الديوان » عمار شاهر قرنفل - الرحال » نار الهوى وريح الفراق - دَارُ الشِّعْرِ وَعِزُّ الْقَوَافِي

عدد الابيات : 148

طباعة

يَا دَارَ شِعْرٍ كَمْ سَكَنْتُ جُنُونَهَا 

وَسَكَبْتُ مِنْ عَيْنِ الْخَيَالِ غِمَامَهَا

وَبَنَيْتُ فَوْقَ الضَّادِ قَصْرَ مَحَبَّتِي 

حَتَّى تَهَادَتْ فِي الْعُلَا أَعْلَامُهَا

نَادَيْتُهَا وَالشَّوْقُ بَيْنَ جَوَانِحِي 

وَسَطَّرْتُ فِيهَا الْعِزَّ كَيْفَ قِيَامُهَا

مِنْ حَيْثُ قَامَتْ فِي الدُّجَى أَقْلَامُنَا 

تَخْتَالُ مِثْلَ الْبَدْرِ فِي إِلْهَامُهَا

فَجَّرْتُ فِي صَخْرِ اللُّغَى أَنْهَارَهَا 

فَتَدَفَّقَتْ مِنْ خَافِقِي أَنْغَامُهَا

أَأَنْسَيْتُ مَجْدَ الْأَوَّلِينَ وَرِدْتَهُمْ 

فَرَكِبْتُ فِي دَرْبِ الْجَلَالِ خِطَامُهَا

أَعْلَيْتُ فِي عَيْنِ الْمُعَلَّقَاتِ هِمَّتِي 

حَتَّى غَدَتْ فِي سِفْرِهَا أَوْسَامُهَا

لَا الشِّعْرُ يَفْنَى إِنْ نَزَفْتُ مَدَامِعِي 

وَلَا الْحُرُوفُ تُضَامُ إِنْ خِصَامُهَا

حَتَّى إِذَا غَنَّى الْوِدَادُ بِبَابِهَا 

صَاحَتْ قَوَافِيهَا وَقَالَتْ: هُيَامُهَا

فَادْخُلْ مَعَ الْمُلْهَمِينَ جِنَانَهَا 

وَاسْقِ الزَّمَانَ قَصِيدَتِي، وَإِمَامُهَا

خَلَتِ الرُّبَى وَمُقَامُهَا وَمَنَارُهَا 

وَتَكَدَّسَتْ فَوْقَ الرُّسُومِ غَمَامُهَا

فَتَهَاوَتِ الْأَعْلَامُ مِنْ عَلْيَائِهَا 

وَانْهَارَ مِنْ نَسْقِ السُّنِينَ نِظَامُهَا

عَهْدٌ تَوَلَّى وَالطُّلُولُ كَأَنَّهَا 

كَفُّ الْغُرَابِ جَفَّ فِيهَا سَلَامُهَا

نَهَبَ الزَّمَانُ شُمُوسَهَا وَمَزَارِعًا 

تَشْكُو السُّكُونَ وَمَوْتَهَا وَإِظْلَامُهَا

وَسَقَتْهُمُ هَطَّالَةٌ مِزْنِيَّةٌ 

مِنْ كُلِّ دَيِّمَةٍ دَفُوقٍ هَامُهَا

تَهْمِي السَّحَائِبُ فَوْقَ كُلِّ مُجَلْجِلٍ 

لَيْلِيِّ خَطْوٍ، زَئِرٍ إِرْزَامُهَا

فَارْتَدَّ جِذْعُ السِّدْرِ يَرْقُصُ نَدْيَةً 

وَأَقْبَلَتْ فِي سَهْلِهَا أَزْهَامُهَا

بَانَتْ خُشُوعَ الظِّبْءِ فِي صَحْصَاحِهَا 

وَجَرَى الْغُزَالُ وَخَافَتِ آجَامُهَا

