عدد الابيات : 30
يَا أُمَّ مَنْ غَادَرَ الدُّنْيَا وَلَمْ يَعُدِ
كَالشَّمْسِ تَغْرُبُ فِي الْآفَاقِ لَمْ تَغِبِ
يَا مَنْ غَزَلْتِ مِنَ الْآهَاتِ مِنْدِيلًا
وَمَسَّحْتِ وَجْهَ الْحُزْنِ بِالصَّبْرِ وَالْعَجَبِ
أُمَّ الشَّهِيدِ، أَيَا أُنْشُودَةَ الْأَزَلِ
فِي صَمْتِ عَيْنَيْكِ يَغْفُو بِالسِّرِّ وَالسَّبَبِ
حَمَلْتِ أَوْجَاعَنَا، وَالْقَلْبُ مُنْفَطِرٌ
مِنْكِ الْعَطَاءُ وَمَا أَثْنَيْتِ لِلطَّلَبِ
أَرْسَلْتِ نَجْمًا إِلَى الْأَعْمَاقِ مُكْتَمِلًا
يُضِيءُ عَتْمَ الدُّنَا فِي كُلِّ مُنْقَلَبِ
قَدْ كَانَ فِيكِ رَجَاءُ الْأَرْضِ أَجْمَعِهَا
كَالنَّخْلِ تُعْطِي وَلَا تَحْنِي إِلَى الْكُرَبِ
مَاذَا أَقُولُ؟ وَهَلْ يُجْدِي الْمَدِيحُ هُنَا؟
فَإِنَّ أَفْعَالَكِ فَوْقَ الْمَدْحِ وَالْخُطَبِ
صَانَ الشَّهِيدُ كَرَامَاتِ الْبِلَادِ كَمَا
صُنْتِ الدُّمُوعَ عَلَى الْأَهْدَابِ فِي الْعَتَبِ
دَفَنْتِ أَحْلَامَنَا فِي صَدْرِكِ احْتِسَابًا
وَسِرْتِ لِلْأُفُقِ رَغْمَ الْهَمِّ وَالتَّعَبِ
أُمَّ الشُّجَاعِ، الَّتِي بِالشَّوْقِ قَدْ شَرِبَتْ
كَأْسَ الْفِرَاقِ، وَجَفَّ الْحُزْنُ مِنْ عَصَبِ
أَرْسَلْتِهِ زِينَةً، وَالْكَوْنُ يَرْتَقِبُ
مَنْ ذَا يُعِيدُ لَنَا مَجْدًا بِلَا رِيَبِ؟
عَلَّمْتِهِ كَيْفَ يَصْمُدُ فِي مَلَاحِمِهِ
وَكَيْفَ يَعْشَقُ مَوْتًا فِي يَدِ السُّلُبِ
وَصِرْتِ أَيْقُونَةً تُرْوَى عَلَى زَمَنٍ
فِي مُقْلَتَيْكِ حَدِيثُ الْمَجْدِ لَمْ يَغِبِ
مَا هَزَّ عَزْمَكِ مَوْتٌ، كُنْتِ شَامِخَةً
كَنَخْلَةٍ عَاصَفَتْهَا رِيحُ مُغْتَضِبِ
يَا مَنْ إِذَا قِيلَ: "مَاتَ الْفَارِسُ"، ارْتَفَعَتْ
رَايَاتُ صَبْرِكِ فَوْقَ الظُّلْمِ وَالْغَضَبِ
يَا أُمَّ مَنْ قَادَنَا لِلْمَجْدِ، يَا شَرَفًا
يَسِيرُ بَيْنَ دِمَانَا مِثْلَ مُلْتَهِبِ
لَمْ تَشْتَكِ، بَلْ صَبَرْتِ الصَّبْرَ فِي عَزَمٍ
وَكُنْتِ لِلْجُرْحِ كَفًّا دُونَ مَا سَغَبِ
أَرَاكِ بُرْكَانَ عِشْقٍ لِلْأَرْضِ مُتَّقِدًا
وَفِي يَدَيْكِ فُؤَادُ النُّورِ وَالْحَطَبِ
أُمَّ الْكَرَامَةِ، مَنْ يُجْزِيكِ يَا أَمَلًا
تَجَاوَزَتْ هَمَّنَا، بِالدَّمْعِ لَمْ تَخِبِ
شُهَدَاؤُكِ الْفَجْرُ فِي الْآفَاقِ نَرْفَعُهُ
وَالْكَوْنُ يُهْدِيكِ مِنْ أَنْوَارِهِ السُّحُبِ
كَمْ أُمٍّ دَفَنْتِ فِي الْمَيْدَانِ ضَحْكَتَهَا
وَلَكِنَّ قَلْبَكِ مَا انْحَنَى لِمَا يَجُبِ
أَعَدْتِ رَسْمَ حِكَايَاتٍ لَنَا فُقِدَتْ
وَكُنْتِ أُمَّ الْحَضَارَاتِ الَّتِي وَجَبِ
سَلَامٌ عَلَيْكِ إِذَا الرِّيحُ اشْتَدَّتِ
كَالْجَبَلِ صَامِدَةً فِي وَجْهِهَا الْعَطِبِ
لَوْ أَنَّ كَفَّيْكِ تُوزَنُ فِي مَوَازِنِنَا
لَمَا رَجَحَتْ كِفَّةٌ غَيْرُ الَّتِي تغَلَبِ
كَمْ مِنْ شَهِيدٍ دُفِنْتِ الْحُبَّ فِي صَدْرِهِ
وَكَانَ حُبُّكِ لِلْإِيثَارِ مُغْتَرِبِ
أُمَّ الْبُطُولَةِ، قُولِي كَيْفَ نَصْنَعُهَا؟
وَنَحْنُ فِي دَمْعِنَا أَحْلَامُنَا تُذَبِ
مَا زَالَ صَبْرُكِ نُورًا فِي الْمَدَى اتَّقَدَتْ
بِهِ النُّجُومُ، وَكَانَ الْحَقُّ مُقْتَرِبِ
صُنْتِ الْكَرَامَةَ فِي دُنْيَاكِ بَاسِلَةً
كَالنَّجْمِ يَسْطَعُ فَوْقَ الدَّهْرِ مُكْتَتِبِ
إِلَيْكِ يُهْدَى السَّلَامُ، الشِّعْرُ يَكْسُوكَا
تَاجَ الْفَخَارِ، وَمِسْكَ الْعِزِّ يُرْتَقَبُ
هَذِهِ الْمُعَلَّقَةُ الدُّنْيَا تُعَانِقُهَا
يَا أُمَّ مَنْ غَابَ، أَنْتِ الْمَجْدُ وَالنُّجُبِ
663
قصيدة