عدد الابيات : 68
طباعةيَا سَائِلِي عَنْ مَوْطِنِ الْإِحْسَاسِ فِي
قَلْبِ الْحُرُوفِ وَنَبْرَةٍ مَسْكُوبَةِ
هَذِي السُّطُورُ لَوَائِحُ نُورٍ خَالِصٍ
نَسَجَتْهُ أَرْوَاحٌ لَهَا مَنْسُوبَةِ
فِي كُلِّ حَرْفٍ نَبْضُ صَادِقِ نَازِفٍ
وَالرُّوحُ مَكْشُوفَةٌ وَغَرْبُ غُرْبَةِ
مِنْ قَلْبِ وِجْدَانٍ شَغُوفٍ خَالِقٍ
تَفُوحُ مِنْهُ مَشَاعِرٌ مَقْلُوبَةِ
وَالشِّعْرُ بَدْرٌ فِي السَّمَاءِ تَسَامَقَتْ
فِيهِ السُّنَا وَالذِّكْرُ فِي مَغْلُوبَةِ
مَا أَرْوَعَ الْأَيَّامَ حِينَ تُخْصِبُ
فِيهَا الْقُلُوبُ وَيُحْتَفَى بِالْجُرْأَةِ
هَذِي مَيَادِينُ الْفَصَاحَةِ قَدْ بَدَتْ
مَفْتُوحَةً لِمَنِ اسْتَحَقَّ الرُّتْبَةِ
أَنَا مَنْ دَعَانِي الْحَرْفُ حَتَّى خِلْتُنِي
بِمِدَادِ سَطْرِي أَسْتَثِيرُ الْعُصْبَةِ
وَلَئِنْ رَكِبْتَ مِنَ الْبَيَانِ جِيَادَهُ
فَلَقَدْ سَبَقْتَ رُكُوبَهُمْ بِالْقُدْرَةِ
شِعْرُ الْمُعَلَّقَاتِ نَبْعٌ مَا انْتَهَى
لَكِنْ نُعِيدُ صَفَاءَهُ فِي الْخُطْبَةِ
هَلَّا رَأَيْتَ الْقَافِيَاتِ تَؤُمُّنِي
وَتَرَى الْقَصَائِدَ خَاشِعَاتٍ رَغْبَةِ؟
يَا صَاحِبِي، إِنِّي ابْنُ مَجْدٍ سَاطِعٍ
وَسَلِيلُ حَرْفٍ لَا يُجَارَى نُخْبَةِ
مَا زِلْتُ أَطْعَنُ فِي الْكَلَامِ بِسَيْفِهِ
وَأَصُوغُ مِنْ لُغَةِ السَّمَاءِ ضَرْبَةِ
مِنْ أَيْنَ لِي هَذَا الْبَيَانُ؟ كَأَنَّهُ
وَحْيٌ تَنَزَّلَ فِي الْحَشَا بِالْعِبْرَةِ
يَا لَائِمِي فِي الشِّعْرِ، مَهْلًا إِنَّنِي
حَمَلْتُ عَنْ فُصْحَى الْعُلَا مَا صُبَّةِ
وَإِذَا كَتَبْتُ، تَسَابَقَتْ أَلْفَاظُهُمْ
كَالرَّعْدِ فِي بَرَاقَاتِهَا وَالنُّدْبَةِ
فَاذْكُرْ بِأَنِّي إِنْ أَرَدْتُ مُفَاخِرًا
جَاءَتْ قَصَائِدِيَ الْعِظَامُ الْهَضْبَةِ
أَفَأَنْتَ تَرْجُو أَنْ تُنَافِسَ خِطَّتِي؟
وَتَحُوزَ مِنْ وَهَجِي الْوَهِيمِ نُخْبَةِ؟
مَا كُلُّ مَنْ سَجَعَ الْقَصِيدَ بِشَاعِرٍ
حَتَّى يُقِيمَ عَلَى الْبَدِيعِ نُهْبَةِ
إِنِّي اقْتَفَيْتُ خُطَى الْأُلَى لَمَّا بَدَوْا
وَمَلَأْتُ كُلَّ مَفَاصِلٍ بِالرُّتْبَةِ
أَعِدُّوا، وَلَكِنِّي بَلَغْتُ نِهَايَةً
مَا بَعْدَهَا إِلَّا انْكِسَارُ التُّرْبَةِ
جِئْتُ التَّحَدِّي لَا أُبَالِي مَنْ مَضَى
أَوْ مَنْ أَتَى، فَالشِّعْرُ عِزُّ الصُّحْبَةِ
هِيَ قِمَّةٌ، وَأَنَا رَفَعْتُ جِدَارَهَا