وَتَهَافَتَتْ وَعُيُونُهَا مَذْعُورَةٌ 

تَرْمِي الْفَضَاءَ كَأَنَّهَا أَحْلَامُهَا

فَسَقَتْ جُدُودَ الطَّلَلِ سَيْلًا هَادِرًا 

كَالْأَرْقَمِ اشْتَدَّتْ عَلَيْهِ سِهَامُهَا

كَالنَّقْشِ فِي جِيدِ الْفَتَاةِ، سَطْرُهُ 

يَخْطُوهُ وَاشِمُهَا، وَيَنْسِجُ لَامُهَا

أَوْ كَالْوَشْيِ بَيَّنَتْهُ أَنَامِلٌ 

تَسْمُو النُّقُوشُ، وَيَفْتِنُ الْأَعْلَامُهَا

فَوَقَفْتُ أَبْكِيهَا وَمَا نَفْعُ الْبُكَاءِ؟ 

وَالدَّهْرُ أَخْرَسٌ لَا يُفِيدُ كَلَامُهَا

خَلَتِ الدِّيَارُ وَكَانَ فِيهَا مَوْكِبٌ 

يَغْشَى الصَّبَاحَ وَيَسْحَقُ أَظْلَامُهَا

وَارْتَحَلُوا وَمَضَوْا كَأَنَّ خِيَامَهُمْ 

لَمْ تَخْطُهَا يَوْمًا رِيَاحُ خِصَامُهَا

بَادَتْ مَعَالِمُهَا، وَأُطْفِئَ شُعْلُهَا 

وَسَرَى الْغُرُوبُ عَلَى الظُّهُورِ ظَلَامُهَا

فَتَهَافَتَتْ سُبُلُ السُّكُونِ كَأَنَّهَا 

وَهَمٌ تَنَاثَرَ فِي الْمَدَى إِظْلَامُهَا

نَبَتَ الْغُبَارُ عَلَى الْمَعَاهِدِ بَعْدَهُمْ 

فَتَشَابَهَتْ آثَارُهَا وَرُكَامُهَا

وَغَشِيَتِ الْغَبْرَاءَ سُحْبٌ هَاطِلٌ 

فَتَفَجَّرَتْ فِي جَنْبِهَا أَنْسَامُهَا

تَسْرِي اللَّيَالِي بِالْبُرُوقِ كَأَنَّهَا 

نُذُرُ الْمَنَايَا، وَالرُّعُودُ خِصَامُهَا

وَازَّيَتِ الْأَرْوَاحُ فِي أَغْصَانِهَا 

وَتَمَازَجَتْ فِي جُنْدُلٍ أَحْلَامُهَا

وَالنَّاظِرُ الْغَرْثَانُ يُرْهِبُهُ الصَّدَى 

وَيَسُودُّ فِي عَيْنِ الْخَيَالِ سَقَامُهَا

سَفَحَتْ سُيُولُ الْحُزْنِ صَفْحَةَ تُرْبِهَا 

فَتَقَشَّعَتْ كَالدَّفْتَرِ أَعْلَامُهَا

أَوْ مِثْلُ مِسْكٍ خَطَّهُ نَفَسُ الْجَوَى 

فِي الْكَفِّ تَحْرُقُ جُرْحَهَا أَلْهَامُهَا

فَرَكَضْتُ أَسْتَنْطِقْ سُهَادَ سُكُونِهَا 

وَالرَّدُّ صَمْتٌ فِي الْجُدُودِ لِزَامُهَا

عَفَتِ الطُّرُوقُ وَكَانَ فِيهَا ضَوْضَةٌ 

فَتَبَخَّرَتْ كَالْحُلْمِ فِيهِ نِيَامُهَا

هَاجَتْكَ أَصْدَاءُ الرِّحَالِ إِذَا بَكَتْ 

وَالصَّمْتُ يَذْبَحُ فِي السُّهَى أَيْتَامُهَا

