عدد الابيات : 20
أَتَانِي الزَّمَانُ بِسَيْفِهِ يَتَحَدَّى
وَقَالَ: "أُذِيبُ الْحُبَّ فِي طَيِّ الرَّدَى"
فَقُلْتُ لَهُ: "مَهْلًا، فَإِنَّ الْهَوَى هُنَا
كَجِبَالِ السِّنِينَ صَامِدٌ لَنْ يُفَدَى"
لَقَدْ مَرَّتِ الْأَقْدَارُ بَيْنِي وَبَيْنَهَا
كَرِيحٍ جَمُوحٍ لَا تُطَاقُ وَلَا تُرَى
وَلَكِنَّنِي رَغْمَ اللَّيَالِي وَصَوْلَتِي
حَمَلْتُ هَوَاهَا كَالضِّيَاءِ إِذَا سَرَى
أَيَا لَيْلَ بُعْدٍ، كَيْفَ تُطْفِئُ شُعْلَتِي؟
وَهَلْ يُطْفَأُ النَّجْمُ الَّذِي قَدْ تَجَلَّى؟
وَيَا رِيحَ عََصْفٍ، كَيْفَ تَنْوِي كَسْرَنَا؟
وَهَلْ يَنْثَنِي الْبَحْرُ الْعَظِيمُ إِذَا عَلَا؟
لَقَدْ عِشْتُ دَهْرًا وَالْحَنِينُ يَقُودُنِي
إِلَى وَعْدِهَا مِثْلَ الْفُرَاتِ إِذَا دَنَا
فَلَا الْمَوْتُ يَخْشَاهُ الْهَوَى، إِنَّمَا
يَمُوتُ الَّذِي قَدْ عَاشَ فِي قَلْبِهِ خَنَا
وَإِنْ بَاعَدَتْنَا الْأَرْضُ أَلْفَ مَسَافَةٍ
فَفِي الْقَلْبِ مِنْهَا قُرْبُ وَصْلٍ لَا يُفَى
كَأَنَّ الْمَسَافَاتِ انْحَنَتْ حِينَ قُلْتُهَا:
"أُحِبُّكِ حُبًّا لَا يَحُدُّهُ مَدَى"
وَإِنْ خَانَنَا الْوَقْتُ وَامْتَدَّ ظُلْمُهُ
فَقَدْ لَاحَ حُبٌّ كَالشُّعَاعِ إِذَا بَدَا
فَلَا اللَّيْلُ يَطْوِي نُورَهَا فِي عُبَابِهِ
وَلَا النَّجْمُ يَخْبُو إِنْ أَضَاءَ السُّهَى
أَيَا حُبَّنَا، كُنْ شَاهِدًا كَيْفَ نَرْتَقِي
عَلَى جِسْرِ أَحْلَامٍ وَعَزْمٍ قَدْ عَتَا
فَمَا الْحُبُّ إِلَّا صَرْحُ مَجْدٍ أَقَمْتُهُ
وَفِيهِ ثَبَاتٌ قَدْ يُبَاهِي الْعُلَا
فَإِنْ جَاءَ دَهْرٌ أَوْ أَتَى مَنْ يُضَاهِنَا
فَلَنْ يُثْبِتُوا أَنَّ الْهَوَى عَاشَ كَمَا
عَشِقْتُكِ دَهْرًا رَغْمَ كُلِّ مَصَاعِبٍ
وَصُنْتُكِ وَعْدًا، فَاسْتَرَاحَ الْوَفَا
إِذَا مَا الْتَقَى الْحُبُّ الْعَظِيمُ بِمَنْطِقٍ
تَفَجَّرَ كَالسَّيْلِ الَّذِي قَدِ احْتَفَى
وَصِرْنَا نُقَارِعُ بِالْوَفَاءِ خُصُومَنَا
فَلَا يَنْكَسِرُ لَنَا عَهْدٌ وَلَا يَنْحَنَى
لَقَدْ خُلِّدَتْ قِصَّتُنَا فِي سُطُورِهَا
كَأَنَّ الزَّمَانَ صَارَ الطَيْفَ ثنَا
وَهَا أَنَا أُهْدِي لِلْخُلُودِ مُعَلَّقَةً
يُعَانِدُهَا الدَّهْرُ، وَيَخْشَاهَا الْفَنَا
463
قصيدة