّنِي

نُفِيتُ عَنْ ذَاتِي، وَذُبْتُ بِمَعْلَمِ

يَا مُنْذِرِي أَنَّ الْحَيَاةَ قَصِيدَةٌ

نُظِمَتْ لِذِكْرَاكِ، فَاحْذَرِي مِنْ مُلْهِمِي

لَا تَسْأَلِي: "هَلْ كُنْتَ قَبْلِي شَاعِرًا؟"

فَالشِّعْرُ مِنْ لُقْيَاكِ صَارَ بِأَوْسُمِ

أَبْكِي، وَمِمَّا بِي يَضِيقُ تَكَلُّمِي

وَيَذُوبُ صَبْرِي فِي الْجَوَانِحِ مُلْتَهِمِ

يَا سَارَةُ الْقَلْبُ الْحَزِينُ يُنَاشِدُ

رَجْعَ اللِّقَاءِ، وَمَا لِرَجْعِكِ مِنْ نَسَمِ

مُذْ غِبْتِ، مَا عَادَتْ نُجُومُ اللَّيْلِ لِي

إِلَّا كَنَصْلٍ فِي الضُّلُوعِ الْمُلْتَطِمِ

وَغَدَتْ رُؤَايَ كَوَاكِبًا مُتَسَاقِطًا

تَشْتُو بِعَيْنِي فِي شِتَاءِ الْمَأْتَمِ

يَا سَارَةُ الْأَرْوَاحُ بَاتَتْ مُوحِشًا

وَمَدَى الطَّرِيقِ كَقَبْرِ شَيْخٍ مُعْدَمِ

لَمْ يَبْقَ فِي كَوْنِي سِوَى صَدَى نَحِيبِ

وَصَهِيلِ جُرْحٍ فِي الْفُؤَادِ مُتَرْجِمِ

كُنْتِ الْحَيَاةَ، فَحِينَ فَارَقْتِ الْمَدَى

سَكَنَ الْخَرَابُ، وَجَفَّ رُكْنُ الْمُنْعِمِ

مَا عَادَ ضَوْءُ الْفَجْرِ يَبْعَثُ نَشْوَتِي

كُفَّ السُّرُورُ، وَعَانَقَ الْقَلْبَ السَّقَمِ

أَيْنَ الضِّيَاءُ؟ وَصَوْتُكِ النَّايُ الَّذِي

كَانَ الْهُدَى لِمُسَافِرِي الْمُتَأَلِّمِ؟

هَلْ تَذْكُرِينَ بِأَنَّ قَلْبِي مَا ارْتَضَى

غَيْرَ الْهَوَى، فِيكِ اسْتَقَامَ وَلَمْ يَهِمِ؟

مَا بَيْنَ غَيْبَتِكِ الْجَلِيلَةِ غُرْبَةٌ

تَمْضِي عَلَى جَمْرِ الْخُطَى لَمْ تُرْحَمِ

أَدْنُو إِلَى صُوَرِ الزَّمَانِ كَأَنَّهَا

مِرْآةُ وَجْدِي، أَوْ شُعَاعُ تَأَلُّمِي

يَا سَارَةَ الْعَيْنَيْنِ، كَيْفَ تَغَيَّبَتْ

وَهَوَاكِ نُورٌ فِي الْمَآقِي مُخْدَمِ؟

كُنْتِ الْوِدَادَ، وَمُقْلَتَيْكِ مَرَامَةٌ

فِيهَا الشِّفَاءُ لِقَلْبِ عَاشِقِ مُتَهَدِّمِ

كُلُّ الْأَمَاكِنِ بَعْدَ حُسْنِكِ ضَيِّقٌ

وَالنَّفْسُ أَضْحَتْ مِنْ حَنِينٍ مُكْتَظِمِ

أَبْكِي، فَيَسَّاقَطُ الزَّمَانُ عَلَى يَدِي

كَالْمَاءِ يُسَّاقَى بِخَمْرٍ مُحَرَّمِ

يَا مَنْ هَوِيتُ، فَهَلْ أَرَاكِ كَأَنَّمَا

عَادَ الزَّمَانُ إِلَى رُبَى الْمُتَرَسِّمِ؟

هَذِي اللَّيَالِي لَا تُرِيدُ مُوَاسِيًا

إِلَّا هَوَاكِ، هُوَ الْبَلَاءُ الْمُلْهِمِ