وَسَرَتْ مَهَابِطُهُم كَأَنَّ رُبَابَهَا 

سُقْيَا الْجِنَانِ وَجُودُهَا وَإِقَامُهَا

غَنَّتْ كَأَنْفَاسِ النُّجُومِ بِدُجْنَةٍ 

رَقَصَتْ لَهَا وَهَمَتْ بِهَا أَحْلَامُهَا

خَبَتْ وَنَاءَتْ، وَالسَّرَابُ يُرِيقُهَا 

فَتَنَاثَرَتْ كَالْوَهْمِ فِيهِ رُكَامُهَا

دَرَسَتْ مَنَازِلُهَا وَغَابَ خَيَالُهَا 

وَغَدَا الْجَوَى يُمْلِي السُّهَادَ خِلَالُهَا

فَسَفُوحُ رَيَّانٍ جَفَتْ آيَاتُهَا 

كَالرِّقِّ إِذْ تَشَظَّى الدَّوَاةُ حِبَالُهَا

بَيْدٌ تَشَاغَلَهَا الْبِلَى عَنْ أُنْسِهَا 

وَالدَّهْرُ يَغْشِيهَا فَتُطْفَى جَذَالُهَا

سُقِيَتْ بِنَوْءٍ فَاضَ جَفْنُ سَحَابِهِ 

حُبْلَى الْغَمَامِ تَهِيمُ فِي أَوْشَالُهَا

مِنْ كُلِّ رَبْعٍ قَدْ أَتَى بِمُحَمَّلٍ 

وَالْبَرْقُ يُنْشِبُ فِي الدُّجَى أَنْصَالُهَا

حَتَّى ارْتَمَتْ فَوْقَ الْقُصَيَّةِ رَوْضَةٌ 

نَعْمَى الظِّبَاءُ تُخَالِطُ الْأَدْغَالُهَا

وَسَوَادُ عَيْنِ الدَّهْرِ يَرْنُو صَامِتًا 

تَخْشَى الرِّيَاحُ سُكُونَهَا وَجَلَالُهَا

وَمَحَى سَيْلٌ مِثْلُ نَقْشٍ بَارِعٍ 

قِرْطَاسُهُ نَضٌّ وَنَقْشُهُ آلُهَا

أَوْ كَالْوَشْيِ الْمُتْقَنِ انْحَازَتْ لَهُ 

كَفٌّ تُنَمِّقُ سِحْرَهَا أَمْثَالُهَا

وَوَقَفْتُ أَسْتَنْطِقُ الطُّلُولَ كَأَنَّنِي 

أَسْرِي بِسِرٍّ لَا يُفَسَّرُ قَالُهَا

خَلَتِ الدِّيَارُ وَكَانَ بِالْأَمْسِ الْوَرَى 

يَحْمُونَهَا، وَالْيَوْمَ طَارَ ظِلَالُهَا

أَلْهَتْكَ رَكْبٌ لَمْ تُقِمْ، قَدْ رَاحَتِ 

وَالْأَرْضُ تَئِنُّ مِنْ صَدَى أَرْحَالُهَا

فِي كُلِّ هَوْدَجِ حُسْنِهَا مُسْتَوْرِقٌ 

ظِلُّ الذُّرَى، وَمَهَابَةٌ تُتْلَى لَهَا

زَجَلٌ كَأَنَّ الرِّيمَ قَامَتْ فَوْقَهَا 

وَمَهَا تَوَضَّحَ حَوْلَهَا وَجَمَالُهَا

حَتَّى بَدَتْ كَالرَّوْضِ حِينَ تَنَاءَتِ 

أَثْلُ التَّهَائِمِ خَفَّ مِنْهَا ظِلَالُهَا

بَلْ مَا اسْتَفَاضَ مِنَ الْهَوَى وَتَصَرَّمَتْ 

فِي النَّفْسِ نَارٌ مَا يَبِيدُ ضِرَامُهَا

