عدد الابيات : 40
سَرَى الظُّلْمُ فِي الْأَوْطَانِ جَرْيًا كَسَيْلِهِ
يُدَمِّرُ مَا يَبْنِي الْجُسُورَ وَيُسْحِلُ
كَأَنَّ دُجَى الطُّغْيَانِ لَيْلٌ مُعَتِّمٌ
يُعَانِقُ جُدْرَانَ الْقُلُوبِ وَيَثْكِلُ
بِقَيْدٍ حَدِيدِيٍّ تُقَيَّدُ أَضْلُعٌ
وَمَا خَطَرَ الْحُرِّ النَّجَاةُ لِيَغْفُلُ
سُجُونٌ تَبُوحُ الْقَهْرَ سِرًّا لِمَنْ مَضَتْ
قُرُونًا بِهَا الْأَرْوَاحُ ظِلٌّ مُقَلْقَلُ
أَرَى الْقَيْدَ يَحْبُو بَيْنَ طِفْلٍ وَأُمِّهِ
كَأَنَّ حَدِيدَ الظُّلْمِ حُلْمٌ يُمَثَّلُ
رِيَاحُ الْأَسَى تَجْتَاحُ أَرْضًا كَأَنَّهَا
خَوَاءٌ بِلَا نَبْتٍ يَفِيضُ وَيَنْهَلُ
وَأَمْسَى فُؤَادُ الْحُرِّ كَلَبٍّ مُمَزَّقٍ
يُنَازِعُ جُرْحًا لَا يُرَى وَهُوَ يَعْتَلُّ
تَزِيدُ اللَّيَالِي جُرْحَهَا فِي شُغَافِنَا
كَأَنَّ صَقِيعَ الْبُؤْسِ نَارٌ تُشَعْثِلُ
وَكَيْفَ لِصَوْتِ الْحَقِّ يَعْلُو بِصَيْحَةٍ
إِذَا كَانَ سَوْطُ الْبَاطِلِ الْغَاشِمِ يَغْزِلُ؟
مَدِينَةُ قَهْرٍ لَا تَزَالُ كَأَسِيرَةٍ
تُكَافِحُ قَيْدًا لَا يُحَلُّ وَيُغْتَلُ
تُدَارُ الْحَيَاةُ بِالْحَدِيدِ كَأَنَّهَا
عَجُوزٌ تُقَادُ لِلْفِنَاءِ وَتَرْحَلُ
فَمَاذَا يُغَنِّي الْحُرُّ فِي عَهْدِ طَاغِيَةٍ؟
وَكَيْفَ يُقِيمُ الْحُبَّ قَلْبٌ مُعَطَّلُ؟
رِيَاحُ الْحُرُوبِ تُزْجِرُ الْأَرْوَاحَ عَنْ هَوًى
كَمَا يَزْجُرُ الْبَاغِي الصِّغَارَ إِذَا ذَلُّوا
فَقَهْرٌ كَأَنَّ الْجُرْحَ فِيهِ كَثَائِرٍ
يُرَاوِدُهُ جُرَعَ الْمَنَايَا وَيُبْتَلُّ
وَلَيْلٌ كَلَيْلِ الْحَرْبِ أَعْمَى خُطَاهُمَا
يُنَادِمُهُ طَيْفَ الْخَوَاءِ إِذَا ظَلُّوا
فَمِنْ أَيْنَ لِلْحُرِّ الْخَلَاصُ وَأُمَّةٌ
بَنُوهَا غُلَاةُ الْجَهْلِ طُرًّا لِيَبْتَلُّوا؟
بِرُوحٍ أَحَاطَتْ بِالسَّمَاءِ كَأَنَّهَا
نُجُومٌ تُغَطِّي لَيْلَهَا وَهِيَ تَصْطَلُّ
فَيَا قَلْبُ قُمْ وَاحْكِ الْحَكَايَا لِأُمَّةٍ
تُكَافِحُ طَيْفَ الْجُرْحِ وَاللَّيْلِ الْمُسْتَلِّ
وَقِصَّةُ أَحْرَارٍ تُرَابٌ وَمُعْتَقٌ
يَفِيضُ بِصَوْتِ الْحَقِّ لِلْقَلْبِ يُوصَلُ
وَشَمْسُ الْكَرَامَةِ لَمْ تَغِبْ بَعْدَ قَهْرِهِمْ
فَيَا أُمَّتِي لِلشَّمْسِ نَحْوَكِ نَرْتَحِلُ