فَإِذَا رَجَعْتِ، فَعَانِقِي هَذَا الَّذِي

قَدْ بَاتَ فِي حُزْنِ اللَّيَالِي مُتَيَّمِ

أَنَا لَا أُجِيدُ سِوَى انْتِظَارِي طَيْفَكِ

وَأُقِيمُ دُنْيَايَ الْجَرِيحَةَ فِي الظُّلَمِ

يَا سَائِلِي عَنْ سُهْدِ قَلْبٍ مُتَيَّمِ

أَذْكَى الْغَرَامُ جَوَى الْفُؤَادِ الْمُتَسَرِّمِ

غَارَ الْحَشَا، لَمَّا النَّسِيمُ تَخَيَّلَا

مِسْكَ الْعَبِيرِ بِرَاحِهَا الْمُتَرَجَّمِ

يَا نَسْمَةً مَرَّتْ بِقُرْبِ مَطَارِفٍ

سَارَتْ بِهَا أَنْفَاسِيَ الْمُتَضَرِّمِ

مَا بَالُ عَيْنِ الشَّمْسِ تُحَدِّقُ مَرَّةً

بِخُطَى سَرَاهَا فِي الدُّجَى الْمُتَكَتِّمِ؟

إِنِّي غِرْتُ مِنْ نَظَرَاتِ كُلِّ مُحَدِّقٍ

حَتَّى مِنَ الْقَمَرِ الْمُضِيءِ الْمُبْسِمِ

يَا وَيْحَ عَيْنِي، كَيْفَ تَجْرُؤُ أَنْ تَرَى

وَجْهَ الْحَبِيبَةِ فِي السَّحَابِ الْمُظْلِمِ؟

سَارَةُ لِي، يَا كُلَّ مَنْ رَامَ الْهَوَى

لَا تَقْتَرِبْ، فَالْحُسْنُ فِيكَ مُحَرَّمِ

مَا الْعُذْرُ إِنْ هَبَّتْ نَسَائِمُ لَيْلِهَا

وَتَمَايَلَتْ مِنْ زَهْرِهَا الْمُتَبَسِّمِ؟

كِسْوَتُهَا مِنْ سِحْرِهَا، وَحَيَاؤُهَا

تَاجٌ عَلَى عَرْشِ الْجَمَالِ الْمُكَرَّمِ

يَا قَلْبُ، كُفَّ، فَإِنَّهَا مِمَّا خُلِقَتْ

لِلنَّاظِرِينَ سِوَى الْهَوَى الْمُتَرَجِّمِ

يَا فِتْنَةً أَغْنَتْ عَنِ الْفَلَكِ الَّذِي

يَهْدِي الدُّجَى لِمُحِبِّهَا الْمُتَفَهِّمِ

غَارَ الْهَوَى، لَمَّا أُثِيرَتْ خُطُوهَا

فَاهْتَزَّ كَوْنُ الْعَاشِقِ الْمُتَكَتِّمِ

قَالُوا: تَغَارُ كَأَنَّهَا فِي كَفِّهِ

بَدْرٌ تَحَجَّبَ عَنْ سِوَى الْمُتَوَسِّمِ

أَحْمِي هَوَاهَا مِنْ خُفُوقِ رِيَاحِهَا

وَأُمِيتُ كُلَّ تَنَفُّسٍ مُتَرَنِّمِ

أَغُضُّ طَرْفِي كَيْ أَقِيهَا نَظْرَةً

مِنِّي، وَقَلْبِي نَارُ شَوْقٍ مُضْرَمِ

لَوْ أَنَّ سِرْبَ الْغَانِيَاتِ تَخَالَطَتْ

مَا فَاقَ طَيْفُ سَارَةَ الْمُتَرَجِّمِ

أَوْ أَنَّهَا طَلَعَتْ كَشَمْسٍ ضَاحِكَةٍ

غَارَتْ نُجُومُ اللَّيْلِ مِنْ مُتَبَسِّمِ

مَا زِلْتُ أُخْفِي وَجْهَهَا فِي خَافِقِي

وَأُحِيطُهَا بِنَدَى الْحَيَا الْمُتَكَتِّمِ

هَذَا هَوَايَ، وَذَاكَ قَدْرِي مُذْ غَدَتْ

