عدد الابيات : 182
طباعةأَوْحَتْ بِرَحْلِ فُؤَادِيَ الْأَنْوَاءُ
ثُمَّ اْسْتَبَاحَتْ سِرَّهَا الْأَسْمَاءُ
يَا نَفْسُ إِنَّكِ فِي الْغَوَايَةِ شَارِدُ
وَالْهَوَى لَكِ فِي الدُّجَى سَفْرٌ خَفَاءُ
خَفَقَتْ جُفُونُكِ بِالسُّهَادِ وَمَا نَمَتْ
وَتَهَافَتَتْ كَالْمُزْنِ فِيكِ الْبُكَاءُ
أَغْضَبْتِ فِكْرَكِ فِي الْغُرُورِ تَعَلُّقًا
وَتَنَسَّكَتْ أَهْوَاؤُكِ الْبُغَضَاءُ
أَيَعُودُ لَكِ عَهْدُ الطُّهْرِ مُتَّقِدًا
وَأَنْتِ فِي نَسَقِ الذُّنُوبِ غِنَاءُ؟
جَرَّتْكِ نَفْسُكِ لِلرَّدَى فَتَبَدَّلَتْ
رُوحُ الْحَيَاءِ بِسِتْرِهَا الْجَوْفَاءُ
حَتَّى تَسَامَتْ نَظْرَةٌ فِي فِكْرِكِ
تَجْتَازُ عَيْنَ الشَّرِّ وَالْأَهْوَاءُ
فَتَعَلَّقَتْ بِالْأَمْنِ وَهْمًا خَادِعًا
كَالْوَعْدِ يَخْطِفُ لَحْنَهُ الْوُعَدَاءُ
وَجَعَلْتِ تُغْرِي بِالْمَلَامِسِ أُمْنِيًا
فَتَسَاقَطَتْ فِي سِرِّكِ الْإِيحَاءُ
وَبَكَيْتِ مِنْ فَقْدِ الطَّهَارَةِ سُخْطَةً
وَغَفَلْتِ أَنَّ الدَّمْعَ لَا يُرْجَاءُ
يَا نَفْسُ كُفِّي عَنْ لَظَى الشَّهَوَاتِ
إِنْ ضَجَّتْ بِكِ الْأَرْوَاحُ وَالْأَصْدَاءُ
مَا ضَرَّكِ الصَّبْرُ الْجَمِيلُ وَإِنَّمَا
فَقْدُ الْجَمَالِ هُوَ الَّذِي يُشْقَاءُ
جِدِّي لِتُطْفِئِي نَارَ نَفْسِكِ أَقْبِلِي
بِالذِّكْرِ يَرْقَى فِكْرُكِ الْغَلَّاءُ
إِيَّاكِ وَالْكَسَلَ الْمُرِيبَ فَإِنَّهُ
بَابٌ تَدَفَّقَ مِنْهُ كُلُّ بَلَاءُ
وَاْسْتَمْسِكِي بِالْعَزْمِ إِنَّ نُفُوسَنَا
فِي غَفْلَةٍ لَوْ خَالَهَا الْأَعْدَاءُ
هَلْ تَغْتَدِي نَفْسُ الْجَمُوحِ طَلِيقَةً؟
أَمْ تُسْتَبَاحُ وَخَلْفَهَا الْأَنْحَاءُ؟
وَالْحُسْنُ مَا نَفَعَ الْمُحَيَّا إِنْ غَوَتْ
نَفْسٌ تُبَاعُ وَشَكْلُهَا أَنْوَاءُ
إِنَّ الشَّهِيَّةَ فِي الظَّلَامِ خَدِيعَةٌ
وَالْخَيْرُ مَا اْتَّبَعَ التُّقَى وَالْحَيَاءُ
هَلْ تُرْتَجَى غُفْرَانُ رَبٍّ رَاحِمٍ
إِنْ لَمْ تَكُنْ نَفْسٌ لَهُ تُرْضَاءُ؟
فَاْبْكِي عَلَى ذَنْبِ الْخَفَاءِ نَدَمًا
وَاْجْعَلْ دُمُوعَكَ فِي الرُّجُوعِ دُعَاءُ
وَتَفَكَّرِي فِي سَاعَةٍ لَا تُسْتَقَى
إِلَّا بِذِكْرَى يَرْتَقِي الْبُغَضَاءُ
كَمْ ذَا خَدَعَتْكِ زِينَةٌ مَكْرُوهَةٌ
وَالْوَهْمُ مِنْهُ مَلْبَسٌ وَرِدَاءُ
إِنَّ الْغُرُورَ سَرَابُ سَهْلٍ خَادِعٍ
