عدد الابيات : 25
هَاكَ يَا طَرَفَةُ بُرْدِي فَاسْتَعِدَّ لَهُ
فَإِنِّي بِبَحْرِ الشِّعْرِ أَغْرَقُ فِي لُجَّهْ
سَأَسْقِيكَ كَأْسًا لَا تُطِيقُ مَذَاقَهُ
وَأُنْشِدُ قَوْلًا يَعْجِزُ الْحَرْفُ عَنْ وَهِّهْ
لِدَارِي أَطْلَالٌ بِوَادٍ مُجْدِبٍ
كَأَنَّ بَقَايَاهَا سُطُورٌ عَلَى صَفْحَهْ
تَلُوحُ سَنًا فِي مُقْلَتَيَّ كَأَنَّهَا
نُجُومٌ تَوَارَتْ خَلْفَ أَسْتَارِهَا سُبْحَهْ
وَقَفْتُ بِهَا وَالدَّمْعُ يَسْبِقُ خُطْوَتِي
وَأَحْجَارُهَا تَشْكُو إِلَيَّ كَمَا شَكْوَهْ
فَيَا لَيْتَ شِعْرِي، هَلْ أُعِيدُ مُجَدَّدًا
لَيَالٍ تُنَاغِي الْقَلْبَ بِحُبٍّ وَفَرْحَهْ
وَقَفْتُ أُنَادِيهَا بِدَمْعٍ مُهَرْهَرٍ وَمَا
مِنْ مُجِيبٍ غَيْرَ وَقْعِ صَدَى نَوْحَهْ
بِهَا قَدْ مَضَى عَهْدٌ كَأَنِّي لَمَسْتُهُ
بِأَنْفَاسِهَا الزَّهْرَاءِ تَسْرِي بِهَا نَسْمَهْ
فَمَا لِي أُنَاجِيهَا وَشَمْسُ شَبَابِيَ
تُوَارِي وُجُوهَ الْحُزْنِ فِي ظُلْمَةِ مِحْنَهْ
وَكَيْفَ لِنَارِ الْوَجْدِ تَخْبُو جِمَارُهَا
وَقَدْ صَارَ رَمْسِي مُورِقَ قَلْبٍ بِجَرْحَهْ
وَخِلْتُ سَنَاهَا بَارِقًا فِي سَحَائِبِي
يُثِيرُ لَهِيبَ الْعَيْنِ فِي سَكْبِهَا نَضَّهْ
فَيَا دَارُ عُودِي، إِنَّ شَوْقِيَ هَائِمٌ
يُفَتِّشُ عَنْ حُلْمٍ تَبَخَّرَ فِي اللَّمْحَهْ
أَلَا لَيْتَ سَيْفَ الدَّهْرِ يَقْطَعُ وَصْلَهُ
فَمَا عَادَ لِي صَبْرٌ عَلَى ضَنْكِهِ وَحْهَهْ
وَقَفْتُ وَمَا فِي الْقَلْبِ إِلَّا لَوَاعِجٌ
تَدُورُ كَنَجْمٍ فِي جَحِيمِ أَسَى لَفْحَهْ
فَيَا رَاكِبَ الْمُهْرِ الْمُجَرِّدِ مُسْرِعًا
إِذَا مَرَرْتَ رَوْضًا فَاذْكُرْ لَنَا ظِلَّهْ
وَقُلْ لِتُرَابِ الْحَيِّ إِنِّي بِحُبِّكُمْ
فَتًى لَمْ يَزَلْ يُحْيِي تَذَكُّرَ وَدَحْدَحَهْ
رَأَيْتُ جَمَالَ الْوَجْهِ يَزْهُو كَأَنَّهُ
سَنَا الْبَدْرِ لِلَّيْلٍ يُنَاجِي دُجَى صُبْحَهْ
إِذَا مَا تَبَسَّمَتِ الثُّغُورُ تَسَاقَطَتْ
وُرُودُ لُجَيْنٍ مُزْهِرَاتٍ عَلَى فَوْحَهْ
لَهَا عِقْدُ دُرٍّ بَيْنَ ثَغْرٍ مُفَلَّجٍ
يُنَاجِي بِأَنْغَامِ الْغَدَائِرِ فِي اللَّفْهْ
وَوَجَنَاتُهَا سُكْرَى تَخِفُّ بِخَدِّهَا
حَيَاءً كَأَنَّ الرَّوْضَ أَسْقَاهُنَّا النَّدَّهْ
وَفِي الْحَيِّ وَرْدٌ عَاطِرٌ قَدْ رَأَيْتُهُ
يُرَاقِصُ ضَوْءَ الْفَجْرِ بِسِحْرٍ وَرَوْحَهْ
خَذُولٌ تُرَاعِي الرَّوْضَ طَرْفًا كَأَنَّهَا
غَزَالٌ بِمَرْعَى الْبَانِ يَسْرِي بِهِ فَرْحَهْ
إِذَا مَا تَهَادَتْ خِلْتَهَا قُبَّةَ النَّدَى
تُرَاقِصُ أَنْغَامَ الْحَفِيفِ بِلَا قَطَّهْ
فَيَا طَرَفَةُ الشِّعْرُ مِنْ مَنْبَعِي نَهَرٌ
يُفِيضُ عَلَى الدُّنْيَا لَآلِئَهُ سَمْحَهْ
فَإِنْ كُنْتَ بِالْقَصْفِ الْمُفَاخِرِ شَاعِرًا
فَإِنِّي حُسَامٌ يُحْكِمُ ضَرْبًا فِي ذَبْحَهْ
385
قصيدة