فِي الْقَلْبِ سَارَةُ وَالْهَوَى مُتَلَثِّمِ

أُسَدِّدُ السَّهْمَ الَّذِي سَهِمَ الْمُنَى

وَأَقُولُ: مَنْ تَهْوَى الْحَبِيبَةُ فَلْيَمِّمِ

يَا مَنْ تُحَاكِي الْبَدْرَ فِي إِشْرَاقِهِ

مَا سَرَّنِي دَهْرٌ بِغَيْرِكِ، فَاعْلَمِي

وَسَنَاءُ وَجْهِكِ لِلْقُلُوبِ تَفَتُّحٌ

كَالزَّهْرِ يُزْهِرُ فِي الرَّبِيعِ الْمُنْعَمِ

سَارَةُ يَا تَاجَ الْمَكَارِمِ وَالنُّهَى

وَسِنَى الْحَيَا، وَضِيَاءُ كُلِّ مُكَرَّمِ

مَا زِلْتُ أَذْكُرُ فِي ثِيَابِكِ طُهْرَهَا

وَأَرَاكِ قَدْ فُزْتِ الْعُلَا بِالْمَغْنَمِ

تَسْقِينَ مَنْ يُضْنِيهِ جُرْحُ زَمَانِهِ

بِرْقَ الْمَكَارِمِ، لَا بِكَأْسِ مُدَمَّمِ

فَإِذَا تَكَلَّمَتِ الْفَضَائِلُ خَرَّتِ

صَوْتًا يُحَاكِي سِحْرَ نَايٍ مُغْرَمِ

وَتَرَيْنَ فِي عِطْفِ الْبَهَاءِ مَلَكَةً

تَهَبُ السَّلَامَ بِلَمْحَةٍ مِنْ مُبْسِمِ

مَا جِئْتُ أَبْكِي حُسْنَ وَجْهِكِ وَحْدَهُ

بَلْ جِئْتُ أَبْكِي طِيبَ نَفْسٍ مُلْهَمِ

صَبْرًا عَلَى طَيْفٍ يُسَائِلُ مُهْجَتِي

مَاذَا جَرَى؟ وَمَتَى تَعُودُ لِتَرْحَمِي؟

يَا مَنْ صَفَحْتِ كَأَنَّمَا الصَّفْحُ الَّذِي

عَنَّى النَّبِيَّ يَكُونُ فِيكِ مُتَرْجَمِ

وَرَكِبْتِ نَهْرَ الْجُودِ دُونَ تَكَلُّفٍ

حَتَّى كَأَنَّكِ لُؤْلُؤٌ فِي مَبْسَمِ

وَإِذَا الْعُيُونُ تَهَاطَلَتْ بِكِ سُؤْدُدًا

أَبْصَرْتُ نُورَ الْحَقِّ فِيكِ الْمُنَظِّمِ

أَخْلَاقُكِ الْعُلْيَا عَصَتْ مَنْ نَالَهَا

فَغَدَتْ كَأَحْلَامِ الْحِجَازِ الْأَقْدَمِ

كَالسَّيْفِ فِي حَدٍّ، وَفِي نُبْلِ الْوَفَا

تَمْضِينَ، لَا تَخْشِينَ رَيْبَ الْمُجْرِمِ

وَإِذَا الْتَقَى فِيكِ الْجَمَالُ وَحِلْمُهُ

بَاتَ الزَّمَانُ لِذِكْرِكِ الْمُتَرَجَّمِ

أَهْوَاكِ، لَا طَمَعًا، وَلَكِنْ مُهْجَتِي

أَصْبَحْتُ فِيهَا عَاشِقًا لَمْ يُلْثَمِ

مَا كُنْتُ أَنْسُجُ بِالْمَدَائِحِ خُطْوَةً

لَوْلَاكِ، يَا حُسْنَ الرُّؤَى وَالْمَغْنَمِ

يَا زَهْرَةً بَيْنَ الْخَلَائِقِ نُورُهَا

مِنْ زَهْرِ جَنَّاتِ الْعُلَا لَمْ يُعْدَمِ

لَوْ كَانَ فِي صَدْرِي غَرَامٌ غَيْرُكِ

مَا كَانَ لِلصَّدْرِ الْجَرِيحِ تَرَحُّمِ

