عدد الابيات : 60
طباعةيَا عَاشِقَ الْحُبِّ، فِي حُرُوفِكَ أَسْحَارُ
وَفِي بِحَارِكَ أَمْوَاجٌ وَأَقْمَارُ
قَدْ جِئْتُ أُنْشِدُ فِي أَلْحَانِكَ أُغْنِيَتِي
فَهَلْ تُجِيبُ عَلَى نَبْضِي وَتَذْكَارُ؟
أَنْتَ الَّذِي أَرَّقْتَ اللَّيْلَ فِي شَجَنٍ
وَأَلْبَسْتَ الْأَرْضَ أَشْوَاقًا وَأَزْهَارُ
لَكِنْ أَرَاكَ عَلَى الْعُشَّاقِ مُنْكَسِرًا
تُعْطِي الْقُلُوبَ لَهِيبًا... أَيْنَ أَنْهَارُ؟
أَأَنَا الَّذِي جِئْتُ بِالْمُسْتَحِيلِ إِلَى
بَابِكَ، أَمْ أَنْتَ فِي حُبِّكَ أَسْفَارُ؟
تَقُولُ: "لَا أَسْتَطِيعُ الْوَصْلَ"، فَاحْتَرَقَتْ
رُوحِي... وَهَلْ بَعْدَ هَذَا الْحُبِّ أَعْذَارُ؟
مَا الْمُسْتَحِيلُ إِذَا كَانَ الْهَوَى أَمَلِي؟
إِنَّ الْفُؤَادَ إِذَا أَحْبَبْتَ جَبَّارُ
لَوْ ضَاقَ بَحْرُكَ، أَلْقَيْتُ السَّحَابَ لَهُ
وَإِنْ جَفَاكَ رَبِيعُ الْعُمْرِ، أَزْهَارُ
نِزَارُ، يَا سَيِّدَ الْعِشْقِ الَّذِي عَبَرَتْ
فِي صَوْتِهِ الرُّوحُ، وَالْآهَاتُ، وَالنَّارُ
جِئْتُكَ أُحْرِقُ مَا فِي الْعِشْقِ مِنْ وَهْمٍ
وَأَجْعَلُ الْحُبَّ لِلْأَرْوَاحِ مِحْرَارُ
هَذِي حُرُوفُ الْهَوَى، يَا صَاحِ، نَافِرَةٌ
كَمَا الْجُنُوْنِ إِذَا مَا الْعَقْلُ مِسْفَارُ
فَصُغْتُ مِنْ نَبْضِهَا شِعْرًا يُقَاتِلُنِي
وَفِي عُيُونِي لَهُ صَفْحَاتُ أَسْرَارُ
إِنِّي سَأَحْفُرُ فِي كَفِّ الْمَدَى قَمَرًا
يُضِيءُ لِي طَرَقًا تَشْتَاقُهُ الدَّارُ
وَأَجْعَلُ اللَّيْلَ نَايًا فِي دُجَاهُ صَدَى
وَكُلُّ صَوْتٍ بِهَا يَبْكِي وَيُنْشَارُ
حَتَّى إِذَا سَكَنَ الْمِقْيَاسُ فِي دَمِنَا
قُلْنَا: “الْهَوَى دَائِمًا فِيهِ انْكِسَارُ”
فَمَنْ يُنَاجِي قَلُوبًا فِي لَهِيبِ أَسًى
يَعْرِفْ بِأَنَّ الْهَوَى لِلْحُزْنِ مِسْمَارُ
وَكَيْفَ يَرْقُدُ مَنْ فِي الْحُبِّ أَوْجَعَهُ
نَبْضُ اللِّقَاءِ، وَضَاعَ الْحُلْمُ، وَانْهَارُ؟
كَمْ قُلْتُ: يَا نَفْسُ، خَفِّي، لَا تَكُونِي لَهُ
أَرْضًا… فَمَا فِي الْهَوَى إِلَّا انْتِحَارُ
قَدْ كُنْتُ أَزْرَعُ فِي صَمْتِ الْجُرُوحِ رُؤًى
فَالْجُرْحُ أَبْكَى، وَمَا بَقِيَ انْتِظَارُ
قَدْ نَامَ فِي صَدْرِنَا شِعْرٌ يُؤَرِّقُنَا
وَالْحُبُّ فِي فَجْرِهِ مَسْرَى وَمَضْمَارُ
