عدد الابيات : 35
كُفِّي دُمُوعَكِ لَا تُطِيلِي التَّعَجُّبَا
فَقَدْ جَفَّ دَمْعِي وَالْعُيُونُ تَلَهَّبَا
وَسَالَ الْأَسَى فِي الْقَلْبِ حَتَّى كَأَنَّهُ
دَمٌ يَتَدَفَّقُ فِي الْعُرُوقِ مُنَدَّبَا
سُرَارَةُ، لَا زَالَ الْهَوَى يُسْرِجُ الْأَسَى
وَيُوقِدُ فِي الْأَعْمَاقِ نَارًا تَأَجَّبَا
فَكَمْ لَيْلَةٍ بَاتَ السُّهَادُ يُنَازِعُ الْكَرَى
وَمَوْجُ الْبَيْنِ يُلْقِي التَّلَحُّبَا
أُرَاقِبُ نَجْمَ اللَّيْلِ يَمْشِي مُتَمَهِّلًا
كَأَنَّ عَلَى كَاهِلِ الدُّجَى مَنْ تَأَلَّبَا
أَقُولُ لَهُ يَا لَيْلُ هَلْ مِنْ مُحَدِّثٍ؟
فَإِنَّ الْأَسَى فِي الْقَلْبِ أَمْسَى مَذْهَبَا
أُحِبُّكِ، لَا تَسْأَلِي الْقَلْبَ عَنْ مُهَجٍ
قَدِ انْدَثَرَتْ شَوْقًا، وَصَارَتْ تَذَهَّبَا
فَمَا ذُقْتُ مِنْ وَصْلٍ، وَلَا نَالَنِي هَوًى
إِلَّا وَكَانَ الدَّهْرُ بِالْهَجْرِ مُعْرِبَا
عُرَيْبَةُ، إِنِّي فِي هَوَاكِ مُمَزَّقٌ
كَأَنِّي غَزَالٌ بَيْنَ سَبْعٍ مُخَلَّبَا
فَمَا بَالُ دَمْعِي قَدْ جَرَى غَيْرَ مُتَوَلٍّ؟
كَأَنَّ الَّذِي أَلْقَاهُ وَنَارٌ تَلَهَّبَا
وَمَا زِلْتُ مُذْ فَارَقَكِ الْقَلْبَ مُوجِعًا
كَطَوْدٍ عَظِيمٍ قَدْ تَصَدَّعَ مُرْهَبَا
سُرَارَةُ، إِنَّ الدَّهْرَ ظَالِمًا، وَإِنَّنِي
صَبُورٌ، وَلَكِنْ مَا وَجَدْتُ لَهُ سَبَبَا
إِذَا ذَكَرَتْ عَيْنَاكِ سَالَتْ مَدَامِعِي
كَأَنِّي قَضِيبٌ تَحْتَ بَرْقٍ تَصَبَّبَا
كَأَنَّ الَّذِي أَلْقَاهُ فِي الْحُبِّ زَلْزَلٌ
تَمَوَّجَ حَتَّى هَدَّ أَرْكَانِي هَدَّبَا
أَيَا دَارَ أَحْبَابِي الَّتِي قَدْ تَرَكْتُهَا
كَأَطْلَالِ وَجْدٍ قَدْ تَعَرَّتْ تَهَدُّبَا
فَهَلْ مِنْ رَسُولٍ يُخْبِرُ الدَّارَ عَنْ فَتًى
كَوَاهُ الْأَسَى حَتَّى اسْتَحَالَ مُنَحَّبَا؟
مَا الْقَلْبُ إِلَّا مَوْضِعُ شَوْقٍ وَهَوًى
وَمَا الْحُبُّ إِلَّا أَنْ تَكُونَ مُغَلَّبَا
وَلَوْ أَنَّ وَصْلِي كَانَ كَالْغَيْثِ لَمْ أَكُنْ
أَقُولُ لِمَنْ أَلْقَاهُ: صِرْتُ مُعَذَّبَا
وَلَكِنَّهُ دَهْرٌ يُشَتِّتُ بَيْنَنَا
كَأَنَّهُ الرِّيحُ وَقَدْ هَبَّتْ تَلَاهُّبَا
فَسِيرِي سُرَارَةُ حَيْثُ شِئْتِ فَإِنَّنِي
سَأَبْقَى عَلَى الْعَهْدِ الْقَدِيمِ مُنَصَّبَا
فَلَا تَحْسَبِي أَنِّي سَلَوْتُ، وَإِنَّمَا
غَرَامُكِ نَارُ جَمْرٍ لَا تَزَالُ تَأَجَّبَا
أُمَيْمَةُ، إِنَّ الْعِشْقَ دَهْرٌ وَإِنَّنِي
بِهِ غَارِقٌ بِحُبٍّ لِأَغِيبَ وَأُغَيَّبَا
وَمَا الْحُبُّ إِلَّا أَنْ يَكُونَ فَتًى غَدَا
طَرِيحًا كَأَوْرَاقِ الْخَرِيفِ تَلَهَّبَا
أَلَا فَاسْمَعِي قَوْلِي فَإِنِّي وَإِنْ غَدَوْتُ
حَزِينًا فَإِنَّ الْعِشْقَ عِنْدِي مُرَتَّبَا
وَقَدْ كُنْتُ فِي الْهَيْجَاءِ أَسَدًا مَهَابَهُ
إِذَا مَا دَنَا الْأَعْدَاءُ صَارَ مُلَهَّبَا
فَلَا السَّيْفُ يَنْبُو عَنْ يَمِينِي وَإِنِّي
إِذْ صَالَ خَصْمِي كَانَ الْمَوْتُ أَقْرَبَا
وَأَكْرَمُ قَوْمِي إِنْ دَعَانِي مُنَادِيهِمُ
فَإِنِّي إِذَا مَا جِئْتُ أَقْبَلْتُ مُلَبَّبَا
وَإِنِّي لَبَحْرٌ فِي الْعَطَايَا وَإِنِّي
إِذَا جَادَ كَفِّي كَانَ لِلنَّاسِ مَذْهَبَا
فَلَا تَذْكُرُوا كَفِّي بِخَيْرٍ فَإِنَّنِي
أَرَى الْجُودَ دِينًا قَدْ وَجَدْتُ لَهُ سَبَبَا
فَإِنْ تَسْأَلُونِي عَنْ هَوَايَ فَإِنَّهُ
سُرَارَةُ، قَدْ أَمْسَى الْفُؤَادُ لَهَا صَبَا
وَإِنِّي لَهَا، لَا شَكَّ، عَبْدٌ مُتَيَّمٌ
وَإِنِّي بِهَا، لَا شَكَّ، صِرْتُ مُعَذَّبَا
فَلَا تَلُومُونِي فِي هَوَاهَا، فَإِنَّنِي
أَرَاهَا سَمَاءً، أَشْرَقَتْ وَتَغَيَّبَا
وَإِنْ عَادَ وَصْلِي كَانَ قَلْبِي كَأَنَّهُ
نَخِيلٌ عَلَى وَادِي الْعَقِيقِ تَسَرْبَبَا
فَإِنْ مِتُّ يَوْمًا وَالْهَوَى فِي جَوَانِحِي
فَلَا تَدْفِنُوا جَسَدِي، دَعُوهُ مُحَجَّبَا
فَقَدْ كَانَ لِي فِي الْحُبِّ عُمْرٌ طَوِيلٌ
كَأَنِّي عَاشِقٌ أَتَى الزَّمَانَ مُتَعَجِبَا
387
قصيدة