عدد الابيات : 36
الْحُبُّ نَبْعُ النَّفْسِ فَيْضٌ دَافِقُ
تَتْلُوهُ أَرْوَاحُ الْوِدَادِ الصَّادِقِ
يَنْسَابُ كَالْأَنْهَارِ بَيْنَ قُلُوبِنَا
وَيُشِعُّ بِالدُّنْيَا كَفَجْرٍ مُشَارِقِ
رُوحٌ تَجَسَّدَ فِي الْحَيَاةِ عَظِيمَةً
لِيُقِيمَ صَرْحَ الْوُدِّ بَيْنَ الْخَلَائِقِ
هُوَ عَهْدُ مَنْ لَا يَنْثَنِي فِي عَزْمِهِ
وَسِرَاجُ رُوحٍ لَا يَذُوبُ بِحَارِقِ
الْحُبُّ أَبْهَى مِنْ سُحُبٍ فِي عُلُوِّهَا
وَأَجْمَلُ مِنْ نَجْمٍ تَلَأْلَأَ فَائِقِ
وَفَاءُ قَلْبِ الْمُخْلِصِينَ عَطِيَّةٌ
يَغْدُو بِهَا الْحُبُّ الْجَمِيلُ خَالِقِ
هُوَ رِبَاطُ الْعَهْدِ فِي أَسْمَى مَعَانِهِ
يَحْمِيهِ قَلْبٌ بِالثَّبَاتِ مُعَانِقِ
إِذَا الْحُبُّ لَمْ يُعْطِ الْحَيَاةَ تَفَانِيًا
فَمَا الْحُبُّ إِلَّا وَهْمُ زَهْرٍ زَاهِقِ
تَرَاهُ يُقَدِّمُ لِلْغَوَالِي غَلَا رُوحَهُ
وَيَنْأَى عَنِ الدُّنْيَا بِوَجْهٍ بَاسِقِ
إِذَا غَابَ عَنْ عَيْنِي الْحَبِيبُ تَفَجَّرَتْ
عُيُونُ الْعِشْقِ بِالشَّوْقِ كَالسَّيْلِ دَافِقِ
وَيَبْقَى الْحَنِينُ مُسْتَبِيحًا جَوَانِحِي
كَمَا نَارُ لَيْلٍ فِي الْفُؤَادِ مَحَارِقِ
إِذَا مَا الْغَيْرَةُ فِي الْوِصَالِ تَصَاعَدَتْ
تُضِيءُ كَضَوْءِ الْبَرْقِ فِي الْخَنَادِقِ
وَلَكِنَّهَا حِكْمَةُ الْحُبِّ إِذْ نَمَتْ
فَلَا شَرَّ فِيهَا حِينَ يُصْبِحُ لَائِقِ
وَمَا أَبْهَى لُقَانَا فِي الْمَدَى حِينَ
يَبْتَدِي بِنَظْرَةِ عَيْنٍ كَشِهَابٍ بَوَارِقِ
تَكَلَّمَ فُؤَادِي قَبْلَ شَفَتِي قَائِلًا
هَوَاكِ قَدِيمٌ فِي الْحَنَايَا وَاثِقِ
إِذَا كَانَ صَبْرُ الْحُبِّ أَمْرٌ وَاجِبٌ
فَصَبْرُ الْحَبِيبِ صَفَاءُ قَلْبٍ بِالْعِنَاقِ
يُثَبِّتُ فِي الرُّوحِ الْوِدَادَ كَأَنَّهُ وِشَاحُ
الْمَدَى فِي الْعَزْمِ أَسْمَى التَّلَائِقِ
وَمَا الشِّعْرُ إِلَّا نَبْعُ حُبٍّ مُتَوَّجٍ
يُخَلِّدُ ذِكْرَ الْعَاشِقِينَ بِخَافِقِ
يَفِيضُ كَسَيْلِ نَهْرٍ لَا يُحَدُّ مَجَالُهُ
يَصُوغُ لِقَلْبِ الْحُبِّ أَسْمَى الْوَثَائِقِ
وَفَاءُ الْحَبِيبِ بَعْدَ بُعْدٍ تَرَاهُ صَادِق
كَشَمْسٍ تُضِيءُ اللَّيْلَ إِنْ طَالَ عَاتِقِ
وَمَا الْبُعْدُ إِلَّا جِسْرُ وَصْلٍ لِنَفْسِهِ
إِذَا كَانَ حُبُّ الْقَلْبِ أَصْلٌ ثَوَابِقِ
يُصَارِعُ رِيَاحَ الْقَهْرِ حُبٌّ مُجَالِدٌ
وَيَصْمُدُ كَالْأَطْوَادِ فِي كُلِّ شَاقِقِ
وَمَا زَادَهُ الْعُسْرُ إِلَّا فِي ثَبَاتِهِ
فَكَانَ كَجُذْرٍ فِي الثَّرَى لَا يُفَارِقِ
يُؤْثِرُ مَحْبُوبًا بِرُوحٍ كَرِيمَةٍ
وَيَبْذُلُ دَمًّا لَا يُلَامُ بِسَاحِقِ
تَرَاهُ يَفْدِي الْقَلْبَ مِنْ دُونِ مَطْلَبٍ
فَكَيْفَ يَجُودُ إِلَّا بِفَضْلٍ شَوَارِقِ
الْحُبُّ دَوَاءٌ فِي الْجِرَاحِ يُطِيبُهَا
كَمَا الْبَدْرُ يُنْسِي اللَّيْلَ لَوْنَ السَّامِقِ
وَمَا زَالَ يُنْسِي الْكَرْبَ كُلَّ مُعَذَّبٍ
إِذَا نَبْعُهُ صَفْوٌ وَدِفْقٌ رَوَافِقِ
وَمَا زَالَ يَسْكُنُ فِي الْمَكَانِ ذِكْرُهُ
كَمَا الطِّيبُ فِي رَوْضٍ بِرِيحٍ رَوَابِقِ
إِذَا كَانَ صَرْحُ الْوَصْلِ يَجْمَعُ بَيْنَنَا
فَذَاكَ مَقَامٌ فِي الْحَيَاةِ لَوَامِقِ
يَحْيَا الْحَبِيبُ بِحُلْمِ عَيْشٍ مُبَارَكٍ
كَمَا الزَّهْرُ فِي فَجْرٍ بِضَوْءٍ مُفَارِقِ
وَمَا زَالَ يُنْشِدُ فِي الْمَدَى أُغْنِيَتَهُ
بِأَمَلٍ يُحْيِي الْعُمْرَ لِلْحُبِّ رَائِقِ
وَمَا الْحُبُّ إِلَّا خُلْدُ رُوحٍ أَبِيَّةٍ
تُقِيمُ عَلَى عَهْدِ الْوَفَاءِ وَثَابِقِ
يَظَلُّ جَمَالًا فِي الْقُلُوبِ كَأَنَّهُ
نُجُومُ السَّمَا فِي اللَّيْلِ بَدْرٌ مُحَارِقِ
إِذَا مَا فَنَتْ أَيَّامُ عُمْرِ مُحِبِّهِ
يَظَلُّ خُفُوقًا فِي الزَّمَانِ لِعَاشِقِ
يُضِيءُ الْمَدَى حُبًّا وَوَصْلًا مُؤَبَّدًا
كَمَا الْبَدْرُ فِي لَيْلٍ ظَلَامُهُ حَالِقِ
فَمَا زَالَ ذِكْرُ الْحُبِّ خَالِدَ أَثَرِهِ
يَفِيضُ عَلَى الْأَيَّامِ دِفْئًا صَادِقِ
628
قصيدة