عدد الابيات : 37
رَأَيْتُكِ وَالْأَرْضُ ارْتِعَاشٌ مُبَجَّلُ
كَأَنَّ الْوُجُودَ الْيَوْمَ يَزْهُو وَيَحْتَفِلُ
أَيَا لَحْظَةً قَدْ أَشْرَقَتْ مِنْ سَمَائِهَا
وَفِيهَا تُضَاءُ النَّفْسُ، يُمْحَى الْمُظَلَّلُ
تَلَاقَى هَوَايَ وَهَوَاكِ كَمَا الْتَقَى
رَبِيعُ الْحَيَاةِ حِينَ يَنْهَلُ الْجَدْوَلُ
وَفِي نَاظِرَيْكِ الْبَحْرُ يَغْدُو مُحَبَّبًا
يُهَيِّجُ فِي صَدْرِي عُبَابًا وَيُرْسِلُ
أَمَا كُنْتُ مَيْتًا قَبْلَ عَيْنَيْكِ؟ إِذْ بِهَا
تُعِيدُ إِلَى قَلْبِي الَّذِي كَانَ يُهْمَلُ
فَأَصْبَحْتُ أَحْيَا مِنْ هَوَاكِ كَمَا يَحْيَا
نَسِيمُ الصَّبَاحِ إِذْ يُدَاعِبُ أَوَّلُ
لَقَدْ غَيَّرَتْ فِيَّ الْحَيَاةَ لَمْسَةٌ
كَأَنَّ يَدَيْكِ سِحْرُ طَيْفٍ مُنَزَّلُ
فَصِرْتُ أُغَنِّي بِاسْمِ حُبِّكِ أُغْنِيَةً
تُحْيِي الْقُلُوبَ إِذْ تَمِيلُ وَتَثْمَلُ
وَمَا كَانَ حُلْمِي غَيْرَ خَيْطٍ مُشَوَّشٍ
فَأَضْحَى بِكِ الْحُلْمُ الْعَتِيقُ يُفَصَّلُ
رَأَيْتُكِ فَابْتَدَأَ الزَّمَانُ قَصِيدَةً
وَأَضْحَى جَلَالُ الْكَوْنِ حُبًّا مُجَمَّلُ
وَفِي صَوْتِكِ الْإِلْهَامُ يَرْنُو كَأَنَّهُ
غِنَاءُ طُيُورٍ فِي الْخَمِيلَةِ يُهْدَلُ
وَيَا لَحْظَةَ اللُّقْيَا الَّتِي حِينَ عَبَرَتْ
جَعَلَتْ دَمِي مِثْلَ السِّهَامِ يُعَجَّلُ
فَمَا هَدَأَتْ رُوحِي وَمَا نَامَ خَاطِرِي
وَمَا عَادَتِ الْأَيَّامُ بَعْدُ تُطَوَّلُ
أَنَا مِنْكِ أَبْتَدِئُ الْهَوَى وَمِنْكِ أَنْتَهِي
كَأَنَّكِ بَدْءُ الْحُبِّ وَالنُّورُ الْأَجْمَلُ
وَإِنْ كَانَ دُرَيْدٌ فِي الْقَصِيدِ مُفَرَّدًا
فَهَاكَ قَصِيدِي حَيْثُ يَسْمُو وَيَعْتَدِلُ
لَقَدْ جِئْتُ أُبْدِي فِي هَوَاكِ مَلْحَمَةً
يُحَيِّرُ فِيهَا الدَّهْرُ وَيُعْيَا الْمُفَضَّلُ
فَيَا سَامِعِي، هَذَا كَلَامِي وَهَامَتِي
فَهَلْ بَعْدَ هَذَا الشِّعْرِ حُبٌّ يُمَثَّلُ؟
أَيَا شَوْقَ قَلْبِي، هَلْ تُرَاكَ تُعَذِّلُ؟
وَهَلْ غَيْرُ ذِكْرَى الْحُبِّ يَوْمًا تُؤَمَّلُ؟
فَإِنِّي عَلَى أَطْيَافِهَا أَعِيشُ الْهَوَى
