عدد الابيات : 35
دِمَشْقُ، يَا أُمَّ الزَّمَانِ وَأُخْتَهُ
وَيَا قِبْلَةَ الْأَرْوَاحِ حَيْثُ الْمَآقِيَا
سَلَامٌ عَلَى سِحْرٍ نَمَا فِي ظِلَالِهَا
فَأَصْبَحَتْ كَالنَّجْمِ تَحْكِي الرَّوَابِيَا
دِمَشْقُ تُجَارِي النَّجْمَ فِي أُفُقِ الْعُلَا
وَتَكْتُبُ فِي سِفْرِ الدُّهُورِ الْأَمَانِيَا
عَلَى أَرْضِهَا التَّارِيخُ يَمْشِي شَامِخًا
وَمِنْ مَجْدِهَا تُصْغِي الدُّنَا لِلتَّعَالِيَا
مَنَارَةُ نُورٍ لَا تُضَاهَى بِهَيْبَتِهَا
كَأَنَّ السَّمَاءَ اسْتَوْدَعَتْهَا اللَّيَالِيَا
رَأَيْتُكِ، يَا أُمَّ الْجَمَالِ، فَخَالَنِي
أَرَى فِي عُيُونِكِ سِحْرَ أَلْفِ حِكَايَا
وَمَا ضَاقَ بِالْحُبِّ الْفُؤَادُ وَإِنَّمَا
تُذِيبِينَ صَخْرَ الْقَلْبِ دَمْعًا جَارِيَّا
دِمَشْقُ تُحْيِي فِي الْجَوَانِحِ مَلْحَمَةً
وَتَرْفَعُ أَعْنَاقَ الرِّجَالِ عَوَالِيَا
كَأَنَّكِ فِي صَمْتِ الْخَرَائِبِ مُعْجِزَةٌ
وَفِي الْمَوْتِ تُحْيِينَ الْعُهُودَ الزَّوَاكِيَا
بَقِيتِ كَمَا كُنْتِ الْعَرُوسَ وَقَدْ رَمَى
بِكِ الدَّهْرُ، فَارْتَدَّ الْجِرَاحُ تُبَاهِيَا
قَنَوْتُ لَكِ الْيَوْمَ الْقَصَائِدَ عِزَّةً
فَمَنْ ذَا يُبَارِينِي دِمَشْقُ مَعَانِيَا؟
أَيَا فَرَزْدَقُ، يَا فُحُولَ الشِّعْرِ قَاطِبَةً
خُذُوا عَنْ مَدِيحِ الشَّامِ عَهْدًا أَبَادِيَا
هِيَ الشَّامُ، لَا سَيْفٌ يُفَارِقُ غِمْدَهُ
وَلَا طِفْلُهَا أَضْحَى كَئِيبًا مُبَالِيَا
وَيَا سُورِيَا، قُومِي فَعَيْنُكِ أَدْمَعَتْ
عَلَى الْجُرْحِ لَكِنْ كَانَ قَلْبُكِ جَازِيَا
لَثَمْتُ ثَرَاكِ الْحُرَّ أَلْثَمُ مَجْدَنَا
وَأَنْشَقْتُ عِطْرَ النَّصْرِ فَوْقَ الْقَوَافِيَا
إِذَا قِيلَ مَنْ يَرْفَعُ بِلَادَكِ شَامِخًا؟
فَأَهْلُكِ نَارُ الْحَرْبِ قَهْرًا أَهَالِيَا
قَوَافِلُ تَارِيخٍ هُنَا مَرَّ غَاصِبًا
فَمَا انْحَنَى نَخْلُ الشَّآمِ تَجَافِيَا
عَلَى كُلِّ بَيْتٍ صَامِدٍ دَمُ فَارِسٍ
وَفِي كُلِّ دَرْبٍ خَالِدٌ مُتَحَدِّيَا
دِمَشْقُ! وَقَلْبِي كَالْخَلِيفَةِ رَاكِعٌ
وَبَيْنَ يَدَيْكِ الْحُبُّ وَهْبٌ سَجَايَا
كَأَنَّكِ أُمُّ الْأَرْضِ يَوْمَ قِيَامِهَا
فَفِيكِ الْأُلَى عَادُوا كَأَحْلَامِ غَادِيَا
وَفِيكِ السَّمَاءُ تَمْسَحُ الْعَتْمَ بِالضُّحَى
فَتُشْرِقُ أَجْيَالًا وَتُطْلِقُ دَانِيَا
دِمَشْقُ! وَإِنْ قِيلَ الْقِيَامَةُ نَهْضَةٌ
فَفِي صَوْتِ أَحْرَارِ الشَّآمِ الْمَآسِيَا
وَإِنْ مَرَّ طَاغُوتٌ غَدِيرًا لِيَنْهَلَهُ
يُلَاقِي زَئِيرَ الْأَسْدِ عَزْمًا وَآبِيَا
سَأَكْتُبُ فِيكِ النَّصْرَ يَخْتَالُ شَامِخًا
وَأَرْسُمُ لِلْعِزَّةِ ضَوْءَ الثُّرَيَّا
هِيَ الشَّامُ، فِي أَضْلَاعِهَا عَزْمُ كُلِّنَا
تَقُومُ، وَيَخْضَرُّ الْمَدَى فِي الثَّنَايَا
وَإِنْ كَانَ شِعْرُ النَّاسِ صَرْخَةَ عَاطِفٍ
فَإِنَّ دِمَشْقَ الشِّعْرُ أَبَدًا مَآذِيَا
فَمَنْ ذَا يُضَاهِي الْأَرْضَ عِشْقًا وَمَجْدَهَا؟
هِيَ الْقُدْسُ أُمًّا، وَهِيَ لِلشِّعْرِ رَاعِيَا
خَتَمْتُ هُنَا قَوْلًا، فَعُذْرًا قَصَائِدَ الْـ
ـوَرَى، إِنْ نَثَرْتُ الْمَجْدَ صَعْبًا عَاصِيَّا
دِمَشْقُ، حَمَاكِ اللَّهُ مِنْ كُلِّ نَازِلَةٍ
وَصَانَكِ الرَّحْمَنُ صَرْحًا أَبَادِيَا
سَلَامٌ عَلَى مَهْدِ الْبُطُولَةِ وَالْعُلَا
وَعَلَى أَرْضِهَا يَبْقَى الْعَطَاءُ وَافِيَّا
وَإِنْ غَابَ نَجْمٌ فِي سَمَاءِ حَضَارَةٍ
تَظَلُّ دِمَشْقُ الْمَجْدَ دَوْمًا تُزَاكِيَا
464
قصيدة