الديوان » مصر » أحمد الماجدي » كل الحواسد راعوا ما أنا فيه

عدد الابيات : 61

طباعة

كلُّ الحواسدِ راعُوا ما أنا فيهِ

من الذكاءِ، وإنِّي ما أنا فيهِ

أما الشهامةُ فينا فهي منْ قِدَمٍ

وحوضُ عزِّ المعالي ماءُنا فيهِ

وعفّتي لعمومِ الناسِ قد عُرِفَتْ

وهيَ التي لمقامِ الشخصِ تُحليهِ

وعفَّةُ المرءِ تنفي عنهُ فاقَتَهُ

والسّعدُ منْ دونِها قبرٌ يُحاكيهِ

والحلمُ طبعِي ولكنْ لستُ ألزمهُ

مع اللِّئامِ، فإنَّ اللؤمَ بردٌ بِهِ

ومنحي أدبٌ، والصدقُ من شِيَمي

وشهرةُ المرءِ الآدابُ تُسمِّيهِ

مروءتي يغبطُ الأهلونَ مركزَها

وذو المروءةِ لا تُطوَى معاليهِ

فكمْ عفوتُ عنْ أَلجاني، ومنْ حصَلَتْ

منهُ الإساءةُ لي عنْ صنعِ أيدِيهِ

ومنْ عفا فلهُ أجرٌ ومغفرةٌ

من الكريمِ الذي عمّتْ أياديهِ

ولي يراعٌ لهُ الأعداءُ قدْ شهدوا

بالفضلِ، والخالقُ الوَهّابُ حامِيهِ

ومنْ عُطيَ نِعَمًا تكثرْ حُسّادُهُ

فالخيرُ في عصرِنا جفّتْ مجاريهِ

ومنْ رآني بعينِ الفضلِ جدتُ لهُ

بمثلِها، بلْ بكيلِ الحمدِ أُسْديهِ

ومنْ تعامى وأبدى لي سفاهتَهُ

نزّهتُ نفسي عنْ فعلٍ يُجاريهِ

فما السفاهةُ تُجدي نوعَ فائدةٍ

ولا السفيهُ عظيمٌ في نواديهِ

ولوْ جفاني وضيعٌ لا أُقاومُهُ

ولمْ أَنَلْهُ اشتهاراً جاءَ يشريهِ

وعادتي في أُموري أنْ أُجربَها

بفكرَتي حيثُ لمْ تُشفعْ بتشويهِ

ومنْ تقدمَ للأعمالِ مفتكرًا

قبلَ الوقوعِ، فلمْ تُخطِئْ مراميِهِ

لكنْ لكلِّ جوادٍ كبوةٌ، ولهُ

في بعضِ أشواطِهِ ما ليسَ يُرضيهِ

وقدْ صنعتُ من المعروفِ أجملَهُ

فما رأيتُ عديمَ الأصلِ أُوقيهِ

ولا رأيتُ من الأصحابِ منفعةً

عند الشدائدِ أوْ في ما أُقاسيهِ

وصاحبٌ لمْ يكنْ لي، والزمانُ كما

يهوى عدوِّي، فبئستْ محبتي فيهِ

وصنعتُ منزلتي بين الأنامِ، وقدْ

أحسنتُ سيري، ونَيلَ المجدِ أبغيهِ

ومنْ غدا ولهُ في الدهرِ منزلةٌ

ولمْ يصنها، فقدْ خابتْ أمانِيهِ

وصارعتني صروفُ الدهرِ أعظمَها

فما أبحثْ لنفسي نوعَ تأويهِ

بلِ التزمتُ مطايا الصبرِ أركلُها

خوفَ الشماتةِ منْ ذي الحقدِ تُشفيهِ

وما اعتمدتُ على شخصٍ يُساعدُني

إلا على اللهِ محصي الخلقِ مُنشِيهِ

وما حياةُ الفتى إلا مقلبةٌ

بينَ النقيضينِ، والمقدورُ يُوفيهِ

وقامَ ضدِّي أُناسٌ، والزمانُ لهم

فكنتُ أهجرُ نومي في مراسيهِ

ومنْ يُعانِ الأعادي لا يُسوَّغُ لهُ

نومُ الليالي، وإلا يُخدَعْ فيهِ

ومنْ عجيبِ الليالي أنْ تطولَ بذي

غَمٍّ وفكرٍ، وذي شوقٍ يُعانيهِ

وما عدوُّ الفتى إلا أقاربهُ

وأهلُ حرفتهِ، بلْ منْ يُؤاخيهِ

وما خشيتُ ذوي السطواتِ في عُمُري

ولا التملقُ أدري كيفَ أجنيهِ

ولا احتقرتُ كبيراً قطُّ في صِغري

إلا إذا كانَ كاسَ الجهلِ عاميهِ