يَرْوِي الْوُجُودَ وَمِنْهُ لَا بَاءُ
فَاْسْتَقْبِلِي نُورَ الصَّحَائِفِ تَائِبًا
تَتَزَيَّنُ النَّفْسُ الْعَصِيَّةُ رَجَاءُ
وَأَعْلِنِي التَّوْحِيدَ فِي لَيْلِ الْخُطَى
يَنْبُضُ بِالْإِيمَانِ فِيكِ السَّنَاءُ
وَاْنفُضْ رَمَادَ الشَّوْقِ إِنْ كُنْتَ اْمْرَءًا
يَهْتَدِي وَالرُّشْدُ فِيهِ الْوِلَاءُ
يَا سَيِّدَ الْخَلْقِ الَّذِي بُعِثَ الْهُدَى
فِي كَفِّهِ، وَتَفَتَّحَتْ به الأَرْجَاءُ
وَإِذَا مَشَى، فَالْكَوْنُ يَخْشَعُ رَهْبَةً
وَتَلَثَّمَتْ بِنَقَائِهِ كِنى الْلَقْبَاءُ
أَلْقَى السَّلَامَ، فَعَمَّ نُورُهُ الْوَرَى
وَكَأَنَّهُ فِي الْأَرْضِ نُورُ السَمَاءُ
صَلَّى الْإِلَهُ عَلَيْهِ مَا زَادَ الدُّجَى
سَطْعًا، وَمَا اْنْهَمَرَ السَّحَابُ سَوَاءُ
مَا زُلْزِلَتْ أَرْضٌ، وَلَا اْضْطَرَبَ الْهَوَى
إِلَّا وَعَادَ بِهِ الرَّجَاءُ رَجَاءُ
مَا كَانَ إِلَّا رَحْمَةً تَتَدَفَّقُ
وَتَفِيضُ مِنْ عَيْنَيْهِ كُلُّ سَخَاءُ
هُوَ أَحْمَدُ، هُوَ مُصْطَفَى، هُوَ مَنْ لَهُ
سَجَدَ الْوُجُودُ، وَخَشَعَ الْغَبْرَاءُ
هُوَ مَنْ رَقَى فِي قَابِ قَوْسَيْنِ اْرْتَقَى
حَتَّى تَجَلَّى فِيهِ مَا لَا يُرَاءُ
هُوَ مَنْ بَعَثْتَ بِهِ الْعَوَالِمُ سُجَّدًا
وَاْرْتَدَّ عَنْ جَهْلِ الضَّلَالِ إِبَاءُ
مَاتَتْ قُلُوبٌ قَبْلَ بَعْثِ مُحَمَّدٍ
فَلَمَّا أَتَاهَا بِالْهُدَى أَحْيَاءُ
مَا قِيلَ فِي وَصْفِ الْحَبِيبِ كِفَايَةٌ
كَلَّتْ بِوَصْفِ مَقَامِهِ الْفُصَحَاءُ
يَا مَنْ عَلَى يَدِهِ اْسْتَنَارَتْ أُمَّةٌ
وَاْرْتَدَّ عَنْ فَجْرِ الْخَنَا الْغُرَبَاءُ
يَا مَنْ رَأَى جِبْرِيلَ، بَلْ يَا مَنْ غَدَا
لِلْعَرْشِ فَوْقَ كَمَالِهِ الْإِسْرَاءُ
صَلَّى عَلَيْكَ اللَّهُ يَا عَلَمَ الْهُدَى
مَا أُنْجِزَتْ فِي حَقِّكَ الْإِعْلَاءُ
يَا سَيِّدَ الْأَكْوَانِ، فِيكَ مَهَابَةٌ
تَرْتَدُّ مِنْ جَبَهَاتِهَا الْعُظَمَاءُ
لَكَ فِي قُلُوبِ الْعَاشِقِينَ مَحَبَّةٌ
سَطَعَتْ، فَهَاجَ الشَّوْقُ وَالْإِعْيَاءُ
كَمْ زَلْزَلَتْ ذِكْرَى الرَّسُولِ جَوَانِحِي
وَتَفَتَّحَتْ مِنْ نُورِهِ الْأَرْزَاءُ
هُوَ شَافِعٌ، هُوَ قَائِدٌ، هُوَ مَنْ بِهِ
تُرْجَى النَّجَاةُ، وَتُدْفَعُ الْبَأْسَاءُ
تَبْكِي الْجِبَالُ إِذَا تَلَفَّظَ ذِكْرَهُ
وَتَرِقُّ فِي أَحْنَائِهَا الصَّحْرَاءُ
