عدد الابيات : 39
تَلَاقَى الْحَقُّ بِالْبَاطِلِ فِي مَجْلِسٍ
وَالدُّنْيَا تَرَاقُبُ مَا يُدَبُّ بِالرَّائِقِ
فَقَالَ الْحَقُّ: أَنْتَ الْخَادِعُ الْمُتَلَوِّنُ
تَخْدَعُ الْعُقُولَ بِمَا تُلْقِي مِنَ الْبَارِقِ
وَقَالَ الْبَاطِلُ: بَلْ أَنَا مَالِكُ الْقُوَى
أَسِيرُ فِي النُّفُوسِ كَالسُّمِّ السَّابِقِ
قَالَ الْحَقُّ: مَهْلًا، فَأَنَا نُورُ الْوَرَى
يَزُولُ بِهِ ظُلُمَاتُ كُلِّ ظُلْمٍ خَائِقِ
وَقَالَ الْبَاطِلُ: مَا نَفَعَ الضِّيَاءُ إِذَا
كَانَتْ عُيُونُ النَّاسِ لِلنُّورِ حَارِقِ
فَأَجَابَ الْحَقُّ: إِنِّي أَبْقَى فِي الْوَرَى
وَإِنْ غَابَتِ الْأَبْصَارُ فِي الْآفَاقِ
وَقَالَ الْبَاطِلُ: إِنَّ الْقَوْمَ يَتْبَعُونِي
لِمَا أُغْرِيهِمْ بِمَا لَمْ يَكُنْ صَادِقِ
فَأَجَابَ الْحَقُّ: إِنَّهُمْ فِي غَفْلَةٍ
سَيَسْتَفِيقُونَ مَعَ كُلِّ لَحْظٍ بَارِقِ
قَالَ الْبَاطِلُ: أَنَا مُلْتَحِفُ الْقُوَى
وَالْقَوْمُ تَسِيرُ خَلْفَ بَاطِلِي بِمَارِقِ
فَأَجَابَ الْحَقُّ: إِنَّ الْبَاطِلَ سَاعَةٌ
وَالْحَقُّ يَبْقَى دَائِمًا فِي كُلِّ طَارِقِ
وَتَمَادَى الْبَاطِلُ فِي طُغْيَانِهِ
وَقَالَ: أَنَا النَّارُ، فَإِنِّي لَهَا خَالِقِ
فَأَجَابَ الْحَقُّ: إِنَّ النَّارَ زَائِلَةٌ
وَأَنَا الْمَاءُ لِكُلِّ نَفْسٍ صَادِقِ
وَقَالَ الْبَاطِلُ: أَنَا مَنْ يَصْنَعُ
قُلُوبَ الْقَوْمِ بِالظُّلْمِ وَالْعَاشِقِ
فَأَجَابَ الْحَقُّ: إِنَّهُمْ سَيَرْجِعُونَ
وَيَكْسِرُونَ كُلَّ قُيُودٍ لِلْفَاسِقِ
وَقَالَ الْحَقُّ: سَأَبْقَى لَهُ نَاصِرًا
لِكُلِّ مَنْ يَسْتَمْسِكُ بِالْخَيْرِ وَاثِقِ
فَإِنَّ الْحَقَّ هُوَ السَّيِّدُ فِي النِّهَايَةِ
وَيَحْكُمُ الْقَلْبَ كُلَّ يَوْمٍ بِحَاقِّ
فَلَا يَغْلِبُ الْبَاطِلُ مَا دَامَ الْحَقُّ
يَبْقَى فِي دَرْبِ الْوَرَى، نُورًا فَائِقِ
وَالْحَقُّ إِذَا تَمَكَّنَ فِي الْقُلُوبِ
لَا تَزُولُ غَيْمَاتُ الْبَاطِلِ لِمُفَارِقِ
وَانْقَسَمَتْ كَلِمَاتُ الْحَقِّ وَالْبَاطِلِ
وَالدُّنْيَا تَرَى نَصْرَ الْحَقِّ السَّابِقِ
