الديوان » لبنان » عمر تقي الدين الرافعي » عرفت مكان السحر والسحر يؤثر

عدد الابيات : 49

طباعة

عَرَفتُ مكان السحر وَالسحرُ يؤثرُ

لِمَن عظُمَت حاجاتَهُ حينَ يَنظُرُ

يَدُقُّ عَلى الأَفهامِ من لُطفِه فَلَو

تسري إلى الأَقلامِ فَالعُذرُ أكبَرُ

أُحاوِلُ من وجدي البَيان فَكَيفَ بي

إِذا لَم أَجد لَفظاً بِماذا أُعبِّرُ

تمثّلتُه روحاً وَما الروح تنجَلي

حَقيقَتُها لكِن من الغَيبِ تظهَرُ

فَلَولا العُيون النُجلُ لم يك ساحِرٌ

وَقد صحّ أَنّ العين لِلبّ تَسحرُ

وَلَولا تناجيها مع القلب في الهوى

لما صحّ يوماً ما بهِ القَلب يشعرُ

أَلا إنّ روح الشعر في كلّ ما أَرى

وَأَسمَعُ وَهو السحرُ والسحر يؤثرُ

رَعى اللَهُ عيناً في الشَباب عرفتُها

تَصيد النُهى منها يُخاف ويُحذَرُ

تنكَّر لي من بعد عرفانِها الحمى

كَذاك فتاةُ الشَرقِ قد تتنكّرُ

فَقلت لها وَالقلبُ كَالطَير ساجعٌ

بتقديسها يهفو علَيها وَيخطُرُ

فَديتك ما هذا التنَكّرُ إنَّني

عرفتُك مهما كان منكَ التَستّرُ

فديتك من للصبّ يجبر كسره

وَهل لاِنكِسارِ القَلب غيرُك يجبرُ

فَقالت بلُطفٍ ما تُريدُ فخلتُها

وحقّ الهوى تَطوي حشايَ وَتنشرُ

فَقلت لها وَالزُهرُ طوعَ يَمينِها

تَصوغُ دراريها عُقوداً وَتنثرُ

بربّك ما هذي الدراري الَّتي أَرى

بها تخطفُ الأَبصارُ إن هي تبصرُ

لقَد نالَ من حولي الزَمانُ فهدَّني

وَكسّر أسناني بِما قد يكسِّرُ

فَأَصبحتُ لا أَقوى على العيش دونها

كَأَنّي بحكم الدهرِ شيخٌ معمّرُ

وَإلّا فَطفلٌ في الحياةِ لعجزهِ

عن المضغ عن أَكل اللحومِ يقصِّرُ

وَلَيسَ سوى الأَلبان في الصبح وَالمَسا

غذاءٌ له مَهما أريد التَخَيُّرُ

وَحَسبُك إِن طالَت حَياتي هذه

يَذوبُ بِها جِسمي النَحيل وَيُصهَرُ

عَلى أَنَّ من لاقيتُ في الغيد منكرٌ

لِمِثلي وَما مِثلي لدى الغيد يُنكرُ

إذا أَنا حيّيتُ الحسانَ تحيَّةً

بِأَيّة لفظٍ لا تردُّ وَتنفُرُ

تَقولُ وَقانا اللَهُ من كلّ باغِمٍ

يُغَمغم في صوتٍ له فاهُ يفغرُ

لها العذر كلّ العذر إذ كنت صادِحاً

فَصِرتُ إلى ما صرتُ جلَّ المُغَيِّرُ

فَما حال مثلي ليسَ حيّاً فيُرتَجى

وَلَيسَ بميتٍ لا يُرجّى فَيُقبَرُ

فَقالَت أَلا هوِّن عَلَيكَ الَّذي بدا

فَخَطبُكَ مِمّا قد بدا لك أَيسَرُ

جرت عادةُ الأَيّامِ بِالمَنعِ وَالعَطا

فَصبراً عَلى الأَقدارِ تُغني وَتُفقرُ