فَالْعَيْشُ دُونَ مُحَمَّدٍ سَقَمٌ، وَإِنْ
عَاشَ الْمُلُوكُ، وَأَقْبَلَتْ نَعْمَاءُ
لَمَّا أَضَاءَ الْمَوْلِدُ الْغَرُّ الْهُدَى
أَيْنَعَتِ الْأَيَّامُ وَالْبَيْدَاءُ
وَتَنَفَّسَتْ أَرْوَاحُهَا كَالْمِسْكِ إِذْ
غَشِيَ الدُّجَى فِي نُورِهِ الْإِغْفَاءُ
فَتَزَلْزَلَتْ أَوْثَانُ قَوْمٍ أَغْرَقُوا
فِي الْكُفْرِ وَاْنخَسَفَتْ بِهِمْ شُهْبَاءُ
وَتَحَطَّمَتْ أَصْنَامُهُمْ كَالْمُنْحَنَى
فِي الْكَوْنِ حِينَ تَهِبُّ فِيهِ رِيَاءُ
بَشَّرَتْ بِهِ التَّوْرَاةُ فِي صَفَحَاتِهَا
وَتَلَاهُ فِي الْإِنْجِيلِ ذَاكَ نِدَاءُ
وَسَجَتْ مَلَامِحُهُ الطُّهُورُ بِآيَةٍ
فَكَأَنَّهُ فِي خَلْقِهِ إِسْرَاءُ
نَسَبٌ تَنَزَّهَ أَنْ يُشَابَ بِلَوْثَةٍ
فَكَأَنَّهُ فِي طُهْرِهِ الْإِبَاءُ
مِنْ نُورِ آبَائِهِ تَسَامَى فَوْقَهُمْ
فَكَأَنَّهُ فِي نَسْلِهِ الْعَلْيَاءُ
هُوَ مِنْ قُرَيْشٍ فِي الْعُلَى مُتَوَّجٌ
فِي جَذْرِهَا الْعَصَبِيَّةُ الشَّمَّاءُ
وَمِنَ الْمُطَهَّرِينَ فِي آبَائِهِ
أَجْدَادُهُ لِلشَّرَفِ فِيهِمْ مَاءُ
مَا أَنْجَبَتْ أَرْحَامُهُمْ إِلَّا التُّقَى
وَالْعِزُّ وَالْإِكْرَامُ وَالسَّمْحَاءُ
حَتَّى إِذَا جَاءَ الزَّمَانُ مُبَشِّرًا
بِقُدُومِهِ، اْنْبَسَطَتْ بِهِ الْبَيْدَاءُ
وَتَلَأْلَأَتْ أَعْلَامُ بَطْنٍ طَاهِرٍ
فَكَأَنَّهُ فِي نَسْلِهِ الضِّيَاءُ
إِذْ أَقْبَلَ الْفَجْرُ الْمَوْلِدِيُّ مُبَشِّرًا
وَتَزَعْزَعَتْ مِنْ حَوْلِهِ الْأَضْوَاءُ
صَلَّى عَلَيْهِ اللَّهُ مَا اْسْتَغْرَقْتَ فِي
مَعْنَاهُ فِي سِرٍّ لَهُ أَرْجَاءُ
يَا لَيْتَنَا كُنَّا لِتِلْكَ اللَّحْظَةِ
نَحْظَى وَتَسْقُطَ دُونَهَا الْآرَاءُ
وَنَعِيشُ فِي طِيبِ الْمُقَامِ بِرَوْضِهِ
حَيْثُ الْخُشُوعُ وَرَوْعَةُ الْإِيمَاءُ
أَوْ نَشْهَدَ الدُّنْيَا تُقَبِّلُ طَلْعَةً
فِي وَصْفِهَا يَتَخَلَّفُ الْإِطْرَاءُ
مَا أَشْرَقَتْ شَمْسٌ عَلَيْهِ كَمَا رَأَتْ
عَيْنُ السَّمَاءِ وُجُودَهُ العَّفْوَاءُ
ذَاكَ النَّبِيُّ الْمُصْطَفَى، فِي ذِكْرِهِ
يَرْقَى السُّجُودُ وَيَخْشَعُ الدُّعَاءُ
سَمْتُ النَّبِيِّ جَلَالُهُ مَكْسُوُّهُ
مِنْ نُورِ طُهْرٍ مَا لَهُ إِطْفَاءُ
مَا قُلْتُ "أَجْمَلُ مِنْكَ" إِلَّا خِلْتُنِي
أَصِفُ الْكَمَالَ وَمِثْلُهُ الْإِبْدَاءُ
فِي وَجْهِهِ بَدْرٌ إِذَا مَا أَقْبَلَتْ
