عدد الابيات : 28
أَلَا قُلْ لِمَنْ قَدْ أَدْهَشَ الْقَلْبَ بِالْهَوَى
أَتَسْكُنُ رُوحًا أَمْ تُعَانِقُ مَعْبَدِي؟
رَأَيْتُكِ نُورًا قَدْ تَجَلَّى كَأَنَّهُ
هِلَالٌ يُضِيءُ اللَّيْلَ فَوْقَ الْمُسَجَّدِ
إِذَا مَا تَبَسَّمْتِ الْحَيَاةُ كَأَنَّهَا
بُرُوقُ السَّمَا تُهْدِي الْفُصُولَ تَوَقُّدِي
عُيُونُكِ يَا سِرَّ الْجَمَالِ كَأَنَّهَا
كُؤُوسُ النَّدَى فِي غَيْمِ صُبْحٍ مُجَدَّدِ
وَشَعْرُكِ يَا رِيحَ الْخُزَامَى قَدِ احْتَوَى
ضَفَائِرَ تُبْدِي الْحُسْنَ دُونَ تَجَرُّدِ
كَأَنَّكِ فِي حُسْنِ الْخَلَائِقِ آيَةٌ
تُعَلِّمُ أَهْلَ الْعِشْقِ دَرْبَ التَّفَرُّدِ
فَلَمَّا الْتَقَتْ عَيْنِي بِعَيْنِكِ مَرَّةً
رَأَيْتُ حَيَاةً كُنْتُ عَنْهَا مُبَعَّدِ
كَأَنَّكِ نَارٌ فِي ضُلُوعِي أَشْعَلَتْ
رَمَادَ سِنِينَ كُنْتُ فِيهَا مُجَمَّدِ
رَأَيْتُكِ فِي دُنْيَايَ فَجْرًا مُشْرِقًا
يُبَدِّدُ لَيْلِي فِي ارْتِحَالِ التَّجَمُّدِ
وَأَصْبَحْتُ مُذْ ذَاكَ اللِّقَاءِ مُتَيَّمًا
أَطُوفُ بِأَطْيَافِ الْجَمَالِ الْمُخَلَّدِ
وَلَكِنَّ دَهْرًا جَاءَ بَيْنِي وَبَيْنَهَا
فَصَارَ كَعَصْفِ الرِّيحِ فَوْقَ الْمُوَحَّدِ
حُرِمْتُ لُقَاهَا، غَيْرَ أَنِّي بِقَلْبِهَا
أَعِيشُ وَإِنْ غَابَتْ بِعُمْرٍ مُبَدَّدِ
أُقَاوِمُ دَهْرَ الْبُعْدِ فِي كُلِّ لَحْظَةٍ
وَأَصْرُخُ: حُبِّي لَنْ يَلِينَ وَيَفْقِدِ
فَمَا زَالَ حُبِّي رَغْمَ قَهْرِ مَسَافَةٍ
كَجَذْرٍ عَمِيقٍ فِي تُرَابِ الْمُوَطَّدِ
أَيَا غَائِبَةً، قَدْ زَادَ شَوْقِي لِنَظْرَةٍ
تُعِيدُ ابْتِسَامِي بَعْدَمَا كُنْتُ مُكَدَّدِ
فَكُلُّ صَبَاحٍ فِيهِ عِطْرُكِ حَاضِرٌ
كَأَنَّكِ نَجْمٌ فِي ظَلَامِي الْمُوَشَّدِ
وَذِكْرَاكِ فِي عُمْرِي ظِلَالٌ تَحُوطُنِي
كَأَغْصَانِ وَرْدٍ فَوْقَ قَلْبِي الْمُعَدَّدِ
أُنَادِيكِ فِي صَمْتِ اللَّيَالِي، فَأَسْمَعُ
صَدَى صَوْتِ عِشْقٍ لِفُؤَادِي الْمُقَيَّدِ
عَهِدْتُكِ حُبًّا لَا يُبَدِّدُهُ الْفَنَا
وَلَا يُطْفِئُ الْإِخْلَاصَ رِيحُ الْمُبَرَّدِ
سَأَبْقَى عَلَى عَهْدِ الْغَرَامِ مُقِيمَةً
وَأُقْسِمُ: حُبِّي مِثْلَ نَجْمٍ مُؤَبَّدِ
إِذَا مَا طَوَى الْمَوْتُ الْحَيَاةَ بِظُلْمَةٍ
سَيَبْقَى هَوَانَا فِي الْكَوَاكِبِ مُرَدَّدِ
فَلَا تَخْشَيْ يَا مَنْ كُنْتِ سِرَّ بَقَائِنَا
فَحُبُّكِ رُوحِي فِي الْخُلُودِ الْمُسَرَّدِ
وَهَا قَدْ تَرَكْتُ الشِّعْرَ يَشْهَدُ قِصَّتِي
لِيُصْبِحَ عِشْقُ الْعُمْرِ رَمْزَ الْمُخَلَّدِ
كَأَنِّي وَعَنْتَرَةَ الْغَرَامُ تَوْأَمٌ
فَمَا زَالَ قَلْبِي فِي الْحَنِينِ مُشَدَّدِ
وَإِنْ حَالَ بَيْنِي وَالْبَقَاءِ عَوَاذِلٌ
فَحُبُّكِ فِي قَلْبِي كَنَبْضِ الْمُعَمَّدِ
بَكَيْتُ لِذِكْرَى بَيْنَ نَجْمٍ وَغَيْمَةٍ
فَأَلْفَيْتُ دَمْعِي فِي اللَّيَالِي الْمُرَدَّدِ
فَيَا قَارِئًا، إِنْ مَرَّ حَرْفِي بِبَابِكَ
فَخُذْهُ وَدَوِّنْهُ بِحِبْرِ الْمُمَجَّدِ
فَهَذَا الْهَوَى أُعْجُوبَةٌ فِي خُلُودِهِ
وَسِرٌّ يُعَلِّمُ كُلَّ دَهْرٍ مُسَوَّدِ
380
قصيدة