فَيوماً شَبابٌ ناضرٌ فيهِ زينَةٌ

وَيوماً مَشيب لِلقبور يُجرجرُ

فَسُبحان من قد أَحكم الصُنع في الوَرى

كما شاءَت الأَقدارُ جلَّ المقدِّرُ

وَأَومت إلى عقد الثريّا بنَحرها

تشير لِشَيء دونه الصبُّ يُنحرُ

فَشاهدت أَملاك الجمالِ بصدرِها

لَدى فَلك الأَفلاك تُنهى وَتُؤمرُ

تُشير إلَيها أَن تحلَّ عقودها

لِتَمنَحني منها الَّذي أَتخيَّرُ

فَقُلت ومن يقوى على صوغ مثلها

ثَنايا لِمِثلي وهي دُرٌّ وَجَوهَرُ

فَقالَت فتى العليا عليٌّ يَصوغُها

كَما صاغَ لي وَالشَيءُ بِالشَيء يُذكرُ

فَقُمتُ لما أَرجو أُرَدِّدُ شكرها

وَمن شكر المَعروف في الناس يُشكَرُ

وَجِئتُ عليّاً بِالَّذي قد منحتهُ

فَكانَ الَّذي قالَته عنهُ وَأَكثَرُ

لَقَد رَدَّ لي بُردَ الشَبابِ حقيقَةً

بفكّين عن وَصفَيهما الفكرُ يقصرُ

أَرى كُلَّ فكٍّ مثل حصنٍ مُمَنَّع

وَفيه ثَمين الدُرِّ عقدٌ مجوهَرُ

وَعاودني النُطق الجَميل كَما تَرى

فَشُكراً لِمَن قد كان بِالشُكرِ يجدرُ

وَيا بَصَري عوفيت من قصرٍ بَدا

وَكنت كَزَرقاءِ اليَمامَةِ تنظُرُ

وَيا قَلبيَ المضنى عذبت جوارِحي

لكَ اللَهُ ما هذا الضَنى وَالتَغَيُّرُ

لَقد نالَ من حَولي الزَمانُ وَقُوَّتي

فَصِرتُ إلى ما صرتُ لا أتَصوَّرُ

كَفى مثلاً قَدَّمتهُ شاهِداً عَلى

مَصير الوَرى حيثُ الفَناءُ مُقَرَّرُ

شَبابٌ مَضى وَالعُمرُ ماضٍ جَميعُهُ

على كلّ حالٍ أَين من يتفكّرُ

نَروحُ وَنَغدو وَالعِظات كَثيرَةٌ

بكلّ سَبيلٍ قلَّ من يتبَصَّرُ

إلام غُرورُ المَرءِ في العَيشِ ذاهِباً

مَذاهِب شَتّى وهو دوماً يُغَرّرُ

وَفيمَ اِحتِمالُ المَرء أَوزارَه وَقد

يَنوءُ بِها حملاً إِذا هو يوزِرُ

أَلَيسَ الدُنا كانَت ممرّاً لأَهلِها

وَلَيسَت مقرّاً لِلَّذي يتخطّرُ

حَياةٌ وَمَوتٌ ثمّ بعثٌ بِلا مرا

وَجَنّاتُ خُلدٍ أَو جَحيمٌ تسعَّرُ

نبذة عن القصيدة

المساهمات


معلومات عن عمر تقي الدين الرافعي

avatar

عمر تقي الدين الرافعي

لبنان

poet-Omar-Taqi-al-Din-Al-Rifai@

329

قصيدة

10

الاقتباسات

3

متابعين

عمر تقي الدين بن عبد الغني بن أحمد الرّافعي الطرابلسي (1882 - 1964) م. فقيه وقاضٍ، متصوف نقشبندي، أديب وشاعر لبناني، وُلد في مدينة صنعاء بولاية اليمن العثمانية في 17 أغسطس ...

المزيد عن عمر تقي الدين الرافعي

اقتراحات المتابعة

أضف شرح او معلومة