نَظَرَاتُهُ تَتَنَزَّلُ الْأَنْبَاءُ
فِي صَمْتِهِ وَقْعُ الْهَيْبَةِ إِنْ دَنَا
وَإِذَا تَكَلَّمَ خَشَعَتِ الْأَحْيَاءُ
سِحْرُ الْمَلَامِحِ سَاكِنٌ فِي نَظْرَةٍ
مِنْهَا تَفِيضُ الْمَوْعِظَةُ الْبَيْضَاءُ
وَإِذَا تَبَسَّمَ عَادَ مِنْهُ الْفَجْرُ فِي
أَعْمَاقِ قَلْبٍ مَسَّهُ الْإِغْفَاءُ
رَيْحَانُ خُلْقٍ فِي خُطَاهُ مَسِيرَةٌ
مِنْهَا التُّقَى وَالرِّفْقُ وَالْإِغْرَاءُ
مَا مَسَّ ظِلَّهُ التُّرَابُ لِنُبْلِهِ
فَكَأَنَّهُ نُورٌ بِهِ اْسْتِعْلَاءُ
لَوْ قِيلَ مَا الْأَخْلَاقُ؟ قُلْتُ: سَمَاحَةٌ
سَكَنَتْ بِصَدْرِ مُحَمَّدٍ الْأَجْوَاءُ
فِي كَفِّهِ سَقْيُ الْكَرِيمِ وَبَذْلُهُ
مَا زَالَ فِيهِ جَزَالَةٌ وَسَخَاءُ
قَبْلَ النُّبُوَّةِ لَاحَ نُورُ نَبِيِّنَا
فِي الْكَوْنِ تَسْبَحُ فِيهِمُ الْأَرْزَاءُ
حَتَّى الرُّهَانُ تَكَهَّنُوا بِمَجِيئِهِ
وَسَجَّلُوا فِي قَوْلِهِمُ الْأَنْبَاءُ
وَالْكَاهِنُونَ إِذَا سُئِلْتَ وَجَدْتَهُمْ
قَدْ بَشَّرُوا، وَتَوَاتَرَ الْإِيمَاءُ
وَالْمَلَكُ تَرْجُفُ عَيْنُهُ مِنْ رُؤْيَةٍ
فِيهَا تُكَاشَفُ وَجْهَهُ الْأَعْدَاءُ
وَالْمَوْلِدُ الْغَالِي تَحَطَّمَ عِنْدَهُ
صَرْحُ الضَّلَالِ وَمَاتَتِ الْأَهْوَاءُ
وَجِبَالُ مَكَّةَ فِي خُشُوعٍ شَاهِدٌ
أَنَّ الْبُشَارَاتِ اْصْطَفَتْ خَفْقَاءُ
وَالْمَاءُ إِنْ لَمَسَتْهُ كَفُّ مُحَمَّدٍ
صَفَتِ الْقُطُوفُ وَأَزْهَرَتْ أَشْيَاءُ
وَالنَّخْلُ إِنْ صَلَّى بِقُرْبِ جُذُوعِهِ
تَحَنَّتِ الْأَغْصَانُ وَالْأَضْوَاءُ
وَالضَّوْءُ يَتْلُو شَمْسَهُ مُتَخَيِّرًا
إِذْ لَا يُقَارِنُ نُورَهُ الْإِغْوَاءُ
وَالْبَيْتُ لَمَّا زَارَهُ اْهْتَزَّتْ رُبًى
فَكَأَنَّهَا بِنُزُولِهِ الْبَسْمَاءُ
وَاللَّيْلُ إِنْ مَرَّ الْحَبِيبُ بِظِلِّهِ
عَادَ السُّرَى وَتَجَلَّتِ الظَّلْمَاءُ
وَالْمَهْدُ إِنْ نَامَ الصَّغِيرُ بِقُرْبِهِ
أَلْقَى السُّكُونَ وَعَانَقَتْهُ السَّمَاءُ
فِي كُلِّ شَيْءٍ قَبْلَ بَعْثَتِهِ صَدًى
يُتْلَى بِفَخْرٍ: أَيُّهَا الْعَلْيَاءُ
قَوْلُ الرُّهَانِ وَصَفُّ أَحْبَارِ النَّوَى
يُلْقِي بِصَمْتٍ فَصْلَهُ الْقُرَّاءُ
وَالرَّاهِبُونَ عَلَيْهِ سَلَّمَ نُطْقُهُمْ
لَمَّا رَأَوْا فِي خَلْقِهِ الْبَشْرَاءُ
وَالْمَاءُ فِي كَفَّيْهِ يَجْرِي عَذْبُهُ