فَاقْرَأْ حُرُوفِي، وَفِي كُلِّ انْكِسَارَتِهَا
سَتَجِدْ دَمْعًا، وَفِي الدَّمْعَاتِ أَسْفَارُ
مَا زِلْتُ أَكْتُبُ فِي عَيْنِ الْمَسَاءِ وَمَا
كُنتُ الَّذِي يَسْتَجِيْرُ الْحُبَّ أَسْوَارُ
هَذِي نُجُومِي، فَخُذْ مَا شِئْتَ مِنْ أَمَلٍ
وَاتْرُكْ لِقَلْبِي صَبَاحًا فِيهِ إِيثَارُ
إِنِّي أُحِبُّكَ، بَلْ فِي الْحُبِّ مِحْبَرَتِي
تَجْرِي وَفِي مِدَادِهَا أَشْهَى الْأَقْدَّارُ
قَدْ كَانَ صَمْتُكَ نَارًا لَا تُطَفِّئُهُ
كَلِمَاتُنَا… فَاصْطَلَى مِنهَا الْمَحَارُ
فَارْحَلْ إِذَا شِئْتَ، لَكِنْ كُنْ رَفِيقَ دَمٍ
فِي خَافِقِي، فَالْهَوَى دَرْبٌ وَتَذْكَارُ
أَنَا الَّذِي أَشْعَلَ التَّذْكَارَ فِي خَلَدِي
وَأَطْلَقَ الْوَجْدَ فِي صَدْرِي وَإِصْرَارُ
وَكَيْفَ أَخْشَى طُرُوقَ الْحُبِّ وَاحِدَةً
وَأَنَا بِعَيْنِ الْهَوَى مَاضٍ وَمُخْتَارُِ؟
يَا مَنْ سَكَنْتَ وِجَانِي ثُمَّ أَحْرَقَنِي
مِثْلَ الْبَرَاقِ عَلَى الْأَشْوَاقِ مَرَّارُ
أَعُدْتَنِي لِلصِّبَا نَبْضًا يُطَاوِلُنِي
وَيَسْتَبِيحُ ضُلُوعِي دُونَ إِنْذَارُ
أَصِفُوكَ صَمْتًا؟ وَهَلْ يُجْدِي تَجَمُّلُهُ
إِذَا تَفَجَّرَ فِي الأعْمَاقِ إِصْهَارُ؟
كَمْ مِنْ جُمُوحٍ عَلَى الْأَحْلَامِ أَرْكَبَنِي
وَأَخْرَجَ الْحُزْنَ مِنِّي نَابِضَ الْجَارُ
وَكَمْ بَكَتْنِي أَمَانِيِّي الَّتِي انْكَسَرَتْ
فِي نَظْرَةٍ، فِي انْتِظَارٍ، ثُمَّ إِبْحَارُ
قَدْ كَانَ قَلْبِي كَزُهْرِ الْبَانِ مُبْتَهِجًا
حَتَّى جَنَيْتَ عَلَى الْأَوْتَارِ أَسْغَارُ
لَمْ تَبْقَ فِي النَّفْسِ إِلَّا نُدْبَةٌ ظَمِئَتْ
لِلْوَصْلِ، لِلْحُلْمِ، لِلرُّؤْيَا وَإِسْحَارُ
هَذَا أَنِينِي، وَهَذِي الْعَيْنُ مُنْهِمِلَةٌ
وَالدَّمْعُ يَحْكِي لَهَا الأَسْفارَ أَسْرَارُ
قَدْ كُنْتَ بَحْرًا وَفِي عَيْنَيَّ تَنْكَسِرُ
أَمْوَاجُهُ، وَبِقَلْبِي اللَّوْعَةُ الْكُبُرُ
مَا كُنْتُ أَحْسَبُ أَنَّ الْوَقْتَ يُضْحِكُنَا
ثُمَّ انْقَلَبْنَا عَلَى الآمَالِ نَنْسَجُرُ
وَالْوَقْتُ خَدَّاعُ أَحْلَامٍ يُهَشِّمُنَا
فِي كُلِّ لَفْتَةِ شَوْقٍ يَجْتَلِي الصُّوَرُ
مَاذَا جَنَيْنَا سِوَى وِجْهٍ يُبَاعُ لَنَا
فِي السُّوقِ، لَا صَدَقٌ فِيهِ وَلَا خُبُرُ
مَاذَا سَنَكْتُبُ وَالأَوْجَاعُ مُرْتَحِلَةٌ
