عدد الابيات : 48
جَفَّتْ بِمَدْحِكِ شِعْرُهُمْ وَتَبَاعَدَتْ
عَنْكِ الْقَوَافِي وَالْبَيَانُ عِيَالُ
رَمَتِ الْعُيُونُ جَمَالَ وَجْهِكِ فَانْثَنَتْ
خَجْلَى، وَلَاذَ بِصَمْتِهَا الْعُذَّالُ
وَهَبَتْكِ آلِهَةُ الْجَمَالِ مَهَابَةً
حَتَّى كَأَنَّكِ لِلْحُسْنِ الْمِثَالُ
مَا إِنْ بَدَوْتِ، وَكُلُّ طَرْفٍ شَاخَ فِي
رَهَبِ الْجَمَالِ، وَهَالَهُ الْإِبْدَالُ
لَوْ أَنَّ أَعْيُنَ مَنْ رَأَوْكِ تَخَفَّتِ
لَعَمِيَتِ الدُّنْيَا، وَضَاعَ جَلَالُ
مَنْ ذَاقَ مِنْكِ الطَّرْفَ عَادَ مُتَيَّمًا
يَنْسَى الْفُؤَادَ وَيَسْتَبِدُّ خَيَالُ
كَمْ قَدْ سَفَرْتِ، فَـهَامَتِ الْأَرْوَاحُ فِي
كَنَفِ الْجَمَالِ، وَذَابَ فِيهِ سُؤَالُ
وَأَطَلَّ وَجْهُكِ فَانْزَوَى نُورُ الضُّحَى
خَجَلًا، وَكَادَ بِكِ الضِّيَاءُ يُنَالُ
رَمَتِ الْعُيُونُ سَنَاكِ وَهِيَ كَلِيلَةٌ
فَتَهَافَتَتْ، وَكَأَنَّهَا أَوْصَالُ
شَدُّوا الْأَكُفَّ عَلَى الصُّدُورِ تَبَتُّلًا
وَالْقَلْبُ بَيْنَ نَوَاظِرٍ نِزَالُ
لَوْ كُنْتِ فِي عَصْرِ الْكَرِيمِ بِزَيْنِهِ
نُسِيَ الْجَمَالُ، وَمَاتَتِ الْأَمْثَالُ
وَمَضَى الرِّجَالُ مَعَ النِّسَاءِ لِقَطْعِهِمْ
دُونَ الْيَدَيْنِ قُلُوبَهُمْ أَفْعَالُ
مِنْ ظُلْمِ جَفْنِكِ أَنْ يَبِيتَ مُسَهَّدًا
فِيهِ الْمَلَامُ، وَشَوْقُهُ إِشْعَالُ
وَالْخَصْرُ تَجْهَدُهُ الثِّقَافُ، وَتَشْتَكِي
مِنْ حِمْلِ حُسْنِكِ سُرَّةٌ وَمِفْصَالُ
يَا عَجَبًا لِطَرْفِكِ الضَّعِيفِ، كَأَنَّهُ
بَأْسٌ يُذِيبُ، وَفَتْكُهُ قِتَالُ
يَرْمِي وَيَغْرِسُ فِي الْقُلُوبِ سِهَامَهُ
حَتَّى يُفَرَّ بِهَا الْفُؤَادُ حِبَالُ
مَا كَانَ فِي الْأُنْثَى، وَلَكِنْ نُورُهَا
رُوحٌ، وَفِي نُورِ الرُّوحِ احْتِلَالُ
يَمْشِي الْجَمَالُ إِلَى الْجَمَالِ كَأَنَّهُ
فِي كُلِّ خَطْوٍ لِلطُّهْرِ مِثَالُ
وَإِذَا نَظَرْتِ، فَذَاكَ سَهْمٌ قَاتِلٌ
مَا نَجَا مِنْهُ الْحَكِيمُ وَلَا الْغِرَالُ
فَامْنَحْ لِعَيْنِكِ هُدْنَةً، فَالْحُسْنُ قَدْ
ضَاقَ الزَّمَانُ بِهِ، وَضَجَّ الْجَمَالُ
فِي وَجْنَتَيْكِ تَدَفَّقَتْ أَنْهَارُهُ
خَمْرُ الْجَمَالِ، وَشَهْدُهُ سَيَّالُ
وَسَمَتْ بِكِ الْأَوْصَافُ حَتَّى خِلْتُهَا
فِي نَحْتِ وَصْفِكِ عَاجِزًا سِجَالُ
وَبَدَا النَّسِيمُ مُحَرَّقًا مِنْ طَيْفِكِ
مُتَأَدِّبًا، وَكَأَنَّهُ سِرْبَالُ
تَخْتَالُ فِيكِ الرُّوحُ، يَا ذَاتَ النُّهَى
وَيَكَادُ يَفْتِنُ كُلَّ مَنْ يَرْتَالُ