أوْ كانَ أهبلَ لا يدري لهُ عملاً

سوى الجُودِ لمنْ في الأستِ يأتيهِ

أوْ طبعُهُ هجرُ بيتٍ فوقهُ نَجمٌ

منيرةٌ لرجالِ الفِسقِ تأويهِ

ولوْ تفرستُ في شخصٍ لكانَ كما

حدّثتُ فيهِ ضميري مذْ أُلاقيهِ

وساءني ما بمصرَ الآنَ منْ عَجَبٍ

يرنِي لهُ كلُّ ذي لُبٍّ وتنبيهِ

أهلُ التقدّمِ فيها صارَ أغلبُهُمْ

منَ الرّعاعِ، ومنْ للفجرِ حاويهِ

والأجنبيُّ والسريُّ أوْ منْ لهُمْ

نَسَبوا، والغرُّ، والتيسُ، والملقيُّ عليّ فيهِ

فقلتُ بئسَ زمانٍ جاءَ منْعكسًا

والقردُ أضحى عظيماً شامخاً فيهِ

وقدْ طغى القومُ واستحلّوا مفاسدَهم

واستفحلَ الظلمُ واسودّتْ مبانيهِ

والرشوةُ انتشرتْ، واشتدّ ساعدُها

والبغيُ سادَ، وقدْ زادتْ دواعِيهِ

والفسقُ عمّ ذواتِ القطرِ، أيسرُهُمْ

والخطبُ جلَّ على منْ رامَ يمحيهِ

حتى اللواطةُ صاروا يفخرون بها

كذا الزّنابلُ، وما في اللئمِ يُحكيهِ

والدينُ أضحى غريباً في مواطنهِ

وما الإساءةُ إلا منْ أهاليهِ

قدْ فرّطوا واستهانوا في شعائرهِ

فجاءَ يضربُهمْ ذلٌّ أعاديهِ

وما أصابَ الفتى مما يُكدِّرهُ

إلا بما كسبتْ في الأمرِ أيديْهِ

وما ضنّتْني همومٌ رُحتُ مسكنها

كما ضناني الهوى مذْ طفتُ ناديهِ

عرفتُ أنَّ الهوى يُودي بصاحبِهِ

إلى الهوانِ، وفي الأخطارِ يُلقيهِ

ومنْ صنيعِ الهوى بالجسمِ يُسقمُهُ

كما بنارِ الغرامِ القلبُ يُكويهِ

والحبُّ أصعبُهُ ما كان مبتكرًا

عند امرئٍ ما درى قبلًا مرامِيهِ

يا لهفَ صبٍّ رهينِ العشقِ في رَشَإٍ

خَمريِّ لونٍ، وطبعُ الحسنِ حاليهِ

وطرفُهُ ناعسٌ، والنّونُ حاجبُهُ

وجيدُهُ حاكمٌ، والشّهدُ منْ فِيهِ

وقدُّهُ كغصونِ البانِ معتدلٌ

وخصرُهُ في انتحالٍ جلَّ باريهِ

وشكلُهُ كغزالٍ في شمائلِهِ

لكنهُ مولعٌ بالهجرِ والتيهِ

فالنّفيُ والسّجنُ والإذلالُ أهونُ منْ

تيهِ الجميلِ على منْ مُغرَمٍ فيهِ

والوَصلُ في شِرعةِ العشّاقِ أحسنُ منْ

أموالِ قارونَ أوْ ما كانَ يحويهِ

هذا كلامُ ذكيِّ العقلِ يفهمُهُ

وإنني لأولِي الألبابِ مُهديهِ

وأختمُ القولَ بالحمدِ الجليلِ لمنْ

هوَ الغفورُ الذي تُرجى معاصيهِ

وأطلبُ اللطفَ منهُ في مُقدِّرَةٍ

فهوَ المُجيبُ لعبدٍ جاءَ راجيهِ

ثمَّ الصلاةُ على المختارِ سيّدِنا

محمدٍ ما عَزَا قولٌ لمُنْشِيهِ

نبذة عن القصيدة

المساهمات


معلومات عن أحمد الماجدي

avatar

أحمد الماجدي

مصر

poet-Ahmed-Al-Majdi@

35

قصيدة

3

الاقتباسات

0

متابعين

أحمد بن محمد الماجدي الجرجاوي (1866 - 1949) وُلد في مدينة جرجا بمحافظة سوهاج (مصر)، وتوفي في القاهرة، وقد أمضى حياته كلها في ربوع مصر. حفظ القرآن الكريم في صغره، ثم ...

المزيد عن أحمد الماجدي

اقتراحات المتابعة

أضف شرح او معلومة