عدد الابيات : 50
أَأَبْكِيكِ يَا ذَاتَ الْجَمَالِ الْمُنَوَّرِ؟
وَفِيكِ اجْتَمَعْنَ الشَّمْسُ وَالرِّيحُ وَالذَّرَرِ؟
وَفِيكِ احْتَوَتْ نَارُ الشُّعُورِ سُكُونَـهَا
كَأَنَّكِ لَيْلٌ رَاقِصٌ بَيْنَ أَشْرُرِ
وَفِيكِ امْتِزَاجُ الصِّدْقِ بِالْحُلْمِ وَالنُّهَى
وَحِسٌّ رَقِيقٌ كَالنَّدَى فَوْقَ زَهْرَرِ
أَرَاكِ وَفِيكِ الْأُمُّ، بَلْ فَوْقَ وَصْفِهَا
تُـرَبِّينَ قَلْبَ الْعَاشِقِينَ عَلَى الْحَذَرِ
تُحِبِّينَ صِدْقَ الْقَوْلِ، لَا زَيْفَ خَادِعًا
وَلَا كِذْبَ خَلْقٍ يُتْقِنُ الزُّورَ وَالضَّرَرِ
تُرَاعِينَ حُسْنَ الْقَوْلِ، وَالْحِرْصِ حِينَمَا
يُدَارُ حَدِيثُ الْوُدِّ فِي نُبْلِ مُعْتَبَرِ
وَمَا كُنْتِ بِالْآمِرَةِ الْقَاسِيَةِ الَّتِي تُحِبُّ
اصْطِفَافَ الْقَهْرِ فِي صَفِّ مَأْمُورِ
وَلَكِنَّكِ الْأَنْسَامُ، إِنْ هَمَسَتْ بَدَتْ
كَزَهْرِ الرُّبَى، أَوِ كَارْتِجَافِ الْقَطَرْقَرِ
وَفَاءٌ كَأَنَّ الْقَلْبَ أَوْدَعْتِ فِيهِ مِنْ
أَحْبَابِكِ الْأَوْفِيَاءِ بَعْضَ الْجَوَاهِرِ
وَفِيكِ اتِّسَاعُ الْأَرْضِ لِلْحُبِّ كُلِّهِ
وَلَكِنْ عَلَى شَرْطِ السَّنَا لَا التَّذَرُّرِ
أَنَا شَاعِرٌ إِنْ غَابَ وَجْهُكِ خَافِقِي
تَصَدَّعَ مِنْ وَجْدٍ، وَجَفَّتْ مَآذِرِي
أُفَتِّشُ عَنْ ظِلِّ الْجَمَالِ، فَإِنْ بَدَتْ
مَلَامِحُكِ الْغَنَّاءُ زَالَ التَّعَثُّرِ
وَهَامَ الْحَنِينُ عَلَى شَغَافِ قَصِيدَتِي
يُسَائِلُنِي: هَلْ طَالَ صَمْتُ الْمُوقِرِ؟
فَقُلْتُ لَهُ: مَا زَالَ فِيهَا عَبِيرُهَا
وَفِي صَمْتِهَا يُصْغِي الْبَيَانُ لِأَشْعُرِي
وَإِنِّي إِذَا مَا الشِّعْرُ ضَاقَ بِبَحْرِهِ
تَوَسَّعْتُ فِي عَيْنَيْكِ أَرْوِي الْمُشْتَهَرِ
وَمَا كُنْتُ أُخْفِي فِيكِ مَا لَا يُقَالُهُ
وَلَكِنَّ حُسْنَ الْقَوْلِ أَقْسَى مِنَ الْحَجَرِ
كَأَنَّكِ حِينَ تَسِيرُ نَغْمَةُ شَاعِرٍ
تُسَاقِي الدُّنَا حُبًّا، وَتُطْرِبُ مَنْ حَضَرِ
فَفِيكِ التَّنَاقُضُ مَا أَرَاهُ مَذَلَّةً
وَفِيكِ اعْتِلَاءُ النُّبْلِ فِي طَبْعِ مُخْتَبَرِ
تَرَكْتِ الْهَوَى طِفْلًا عَلَى بَابِ سِحْرِكِ
يُغَنِّي، وَلَا يَدْرِي بِأَنَّكِ أَقْدَرِي
أَلَا إِنَّ طَيْفَكِ لَا يُضَاهَى لَطَافَةً
إِذَا مَرَّ كَالطُّهْرِ الْعَلِيلِ الْمُعْتَبَرِ
حَدِيثُكِ سَيْفٌ فِي غِلَافِ تَبَسُّمٍ
وَمَا كُلُّ سَيْفٍ يُسْتَبَاحُ لِمَنْ نَظَرِ
إِذَا ضَحِكَتْ عَيْنَاكِ قَامَتْ قِيَامَتِي
كَأَنِّي سَقَيْتُ الْغَيْمَ أَنْخَابَ سُكَّرِ
فَمِنْكِ اشْتِعَالُ الْكَوْكَبِ الْمُتَأَنِّقِ
وَفِيكِ انْحِنَاءُ الْغُصْنِ لِلْفَجْرِ الْمُزْهِرِ
سُؤَالٌ إِذَا نَادَى خَيَالَكِ يُبْهِجُ
وَفِيهِ ارْتِحَالٌ لِلْمُنَى الْمُتَنَكِّرِ
أَيَا قُبْلَةَ الْأَشْعَارِ فِينَا، فَإِنَّنَا
مِنَ الدِّفْءِ مَا نُهْدِي، وَنَفَسِ الزُّهَرِ