وَتَنَطَّقَتْ بِرُؤَاهُ الْأَنْوَاءُ
وَالنُّورُ فَاضَ عَلَى الْحِجَارَةِ نَاطِقًا
فَكَأَنَّهُ قَسَمٌ بِهِ الْأَضْيَاءُ
وَالطَّيْرُ إِنْ سَمِعَتْ صِفَاتِ هُدَاهُ
حَلَّقْنَ حَوْلَ الْوَجْهِ وَالْغَيْمَاءُ
إِنْ كُنْتَ تَطْلُبُ آيَةً فِي سِيرَةٍ
فَخُذِ الْبِدَايَاتِ الَّتِي أَبْدَاءُ
قَدْ بَشَّرَتْهُ كَوْنِيَّاتٌ قَبْلَهُ
وَالْخَلْقُ أَشْهَدَ أَنَّهُ الْإِمْلَاءُ
هَذَا الْكِتَابُ لِمَنْ أَتَاهُ تَدَبُّرٌ
فِي حُكْمِهِ نُورٌ وَفِيهِ إِبَاءُ
نَزَلَ الْقُرْآنُ وَكُلُّ مَنْ تَبَيَّنَهُ
أَدْرَاكَ أَنَّ الْقُدْرَةَ الْعَظْمَاءُ
خَرَسَ الْبَلِيغُ وَمَا تَجَرَّأَ نَاقِدٌ
فِي فَصْلِهِ تَبْهَارَتِ الْعُلَمَاءُ
وَتَرَاهُ يُتْلَى فِي الْمَجَالِسِ سَاحِرًا
حَتَّى كَأَنَّ نُفُوسَهُمْ أَنْدَاءُ
إِنْ شِئْتَ آيَاتِ الرَّسُولِ فَهَذِهِ
تَتَفَجَّرَتْ مِنْ كَفِّهِ الْجَرْيَاءُ
وَإِذَا دَعَا الرَّحْمَنَ، هَبَّتْ رِقَّةٌ
فِي الْحَجَرِ الْأَصَمِّ وَهُوَ رَجَّاءُ
وَالْقَمْرُ إِنْ شَقَّ الزَّمَانُ نُهَاتَهُ
فَالنُّورُ فِيهِ شَهِيدُهُ الْفَلَكاءُ
يَشْكُو إِلَيْهِ الْجِذْعُ، حُبًّا لَامَسَتْ
نَفْسُ الْحَنِينِ، وَجُرْحُهُ الشَّكْوَاءُ
وَالذِّئْبُ قَالَ لِقَوْمِهِ: هَذَا الَّذِي
فِي خُلْقِهِ وَنُبُوَّتِه الإِصْدَاءُ
وَالطَّيْرُ، إِنْ شَاهَدْتَهُ فِي سَيْرِهِ
أَتَتِ الْقُطُوعُ، وَصَفَّقَتْ جَوْنَاءُ
وَالْمَاءُ يَجْرِي بَيْنَ أَصَابِعِهِ نَدًى
فَكَأَنَّهُ بَيْنَ الْأَيَادِي الْمَاءُ
وَالْأُسْدُ إِنْ جَاءَتْ تَمُسُّ نِعَالَهُ
صَارَتْ لَهُ خَاشِعَةً بُرَداءُ
وَإِذَا رَكِبْتَ مَنَازِلَ الْمَجْدِ الَّذِي
يَتَرَنَّمُ التَّارِيخُ فِيهِ رَجَاءُ
رَأَيْتَ نُورًا فِي ظَلَامِ جَهَالَةٍ
كَشَفَ الظُّلُومَ، وَرَدَّهَا الْغَلْسَاءُ
قَدْ جَاءَ يَهْدِي النَّاسَ نُطْقَ هِدَايَةٍ
فَكَأَنَّهُ فِي كُلِّ قَوْلٍ ضَاءُوا
هُوَ فَوْقَ مَا تَصِفُ الْعُقُولُ وَفَوْقَ مَا
تَرْجُوهُ إِنْ نَطَقَتْ بِهِ الْأَصْدَاءُ
وَجَبَتْ عَلَى الدُّنْيَا طَرِيقَةُ ذِكْرِهِ
فِي كُلِّ نَفْسٍ مَسَّهَا الْإِنْشَاءُ
لَوْ قِيلَ: مَا الْمُعْجِزُ الْكَبِيرُ بِنَصِّهِ؟
قُلْنَا: كِتَابٌ حَارَ فِيهِ النُّهَاءُ
فِيهِ اللُّغَاتُ تَسَاقَطَتْ عِزًّا لَهُ
وَتَشَذَّبَتْ بِجَمَالِهِ الْفُصَحَاءُ
