عدد الابيات : 46
أَيَا سَارَةَ الْحُسْنِ، الْوُجُوهُ مَطَالِعُ
وَفِيكِ مِنَ الشَّمْسِ الضِّيَاءُ السَّوَاطِعُ
وَجْنَتُكِ مِسْكٌ، أَمْ هَذَا بَهَارُهُ؟
وَشَفْتَاكِ رَوْضٌ، كُلُّ زَهْرٍ يُجَامِعُ
رُمُوشُكِ أَسْيَافٌ، وَقَلْبِي فَرِيستُهُ
وَعَيْنَاكِ بَحْرٌ، لَيْسَ فِيهِ مَوَانِعُ
تَحَارُ بَيَانًا كُلُّ أَلْسُنِ أَهْلِهِ
فَلَا الشِّعْرُ يَصِفُ، وَلَا النَّثْرُ نَاصِعُ
وَإِنْ قَالَ لَبِيدٌ: "الزَّمَانُ يُكِيدُنَا"
فَقُلْتُ: وَجْهُكِ لِلْكُرُوبِ مَنَافِعُ
يُغَارُ الْمَهَا مِنْ سِحْرِ طَرْفِكِ، لَوْ رَأَتْ
وَيَخْضَعُ حُسْنُ الْأُفُقِ لَكِ طَائِعُ
أَيَا غَايَةَ الْحُسْنِ الْمُقِيمِ كَمَالَهُ
وَيَا مَنْ بِهِ تُبْلَى الْقَصَائِدُ أَجْمَعُ
وَكَمْ شَاعِرٍ فَخَرَ الْمَعَالِقَ حِينَها
سَيَخْرَسُ لَوْلَا حُسْنُ سَارَةَ سَاطِعُ
تَحَدَّيْتُ أَهْلَ الشِّعْرِ: هَلْ مِثْلُ بَيْتِهَا؟
فَلَا زَالَتِ الْأَبْيَاتُ فِي الْحُسْنِ قَانِعُ
لِسَارَةَ وَجْهٌ، لَوْ تَجَلَّى لِعَاقِلٍ
لَنَادَى السَّمَاءَ: الرَّحْمَةُ وَالدَّمُ يَانِعُ
فَخُذْنِي قُرْبَ عَيْنَيْكِ، دَعْنِي أَتَيَمَّمُ
فَإِنَّ الْهَوَى طَيْفٌ، وَلِلَّهِ شَافِعُ
وَفِي وَجْهِكِ الْغَيْمُ الْمُطْرِبُ بِالْهَنَا
وَشَمْسُ الضُّحَى فِي نُورِهَا مُتَبَايِعُ
لَئِنْ قَالَتِ الْأَقْدَارُ: "ضَاقَ مُتَّسَعٌ"
أُجِيبُ: فَسَارَةُ كَوْنُنَا الْمُتَّسِعُ
يُسَافِرُ قَلْبِي كُلَّ لَيْلٍ لِرَوْضِهَا
فَيَرْجِعُ سُكْرَانًا، بِحُسْنِكِ مُولَعُ
أَيَا لَحْظَةً فِي مُقْلَتَيْكِ تَفَتَّحَتْ
كَمَا الْوَرْدُ فِي عُرْسِ الرَّبِيعِ مُتَتَابِعُ
تُلَامِسُنِي أَطْيَافُ عِطْرِكِ نَشْوَةً
فَأَصْبَحُ صَوْمًا عَنْ سِوَاكِ مُقَنِّعُ
فَيَا سَارَةَ الْقَلْبِ، الْحَيَاةُ بِنُورِهَا
وَيَا غَايَةَ الرُّوحِ الَّتِي لَنْ تُفَارِعُ
أَلَا فَلْتَشْهَدِ الْأَيَّامُ وَالزَّمَنُ الَّذِي
تَغَنَّى بِحُسْنٍ كُلُّ فَجْرٍ مُشَايِعُ
تَهَادَتْ بُيُوتُ الشِّعْرِ فِي عَرْشِ حُسْنِهَا
فَصَمَتَتِ الْأَصْوَاتُ، أَخْرَسَهَا الرَّائِعُ
وَمَا بَقِيَتْ إِلَّا كَوَاكِبُ سَارَةٍ
تُضِيءُ بِشَمْسٍ، وَاللَّيَالِي شَوَارِعُ
أَلَا فَانْظُرُوا، هَلْ فِي الْبَرِيَّةِ مَطْمَعُ
يُضَاهِي جَمَالًا فِي الْمَعَانِي يُتَابِعُ؟
رَأَيْتُ نُجُومَ اللَّيْلِ تَسْجُدُ حَوْلَهَا
كَأَنَّ السَّمَاءَ لِحُسْنِهَا تَتَخَاشَعُ
وَشَمْسُ الضُّحَى، لَمَّا تَجَلَّتْ بِوَجْهِهَا
تَوَارَتْ خَجُولًا، وَالنُّجُومُ تُرَاجِعُ