كَانَتْ بِنَجْدٍ ثُمَّ هَبَّتْ رِيحُهَا 

فَأَقَامَتِ الْآلَامُ حَيْثُ خِيَامُهَا

سَكَنَتْ بِحَيْدٍ ثُمَّ هَامَتْ غُرْبَةً 

فَتَوَارَتِ الْأَوْجَاعُ حَيْثُ مُقَامُهَا

أَوْ فِي شِعَافِ الْهَضْبِ تُنْقَضُّ صَاعِقًا 

حَرْبَاءُ جَرَّتْ بِالْحَرِيقِ لِجَامُهَا

فَاهْجُرْ سَبِيلَ الْوَصْلِ إِنْ خَبَتِ الرُّؤَى 

فَالْخُلْفُ أَقْسَى مِنْ جَفَاهَا وِئَامُهَا

وَأَقِمْ عَلَى الْمَعْرُوفِ صَرْحَ مَوَدَّةٍ 

مَا دَامَ لِلْمَعْرُوفِ فِيكَ نِظَامُهَا

فَالدَّهْرُ إِنْ صَفَتِ الْحَيَاةُ لِبُرْهَةٍ 

عَادَتْ وَكَفُّ الْفَقْدِ تُطْفِئُ خَامُهَا

كَمْ مِنْ يَدٍ بِالْمَاءِ أَزْهَرَتِ الرُّؤَى 

لَكِنَّهَا حَسِرَتْ وَمَاتَ خُضَامُهَا

وَغَدَتْ كَصَهْبَاءَ تَمَازَجَ جَوُّهَا 

رِيشُ الْهَجِيرِ وَسِحْرُهَا وَزُؤَامُهَا

أَوْ مِثْلُ بَرْقٍ فِي الشِّتَاءِ تَأَلَّقَتْ 

خُلُبًا وَسَالَتْ دَمْعُهَا وَسُقَامُهَا

يَعْلُو بِهَا ظَهْرُ السُّيُوفِ كَأَنَّهَا 

صَفَرُ الْحُرُوبِ وَصَوْتُهَا وَحُسَامُهَا

تَرْقَى الْفَيَافِي حَيْثُ يَجْهَلُ رَاكِبٌ 

سُبُلَ الطَّرِيقِ وَيَرْتَجِي إِقْدَامُهَا

حَتَّى إِذَا اسْتَبَقَتْ جُمُوعُ غُيُومِهَا 

خَانَ الرَّجَاءَ نُحُولُهَا وَحِمَامُهَا

عَادَتْ إِلَى رَكْبِ الزَّمَانِ فَأَقْبَلَتْ 

شَعْثَاءَ تَبْكِي مَنْ جَفَتْ أَحْلَامُهَا

ثُمَّ ارْتَمَتْ فَوْقَ الرِّمَالِ مُهِيضَةً 

وَالرِّيحُ تَنْعَى أَهْلَهَا وَحِمَامُهَا

فَسَرَتْ كَأَنَّ الرِّيحَ سَاقَتْ جَفْنَهَا 

وَمَضَى يُطَاوِلُ فِي الظَّلَامِ قِيَامُهَا

جَوْنٌ أُرِيقَ عَلَى الدُّجَى كَدَرُ الْمَدَى 

وَانْشَقَّ عَنْهَا نَصْلُهُ وَحُسَامُهَا

رِيحٌ تُبَاغِتُ بِالْهَبَاءِ كَأَنَّهَا 

نُذُرٌ تَسَاقَطَ حَتْفُهَا وَصِرَامُهَا

تَخْتَالُ فِي سَرْبِ الدُّجَى مُسْتَأْنِسًا 

بِرُجُومِ لَيْلٍ لَاحَ فِيهِ ظَلَامُهَا

وَيُرِيكَ مِنْ لَحَفِ الدُّجَى أَشْبَاحَهَا 

شَبَحًا تُصَوِّرُهُ الْقُلُوبُ غَرَامُهَا

حَتَّى إِذَا مَا لَامَسَتْ أَطْرَافَهَا 