فِي الْعَيْنِ؟ وَالصَّمْتُ لِلْآلَامِ مُسْتَتِرُ
قَدْ كُنْتُ فِي كَفِّهَا شِعْرًا يُجَمِّلُنِي
وَالْيَوْمَ أَنْزِفُ حَتَّى الحَرْفُ يَنْكَسِرُ
لَا تَسْأَلُوا عَنْ فَتًى صَارَتْ حَنَاجِرُهُ
تَبْكِي، وَصَوْتُ الْمُنَادِي فِيهِ يَنْدَثِرُ
هَذِي خَوَاطِرُنَا نَحْيَا نُخَبِّئُهَا
وَالْجُرْحُ فِي الصَّدْرِ، لَا يُخْفِيهِ سِتْرُ
هَذَا الْهَوَى لَيْسَ يُجْزِينَا بِمَا نَذَرُوا
وَالدَّمْعُ فِي الْعَيْنِ لَا يُجْفَى لَهُ أَثَرُ
كَمْ كَانَ صَبْرِي عَلَى الآلَامِ يَحْمِلُنِي
حَتَّى تَبَدَّدَ فِي الأَحْشَاءِ وَانْفَجَرُوا
لَا شَيْءَ يُشْبِهُنِي فِي الْحُزْنِ، أَعْرِفُهُ
سِوَى ظُلُومٍ بِهِ الأَيَّامُ تَنْتَحِرُ
هَلْ كَانَ ذَنْبِي هَوًى صَافٍ نُصَافِيهِ؟
فَانْقَلَبَ الْوُدُّ، وَالأَصْحَابُ قَدْ غَدَرُوا
كُلُّ الحَوَادِثِ فِي أَيَّامِنَا عِبَرٌ
وَالْعَقْلُ يُصقَلُ، وَالأَشْوَاقُ تَنْحَسِرُ
قَدْ يَشْتَهِي الْعَبْرَ مَنْ فِي الجُرْحِ يَكْتُمُهُ
فَيَبْتَسِمْ، وَدُمُوعُ الْقَلْبِ تَنْهَمِرُ
فَاصْغِي لِحِرْفِيَ إنْ فِي الحُرُوفِ نَدَى
يَسْقِيكِ مِمَّا جَرَى، وَالقَوْمُ قَدْ هَجَرُوا
هَذَا نِدَائِيَ لَا يُخْفَى صَدَاهُ فَمَنْ
فِي الحُبِّ صَادَقَنِي؟ إِنْ جَاءَ، أَوْ ذَكَرُوا
كَمْ مُرَّةٍ قُمْتُ فِي لَيْلِي أُنَادِمُهُ
وَالقَمْرُ يَشْهَدُ، وَالأَشْجَانُ تَفْتَخِرُ
وَانْسَابَ قَلْبِي كَمِثْلِ النَّهْرِ يَحْمِلُنِي
إِلَى الوُرُودِ وَمَا كَانُوا وَمَا قَدَرُوا
فَإِنْ سَكَتُّ فَإِنَّ الدَّمْعَ مُنْطَلِقٌ
وَإِنْ بَكَيتُ، فَمَا فِي العَيْنِ مُنْحَصِرُ
وَخَاتِمَةُ القَوْلِ أَنَّ الحُبَّ يَذْبَحُنَا
إِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ مَنْ لِلْوَعْدِ قَدْ نَصَرُوا
وَالْحُبُّ جَرْحٌ، وَفِي الأَحْلَامِ نُلْبِسُهُ
ثَوْبَ الْخَيَالِ، وَقَدْ تَفْنَى بِهِ العُصُرُ
فَاخْتِمْ بِهَذَا، وَقَدْ قِيلَتْ حَكَايَتُنَا
وَالنَّبْضُ مِمَّا جَرَى يَحْكِي وَيَسْتَعِرُ
كُنتِ انْتِهَائِيَ، بَلْ بَدْءًا لِمِحْنَتِنَا
وَالذِّكْرُ فِيكِ كَنَارِ الْوَجْدِ تَشْتَعِرُ
وَاللهُ يَعْلَمُ مَا فِي الْقَلْبِ مِنْ شَجَنٍ
إِذْ غَابَ طَيْفُكِ، وَالأَيَّامُ تَنْحَدِرُ
412
قصيدة