وَأَطْوِي بِهَا لَيْلَ الْبِعَادِ وَأَجْهَلُ
أَرَاهَا إِذَا مَا غَابَ عَنِّي ظِلُّهَا
كَطَيْفٍ يَسِيرُ فِي الْفُؤَادِ وَيَذْهَلُ
وَفِي كُلِّ رُكْنٍ مِنْ حَيَاتِي حِكَايَةٌ
تُعِيدُ هَوَاهَا مِثْلَ نَجْمٍ مُكَمَّلُ
فَإِذَا مَا تَنَفَّسَ الصَّبَاحُ بِعِطْرِهَا
فَإِنِّي أَرَاهُ مِنَ الْخُلُودِ مُؤَصَّلُ
وَإِنْ لَاحَ فِي اللَّيْلِ الْهِلَالُ فَإِنَّهُ
بَرِيقُ عُيُونٍ فِي السَّمَاءِ يُسَجَّلُ
أَيَا نَسْمَةً مَرَّتْ عَلَى وَجَنَاتِهَا
أَمَا كُنْتِ تَحْمِلِينَ مِنْهَا الْمُوَصَّلُ؟
فَفِيكِ مِنَ الْأَنْفَاسِ ذِكْرَى تُعِيدُنِي
إِلَى حُضْنِهَا إِذْ كُنْتُ طِفْلًا مُدَلَّلُ
لَقَدْ كُنْتُ فِي غَيْبَتِهَا مِثْلَ عَاشِقٍ
يُطَارِدُ فِي الصَّحْرَاءِ سَرَابًا وَيُتصَلُ
أُكَابِرُ وَجْدِي، غَيْرَ أَنِّي إِذَا هَفَتْ
ذَكَرْتُ، فَلَا صَبْرٌ يُعِينُ وَلَا حِيَلُ
فَيَا شَمْسَ أَيَّامِي الَّتِي لَا تَغِيبُ
أَعِيدِي ضِيَاءَ الْقَلْبِ إِنَّكِ الْأَمَلُ
وَيَا بَدْرَ لَيْلِي، هَلْ تُرَاكَ مُقَارِبًا؟
أَمَا آنَ أَنْ يَطْوِي الْفِرَاقَ مُبَجَّلُ؟
إِذَا مَا نَسِيمُ اللَّيْلِ دَاعَبَ مَسْمَعِي
سَمِعْتُ حَدِيثَ الْهَمْسِ مِنْهَا يُرَتَّلُ
وَفِي عِطْرِ وَرْدِ الْأَرْضِ أَلْقَى شَذَاهَا
كَأَنَّ الرَّبِيعَ الْعَابِقَ الطَّيِّبَ يَجْلُو
وَإِنْ صَافَحَتْ عَيْنِي النُّجُومَ تَذَكَّرَتْ
بَرِيقَ عُيُونٍ مِنْ جَمَالِكِ يَحْمِلُ
فَأَنْتِ السَّمَاءُ حِينَ تَعْلُو رِفْعَةً
وَأَنْتِ الثَّرَى إِذْ يَحْتَضِنُ الْحُبَّ أَعْدَلُ
فَيَا لَيْتَ شَوْقِي يَنْتَهِي عِنْدَ وَصْلِهَا
وَلَكِنَّهُ أَشْوَاقُ عِشْقٍ أَبَدِيٌّ مُهَطَّلُ
وَيَا لَيْتَ شِعْرِي هَلْ يُطَاوِلُ وَصْلَكُمْ
حَكَايَا الْمَدَى أَوْ هَمْسَ نَجْمٍ يُؤَصَّلُ
فَفِي قَلْبِ شَوْقِي أَلْفُ دَرْبٍ إِلَى اللِّقَا
وَفِي كُلِّ حَرْفٍ مِنْ هَوَاكِ تَسَاؤُلُ
كَتَبْتُ هَوَاهَا فِي دَمِي وَعَلَى الْمَدَى
فَإِنْ غَابَتِ الْأَجْسَادُ، فَالْحُبُّ يَكْمُلُ
463
قصيدة