هَيْجَاءُ بَرْقَةَ خَيْفُهَا وَضِرَامُهَا

جَاءَتْ كَأَنَّ الْغَيْثَ أَغْفَى صَوْتُهُ 

لَكِنَّهُ فِي كُلِّ صَوْبٍ جَامُهَا

وَسَرَتْ تُحَاكِي الْوَهْمَ إِنْ طَافَ الْمُنَى 

وَغَفَا عَلَى شَطَّيِ الْهَوَى إِلْهَامُهَا

وَتَرَى السُّهَى فِيهَا يَتِيهُ كَأَنَّهُ 

بَيْنَ السُّهَادِ وَفَوْقَهُ أَحْلَامُهَا

وَتَرَى النُّجُومَ تَكَسَّرَتْ فِي وَجْهِهَا 

لَمَّا تَجَلَّتْ فِي الدُّجَى أَنْغَامُهَا

حَتَّى إِذَا مَا الصُّبْحُ أَوْقَدَ شَمْسَهُ 

وَغَفَا عَلَى خَدِّ الرِّمَالِ نُوَّامُهَا

قَامَتْ تُصَفِّقُ بِالضِّيَاءِ سَنَابِلًا 

سَكْرَى وَقَدْ عَزَّ الرُّؤَى إِلْمَامُهَا

وَسَعَتْ تُجَدِّدُ لِلنَّهَارِ رُوَاءَهُ 

وَتَلُوبُ فِي سَرْبِ الْحُقُولِ غَمَامُهَا

خَمَدَتْ نُجُومُ اللَّيْلِ حِينَ أَفَاقَتْ 

وَهَوَتْ مَنَارَاتُ السَّمَاءِ رُغَامُهَا

عَادَتْ تُنَادِينَا الْمَنَازِلُ بَعْدَمَا 

خَبَتِ الدُّجَى وَسَنَا الضُّحَى أَحْكَامُهَا

وَإِذَا الْمَغَانِي خَالَهَا مِمَّا بَدَا 

قَصَبُ السَّحَابِ تَحُفُّهُ أَغْلَامُهَا

وَالرَّوْضُ فِي نَشَوَاتِهَا مُتَهَلِّلٌ 

تَرْنُو عُيُونُ الْغَيْمِ مِنْ أَرْسَامُهَا

وَالنَّبْتُ يُزْهِرُ فِي حَفِيفِ خُزَامَاهَا 

كَالْعَاشِقِ اسْتَلْقَى وَدَامَ غَرَامُهَا

تَسْقِيهِ نَفْحَةُ سِحْرِهَا وَكَأَنَّمَا 

قَدْ أَسْهَرَتْهُ مُدَامُهَا وَسَلَامُهَا

تَجْرِي الْغَدَائِرُ فِي مُحَيَّا زَهْرِهَا 

نُضْرًا تَغَشَّاهَا النَّدَى وَنَعَامُهَا

حَتَّى إِذَا مَا الْحُسْنُ قَالَ وَغَرَّدَتْ 

صَهْبَاءُ شَادَتْ فِي الرُّبَى أَحْلَامُهَا

وَرَنَا الْعُذَيْبُ لِمَنْ يُقَارِبُ ضَوْعَهَا 

فَتَكَسَّرَتْ مِنْ رِقَّةٍ أَقْدَامُهَا

رُفِعَتْ مَجَالِسُهَا وَصِيدُ حَدِيثِهَا 

كَالْمِسْكِ إِذْ تُنْثَى الْعُطُورُ وَخَامُهَا

فَغَدَتْ تَلُوكُ اللَّهْوَ فِي أَفْوَاهِهَا 

وَتُهِيمُ فِي طَرَبٍ يُخَافُ حِزَامُهَا

يَا رَبَّ لَيْلٍ قَدْ خَفَقْتُ بِذِكْرِهَا 