وَبَنَيْتُ مِنْ نَارِ الْحُرُوفِ قُبَّةِ
سَارَتْ قَوَافِينَا، وَمِنْ أَمْدَائِهَا
صَارَتْ لِعِزِّ الْعَرَبِيَّةِ لُبَّةِ
سَارَةُ، إِلَيْكِ مِدَادُ حِبْرٍ خَاشِعٍ
فَالْعِشْقُ مَجْدِي، وَالْقَصِيدُ خُطْبَةِ
فِي الْحَرْفِ نُسْكٌ لَا يُضَاهِي فِعْلَهُ
مَنْ قَدْ تَنَسَّكَ فِي سُجُودِ الْكِتْبَةِ
إِنِّي أَرَى وَجْهَ الْجَلِيلِ إِذِ انْثَنَتْ
أَبْيَاتُهُ نُورًا بِقَلْبِ الشُّهْبَةِ
وَأُحِسُّ أَنَّ اللَّفْظَ يَشْهَدُ أَنَّنِي
ذُو مُلْكِ مَعْنًى وَالرِّيَادَةِ رُتْبَةِ
فَاقْرَأْ وَتَدْرِي أَنَّنِي مِمَّا قَرَأْتُ
رُوحِي، وَأَرْضُ تَمَكُّنِي وَالتُّرْبَةِ
يَا مَنْ تَظُنُّ الشِّعْرَ لَهْوًا عَابِرًا
هَذَا جِهَادُ الْقَافِيَاتِ وَتُبَّةِ
إِنْ جِئْتَ تَسْقِينِي الْفَصَاحَةَ فَاسْقِنِي
مِنْ نَبْعِهَا الْعَذْبِ الَّذِي فِي السُّبَّةِ
وَاعْلَمْ بِأَنَّ الْحَرْفَ عِرْضِي وَالْهَوَى
وَمَسَارُ عُمْرِي وَالْقَصِيدُ مَحَبَّةِ
فَإِلَى أَخِي الْمَلْهُوفِ أَبْعَثُ نَبْضَتِي
وَأَدْعُو لَهُ: "شِفَاؤُكَ الْيَوْمَ ابْتِهَةِ"
مَا كُنْتُ أَعْرِفُ أَنَّ فِي أَحْرُفِنَا
سِرًّا يُغَالِبُ غَفْلَةَ الْمَغْلُوبَةِ
وَأَنَا الَّذِي خِضْتُ اللُّجَاجَ مُوَثَّقًا
بِالْعِزْمِ وَالثَّبَاتِ فِي مَكْتُوبَةِ
مِنْ مِثْلِنَا تُسْتَنْبَتُ الْأَشْعَارُ فِي
دَفَقِ الْمَعَانِي وَالْجُمَلِ الْمَنْسُوبَةِ
إِنَّا سَلَكْنَا دَرْبَ مَنْ سَبَقُوا وَفِي
أَصْوَاتِنَا صَدًى لِكُلِّ مُهَابَةِ
نَحْنُ الْجُنُودُ لِحَرْفِنَا وَكَأَنَّنَا
فِي كُلِّ مِصْرَعِهَا نُقِيمُ الْغَلْبَةَ
لَا نَرْكَنُ السَّطْرَ الْجَمِيلَ لِمُدَّعٍ
مَا لَمْ نَرَ الصِّدْقَ النَّقِيَّ بِهَيْبَةِ
فَاتْرُكْ غُبَارَ الزَّاعِمِينَ وَخُذْ مَعِي
نَفَسَ الْبَيَانِ وَقَوْلَةَ الْمَرْبُوطَةِ
وَاصْغَ إِلَيَّ فَإِنَّنِي فِي سَكْرَةٍ
مِنْ شِعْرِ رُوحِي وَالرُّؤَى الْمَسْكُوبَةِ
يَا مَنْ رَآنِي فِي الطَّرِيقِ مُعَلِّمًا
مَا الشِّعْرُ إِلَّا دَرْسُ نَفْسٍ تَائِبَةِ
فَامْشِ الْخُطَى وَتَوَقَّفَنْ إِنْ شِئْتَهَا
إِنْ لَمْ تَكُنْ لِلْفُصْحِ وَجْهٌ ثَابِتَةِ
فِي كُلِّ نَفْسٍ قَصْدُهَا أَنْ تَرْتَقِي
وَالشِّعْرُ يُبْعَثُ مِنْ صَفَاءِ الْمَهْبَةِ
مَا الشِّعْرُ إِلَّا طَيْرُ رُوحٍ حَالِمٍ
يَسْمُو عَلَى أَلَمِ الْحَيَاةِ الْمُرْهِبَةِ