لَكِنَّكِ الْقَلْبُ النَّقِيُّ، وَبَلْسَمِي

فَسَلِي السِّنِينَ، تُجِبْكِ دَمْعِي الْمُلْتَحِمِ

يَا سَارَةَ الْأَيَّامِ مَا زَالَ الْهَوَى

يَشْدُوكِ مِنْ وَجَعِ اللَّيَالِي الْمُظْلِمِ

مَا كُنْتُ أَدْرِي أَنَّ ضِحْكَتَكِ الَّتِي

كَالشَّمْسِ، تَسْكُنُ فِي فُؤَادِ الْأَنْجُمِ

يَا مَنْ سَكَنْتِ الْقَلْبَ دُونَ تَأَشُّرٍ

مِثْلُ النَّسِيمِ يُلَامِسُ الْمُتَحَطِّمِ

مَا زِلْتُ أَذْكُرُ كَيْفَ كُنْتِ طَرِيَّةً

تَتَهَافَتِينَ كَجَفْنِ غَيْمٍ مُتَرَجِّمِ

قَدْ كُنْتُ فِي عَيْنَيْكِ أَعْظَمَ عَاشِقٍ

وَأَنَا الْهَزِيمُ… وَلَمْ أَكُنْ بِالْمُنْهَزِمِ

فِي خَيْمَةٍ تَحْتَ النُّجُومِ رَأَيْتُنِي

مَلِكًا، وَصَوْتُكِ تَاجُ شِعْرٍ مُلْهِمِ

يَا مَنْبَعَ الْأُنْسِ النَّدِيِّ، كَأَنَّنِي

كُنْتُ ابْنَ حَوْرَاءَ تَجَلَّتْ فِي الْحُلُمِ

هَلْ تَذْكُرِينَ مَسَائِيَ الْمَمْلُوءَ مِنْ

عِطْرِكِ، وَالْغَيْمَاتِ حَوْلِي تُنْظِمِ؟

كُنَّا نُدَاعِبُ لَيْلَنَا فِي سَهْرَةٍ

حُلْوَايَ تَسْرِي بَيْنَ نُطْقِ الْمُبْسِمِ

وَنُقَاسِمُ الْأَشْوَاقَ مِنْ زَفَرَاتِنَا

كَسِنِينَ حَقْلٍ مُنْبِتٍ مُتَكَرِّمِ

مَا بَيْنَ ضِحْكَتِكِ الشَّهِيَّةِ وَالْهَوَى

شُبِّهَ الزَّمَانُ بِفِرْدَوْسٍ مُنَعَّمِ

يَا سَارَةَ الذِّكْرَى، وَرِيحَ بَرَاءَتِي

هَلْ كُنْتِ تَدْرِينَ الْحَنِينَ الْمُؤْلِمِ؟

مَا زِلْتُ فِي رَبْعِ الْهُيَامِ مُخَيِّمًا

كَالْجَمْرِ فِي صَدْرِ الْغَرِيبِ الْمُعْدَمِ

مَا غِبْتِ عَنْ عَيْنِي، وَلَكِنَّ الْمُنَى

تَبْكِيكِ فِي صَدْرِي كَنَارِ الْمُحَرَّمِ

يَا سَارَةُ، الْمَاضِي يُوشِكُ أَنْ يُرَى

مِنْ فَرْطِ وِجْدَانِي بِدَمْعِ الْمُنْهَمِ

مَا خِلْتُ أَنَّ النَّأْيَ يُحْسَبُ مَيْتَةً

لَكِنَّهُ مَوْتُ الْكِرَامِ الْمُتَأَلِّمِ

يَا زَهْرَةً نَفَضَ النَّسِيمُ جَدِيلَهَا

هَلْ يَرْجِعُ الزَّمَنُ الْجَمِيلُ وَيَرْحَمِ؟

كَمْ شَاطِئٍ لِلذِّكْرِ شَاطَرَنَا الْهَوَى

وَسَقَى الْخُطَا مِنْ مَائِكِ الْمُتَبَسِّمِ

وَالْيَوْمَ مَا لِلرِّيحِ تَقْرَعُ خَيْمَتِي

وَتُعِيدُ ذِكْرَكِ فِي الْجُفُونِ وَتَنْدَمِ؟

كَأَنَّ أَيَّامِي الَّتِي عِشْتُ الْهَوَى