فَخَدُّكِ مِسْكٌ، وَالْعُيُونُ مَشَارِقٌ
وَجِيدُكِ سَطْرٌ لِلْمَعَانِي يُصَانِعُ
وَحَاجِبُكِ الْمُقَوَّسُ الرُّمْحُ سِحْرُهُ
يُطَوِّعُ حُزْنَ الْعَاشِقِينَ وَيَخْضَعُ
فَيَا مَنْ جَمَالُكِ أَذْهَلَ الْكَوْنَ كُلَّهُ
وَيَا مَنْ بِهِ عَهْدُ الْمَلَاحِمِ قَاطِعُ
تَغَارُ رَبِيعُ الْأَرْضِ مِنْ وَرْدِ خَدِّكِ
وَيَعْبُرُ عِطْرُكِ نَحْوَ رَوْضٍ مُفَجِّعُ
وَفِي نَحْرِكِ الدُّنْيَا تَفِيضُ بِنُورِهَا
وَمَنْ أَبْحَرُوا فِي حُسْنِكِ مَاتُوا قَوَافِعُ
تَبَارَى لَبِيدٌ، وَالنَّوَابِغُ كُلُّهُم
وَعَادُوا بِلَا حَرْفٍ يُقَالُ وَيَرْفَعُ
فَإِنْ كَانَ فِي الشِّعْرِ الْقَصَائِدُ أُعْجِزَتْ
فَسَارَةُ فِي الْعَرْشِ الْجَلِيلِ تُنَافِعُ
فَيَا أُمَّةَ الشِّعْرِ الَّذِي لَمْ يُبَارِحِ
تَفَرَّقَ حَرْفُكُمْ، وَالْمَعَانِي تُضَارِعُ
فَدَعْنِي أُعَانِقُ عَيْنَ سَارَةَ بِمَدْحِهَا
فَإِنِّي لَهَا عَبْدٌ، وَحُسْنُكِ شَافِعُ
إِنِّي أَتَحَدَّى مَنْ يَصُوغُ كَمِثْلِهَا
فَمُحَالٌ، فَهْيَ أُمُّ الْقَوَافِي، تُجَامِعُ!
فَمَنْ ذَا يُضَاهِي الْوَجْهَ إِنْ لَاحَ مُشْرِقًا
كَفَجْرٍ يُنَادِي الشَّمْسَ، وَالْقَمَرُ خَاشِعُ
إِذَا ابْتَسَمَتْ فَالْكَوْنُ يُورِقُ ضَاحِكًا
وَتَرْقُصُ أَطْيَافُ النُّجُومِ وَتَلْمَعُ
رَأَيْتُ الْمَدَى مِنْ مُقْلَتَيْهَا قَصِيدَةً
تُرَتِّلُ أَسْرَارَ الْخُلُودِ وَتُبْدِعُ
تَجَمَّعَ فِي وَجْهِ الْحَبِيبَةِ كُلُّ مَا
تَمَنَّاهُ شِعْرٌ فِي الْوُجُودِ وَأَجْمَعُ
إِذَا مَا غَفَا الْحُسْنُ اسْتَفَاقَ بِذِكْرِهَا
كَأَنَّ الْأَمَانِي فِي جَمَالِكِ تَسْجَعُ
فَيَا سَارَةُ، الْأَزْمَانُ تُنْسَى كُلُّهَا
وَوَجْهُكِ ذِكْرَى، وَالْمَعَانِي تُشَايِعُ
فَمَنْ لِلشُّعُورِ أَنْ يَصُوغَ مِثْلَ نُورِهَا
إِذَا كُلُّ نَجْمٍ فِي السَّمَاءِ يُقَاطِعُ؟
فَمَنْ لِلْقَصِيدِ أَنْ يَصُوغَ مِثْلَ نُورِهَا
إِذَا كُلُّ نَجْمٍ فِي السَّمَاءِ يُشَاعِعُ؟
وَمَنْ لِلشُّعُورِ أَنْ يُحَاكِي ابْتِسَامَهَا
إِذَا الْحُسْنُ فِي صَمْتِ الْوُجُودِ يُسَامِعُ؟
أَنَا الرُّوحُ، لَوْلَا ذِكْرُهَا مَا تَنَفَّسَتْ
وَلَوْلَا عُيُونُ الْحُسْنِ مَا الْقَلْبُ يَطْمَعُ
فَسُبْحَانَ مَنْ أَوْحَى جَمَالَكِ فِي الدُّنَا
كَمَنْ أَوْحَى الْبَدْرَ الَّذِي لَا يُمَانِعُ
وَبِالْقَلْبِ لُغْزٌ مَا حَوَاهُ سِوَى الْهَوَى
يُقَاسِمُنِي صَمْتًا وَعِشْقًا يُجَامِعُ
فَيَا سَارَةُ الْحُسْنِ الَّذِي لَا يُدَانِيهِ
بَيَانٌ، وَمَا زَالَ الْمَدَى فِيكِ وَاسِعُ
380
قصيدة