إِنْ قُلْتِ: "لَا"،سَجَدَ الْهَوَى مُتَبَتِّلًا
وَإِذَا ابْتَسَمْتِ، فَكُلُّهُ ابْتِهَالُ
وَيَكَادُ مِنْ وَقْعِ الْجَمَالِ لِسَانُهُ
يَغْدُو ثَقِيلًا، وَالْعُيُونُ خَيَالُ
فَكَأَنَّنَا عُشَّاقُ نُورٍ وَاحِدٍ
فِيهِ الْبَصَائِرُ سُكْرُهَا مِثَالُ
هَذَا الْبَيَانُ، وَإِنْ يَطُلْ فِي وَصْفِكُمْ
يَبْقَى الْقَصِيدُ بِجَنْبِكُمْ مَوَالُ
جَاءَتْكَ أَرْوَاحُ الْحُرُوفِ رُكُوعَهَا
وَنُسِجْنَ حَوْلَكِ بِالْهَوَى أَوْشَالُ
مَا بَيْنَ غَيْمِ الْحُسْنِ وَالْأَهْدَابِ قَدْ
سَكَنَ الْهَوَى، وَتَمَزَّقَ الْآمَالُ
يَا نَجْمَةً صَلَّتْ لَهَا أَقْمَارُهَا
وَتَهَامَسَتْ فِي مَدْحِهَا الْأَشْكَالُ
لَكِ فِي اعْتِدَالِكِ فِتْنَةٌ لَا تَنْقَضِي
وَلَكِ انْحِنَاءٌ فِي الْهَوَى يُسْتَقَالُ
رَيْحَانَةُ الْأَوْصَافِ، كَمْ مِنْ عَاشِقٍ
فِي صَمْتِ صَدْرِكِ ذَابَ وَاسْتِرْسَالُ
وَكَأَنَّ خَطْوَكِ دَعْسَةٌ مِنْ نُورِهِ
نَسَجَتْ فُصُولًا فَوْقَهَا الْأَفْيَالُ
تَتْلُو النُّجُومُ إِذَا بَدَوْتِ نَشِيدَهَا
وَيَخِفُّ حَوْلَ جَمَالِكِ الْمُخْتَالُ
أَهْوَاكِ لَا عَنْ ضَعْفِ قَلْبٍ، إِنَّمَا
قَلْبِي بِذِكْرِكِ بِالْغَرَامِ يُكَالُ
وَسَكَبْتُ مِنْ رُوحِي الْقَصِيدَةَ كُلَّهَا
لِتَكُونَ قُرْبَكِ لِلْبَيَانِ مِثَالُ
فَإِذَا خَتَمْتُ حُرُوفِيَ الْمُشْتَاقَةَ
تَبْقَى حَكَايَاكِ الْبَهَاءَ تُقَالُ
هَذَا خِتَامُكِ، لَا خُفُوتَ لِعِطْرِهِ
فَالْحُسْنُ، مِنْ عَيْنَيْكِ فِيهِ يُقَالُ
طَافَ سِحْرُكِ بالْقَصِيدَةِ، وَانْتَشَى
قَلْبُ الْحُرُوفِ، وَأَزْهَرَتْ أَوْصَالُ
مَا كُلُّ مَنْ كَتَبَ الْجَمَالَ بَلَاغَةً
إِلَّا وَعِنْدَكِ ظِلُّهُ مِنْهَالُ
فَالْآنَ تَخْشَعُ فِي الْجَمَالِ قَصَائِدٌ
وَيُرَدِّدُ الْعُشَّاقُ: هَذَا الْحَالُ
إِنْ قِيلَ: أَيْنَ يَفِيضُ سِرُّ فِتْنَةٍ؟
قِيلَ: الَّتِي فِي وَجْهِهَا الْإِجْلَالُ
وَإِذَا تَنَفَّسَ نَاظِمٌ فِي وَصْفِهَا
سَكَتَ الْبَيَانُ، وَزُلْزِلَتْ أَقْوَالُ
مَا أَجْمَلَ الدُّنْيَا إِذَا نَفْسٌ بِهَا
تَغْدُو الْجَمَالَ، وَحُسْنَهَا الْوِصَالُ
هَذِي الْقَصِيدَةُ، شِرْعَةُ الْعُشَّاقِ
خَطَّتْ سُطُورًا، مَا لَهَا إِقْفَالُ
فَارْحَلِي بِهَا فِي كُلِّ دَرْبٍ، وَامْنَحِي
أُذْنَ الزَّمَانِ نُبُوءَةً تُتْلَى لَهُ الْأَجْيَالُ
وَسَتَذْكُرُ الدُّنْيَا بِأَنَّكِ فِتْنَةٌ
سَجَدَ الْجَمَالُ، وَخَرَّ فِيهَا الْخَيَالُ
401
قصيدة