وَبَكَتْ جُفُونُ النَّجْمِ حِينَ يَنَامُهَا

وَلَرُبَّ كَأْسٍ فِي يَدِي مُتَصَبِّرٍ 

غَنَّى وَقَدْ خَضِلَتْ بِهَا أَكْلَامُهَا

صَفَتِ السِّقَاءُ كَأَنَّهُ مِنْ حَانَةٍ 

عَجْمَاءَ يَلْهُو فِي اللَّيَالِي جَامُهَا

وَالنَّأْيُ أَكْثَرُ مَا يُثِيرُ شُجُونِيَ 

لَوْ كُنْتُ أَجْهَلُ مَا النُّفُوسُ لِزَامُهَا

لَكِنَّ قَلْبِي فِي الصَّبَابَةِ غَامِرٌ 

مَا هَانَ يُنْكِرُهَا وَلَا إِبْهَامُهَا

إِنِّي لَعَفٌّ عَنِ الْخَنَا مُتَشَدِّقٌ 

مَا كَانَ يُكْسِبُنِي الْهَوَانَ كِرَامُهَا

وَتَرَكْتُهَا تَشْكُو إِلَيَّ صُعُودَهَا 

كَالْعِيسِ تُرْهِقُهَا السُّرَى وَأَمَامُهَا

تَعْوِي الرِّيَاحُ لَهَا كَأَنَّ صَهِيلَهَا 

صَخَبُ الْقُرُومِ إِذَا اسْتُفِزَّ لِجَامُهَا

وَالْخَيْلُ تَكْبُو فِي الْحُزُونِ كَأَنَّهَا 

ذُهِلَتْ، تَعَاصَفَ فِي الْغُبَارِ حِزَامُهَا

وَالرَّكْبُ يَنْهَلُّونَ مِنْ كَبِدِ السُّرَى 

مَا هَانَ فِي أَعْنَاقِهِمْ إِرْغَامُهَا

حَتَّى إِذَا مَا الشَّمْسُ مَالَتْ خَلْفَنَا 

وَتَنَهَّدَتْ مِنْ نَصْبِهَا أَجْسَامُهَا

أَرْسَيْتُ رَحْلَ الْقَلْبِ عِنْدَ مَضَارِبٍ 

فَاضَتْ عَلَى سَهْلِ الْكَرَى أَحْلَامُهَا

وَتَبَسَّمَتْ مِنْ بَعْدِ لَيْلٍ كُحْلِهِ 

عَيْنُ الرُّبَى وَتَفَتَّقَتْ أَكْمَامُهَا

فَسَقَيْتُهَا مِنْ رَشْفَةٍ مُتَلَهِّفٍ 

ظَمِئٍ يُقَبِّلُ نَدًى تَخْتَامُهَا

وَأَتَيْتُهَا وَالنَّجْمُ يَرْقُبُ خَطْوَتِي 

وَاللَّيْلُ يَهْمِسُ: هَيْهَنَا إِلْهَامُهَا

إِنِّي لَأَعْرِفُ كَيْفَ أَسْكُنُ سِحْرَهَا 

وَإِذَا تَدَلَّتْ لَا أُضَامُ وِئَامُهَا

فَالْعِشْقُ فِي كَفِّي يَزِنُ مَقَامَهَا 

وَيُقِيمُ فِي نَغَمِ الْحُرُوفِ خِتَامُهَا

يَا مَنْ تُجِيدُ السَّرْدَ، هَلْ لَكَ بَعْدَهَا 

نُكْمِلُ؟ أَمْ تَكْتُبُ بِهَا أَعْلَامُهَا؟

وَتَسَرَّبَتْ مِنْ جُودِ كَفِّيَ نِعْمَةٌ 

خَضِلَتْ بِهَا الْأَكْبَادُ حِينَ سَقَامُهَا

وَأَقَمْتُ لِلنُّزَّالِ فِي سَوْحِ الْقِرَى 

