عدد الابيات : 42
فِي وَجْهِكِ الْفَجْرُ أَمْسَى عَاشِقًا قَلِقًا
وَفِي ابْتِسَامَتِكِ الْأَشْوَاقُ تَسْتَعِرُ
عَيْنَاكِ بَحْرٌ، إِذَا أَبْحَرْتُ فِي لُجَجٍ
أَضَعْتُ دَرْبِي، وَضَاعَ الْقَلْبُ وَالْبَصَرُ
كَأَنَّ خَدَّكِ صُبْحٌ مَسَّهُ خَجَلٌ
يُخْفِي الشُّرُوقَ، وَلَكِنْ حَوْلَهُ قَمَرُ
وَاللَّيْلُ فِي شَعْرِكِ الْغَجَرِيِّ مُتَّصِلٌ
يَغْفُو عَلَيْهِ سُكُونُ الْكَوْنِ وَالسَّمَرُ
يَا مَنْ بِوَجْهِكِ تَخْتَالُ النُّجُومُ، وَقَدْ
تَبَدَّلَ الْحُسْنُ، فَاسْتَحْيَا بِهِ النَّظَرُ
إِنِّي وَقَفْتُ عَلَى بَابِ الْهَوَى وَلِهًا
وَكُلُّ مَا فِي يَدَيْكِ الْعِشْقُ وَالْقَدَرُ
رَأَيْتُ فِي عَيْنَيْكِ سِرَّ السِّحْرِ وَالظَّفَرِ
كَأَنَّمَا الْكَوْنُ فِي مُقْلَتَيْكِ مُخْتَصَرُ
إِذَا نَظَرْتُ، أَرَى الْأَضْوَاءَ رَاقِصَةً
وَفِي سَوَادِهِمَا لَيْلٌ بِلَا كَدَرُ
وَشَعْرُكِ اللَّيْلُ إِذْ يَمْتَدُّ مُنْسَكِبًا
يَجْرِي كَوَشِيحَةِ الْغَيْمَاتِ فِي السَّحَرُ
رَيْحَانُهُ عِطْرُ صُبْحٍ فَاحَ مُنْدَفِعًا
حَتَّى يُغَازِلَ قَلْبَ الرِّيحِ وَالْمَطَرُ
أَمَّا ابْتِسَامَتُكِ الْبَيْضَاءُ، لَوْ ظَهَرَتْ
فِيهَا اسْتَقَالَ ظَلَامُ اللَّيْلِ وَالضَّجَرُ
وَفِي حَدِيثِكِ، أَنْغَامٌ مُقَدَّسَةٌ
أَلْحَانُهَا رَفْرَفَتْ كَالنُّورِ فِي سَمَرُ
شَفَتَاكِ، نَهْرَانِ مِنْ وَرْدٍ يُغَازِلُنِي
وَيَسْتَبِيحُ فُؤَادَ الصَّبِّ فِي خَدَرُ
وَصَدْرُكِ الْعَذْبُ، وَطَنٌ كُلَّمَا ضَاقَتْ
بِيَ الْحَيَاةُ، أَرَاهُ الْحُلْمَ وَالسَّتْرُ
وَرُوحُكِ النُّورُ، تَاجُ الْحُسْنِ مَا بَقِيَتْ
دُنْيَاكِ فِي عَرْشِهَا سُلْطَانَةَ الْعُمْرُ
أَحِنُّ إِلَيْكِ كَالصَّحْرَاءِ لِلْمَطَرِ
كَأَنَّ فِي غَيْمِكِ الْأَرْوَاحَ فِي سَفَرُ
إِذَا غِبْتِ، اخْتَنَقْنَا وَالْهَوَى خَمَدَتْ
أَنْفَاسُهُ فِي دُجَى الْأَقْدَارِ وَالْقَدَرُ
وَحِينَ تَغِيبِينَ، يَمُوتُ الْوَرْدُ فِي يَدِي
وَتُصْبِحُ الشَّمْسُ ظِلًّا دُونَ مَا أَثَرُ
فَلَا النُّجُومُ تُضِيءُ اللَّيْلَ فِي غَسَقٍ
وَلَا الْقُلُوبُ تُرَى إِلَّا عَلَى وَتَرُ
أَيَا شَمْسَ رُوحِي، هَلَّا كُنْتِ لِي وَطَنًا؟
فَفِي غِيَابِكِ ضَاعَ الْأَمْنُ فِي خَطَرُ
كَأَنَّ وَجْهَكِ عِنْدَ الْبُعْدِ مَرْسَمَةٌ
تَخُطُّ أَلْوَانَ عِشْقٍ لَيْسَ يَنْحَصِرُ
