عدد الابيات : 32
أَتَاكَ رَمَضَانُ يَا نَهْرَ التُّقَى
يَسْرِي نَقِيَّ الْجَرْيِ ضَافٍ مُغْدِقُ
يَا بَارِقَ الرَّحَمَاتِ فِي أَعْطَافِهِ
يَهْفُو لَهُ الْقَلْبُ الْوَجِيلُ الْمُرْهَقُ
فِي كُلِّ نَفْحَتِهِ يَفُوحُ تَجَلِّيًا
مِنْ نُورِ غُفْرَانٍ تَبَلَّجَ يُشْرِقُ
قَدْ جِئْتَ يَا مَهْدَ التُّقَى فَاسْتَبْشَرَتْ
أَرْوَاحُنَا وَالْقَلْبُ نَحْوَكَ يَسْبِقُ
صَامَتْ لَكَ النَّفْسُ الَّتِي قَدْ أَرْهَقَتْ
فِي لُجَّةِ الدُّنْيَا وَأَتْلَفَهَا الشَّقَقُ
تَسْتَلُّ مِنْهُ الرُّوحُ سِرَّ جِلَائِهَا
وَتَطُوفُ فِي سُحُبِ النَّدَى وَتُعْتَقُ
يَا مَنْ أَتَيْتَ بِمَا يُزِيلُ ظَلَامَنَا
وَيَسُوقُ فِي سَجَدَاتِنَا مَا يُورِقُ
نَزَحَتْ لَكَ الْأَنْفَاسُ تَحْمِلُ زَفْرَهَا
وَتُسِيغُ كَأْسَ الشَّوْقِ وَالدَّمْعُ يَزْفِقُ
فَلَكَ التَّرَاوِيحُ الَّتِي مَا ضَوَّعَتْ
إِلَّا وَمِسْكُ الذِّكْرِ فِيهَا يُعْتَنَقُ
يَا لَيْلَ رَمَضَانَ الْمُنَاجَى سِحْرُهُ
يُشْفِي الْفُؤَادَ وَيَحْتَوِي وَيُمَرِّقُ
إِنْ كُنْتَ مِنْ سِجْنِ الذُّنُوبِ مُحَطَّمًا
فَالصَّوْمُ مِعْرَاجُ الْعُلَا فَتَعَلَّقُ
وَكَأَنَّنَا مِنْ كُلِّ جِنْسِ خَلِيقَةٍ
نُسُكٌ يُلَبِّي الْعِزَّةَ لِلَّهِ وَيُعَتَّقُ
يَا مَنْ يَسُوقُ إِلَى الْجِنَانِ زُمْرَةً
تَسْمُو بِهَا الْأَرْوَاحُ وَالشَّوْقُ يَزْهَقُ
هَذَا مَطَافُ الْعَابِدِينَ وَنُسْكُهُمْ
وَالْخُلْدُ مَوْعُودٌ لِمَنْ يَتَوَفَّقُ
فَلْتَنْتَفِضْ يَا نَفْسُ مِنْ سُبَاتِكِ
فَالْحُرُّ فِي مِضْمَارِهِ يَتَسَبَّقُ
تِيجَانُهُمْ تَلْقَى النَّعِيمَ بِأَكُفِّهِمْ
وَالنُّورُ يَزْهَرُ فَوْقَهُمْ يَتَأَلَّقُ
يَا فَوْزَ مَنْ صَامَ الْحَيَاةَ بِزُهْدِهِ
فَأَتَاهُ فَيْضُ الْحُبِّ حِينَ يُفَرَّقُ
أَتَاكَ رَمَضَانُ الَّذِي حَلَّ بِجَلَالِهِ
يَحْيَا الْفُؤَادُ وَتَرْتَقِي الْخُلُقُ
هَذَا رَمَضَانُ الْمَكْرُمَاتِ تَزَيَّنَتْ
فِيهِ الْجِنَانُ وَنُوِّرَتْ وَتَأَلَّقُوا
فِيهِ الْهُدَى وَالذِّكْرُ أَضْحَى نُورُهُ
يَهْدِي الْقُلُوبَ وَيَكْسِرُ الْمُتَعَلِّقُ
أَفَمَنْ تَذُوبُ نُفُوسُهُ فِي سَجْدَةٍ
كَمَنْ غَوَاهُ الشَّرُّ فَهُوَ يُمَزَّقُ؟
هِيَ لَيْلَةُ الْقَدْرِ الَّتِي إِنْ شُرِّفَتْ
جَلَّتْ بِخَيْرٍ لَيْسَ فِيهِ تَفَرُّقُ
أَتَرَى الْمَلَائِكَ تَنَزَّلَتْ مُتَبَرِّكَةً
فِيهَا الضِّيَاءُ وَكُلُّ نُورٍ يَبْرُقُ
سِلْ كُلَّ مَنْ نَاجَى الْإِلَهَ بِحُرْقَةٍ
مَاذَا وَجَدْتَ؟ فَيَا لَهُ مِنْ مُورِقِ
فِيهِ التَّرَاوِيحُ الَّتِي مِنْ نُورِهَا
كَانَ الْمُصَلِّي فِي جِنَانٍ يَرْفُقُ
وَتَطُوفُ فِيهِ نَسَائِمٌ مِنْ كَوْنِهِ
فَتُرِيكَ كَيْفَ الرُّوحُ بِاللَّهِ تُحَلِّقُ
فِيهِ الصِّيَامُ وَفِيهِ عِتْقُ نُفُوسِنَا
فَلَكَ الثَّوَابُ وَمِثْلُهُ لَا يُسْرَقُ
وَكَأَنَّنَا فِي كُلِّ يَوْمٍ فِيهِ نُحْيَا
حَتَّى يَعُودَ بِفَضْلِهِ نَتَوَثَّقُ
أُفْطِرْتَ يَا مِسْكَ الْجِنَانِ وَكَمْ بِهِ
سِرٌّ تَسِيلُ لَهُ الْقُلُوبُ وَتَغْدِقُ
وَكَأَنَّ طَعْمَ الْمَاءِ بَعْدَ تَجَرُّعٍ
يَرْوِي الْفُؤَادَ وَيَرْتَقِي وَيُعَتَّقُ
يَا لَيْلَ رَمَضَانَ الَّذِي بِبَهَائِهِ
كَمْ أَشْرَقَتْ فِيهِ النُّفُوسُ وَأُطْلِقُوا
مَنْ صَامَ فِيهِ بِصِدْقِ نِيَّةِ مَرْحَمٍ
نَالَ الْجِنَانَ وَفَازَ فَوْزًا مُطْلَقُ
395
قصيدة