مَا صِيغَ مِنْهُ بَيَانُهُ فِي مِثْلِهِ
إِلَّا تَرَاجَعَ صُنْعُهُ الْإِمْلَاءُ
وَإِذَا سَأَلْتَ: مَنِ الَّذِي أَوْحَى بِهِ؟
قُلْنَا: إِلَهُ الْعَرْشِ وَالْإِمْرَاءُ
قَدْ جَاءَهُ جِبْرِيلُ يَحْمِلُ نُورَهُ
فَتَزَلْزَلَتْ بِوُجُودِهِ الْغَبْرَاءُ
تَنَزَّلَ الْوَحْيُ بِالنُّورِ الَّذِي أَوْمَأَهْ
فَأَذْعَنَ الْفَهْمُ لِلْعَجْزِ الَّذِي أَدْهَاءُ
وَجَاءَ بِالْحَقِّ قُرْآنًا بِهِ نَبَأَهْ
يُتْلَى عَلَى الدَّهْرِ لَا يُلْغَى وَلَا يُخْفَاءُ
تَحَدَّى الْبُلَغَاءَ الدَّهْرَ مَا جَرَّأَهْ
وَضَلَّ عَنْ سِرِّهِ مَنْ زَاغَ أَوْ ينَبَّاءُ
رَأَى الْقَمَرُ الْمَشْطُورُ حِينَ أَنْشَأَهْ
فَخَرَّ مَذْعُورَ سِحْرٍ بِالَّذِي يشَهَاءُ
وَصَخْرٌ حَنَّ لَهُ لَمَّا دَعَاهُ دُعَاءَهْ
كَأَنَّمَا الْجِذْعُ مِنْ وَجْدٍ بِهِ وَعَاءُ
وَسَارَتِ الْوَحْشُ تُدْنِي مِنْهُ أَفْأَهْ
تُكَلِّمُهُ بَعْدَ أَنْ صُمَّتْ بِهَا طَبَاءُ
وَنَبَعَ الْمَاءُ مِنْ كَفٍّ بِهِ نَفَعَأَهْ
تُسْقِي الْقُلُوبَ الَّتِي ظَمْأَى يخَفَاءُ
وَغَابَ طَيْفُ الْعِدَى عَنْهُ وَقَدْ رَجَأَهْ
مَنْ كَانَ في الْحَرْبِ لَا يَخْشَى يقَصَاءُ
وَظَلَّ ظِلُّهُ يَمْضِي لِمَنْ رَجَأَهْ
نُورًا يَسِيرُ بِهِ الْمُسْتَمْسِكُ الْوَهَاءُ
وَهَاجَتِ الْأَرْضُ لَمَّا قَدْ بَدَا أَضَأَهْ
كَأَنَّهَا بِالشَّذَا الْمَسْكُوبِ قَدْ نَاءُ
وَمَا جَفَاهُ الْوَرَى إِذْ عَلِمُوا نَبَأَهْ
بَلْ أَصْبَحُوا حَوْلَهُ حُرَّاسَهُ وَدَرَاءُ
يُشْفَى الْمَرِيضُ إِذَا نَاجَاهُ فِي دُعَأَهْ
وَيَبْرَأُ الْجُذَّمُ الْمَشْلُولُ مِنْ دُعَاءُ
وَكُلُّ سِحْرٍ جَلَاهُ الْفِعْلُ وَاْنقَشَأَهْ
لَمَّا أَتَى الْمُصْطَفَى بِالْحَقِّ وَاْمْتَلَاءُ
وَجَاءَ مِنْ بَعْدِهِ مَنْ صِدْقِ مَنْبَأَهْ
وَاْهْتَزَّ قَلْبُ اْمْرِئٍ بِالشَّوْقِ إِذْ رَعَاءُ
وَنَطَقَ الْوَحْشُ وَالْأَحْجَارُ إِنْ قَرَأَهْ
يُهَلِّلْنَ ذِكْرًا بِهِ الرَّحْمَنُ هو فَدَاءُ
وَمَا رُئِيَ الضِّيَاءُ الْحَقُّ مُذْ قَرَأَهْ
إِلَّا عَلَى وَجْهِهِ يَا سَعْدَ مَنْ رَأَءُ
كَأَنَّهُ الشَّمْسُ إِذْ يَعْلُو بِهَا سَطَعَأَهْ
أَوِ الْبَدْرُ إِنْ لَاحَ لِلْغَافِينَ أَوْ رَعَاءُ
تَبَارَكَ اللَّهُ فِي مَنْ قَدِ اْصْطَفَى شَرَأَهْ
مِنْ نَسْلِ هَاشِمَ طَابَ الطِّينُ وَالْمَرْاءُ