فَيَا حَبِيبَةَ قَلْبِي، كَيْفَ أَصْبِرُ عَنْ
وَجْهٍ بِهِ السِّحْرُ فِي الْأَعْمَاقِ يَسْتَعِرُ؟
وَهَلْ تُلامُ عُيُونٌ فِيكِ لَوْ شَهِدَتْ
أَنَّ الْحَنِينَ إِلَيْهَا فَوْقَ مَا يُعْتَذَرُ؟
سَنَبْنِي غَدًا مِنْ عَنَاقِيدِ الْهَوَى قَصْرًا
يُطِلُّ مِنْهُ رَبِيعُ الْعُمْرِ مُزْدَهِرُ
وَفِي حَدَائِقِهِ الْأَرْوَاحُ تَلْتَقِي
كَأَنَّهَا فِي فَضَاءِ الْحُبِّ تَسْتَقِرُّ
سَنَكْتُبُ الْفَجْرَ فِي أَرْجَاءِ غُرْفَتِنَا
وَالصُّبْحُ يَشْهَدُ أَنَّ الْحُبَّ مُنْتَصِرُ
فَلَا الزَّمَانُ يُبَدِّدُ حُلْمَنَا أَبَدًا
وَلَا الْجِرَاحُ تُذِيقُ الْقَلْبَ مَا عَثَرُوا
وَإِنْ جَفَا النَّاسُ أَوْ ضَاقَتْ بِنَا سُبُلٌ
يَكْفِينِيَ مِنْكِ قَلْبٌ صَافَحَ الْقَدَرُ
فَفِي يَدَيْكِ أَمَانُ الرُّوحِ حِينَ بَدَتْ
وَفِي عُيُونِكِ، حُلْمٌ كُلُّهُ ظَفَرُ
سَنَزْرَعُ الْعُمْرَ أَفْرَاحًا مُؤَبَّدَةً
وَيُزْهِرُ الْوِدُّ حَيْثُ الْحُبُّ يُخْتَبَرُ
وَسَوْفَ نَرْوِي قَصَائِدَنَا عَلَى زَمَنٍ
يُعِيدُ لِلْعِشْقِ أَحْلَامًا بِهَا ازْدَهَرُوا
سَتَبْقَيْنَ فِي الْقَلْبِ حُلْمًا لَا يُغَادِرُنِي
وَفِي الْمَدَى نَجْمُكِ الْعَالِي بِلَا كَدَرُ
كَأَنَّ حُبَّكِ شَمْسٌ فِي مَجَرَّتِنَا
تَدُورُ حَوْلَ هُدَاهَا الرُّوحُ كَالْقَمَرُ
يَا زَهْرَةَ الْعُمْرِ، لَا أَنْسَى مَلَامِحَكِ
وَلَا يَذُوبُ الْهَوَى فِي زَحْمَةِ الْعُمْرُ
عَهِدْتُ نَفْسِيَ أَنْ أَبْقَى عَلَى وَعْدِي
وَأَنْ أَكُونَ رَفِيقَ الدَّرْبِ فِي السَّفَرُ
فَإِنْ غَفَا الْكَوْنُ، أَوْ ضَاعَتْ مَلَامِحُنَا
سَتُبْصِرِينَ هَوَايَ فِي دُجَى الْفِكَرُ
أَرْوِي الْحَكَايَا عَنْكِ لِلرِّيحِ إِنْ عَبَرَتْ
وَأَسْتَعِيدُكِ فِي الْأَشْعَارِ وَالصُّوَرُ
وَفِي الْخِتَامِ، أَقُولُ الْحُبَّ مَا بَقِيَتْ
أَضْلَاعُ صَدْرِي، وَمَا فِي الصَّدْرِ مِنْ أَثَرُ
سَتَبْقَيْنَ أُنْشُودَةَ الْعُشَّاقِ خَالِدَةً
تُغَنِّي الدَّهْرَ فِي الْأَجْيَالِ وَالدَّهْرُ
سَيَبْقَى الْهَوَى فِي الْقَلْبِ مَرْسُومًا
وَفِي الْعَيْنِ شُعَاعُهُ، وَالرُّوحُ فِي سَهَرُ
وَسَنَبْنِي غَدًا بَيْنَ يَدَيْكِ الزُّهُورَ
وَيَظَلُّ الْحُبُّ فِي دَرْبِكِ مُسَطَّرًا بِلَا كَدَرُ
فَأَنْتِ النِّهَايَةُ، وَأَنْتِ الْبِدَايَةُ
وَإِلَى الْأَبَدِ، سَأَبْقَى عَلَى الْعَهْدِ مُنْتَصِرُ
395
قصيدة