عدد الابيات : 28
كَلِّينِي سَرَاةُ لِدَاءٍ يَا رِيَاحُ مُهَيِّبِ
وَلَيْلٍ كَأَنِّي فِي جَحِيمِ الْشَهَائِبِ
دَعِينِي أُسَائِلُ فِي الدُّجَى عَنْ حَبِيبَتِي
وَعَنْ طَيْفِهَا الْمَاضِي، وَهَمْسِ التَّغَالُبِ
فَقَدْ غَابَ عَنِّي الدِّفْءُ، وَالضَّوْءُ نَازِحٌ
وَخَارَتْ قِوَايَ بَيْنَ هَوْلِ الْمَتَاعِبِ
أَنَا السَّائِرُ الْمَجْنُونُ فِي أَرْضِ صَبْرِهِ
يُجَاذِبُهُ وِجْدَانُهُ لِصَحْرَاءٍ كَالْمُكَاسِبِ
أُفَتِّشُ عَنْ ذِكْرَى تَهَاوَتْ كَأَنَّهَا
رَمَادُ سِنِينَ فِي الرُّؤَى الْمُتَقَالِبِ
وَقَفْتُ عَلَى الْأَطْلَالِ أُسْكِنُ خَافِقِي
وَجَفْنِيَ قَدْ ضَاقَتْ عَلَيْهِ الْمَذَاهِبِ
أَطُوفُ كَشَبَحٍ بَيْنَ دَارٍ وَأَرْصِفَةٍ
فَأَبْكِي الدُّجَى وَالذِّكْرَيَاتِ النَّوَائِبِ
أُنَاجِي بَقَايَاهَا، وَأَلْمَحُ ظِلَالَهَا
كَطَيْفٍ تَوَلَّى فِي الدُّجَى الْمُتَرَاكِبِ
رَأَتْنِي اللَّيَالِي شَاحِبَ الْوَجْهِ بَاكِيًا
تُكَفْكِفُ دَمْعِي مِنْ هَوَانِ الْعَوَاقِبِ
وَأَبْكِي، وَلَكِنْ هَلْ يُعِيدُ بُكَائِيَ
زَمَانًا تَوَلَّى أَمْ يُجَدِّدُ النَّوَادِبِ؟
وَقَفْتُ بِأَرْضٍ قَدْ عَلَاهَا جَفَافُهَا
فَأَمْطَرَ دَمْعِي فَوْقَهَا كَالسَّحَائِبِ
فَقَالَتْ رِيَاحُ الْبَيْنِ وَيْحَكَ مُسْرِفٌ
أَمَا لَكَ قَلْبٌ يَسْتَكِينُ لِعَازِبِ؟
فَقُلْتُ وَهَلْ يُرْجَى الْأَمَانُ لِمُغْرَمٍ؟
وَقَدْ ضَاعَ بِالتَّذْكَارِ كُلُّ الْمَطَالِبِ؟
فَلَا الصُّبْحُ يُجْدِي وَالنُّجُومُ زَوَاهِرٌ
وَلَا الشَّوْقُ يُنْسِي مُهْجَتِي مَا يُصَايبِ
فَيَا دَارُ أَيْنَ الْأَهْلُ؟ أَيْنَ أَحِبَّتِي؟
أَأَنْسَاهُمُ دَهْرِي وَقَدْ كُنْتُ صَاحِبِ؟
كَأَنِّي أُنَادِيهِمْ بِأَرْجَاءِ وَحْشَةٍ
فَلَا صَوْتَ إِلَّا نَوْحُ قَلْبِيَ النَّاصِبِ
طَوِيلٌ مَسَاءُ الْحُزْنِ، مَا كَانَ مُنْقَضِيًا
وَكُلُّ الَّذِي يَرْعَى النُّجُومَ مُعَاتِبِ
فَلَا السُّهْدُ يُبْقِي لِلنُّجُومِ مَهَابَةً
وَلَا الدَّمْعُ يُحْيِي مَنْ رَحَلْنَ وَغَائِبِ
أُقَاسِي الْمُنَى حَتَّى ظَنَنْتُ بِأَنَّنِي
سَأُدْرِكُ أَمْسِي فِي جُنُونِ التَّجَارِبِ
فَيَا لَيْتَ شِعْرِي، هَلْ أُلَاقِي مُتَيَّمًا
يُؤَاسِي فُؤَادِي أَمْ يَزِيدُ مُصَائِبِي؟
وَقَفْتُ هُنَا وَالرِّيحُ تَسْرِي كَأَنَّهَا
تُعِيدُ صَدَى الْمَاضِي بِدَمْعِيَ سَاكِبِ
وَأُبْصِرُ فِي الْعَيْنَيْنِ نَقْشًا كَأَنَّهُ
يُوَشِّي فُؤَادِي بِاللَّهِيبِ الْمُعَاذِّبِ
وَأَهْتِفُ بِاللَّيْلِ الطَّوِيلِ عَلَّهُ
يُعِيدُ لِرُوحِي بَعْضَ نُورِ الْكَوَاكِبِ
فَلَا الصَّوْتُ يُجْدِي، لَا الدُّمُوعُ مُغِيرَةٌ
وَلَا النَّفْسُ تَسْلُو بِاللَّيَالِي السَّرَائِبِ
فَدَعْنِي أُعَانِقُ مِنْ بَقَايَا أَطْلَلَتِي
فَثَمَّ بَقَايَا دَمْعِ قَلْبِيَ مُوَلَّهٍ ذَائِبِ
فَيَا نَفْسُ صُونِي مَا تَبَقَّى مِنَ الرُّؤَى
وَلَا تُنْطِقِي حُزْنَ الزَّمَانِ الْغَالِبِ
كَفَى مَا جَرَى، فَالدَّمْعُ بَاتَ سِلَاحَنَا
وَمَا عَادَ فِي الْأَكْبَادِ غَيْرُ التَّجَاذُبِ
وَدَاعًا لِبُسْتَانِ الْهَوَى، فَلَعَلَّهُ
سَيُورِقُ يَوْمًا رَغْمَ جُرْحِ التَّجَانُبِ
438
قصيدة