يَدْعُو إِلَى اللَّهِ مَنْ أَخْلَصْ لَهُ سَمْعَأَهْ
وَيَهْدِي الْقَلْبَ مَنْ فِي ظُلْمَةٍ جَزَاءُ
بِأَحْسَنِ الْقَوْلِ وَالْإِحْسَانِ مَا قَرَأَهْ
مُحَمَّدٌ خَيْرُ مَنْ بِالشَّأْنِ بهِ بَرَاءُ
لَمَّا دَعَا لِلْحَقِّ قَامَتْ حَوْلَهُ
فِي النَّصْرِ جُنْدٌ عَقْلُهَا الْإِيمَاءُ
وَتَهَافَتَ الْبَاطِلُ الْقَدِيمُ كَأَنَّهُ
صَرْحٌ تَصَدَّعَ فَاْنْتَهَى الْإِغْوَاءُ
بِالْحَقِّ سِرْنَا وَالْفُؤَادُ مُتَيَقِّنٌ
أَنَّ الْهُدَى مِنْهُ لَهُ الْإِعْلَاءُ
وَالرُّمْحُ إِنْ سَقَطَتْ يَدَاهُ تَكَفَّلَتْ
كَفُّ النَّبِيِّ وَسَيْفُهُ الْرِفْعَاءُ
مَا خَاضَ غَزْوَةَ مُشْتَهًى لِسَبَايَةٍ
أَوْ غَنِمَةٍ، بَلْ دِينُهُ الْذِرْوَاءُ
مَا كَانَ يُقْدِمُ فِي الْقِتَالِ مُدَمِّرًا
إِلَّا لِيَفْتَحَ فَجْرَهُ الْإِيحَاءُ
وَسُيُوفُهُ تَغْدُو قُلُوبًا إِنْ دَعَا
حَتَّى تُصَفِّحَ وَجْهَهَا الْأَعْدَاءُ
فِي كُلِّ شِبْرٍ دَاسَهُ كَانَ الْوَغَى
يَرْوِي مَلَامِحَهُ بِهِ الحَّسْناءُ
لَمْ يُشْبِه الْأَبْطَالَ فِي نَزَقِ الدُّنَى
بَلْ كَانَ فِي قَلْبِ الْوَغَى الكَّلْفَاءُ
وَالنَّصْرُ مِنْ تَحْتِ الرِّدَاءِ مُهَذَّبٌ
وَالْقَلْبُ فِي أَسْرَاهُ لَا شَكْوَاءُ
كَانَ السَّمَاحَةُ فِي الْكِفَاحِ مَقَامَهُ
وَالْمَوْتُ مِنْ أَمْرِ الرَّسُولِ بَقَاءُ
صَبَرَ الْقُلُوبَ إِذَا الْجُرُوحُ تَفَجَّرَتْ
فَكَأَنَّهُ مَعَ فَقْدِهِمْ عَزَاءُ
وَجِبَاهُهُمْ لِلْبَأْسِ تَرْوِي سَطْرَهَا
أَنَّ الرَّسُولَ نُجُومُهُ الْبُرَاءُ
مَا قَادَهُمْ لِسِوَى رِضَى رَبِّ الْعُلَى
فَكَأَنَّهُمْ فِي سَيْرِهِمْ خُشَعَاءُ
فِي يَدِهِ السَّيْفُ الرَّحِيمُ كَأَنَّهُ
عَيْنٌ تَفِيضُ وَرِقَّةٌ وَفَنَاءُ
مَا ضَرَبَ الْجِيدَ الْمُعَادِي إِنْ نَأَى
إِلَّا لِيَرْقَى بِالْحِمَى السُّمَحَاءُ
وَالدِّينُ مَا اْنْتَصَرَتْ رِمَاحٌ دُونَهُ
إِلَّا لِيَبْقَى فِي الْوَرَى السَّمْحَاءُ
فِي كُلِّ أَسْفَارِ النَّبِيِّ بَلَاغَةٌ
فِيهَا الْمَعَانِي خُشَّعٌ وَبَهَاءُ
وَإِذَا الرِّمَاحُ تَهَادَنَتْ فَكَأَنَّهُ
حَرْفٌ يُسَطَّرُ فِيهِمُ الْإِيوَاءُ
مَا جَرَّ حَرْبًا لِلْمَصَالِحِ إِنَّمَا
مِنْهُ السُّيُوفُ مَنَارَةٌ وَضِيَاءُ
يَا سَيِّدِي، يَا مُؤْنِسِي، يَا مَلْجَئِي
مَنْ لِي سِوَاكَ، وَخَطْبُهُ الْإِعْيَاءُ؟