زَمَانُ الْفِتَنِ قَدْ غَابَ عَنْهُ الْوَافِقُ
وَالنَّاسُ فِي ظُلُمَاتِهِ صَفٌّ مُتَسَاقِ
وَتَرَاكَبَتْ فِيهِ الْخُطُوبُ كَأَنَّهَا
أَمْوَاجُ بَحْرٍ تَعْصِفُ بِالْهَوَاءِ حَارِقِ
وَكَأَنَّ نَارَ الْفِتَنِ تَأْكُلُ كُلَّ مَا
لَمْ يَسْلَمِ الْإِنْسَانُ مِنْ كُلِّ نَاطِقِ
تَغْشَى الْقُلُوبَ كَأَنَّهَا سَيْلٌ عَمَى
تُورِدُ الْأَرْضَ فِي ظَلَامِ الطَّوَابِقِ
وَتَسْتَبِدُّ بِالضَّعِيفِ نُفُوسُهَا
وَتَعْلُو الْخُدَاعَ كُلُّ عَيْنٍ رَوَامِقِ
قَسَمَ الزَّمَانُ النَّاسَ نِصْفَيْنِ بَيْنَهُمْ
مَنْ يَبِيعُ دِينَهُ وَمَنْ هُوَ صَادِقِ
يُغْرِي الزَّمَانُ بِالْعُيُونِ نُفُوسَهُمْ
وَالْقَلْبُ فِي الْأَوْهَامِ صَارَ شَائِقِ
إِذَا الْفِتَنُ تَسْرِي بِكُلِّ طَرِيقَةٍ
صَارَتْ كَفَيْضِ النَّارِ لِلْبَاقِي حَانِقِ
لَا يَعْلَمُ الْإِنْسَانُ أَيْنَ طَرِيقُهُ
وَالدَّرْبُ صَارَ عَلَى الْقُلُوبِ مَضَايِقِ
وَيَنْتَهِي الْحَقُّ فِي غَمَامِ ظُلُومَةٍ
لَا تَجِدُ إِلَّا ظُلْمَةَ الْغَيْرِ مُتَسَابِقِ
فَكَيْفَ تَرَى النَّاسَ فِي ظِلِّ فِتْنَةٍ
صَارُوا كَأَغْرَاقِ الْبُحُورِ الْغَارِقِ
تَغْدُو بِهِمْ فِي الدَّهْرِ كُلُّ عَقِيدَةٍ
وَيَغْفُلُ الْأَمْرَ لِكُلِّ نَفْسٍ نَاهِقِ
يَا أَهْلَ هَذَا الزَّمَانِ قَدْ ضَاعَ مَا
كَانَ فِي النَّاسِ مِنْ نُفُوسٍ وَفَائِقِ
إِنَّ النِّهَايَةَ فِي السُّرَى قَدْ أَتَتْ
تَخْطُو بِنَا النَّارَ كُلَّ نَفْسٍ مَارِقِ
وَمَا الْعَزَاءُ فِي الْفِتَنِ إِلَّا كَأَنَّهُ
طَيْفٌ بِظِلَالِ اللَّيْلِ الدَّوَابِقِ
فَالنَّاسُ قَدْ تَاهُوا بِكُلِّ طَرِيقَةٍ
وَالْبَاطِلُ صَارَ لِلْعُقُولِ عَائِقِ
يَتَسَارَعُونَ إِلَى الْهَوَى وَإِنَّمَا
مَا تَحْتَ هَذَا السَّيْلِ نَارٌ دَافِقِ
إِنْ قِيلَ فِي الْعَدْلِ هُنَا نَاسُهُ
وَالْقَلْبُ فِي ظُلُمَاتِهِ قَدْ بَارِقِ
فَلَا عَزَاءَ فِي مَا ضَاعَ إِلَّا إِنْ صَفَا
الْقَلْبُ بِالْعِلْمِ كُلَّ طَرِيقٍ سَابِقِ
وَإِنْ بَقِيَتْ نَارُ الْفِتَنِ فِي قُلُوبِنَا
فَالْعَقْلُ يَغْدُو فِي الْوُجُودِ شَاهِقِ
374
قصيدة