فِيهَا، تَعُودُ إِلَى الْجَوَانِحِ تَنْعَمِ

يَا رَبِّ فَاْشْهَدْ أَنَّ سَارَةَ مَوْطِنِي

وَعَلَيْكَ فِي يَوْمِ اللِّقَا لَا تَحْرِمِ

إِنِّي دَعَوْتُكَ خَاشِعًا فِي لَيْلَةٍ

مُتَبَتِّلِ الْحَرْفِ الْمُدَمَّى فِي الْقَلَمِ

إِنْ كَانَ فِي الدُّنْيَا لِقَاءٌ فَاْمْنَحِ الْـ

ـمُشْتَاقَ وَصْلًا يَسْتَقِيمُ بِلَا أَلَمِ

أَوْ فَاْجْعَلِ الْجَنَّاتِ دَارَ وِصَالِنَا

نَجْنِي بِهَا ثَمَرَ الْحَنِينِ الْمُحَرَّمِ

وَإِذَا افْتَرَقْنَا دُونَ مَا مِيعَادِنَا

فَاْجْعَلْ لَنَا ذِكْرَى تُضِيءُ إِلَى الْقِمَمِ

إِنِّي خَلَقْتُ الْحُبَّ مِنْ وِجْدَانِهَا

وَسَكَبْتُهُ شِعْرًا عَلَى صَدْرِ الْعَدَمِ

وَسَكَبْتُ دَمْعِي فِي الْقَصَائِدِ نَازِفًا

حَتَّى تَشَقَّقَ خَافِقِي وَتَصَرَّمِ

مَا عَادَ لِي قَلْبٌ يُطِيقُ تَحَمُّلًا

مَا عَادَ لِي عَظْمٌ يُقَاوِمُ مِنَ الْهَمِ

قَدْ كُنْتُ أَحْيَا بِاللِّقَا فَرَحًا، وَهَا

أَنَا قَدِ انْطَفَأَ الْفُؤَادُ مِنَ السُّقْمِ

يَا رَبِّ فَاْجْمَعْنَا بِدَارِ هَنَاءَةٍ

فِيهَا يُزَالُ الْكَرْبُ عَنْ كُلِّ نَدَمِ

فَإِلَيْكَ يَا رَبِّ الرَّجَاءُ وَإِنَّنِي

مَا خِنْتُ عَهْدَ الْحُبِّ يَوْمًا أَوْ قَسَمِ

سَارَةُ يَا سَكَنِي وَمَأْوَى غُرْبَتِي

يَا جَنَّتِي، يَا طَيِّبَ الذِّكْرَى وَفَهْمِي

إِنْ كَانَ قَدْ خَطَّتْ يَدَاكَ مَصِيرَنَا

فَبِحُكْمِكَ الرِّضْوَانُ يَجْرِي فِي دَمِي

مَا خَابَ عَبْدٌ فِيكَ يَحْلُمُ بِاللُّقَا

فَاْجْعَلْ لِقَائِي سَارَةَ مِنْ أَكْرَمِ النِّعَمِ

يَا نَفْسُ صَبْرِي، مَا الْحَيَاةُ بِمَطْمَعٍ

إِلَّا إِذَا جَاءَتْ لِنَبْضِيَ مِنْ وَهْمِ

يَا رَبِّ فَاْرْحَمْ ضَعْفَ عَبْدٍ عَاشِقٍ

يَرْجُوكَ فِي سِرِّ الدُّعَاءِ وَفِي الْعَلَمِ

 

نبذة عن القصيدة

المساهمات


معلومات عن عمار شاهر قرنفل - الرحال

عمار شاهر قرنفل - الرحال

385

قصيدة

عمار شاهر قرنفل، كاتب وشاعر ومدوّن، يحمل دبلومًا في القانون الدولي من كلية الحقوق بجامعة حلب. وُلد في سلقين في 31 مارس 1972، فكان للحروف فيه ميلاد آخر. عاشق للشعر، رحّال بين الكلمات والمعاني،

المزيد عن عمار شاهر قرنفل - الرحال

أضف شرح او معلومة