فَاخْلَعْ قُلُوعَ الْخَوْفِ مِنْ أَجْفَانِنَا
وَانْفُضْ غُبَارَ الْعَجْزِ وَانْسَ الْكُرْبَةَ
نَحْنُ الَّذِينَ تَفَجَّرَتْ أَصْوَاتُنَا
مِنْ فَوْقِ جُرْحٍ نَازِفٍ وَمُصِيبَةِ
وَقَفَا نُنَادِي فِي الدُّجَى أَحْلَامَنَا
وَنَبِيعُ أَعْمَارَ النُّهَى بِالطِّيْبَةِ
إِنِّي لَأَكْتُبُ وَالْمَجَازُ يُطِيعُنِي
وَيُقِيمُ صَرْحَ الْحُرِّ فِي مَرْغُوبَةِ
قَدْ كَانَ حُلْمِي أَنْ أُقِيمَ قَرَارَةً
فِي لُجَّةِ الْإِحْسَاسِ لَا مَقْلُوبَةِ
وَأَزُفُّ شِعْرِي لِلْقُرَّاءِ كَأَنَّهُ
عِطْرٌ يُفَتِّقُ لَحْظَةً مَسْحُوبَةِ
مَا زِلْتُ أَكْتُبُ وَالْيَقِينُ يُقَوِّي
قَلْبَ الْحُرُوفِ وَنَفْسَهَا الْمَجْذُوبَةِ
حَتَّى إِذَا مَا أَغْلَقُوا أَبْوَابَهُمْ
جَاءَتْكَ نَفْسِي فِي الدُّجَى مَكْتُوبَةِ
مَا زِلْتُ أُسْقِي صَمْتَهَا أَوْرَادَنَا
حَتَّى تَفَتَّقَتِ الدُّرُوبُ الْمُعْجِبَةِ
مَا بَيْنَ نَبْضِي وَالْكَلِمَةِ مِيثَاقُهَا
وَفُتُوحُ أَشْوَاقٍ وَرُوحٌ ثَائِبَةِ
إِنِّي رَسَمْتُ مَعَانِيَ الْأَشْوَاقِ لَا
أَخْشَى سُخْرِيَّةَ الزَّمَانِ السَّالِبَةِ
وَتَفَجَّرَتْ أَشْلَاؤُنَا بَيْنَ الْمُنَى
لَكِنْ حَمَلْنَا كَفَّنًا وَكِتَابَةِ
لَا تَسْأَلُوا عَنِّي إِذَا أَغْفَلْتُكُمْ
فَالرُّوحُ مُنْذُ خُلِقَتْ فِي تَوْبَةِ
أَمْضَيْتُ عُمْرِي فِي الدُّرُوبِ كَأَنَّنِي
سَاعٍ إِلَى الْمَجْهُولِ فِي مَطْلُوبَةِ
أَبْنِي جُسُورَ الشَّوْقِ وَهْيَ نَسَائِمٌ
تَأْتِي بِأَخْبَارِ الرُّؤَى الْمَحْجُوبَةِ
وَأُقِيمُ فِي زَفَرَاتِ نَفْسِيَ مَأْتَمًا
وَأُشِيدُ أَوْطَانَ النُّهَى الْمَغْصُوبَةِ
فِي كُلِّ فَجْرٍ أَسْتَبِينُ مَدَائِحِي
وَأَعُدُّ أَحْلَامِي بِلَا مَحْسُوبَةِ
وَأَعُودُ أَرْسُمُ فِي الظَّلَامِ شُمُوعَنَا
مَا بَيْنَ نَفْسٍ حَائِرَةٍ مَكْرُوبَةِ
هَذِي حُرُوفِي وَالرِّيَاحُ تَسُوقُهَا
فِي مُهْجَةٍ مَشْدُودَةٍ مَسْلُوبَةِ
قَدْ كَانَ هَمْسِي فِي الْحَنَايَا رِحْلَةً
تَسْقِي الْقُلُوبَ بِدَوْحَةٍ مَحْلُوبَةِ
وَالشِّعْرُ وَجْهُ الْحُبِّ فِي أَسْمَائِنَا
يَرْتَادُ فَجْرًا بِالضِّيَاءِ مَكْتُوبَةِ
إِنْ كُنْتُ أَخْفَقْتُ الْجَمَالَ فَاعْذُرُوا
رُوحًا أَتَتْ فِي سَكْرَةٍ مَسْلُوبَةِ
وَاعْلَمْ بِأَنَّ الشِّعْرَ عِشْقٌ خَالِدٌ
نَبْضُ الْقُلُوبِ إِذَا سَرَتْ مَطْلُوبَةِ
400
قصيدة