كَأَنَّكِ نَبْضُ اللَّهِ فِي خَلْقِ أُنْثَى
وَفِيكِ جَلَالُ الْمُطْلَقِ الْمُتَسَطِّرِ
أَرَاكِ، وَفِي عَيْنَيْكِ يَمْشِي مَوْطِنٌ
تَضِيعُ بِهِ الْأَوْطَانُ فِي لَحْظِ مُبْصِرِ
تُرَبِّينَ فِينَا الْوَجْدَ مِثْلَ وَصِيَّةٍ
تُقَالُ عَلَى لَفْظٍ، وَتُحْفَظُ فِي السَّرَرِ
فَمِنْكِ تَفِيضُ الْحُسْنُ فِي كُلِّ مَشْهَدٍ
وَتَنْقَادُ أَنْسَامُ الْقَصَائِدِ لِلذِّكَرِ
وَفِيكِ عَلَى صَمْتِ الْمَدَى قَدْ تَفَرَّعَتْ
فُرُوعُ الدُّنَا، وَانْسَابَ نَبْعُ التَّطَهُّرِ
رُوَيْدَكِ، إِنَّ الْحُبَّ لَيْسَ تَسَرُّعًا
وَلَكِنَّهُ وَجْدٌ كَرِيمٌ مُؤَثَّرِ
فَكَمْ قَدْ قَطَفْنَا مِنْ رُبَاكِ مَوَاسِمًا
تَفِيضُ عَلَى قَلْبِ الْعَشِيقِ الْمُسَهَّرِ
وَفِيكِ أُنَاجِي لَيْلَتِي، فَأُجَسِّدُ
سُؤَالَ الْجَمَالِ، وَتَحْنُو نَبَرَاتِيَ الْكُبَرِ
فَأَنْتِ الْوَفَاءُ، إِذَا تَنَاءَى زَمَنُنَا
وَأَنْتِ نَشِيدُ الْمَجْدِ فِي نُطْقِ مُحْتَرِ
وَأَنْتِ، وَإِنْ خَانَ الزَّمَانُ قُلُوبَنَا
بَقِيتِ عَلَى عَهْدِ الْهَوَى غَيْرَ مُدْبِرِ
تَحَمَّلْتِ مِنْ صَبْرِ الْجَمَالِ مَشَاقَّهُ
كَأَنَّكِ حِمْلٌ مِنْ سَحَابٍ مُزْمَجِرِ
وَفِيكِ اعْتِدَالُ الْحُسْنِ فِي غَيْرِ سُكْرَةٍ
وَمَا الْحُسْنُ إِنْ لَمْ يَكُنْ فِيكِ مُنْوَزِرِ؟
يُذِيبُ الدُّنَا بَرْقُ ابْتِسَامَتِكِ الَّتِي
تُنَاجِي بِهَا الْأَرْوَاحُ ظِلَّ الْمَعْبَرِ
وَلَوْ أَنَّنَا شِئْنَا اخْتِتَامَ قَصِيدَتِي
لَقُلْنَا: إِلَيْكِ انْتَهَى نَفَسُ الْمُسَطِّرِ
وَلَكِنَّ فِيكِ الْقَوْلَ بَعْدُ مَبَاهِجٌ
سَتَكْتُبُهَا الْأَيَّامُ فِي سَفَرِ الْأَعْصُرِ
تُسَامِحُ رُوحٌ فِيكِ لَمْ تَعْرِفِ الْأَذَى
وَلَمْ تُشْعِلَنْ نَارَ الْجَفَى أَوْ تَسَعَّرِ
إِذَا مَا خَدَعْتِ الْقَلْبَ نَفْسٌ كَذُوبَةٌ
تَرَكْتِ الدُّرُوبَ بِلَا نَحِيبٍ أَوْ ضَجَرِ
فَأَنْتِ مِنَ السُّحْبِ الرَّحِيمَةِ إِنْ بَكَتْ
وَمِنْ صَمْتِ عَاصِفِهَا الْجَلِيلِ إِذَا انْفَجَرِ
وَمَا كُلُّ حُبٍّ فِي الزَّمَانِ يُسَرُّنَا
فَبَعْضُ الْهَوَى أَضْغَاثُ حُلْمٍ عَلَى حَجَرِ
وَلَكِنَّكِ الْحُلْمُ الَّذِي مَا تَخَلَّى
إِذَا عَزَّ فِي لَيْلِ التَّمَنِّي الْمُنْتَظَرِ
تُحِبِّينَ دُنْيَا النَّاسِ، وَالصِّدْقَ كُلَّهُ
وَتَبْغُضُ نَفْسُكِ كُلَّ زَيْفٍ مُتَسَتِّرِ
وَتَشْعُرُ أَرْوَاحُ الَّذِينَ أَحَبُّوكِ أَنْ
لَهُمْ فِي فُؤَادِكِ مَوْطِنًا غَيْرَ مُنْكَرِ
فَفِيكِ مِنَ الْإِنْسِ الْمَلَاكِ قَرِينُهُ
إِذَا سَارَ حُلْمٌ، قَالَ: أَنْتِ مِنَ الْقَمَرِ
وَمَا بَيْنَ ضَعْفِ الطُّهْرِ، وَالْعَطْفِ وَالنَّدَى
قُوَّةٌ بِهَا قَدْ تُذْعِنُ الشُّمُّخُ الْكِبَرِ
فَأَنْتِ بِمِيزَانِ السَّمَاءِ قَصِيدَةٌ
عَلَى نَفَسِ الْفِرْدَوْسِ تُتْلَى وَتُفْتَخَرِي
400
قصيدة