بَدَتْ فِي دِمَشْقَ الرِّيحُ تَنْفُخُ أَسْمَرًا
تَحَدَّى جُدَارَ الْقَيْدِ وَالظُّلْمِ يُحْتَمَلُ
وَفِي دَرْعَا الطِّفْلُ الَّذِي حُرِّفَ اسْمُهُ
تُنَادِيهِ أَرْوَاحُ الْكَرَامَةِ يَحْتَفِلُ
تَصَاعَدَ فِي الْأَرْجَاءِ نَفْحُ تَضَامُنٍ
يَجُودُ بِهِ الْحُرُّ الَّذِي ظَلَّ يُغْتَسَلُ
وَقَامَتْ بِصَدْرِ الشَّعْبِ نَارٌ كَأَنَّهَا
رُعُودُ السَّمَاءِ فِي جَنَابٍ يُجَلْجَلُ
تَسَاقَطَتِ الْأَجْسَادُ سِلْمًا كَأَنَّهَا
زُهُورٌ تُطَهِّرُ جُرْحَهَا وَتُسْتَكَلُ
وَكُلُّ جَرِيحٍ فِي الشَّوَارِعِ صَوْتُهُ
كَنَبْضِ الْجِبَالِ يَنْتَشِي وَيَتَفَصَّلُ
وَصَوْتُ الْأَنَاشِيدِ الَّتِي شَقَّ صَدْرَهَا
تُنَادِي: "كَرَامَتُنَا السَّمَا وَهِيَ تُكْمَلُ"
فَمَنْ قَالَ إِنَّ الْعَدْلَ يُدْفَنُ خَائِفًا؟
وَفِي صَدْرِ أَحْرَارٍ كَرَامَةٌ تَتَأَصَّلُ
وَمَدَّتْ يَدَ الْحُرِّ الْعَرِيقِ كَأَنَّهَا
شُعَاعٌ يُنَادِي السِّلْمَ لِلْكَوْنِ يَحْمِلُ
وَمَا كَانَ إِلَّا أَنْ تَلَاحَمَ شَعْبُنَا
كَصَخْرٍ يَذُوبُ الْقَهْرَ إِنْ كَانَ يَفْتَلُ
فَلَمَّا رَأَى الطَّاغُوتُ أَنَّ نُجُومَنَا
تُضِيءُ السَّمَا لِلْحُرِّ وَالشَّعْبُ يُقْبِلُ
تَصَاعَدَ فِي الْأَرْجَاءِ نَهْرٌ كَأَنَّهُ
دَمُ الْأَبْرِيَاءِ فِي الْوُجُودِ يُسَيَّلُ
وَقَامَتْ جُنُودُ الْبَغْيِ تَغْتَالُ أَمْنَنَا
وَتَزْرَعُ فِي أَرْضِ الْعُيُونِ كَمَا الْمَحَلُ
وَحَمْزَةُ فِي عَيْنِ الْمَنَايَا كَطِفْلِهِمْ
ذَبِيحٌ كَأَنَّ الْجُرْحَ قَلْبٌ يُقَتَّلُ
وَفِي صَوْتِ قَاشُوشٍ تُحَرِّقُ نَفْسَهُ
جِرَاحٌ تُنَادِي: "لَا خُضُوعٌ، لَا مُذَلُّ"
وَمَا زَالَ نِظَامُ الْبَغْيِ يُرْسِلُ مَوْتَهُ
كَسَيْلٍ عَلَى جِسْمِ الْبَرَاءَةِ يُثَقِّلُ
وَأَطْلَقَ شِرَارًا مِنْ زَبَانِيَةٍ لَهُ
كَأَفْعَى تُدَارِي غَدْرَهَا وَهِيَ تُهْمَلُ
فَيَا قَلْبُ أَحْكِمْ فِي الْحَدِيثِ كَرَامَةً
وَسَجِّلْ لَنَا تَارِيخَ أَحْرَارٍ يُحَلَّلُ
وَقِصَّةُ أَشْبَالٍ أَبَوْا أَنْ يُذِلَّهُمْ
طُغَاةٌ تَرَفَّعُوا بِالضَّلَالِ الْمُؤَصَّلُ
وَمَا زَالَ فِي الشَّمْسِ الْكَرَامَةُ كَوْكَبًا
تُضِيءُ لِمَنْ عَاشَتْ بِهِ الرُّوحُ تُوصَلُ
401
قصيدة