عدد الابيات : 26
سَلِ السَّمَاءَ بِكُلِّ نَجْمٍ أُوقِدَا
مَنْ ذَا يُجَارِيهَا ضِيَاءً مُوغَدَا؟
هِيَ الْأُمُّ، الْأَرْضُ الْحَنُونُ وَحِضْنُهَا
كَنَجْمَةٍ فِي مُقْلَةِ الدُّنْيَا ظِلًّا بَدَا
تَسِيرُ وَالْأَمْلَاكُ تَسْكُبُ نُورَهَا
مِنْ جَفْنِهَا الْمَسْعُودِ نُورًا مُؤْتَدَا
هِيَ الْأُمُّ، أَرْضٌ عَطُوفٌ وَقَلْبُهَا
تَرَاهَا عَلَى الْأَوْجَاعِ بَلْسَمًا رَشَدَا
هِيَ السِّحْرُ، مِفْتَاحُ الْقُلُوبِ وَوَجْهُهَا
كَمَزْنٍ يُظِلُّ الْأَرْضَ إِنْ ظَمِئَتْ صَدَا
إِذَا نَطَقَتْ كَانَتْ بَلَاغَةَ عَالِمٍ
وَإِنْ بَسَمَتْ صَارَ الْكَوْنُ مُتَوَقِّدَا
تَمُرُّ بِخُطْوَانٍ كَأَنَّ حُدُودَهَا
هَوَادِجُ خَيْلٍ فَوْقَ بُرْجٍ سُهُدَا
يُبَارِكُهَا السَّمْحَاءُ فِي كُلِّ مَوْطِنٍ
وَيُسَبِّحُ فِي ذِكْرَاهَا الْبَحْرُ إِذْ رَفَدَا
إِذَا مَسَّتِ الْجُرْحَ الْكَئِيبَ تَضَمَّدَا
وَإِنْ ضَاعَ طِفْلٌ فَوْقَ صَدْرِهَا اهْتَدَا
يُطِيفُ بِهَا فَجْرُ الْكَوَاكِبِ بَاكِرًا
وَيَسْرِي إِلَيْهَا اللَّيْلُ مَحْمُولَ الدُّجَى
هِيَ الْغُصْنُ إِنْ طَالَ الزَّمَانُ بِقَسْوَةٍ
تَرَى ظِلَّهَا يُؤْوِي الْقَلِيلَ إِذَا وَنَى
وَمَا زَالَتِ الْأَحْلَامُ تُنْبِتُ فِي يَدَيْهَا
كَمَا نَبَتَ الزَّهْرُ الْأَنِيقُ إِذَا رَوَى
إِذَا ضَحِكَتْ كَانَتْ سَنَاهَا مَزَارِعًا
يُعَانِقُهَا الْغَيْمُ وَيُكَلِّلُهَا الْهَنَا
وَإِنْ غَابَتِ الْأَنَّاتُ فِي لَيْلِ حُزْنِهَا
تَرَاهَا كَنُورِ الْبَدْرِ فِي اللَّيْلِ سَرَى
بِهَا الْعَطْفُ وَالْإِيثَارُ أَكْثَرُ سَخَاءً
مِنَ النَّهْرِ يَجْرِي وَالْفُرَاتُ إِذَا غَدَا
تُرَبِّي صِغَارًا فِي كِفَاحٍ وَحِكْمَةٍ
كَمَا تُنْبِتُ الْأَشْجَارُ زَهْرًا وَأَثْمَارَا
وَإِنْ حَانَ عِيدُ الْأُمِّ فَالْخَيْرُ كَامِلٌ
وَكُلُّ بِلَادِ الْكَوْنِ تُزْهِرُ الْأَنْجُمَا
لَهَا نَذْرُ مِسْكٍ فِي الْحَيَاةِ وَبَخُورُهَا
تَنَفَّسَهُ النَّسَمَاتُ مِسْكًا وَأَدْهَمَا
فَهِيَّ الْفَخَارُ الْبَاقِي وَالْعِزُّ دَائِمًا
وَهِيَ السَّنَدُ الْغَالِي لِمَنْ مَسَّهُ الْعَنَا
فَسُبْحَانَ مَنْ أَلْقَى الْحَنَانَ بِقَلْبِهَا
وَمَنْ جَعَلَ الْعَطْفَ الْعَظِيمَ مَنْهَجَا
فَإِنْ جِئْتُ فِي يَوْمِ الْمَوَدَّةِ زَائِرًا
قَبَّلْتُ يَدَيْهَا وَالْجَبِينَ الْمُؤَنَّسَا
وَإِنِّي إِلَيْهَا بِالْكَلَامِ حِيَلٌ مُقَصِّرٌ
وَمَا كُلُّ أَوْصَافِ الْجَمَالِ اكْتَفَى
إِلَيْكِ مَدَى الدُّنْيَا فُؤَادِي وَرُوحُهُ
فَكُونِي عَلَى الْمِيثَاقِ صَوْنًا مُؤَيَّدَا
فَهَذَا زَمَانُ الْعِيدِ فَاهْنَئِي يَا حَيَاتِي
وَطُوبَى لِمَنْ يَحْنُو عَلَيْكِ وَاهْتَدَا
إِذَا كَانَ لِي بَيْتٌ فَأَنْتِ جِدَارُهُ
وَإِنْ كَانَ لِي عِشٌّ فَأَنْتِ ظِلَالُهَا
وَإِنْ كَانَتِ الدُّنْيَا ظَلَامًا فَإِنَّنِي
أَرَى فِيهِ مِنْ نُورِكِ وَجْهًا مُتَوَهِّجَا
374
قصيدة