عدد الابيات : 32
قِفَا وَاسْمَعَا شِعْرِي بِسِحْرِ مَحَاجِرِي
فَفِيهَا سُرُورُ الْكَوْنِ مِنْ غَيْرِ تَكَثُّرِ
عُيُونٌ كَأَنَّ الْبَحْرَ فِيهَا تَجَمَّعَتْ
بِأَمْوَاجِهَا، بِاللُّؤْلُؤِ بِالتَّاجِ الْمُتَكَسِّرِ
إِذَا قِيلَ: عَيْنَاهَا؟ قُلِ: الْبَحْرُ هَادِئٌ
وَلَكِنْ إِذَا صَادَفْتَهُ فَجْأَةً فَلْتَحْذَرِ
رَأَيْتُ بِهَا مَا لَمْ تَرَ الْأَرْضُ مِثْلَهُ
كَأَنَّ بِهَا الشَّمْسَيْنِ فِي ضِيْءِ أَنْوَرِ
كَأَنَّ بِهَا مِنْ نُورِ رَبِّي حَقِيقَةً
وَأَيُّ بَشَرٍ يَحْمِلُ النُّورَ فِي النَّظَرِ؟
تَبَارَكَ مَنْ سَوَّى جَمَالَكِ كَامِلًا
وَسَوَّى لِحَاظًا كَالسِّهَامِ الْمُزْهِرِ
رَمَيْتِ بِلَحْظٍ مِنْ كُحَيْلِكِ خَاطِرِي
فَأَسْقَطْتِ مِنِّي صَبْرِي الْمُتَجَذِّرِ
إِذَا مَا رَنَتْ، فَالرُّوحُ تَحْيَا بِنَبْضِهَا
وَإِنْ أَغْلَقَتْ، فَالْكَوْنُ أَعْمَى وَمُعْثِرِ
سَرَى نُورُهَا بَيْنَ الضُّلُوعِ فَأَوْقَدَتْ
حَرِيقًا مِنَ الشَّوْقِ الَّذِي لَنْ يُطَهَّرِ
سَأَلْتُكِ عَنْ سِرِّ الْجَمَالِ فَأَجْمَلْتِ
فِي بَسْمَةٍ تُخْفِي الْجَوَابَ الْأَكْبَرِ
كَأَنَّكِ بَدْرٌ فِي سَمَاءِ لَيْلٍ مُخَيِّلَةٍ
تُنِيرُ الدُّجَى فِي حُلْمِ عَاشِقِ قَمَرِ
فَمَا الْبَدْرُ إِلَّا مِنْ جَلَالِكِ عَابِرٌ
وَمَا الْبَحْرُ إِلَّا آثَارٌ لِمَوْطِنِكِ الْعَذْرِ
أَيَا سَارَةً، فِي وَجْهِكِ الشَّمْسُ تَرْتَدِي
عَبَاءَةَ ضَوْءٍ مِنْ بَرِيقِ نَهَارٍ مُطَهَّرِ
هِيَ الزَّهْرُ فِي رِيحِ الصَّبَا حِينَ عَبَرَتْ
فَمَاذَا عَسَى شِعْرِي يَقُولُ لِيُبْهِرِ؟
تَرِقُّ فَتُبْدِي فِي اللَّطَافَةِ أَعْظُمًا
وَفِي ثَغْرِهَا شَهْدٌ، وَمِنْ خَدِّهَا طُهْرِ
أَيَا سَارَةَ الْعَيْنَيْنِ، يَا نَبْضَ مُهْجَتِي
بِكُلِّ لُغَاتِ الشِّعْرِ أَنْتِ مُخَيَّرِي
وَإِنَّ اِمْرَأَ الْقَيْسِ الْعَظِيمِ بِبَحْرِهِ
يُقِرُّ بِضَعْفٍ عَنْ مِدَادِ الْمَشَاعِرِي
تَحَدَّيْتُ كُلَّ الشُّعَرَاءِ بِعَيْنَيْكِ
وَلَا مِثْلَهَا فِي الْكَوْنِ، هُمَا مَفَاخِرِي
فَإِنْ جَاءُوا بِسِحْرٍ، قُلْتُ عُذْرًا لِسِحْرِهِمْ
فَفِي عَيْنَيْكِ سِرُّ الْقَوَافِي وَأَشْعَرِي
أَتَحَدَّى بِقَوْلِي اِمْرَأَ الْقَيْسِ كُلَّهُ
وَهَلْ كَانَ يَكْتُبُ لِلْعُيُونِ كَأَنْهُرِي؟
تَعَالَيْ وَشَاهِدِي الْمُعْجِزَةَ الَّتِي
تَفُوقُ بِهَا قَافِيَتِي حُلْمَ كُلِّ مُصْطَبِرِ
أَيَا سَارَةُ، إِنْ كَانَ شِعْرِي قَصِيدَةً
فَأَنْتِ مَنْ صَاغَ الْجَمَالَ وَأَذْهَلَ نَاظِرِي
وَإِنْ قَالُوا: مِنْ قَبْلُ كُتِبَتْ مُعَلَّقَةٌ؟
قُلْنَا: بَلَى، لَكِنَّهَا فِي عَصْرِكِ مُزْدَهِرِ
لَئِنْ كَانَ حُبِّي فِي الْجَوَانِحِ قَاتِلِي
فَعَيْشُكِ أَسْمَى مِنْ حَيَاةٍ بِحَاضِرِي
سَأَبْقَى أُنَادِيكِ، وَيَكْفِيكِ نَظْرَةً
تُجِيبُ فُؤَادًا مَا تَوَقَّفَ عَنْ طَرِي
وَلَوْلَا حَيَائِي مِنْ سُيُوفِ غَرَامِهَا
لَأَبْدَيْتُ أَسْرَارِي وَأَعْلَنْتُ مِنْ أَمْرِي
وَفِي شِعْرِكِ اللَّيْلُ الطَّوِيلُ يَعُبُّهُ
مَسَاءٌ سَخِيٌّ كَقُدُومِ الْمَرْءِ الْمُبَشِّرِ
تَجَمَّلَتِ الدُّنْيَا بِذِكْرِكِ مَرَّةً
فَمَا عَادَ شِعْرِي يَخْشَى أَيَّ مُعَذِّرِ
وَإِنْ خَتَمْتُ الْقَوْلَ قُلْتُ بِعَظَمَةٍ
عُيُونُكِ يَا سَارَةُ، آخِرُ قَوْلِ التَّفَاخُرِ
قِفَا نَبْكِ، لَكِنْ هَذِهِ الْمَرَّةَ مِنْ بَهْرِ
عُيُونٍ كَسِحْرِ الْبَدْرِ فِي اللَّيْلِ مُزْهِرِ
بِهَا الْخَلْقُ أُعْطُوا مِنْ جَمَالٍ وَأُعْجِبُوا
فَأَصْبَحْتُ بَيْنَ النَّاسِ أَحْيَا وَأَفْخَرِ
سَأَبْقَى أُغَنِّي فِي عُيُونِكِ مُذْهَلًا
وَأَتْرُكُ لِلدَّهْرِ التَّحَدِّيَ وَلُطْفَ الذِّكْرِ
401
قصيدة