رَكْبًا تُحَفُّ بِهِ الْقُلُوبُ كِرَامُهَا

وَلَرُبَّ لَيْلٍ قَدْ رَفَدْتُ بُيُوتَهُ 

وَالْمُسْتَغِيثُ تُشَدُّ فِيهِ خِيَامُهَا

وَشَقَقْتُ مِنْ صَفْحِ الظَّلَامِ سَبِيلَهُ 

حَتَّى دَعَتْنِي فَوْقَهَا أَعْلَامُهَا

وَتَبَسَّمَتْ لِي بَعْدَ عَهْدٍ نَازِفٍ 

حَتَّى كَأَنَّ اللَّيْلَ لَانَ قَتَامُهَا

فَطَفِقْتُ أَرْكَبُهَا كَمَا تَهْوَى النُّهَى 

وَأَجُرُّ مِنْ سِحْرِ الْحُرُوفِ لِجَامُهَا

وَإِذَا النِّسَاءُ تَهِمْنَ فِي نَبَرَاتِهَا 

وَالرَّاحُ تُسْكَبُ وَالْهُدَاهُ خِتَامُهَا

هَذِي نَوَارِي وَالزَّمَانُ شَهِيدُهَا 

إِنِّي غَرَامُ اللَّيْلِ، بَدْرُ تَمَامُهَا

أُهْدِي لَهَا وَجْهَ الْقَصِيدِ كَأَنَّهُ 

نَفَسٌ تَرَقَّى وَالْبُرُوجُ غَمَامُهَا

يَا سَائِلِي عَنِّي وَعَنْ أَخْلَاقِيَ الْـ 

مِضْرِيِّ، خُذْ مِنْ فِعْلِيَ الْإِقْدَامُهَا

إِنِّي فَتَى نَهْدُ الْفِعَالِ مَقَامُهُ 

وَإِذَا تَوَقَّدَتِ الْحُرُوبُ خِتَامُهَا

أُبْقِيتُ فِي سَوْحِ الزَّمَانِ مَلَاحِمًا 

تَرْوِي الْمَكَارِمَ أَيْنَ دَارَ خِصَامُهَا

فَاسْجُدْ لِقَافِيَتِي إِذَا مَا أَشْرَقَتْ 

فِيهَا الْبَدِيعُ وَغَرَّدَتْ أَنْسَامُهَا

وَإِذَا دَعَوْنَا فِي الْخُطُوبِ نُجُومَنَا 

تَتَهَادَرَتْ كَالسَّيْلِ وَاحْتَكَمَتْ هِمَامُهَا

لِسُيُوفِنَا فِي كُلِّ دَارٍ آيَةٌ 

وَالْعُرْبُ تَخْشَى سَطْوَنا وَرُكَامُهَا

وَلَنَا الْمَقَالُ إِذَا الصُّدُورُ تَوَاكَلَتْ 

وَالْمَجْدُ تُكْتَبُ فِي الْجِبَاهِ خِتَامُهَا

كُنَّا إِذَا مَا اسْوَدَّ فَجْرٌ خَادِعٌ 

أَشْرَقَتْ مِنَّا فِي الدُّجَى أَعْلَامُهَا

نَنْفُذْ كَمَا يَنْفُذْ الْحُسَامُ مُجَرَّدًا 

وَنُرِيقُ فِي مَهَبِّهَا إِكْرَامُهَا

لَا نَبْتَغِي جَدْبَ الذِّمَامِ لِرِزْقِنَا 

إِنَّا الْمَعَالِي سَيِّدٌ وَإِطَامُهَا

فَانْظُرْ إِلَيْنَا إِنْ بَدَاكَ سُؤَالُنَا 

فَالْحَقُّ فِينَا، وَالصُّفُوفُ نِظَامُهَا

هَذِي الْعَشِيرَةُ لَا تَمِيلُ كَخَائِفٍ 

لَا يَنْثَنِي عَنْ قَوْلِهِ حُكَّامُهَا

