عدد الابيات : 21
أَقْبَلْتُ تَشْكُو أَسَاهَا بِالدُّجَى الْغَسَقِ
كَأَنَّهَا الرُّوحُ فِي هَمْسٍ عَلَى الْأُفُقِ
فَقُلْتُ: يَا مُهْجَتِي، مَا بَالُ مُقْلَتِكِ
تُبْدِي الْأَسَى كَنَدِيمٍ هَائِمِ الْحُرَقِ؟
أَبْكِيكِ صَبْرًا، أَمِ الْأَشْوَاقُ تَحْرِقُكِ؟
أَمْ أَنْتِ فِي حَيْرَةٍ مَا بَيْنَ مُفْتَرَقِ؟
فَقَالَتِ: الْوَيْلُ لِي، قَدْ كُنْتُ أَحْتَمِلُ
لَكِنَّ قَلْبِي غَدَا فِي صَرْخَةِ الْقَلَقِ
أَرَاكِ فِي وَهَنٍ وَالْوَجْدُ يَقْتُلُنِي
كَأَنَّنِي مِنْ لَهِيبِ الشَّوْقِ فِي رَمَقِ
قَدْ كُنْتَ شَمْسِي، وَهَا صِرْتَ مُنْطَفِئًا
فَكَيْفَ يَحْيَا الَّذِي فِي ظُلْمَةِ الْغَسَقِ؟
قَدْ كُنْتَ فِي رَاحَتِي كَالْمَاءِ أَنْعَشُهُ
وَالْيَوْمَ أُمْسِكُ كَفَّ الرِّيحِ فِي وَثَّقِ
تَنْتَابُنِي وَحْشَةٌ لَا شَيْءَ يَكْسِرُهَا
إِلَّا لِقَانَا، فَأَيْنَ الْوَصْلُ مِنْ فَرَقِ؟
يَا وَيْحَ أَيَّامِي الْعَطْشَى، مَتَى تَرَى
وَجْهَ الْحَبِيبِ وَقَدْ وَافَى مِنَ الْغُرُقِ؟
فَقُلْتُ: مَهْلًا، أَيَا رُوحِي، فَإِنَّ مَعِي
عَهْدًا أُجَدِّدُهُ فِي سَاحَةِ الْأَلَقِ
سَأُبْعَثُ الْيَوْمَ مِنْ ضَعْفِي وَأَحْمِلُ فِي
كَفِّي إِلَيْكِ هَوًى فِي شُعْلَةِ الْحَدَقِ
سَأَرْجِعُ الْيَوْمَ أَقْوَى، رَغْمَ مَا نَهَكَتْ
فِيَّ اللَّيَالِي وَمَا أَلْقَتْ مِنَ الْأَرَقِ
لَا تَجْزَعِي، إِنَّ فِي عَيْنَيْكِ لِي أَمَلٌ
وَفِي يَدَيْكِ دَوَاءٌ، مُعْجِزُ الطُّرُقِ
فَقَالَتِ: قَدْ آنَ أَنْ أَفْدِيكَ مِنْ كَبِدِي
فَخُذْ فُؤَادِي وَخُذْ أَنْفَاسِيَ الْعَبِقِ
كَمْ عِشْتُ أَرْجُو لِقَاكَ، الْيَوْمَ لِي أَمَلٌ
إِنِّي وَجَدْتُكَ، فَابْسِمْ لِي، وَلَا تَفِقِ
فَأَقْبَلْتُ نَحْوَهَا شَوْقًا أَضُمُّهَا
وَحَرْفُهَا بَيْنَ أَنْهَارِي وَمُحْتَرَقِي
زِحْتُ اللِّثَامَ، رَأَيْتُ النُّورَ مُبْتَسِمًا
كَأَنَّهُ الْفَجْرُ فِي إِشْرَاقِهِ الْوَدِقِ
قَبَّلْتُهَا، قَبَّلَتْنِي وَهْيَ هَامِسَةٌ
أَطَلْتَ فِي بُعْدِكَ الْمَشْؤُومِ مِنْ غَسَقِ
فَقُلْتُ: حُبُّكِ، وَاللَّهِ الْعَظِيمِ، بِهِ
أَحْيَا، وَإِنْ مِتُّ، لَا أَبْغِي سِوَى عِتَقِي
قَالَتْ: لَعَمْرِي، وَهَذَا الْعَهْدُ أُقْسِمُهُ
بِأَنَّ فِي حُبِّنَا أُنْشِدْتُ مِنْ شَفَقِ
فَيَا إِلَهِي، اجْعَلِ الْأَيَّامَ تَجْمَعُنَا
وَلَا تُفَرِّقْ خُطَى الْعُشَّاقِ بِالزَّلَقِ
385
قصيدة