هَذِي يَدِي خَفَقَتْ عَلَى بَابِ الرَّجَا
وَدَمُ الْفُؤَادِ مُذَلَّلٌ بُكَاءُ
إِنِّي أَتَيْتُكَ مُثْقَلًا بِذُنُوبِهِ
وَالْعَفْوُ مِنْكَ نِدَاؤُهُ رَخْصَاءُ
مَا لِي سِوَى طَرْفٍ غَزِيرٍ دَمْعُهُ
يَرْجُو شَفَاعَتَكَ الَّتِي الْإِعْلَاءُ
قَدْ جِئْتُ أَشْكُو مِنْ ذُنُوبٍ فَاضَ بِي
سَيْلُ الرَّدَى، وَتَكَاثَفَ الْإِظْلَاءُ
مَا طِبْتُ نَفْسًا بِالْخَطِيئَةِ لَحْظَةً
لَكِنَّهُ ضَعْفٌ بِهِ الْأَهْوَاءُ
فَاْشْفَعْ لِعَبْدٍ مَسَّهُ جَوْرُ الْهَوَى
إِنِّي لَدَيْكَ الذُّلُّ وَالْإِفْشَاءُ
مِنِّي السَّلَامُ عَلَى الْجَبِينِ الْوَاضِحِ
فِيهِ النُّبُوءَةُ سِرُّهَا الوَّكْلَاءُ
قَدْ جِئْتُ حُبًّا لَا رِيَاءَ، وَإِنَّنِي
أَرْجُو نَوَالَكَ، وَالْهَوَى الْعَمْيَاءُ
فَاْشْفَعْ، فَدَتْكَ قُلُوبُنَا أَمَلًا، فَمَا
إِلَّا شَفَاعَتُكَ الرَّجَاءُ النَّاءُ
يَا رَبِّ إِنِّي بِالذُّنُوبِ مُثَقَّلٌ
وَالْخَوْفُ مِنْكَ مَسَاحَةٌ صَمَّاءُ
أَرْجُوكَ يَا مَوْلَايَ لَا تَطْرُدْ فَتًى
خَشَعَتْ جُفُونُهُ، وَهَامَتْ دَعْوَاءُ
قَدْ كُنْتُ مِمَّنْ زَلَّ قَلْبُهُ خَفَقًا
بِالرَّيْبِ، ثُمَّ أَتَى بِهِ الْإِقْلَاءُ
ظَنَّ الْعُيُونَ تُغِيبُ عَنْكَ، وَإِنَّمَا
كُلُّ الْعُيُونِ لِنَظَرِكَ الْإِمْلَاءُ
مَا خَابَ مَنْ رَجَعَ الْعُيُونَ لِفَضْلِكَ
وَالدَّمْعُ صِدْقٌ وَالْأَسَى إِيمَاءُ
أَسْرَارُ قَلْبِي مَا نَطَقْتُ بِبَعْضِهَا
لَكِنَّهَا تَشْكُو، وَهِيَ خَرْسَاءُ
يَا رَبِّ فَاغْفِرْ مَا سَبَقْتُ جُنُونَهُ
بِالْعَفْوِ، إِنَّكَ رَحْمَةٌ طَيْباءُ
وَاْجْعَلْ لِيَ الْإِحْسَانَ جِسْرًا آخِذًا
نَحْوَ الرِّضَا، فَهْوَ الْمُنَى وَالضَّاءُ
صَلُّوا عَلَى نُورِ الْقُلُوبِ مُحَمَّدٍ
فَبِنُورِهِ تَتَفَتَّحُ الْأَرْجَاءُ
صَلُّوا عَلَى الْهَادِي الَّذِي بَشَّرَتْهُ
كُلُّ السَّمَاوَاتِ الْعُلَى الجَّوْزَاءُ
يَا رَبِّ صَلِّ عَلَيْهِ فِي أُفْقِ الضُّحَى
وَعَلَى الْغَمَامِ تَنَاثَرَ الْإِصْغَاءُ
وَاْجْعَلْ خِتَامَ الْقَوْلِ سُبْحَانَ الَّذِي
أَوْلَاهُ هَذَا الْفَضْلَ وَالْإِعْلَاءُ
مَا كَانَ شِعْرِي لَوْ رَجَاكَ تَكَبُّرًا
لَكِنَّهُ نَفَسٌ بِهِ الْإِحْيَاءُ
فَاغْفِرْ إِلَهِي زَلَّتِي وَبَيَانَهَا
وَاْجْعَلْ خِتَامَ الْقَوْلِ لِي رَجْوَاءُ
400
قصيدة