سَلْ سَلْقِينَ إِذَا الزَّمَانُ تَعَثَّرَتْ 

خُطُوَاتُهُ، كَيْفَ اسْتَقَامَ قِيَامُهَا

وَسَلِ السُّطُورَ إِذَا الْخُلُودُ تَمَدَّدَتْ 

مَنْ فِي الْحُرُوفِ سَنَاؤُهَا وَسَلَامُهَا

نَحْنُ الَّذِينَ إِذَا الزَّمَانُ تَكَشَّفَتْ 

غُمَّاتُهُ، كَانَ الرُّجُوعُ إِمَامُهَا

فَاخْتِمْ عَلَى الْأَبْيَاتِ سِفْرَ مَعَالِمٍ 

فَالْحَرْفُ زَهْرٌ وَالنُّفُوسُ خِتَامُهَا

يَا مَنْ كَتَبْتَ بِمَدْحِ قَوْمِيَ مُعَلَّقًا 

سُبْحَانَ مَنْ أَجْرَى عَلَيْكَ قِوَامُهَا

يَا مَنْ تُطَالِعُ مُعْجَزَ الْأَبْيَاتِ فِي 

سِفْرِ الْخُلُودِ، وَتَرْتَوِي مِنْ جَامُهَا

إِنَّا كَتَبْنَا مِنْ نُفُوسِ أَحِبَّنَا 

مَا لَا يُزَحْزِحُهُ الزَّمَانُ وَرَامُهَا

هَذِي مَعَالِي الْقَوْمِ تُرْوَى حِبْرَنَا 

سَكَنَتْ جُفُونَ الشِّعْرِ حَتَّى نَامُهَا

عُذْرًا لِقَيْسٍ إِنْ تَفَاخَرَ بِالْهَوَى 

فَالْحُبُّ فِينَا حَمَلْنَاهُ وِئَامُهَا

مَا مَرَّ لَيْلٌ دُونَ أَنْ نُوقِدَ لَهُ 

قِنْدِيلَ حَرْفٍ وَاسْتَوَتْ أَحْلَامُهَا

نَحْنُ ابْنُ سَلْقِينَ الَّتِي لَوْ شِئْتَهَا 

لَبَكَتْ قَصَائِدُهَا وَغَنَّى رِخَامُهَا

وَحَمَلْتُهَا فِي جَعْبَتِي، فَكَأَنَّنِي 

أَحْيَا بِهَا، وَبِحُبِّهَا آثَامُهَا

إِنْ ضَاعَ مِنِّي حُلْمُهَا، سَأَعِيشُ فِي 

ذِكْرَى الْقَوَافِي، حَيْثُ ضَاعَتْ عَامُهَا

فَاخْتِمْ هُنَا، وَالضَّوْءُ فِينَا مُشْتَعِلٌ 

وَالْحَرْفُ فِي سِرِّ الْجَلَالِ خِتَامُهَا

وَاذْكُرْ إِذَا مَا الشِّعْرُ فَاحَ بِأَنْفُسٍ: 

فِي حَضْرَةِ الْقَرَنْفُلِيِّ إِلْهَامُهَا

نبذة عن القصيدة

المساهمات


معلومات عن عمار شاهر قرنفل - الرحال

عمار شاهر قرنفل - الرحال

401

قصيدة

عمار شاهر قرنفل، كاتب وشاعر ومدوّن، يحمل دبلومًا في القانون الدولي من كلية الحقوق بجامعة حلب. وُلد في سلقين في 31 مارس 1972، فكان للحروف فيه ميلاد آخر. عاشق للشعر، رحّال بين الكلمات والمعاني،

المزيد عن عمار شاهر قرنفل - الرحال

أضف شرح او معلومة