عدد الابيات : 32
إِلَيْكِ أَمْضِي، وَخَافِقِي لَكِ مَوْطِنُ
وَمُقْلَتِي فِي هَوَاكِ الطَّاهِرِ انْسَكَبَا
إِلَيْكِ رُوحِي، وَإِنْ طَالَ الْمَدَى عَطَشًا
فَكُلُّ حُبٍّ سِوَاكِ الْيَوْمَ قَدْ خَبَبَا
أَنْتِ الْبِدَايَةُ، وَالْإِشْرَاقُ، وَالْقِمَمُ
وَفِيكِ وَحْدَكِ قَدْ أَبَحْنَا الْهَوَى أَدَبَا
يَا أَقْدَمَ الْحُلْمِ فِي أَعْمَاقِ ذَاكِرَتِي
وَيَا نَشِيدَ الْمَدَى إِنْ جَدَّ أَوْ لَعَبَا
أَتَيْتُ أَكْتُبُ مَا لَا يُسْتَطَاعُ لَهُ
وَصْفٌ، فَأَنْتِ لِجَفْنِ الْحَرْفِ مُغْتَرِبَا
فَرَشْتُ فَوْقَ ثَرَاكِ الطَّاهِرِ الْهُدُبَا
فَيَا دِمَشْقُ، لِمَاذَا نَبْدَأُ الْعَتَبَا؟
حَبِيبَتِي أَنْتِ، فَاسْتَلْقِي كَأُغْنِيَةٍ
عَلَى ذِرَاعِي، وَلَا تَسْتَوْضِحِي السَّبَبَا
أَنَا الدِّمَشْقِيُّ، لَوْ صَفَّتْ لِيَ الدُّنْيَا
لَمَا نَسِيتُ هَوًى مِنْ أَرْضِهَا انْصَبَبَا
هُنَا وُلِدْتُ، وَهَذِي الْأَرْضُ تَحْمِلُنِي
كَمَا تُحَاطُ الْأَمَانِي حِينَ تَنْتَسِبَا
وَفِيكِ أَبْحَرُ، لَا خَوْفٌ يُكَبِّلُنِي
وَلَا الزَّمَانُ إِذَا مَا عَانَقَ السُّحُبَا
دِمَشْقُ، إِنْ غَابَ عَنْ عَيْنَيْكِ مَوْطِنِي
فَفِي فُؤَادِيَ تَبْقِينِ الْمُنَى هُضُبَا
فَدَعِينِي الْآنَ أَنْسَى كُلَّ آهَتِنَا
وَأَغْرِسَ الْحُلْمَ فِي عَيْنَيْكِ مُغْتَرِبَا
تَفِيضُ مَجْدًا وَتَرْوِي الْمَجْدَ مَفْخَرَةً
وَكَأَنَّكِ النُّورُ فِي أَزْمِنَةٍ احْتَجَبَا
دِمَشْقُ يَا قِبْلَةَ التَّارِيخِ فِي شَغَفٍ
وَيَا هَوَى الْقَلْبِ إِنْ ضَلَّ الْهَوَى وَتُبَا
أَيَا سُلَيْلَةَ عِزٍّ أَمْجَادٍ مُخَلَّدَةٍ
تَفُوحُ عِطْرًا إِذَا مَا الْمَجْدُ قَدْ نُهِبَا
بِكِ الرَّصَاصُ يُغَنِّي حِينَ تُؤْذِنُهُ
كَرَامَةٌ لَا تُرَى، تُحْيَا لِمَنْ طَلَبَا
فَمِنْكِ كُلُّ رَوَابِي الْمَجْدِ مُزْهِرَةٌ
وَفِيكِ فَجْرُ بَنِي الْإِنْسَانِ قَدْ وَثَبَا
هُنَا الْبُطُولَةُ مِنْ أَنْفَاسِكِ انْبَعَثَتْ
وَفِي ثَرَاكِ سَقَى الْأَحْرَارَ مَا شَرِبَا
هُنَا الْمَآذِنُ تَصْحُو فَوْقَ أَوْرِدَتِي
وَتَسْتَعِيدُ مِنَ التَّكْبِيرِ مَا غَلَبَا
وَفِيكِ نَارُ أَبِي تَمَّامِ مُشْتَعِلَةٌ
وَفِيكِ ظِلُّ أَبِي فِرَاسِ قَدْ هَضَبَا
تَعَبَّقْتِ بِالشِّعْرِ، بِالْأَبْطَالِ، بِالْقِمَمِ
كَأَنَّكِ الْمَجْدُ مُذْ كَانَ الْمَدَى كَتَبَا
دِمَشْقُ، يَا لُغَةً مَا مَسَّهَا كَذِبٌ
وَيَا قَصِيدَةَ صِدْقٍ تَنْبِضُ الذَّهَبَا
أَيَا دِمَشْقُ، وَهَلْ فِي الْكَوْنِ فَاتِنَةٌ
سِوَاكِ تُلْبِسُنَا التَّارِيخَ وَالرُّتَبَا؟
هُنَا الْعَرَاقَةُ، هَذَا الْمَجْدُ مَوْطِنُهُ
فَلَا يُضَاهِيكِ فِي الْإِشْرَاقِ مَنْ نَشَبَا
وَفِيكِ مِنْ عَبَقِ الْأُمَوِيِّ مَا ارْتَفَعَتْ
بِهِ الْمَآذِنُ تَدْعُو الْحَقَّ مُنْتَصِبَا
وَفِيكِ مِنْ نَفَسِ الْفِينِيقِ أُسْطُرُهُ
إِذَا احْتَرَقْنَا، أَعَدْنَا الْحُلْمَ مُلْتَهِبَا
دِمَشْقُ، يَا سُلْوَى الْأَرْوَاحِ فِي وَطَنٍ
إِنْ جَارَ دَهْرٌ، بَقِينَا نَرْسُمُ السُّحُبَا
فَنَامِي، يَا دُرَّةَ الْأَزْمَانِ، هَانِئَةً
فَفِي حَنَايَاكِ سَيْفُ الْحَقِّ مَا انْقَلَبَا
سَنَحْرُسُ الْمَجْدَ فِي عَيْنَيْكِ مُؤْتَمَنًا
وَنَنْسِجُ الْفَخْرَ إِنْ جَارَ الْوَرَى نُجُبَا
وَإِنْ سُئِلْتِ: "أَهَمَّا فِيكِ عَاشِقُهُ؟"
قُولِي: "هُنَا وُلِدَ الْإِحْسَاسُ وَاحْتَسَبَا"
دِمَشْقُ، يَا كُلَّ مَا فِي الْقَلْبِ مِنْ وَطَنٍ
وَيَا نِدَاءً سَمَا، مَا بَيْنَنَا احْتَجَبَا
فَيَا أَحَبَّ هَوًى، يَا عِزَّ مَنْ نَبَتُوا
فِيكِ، سَلَامٌ عَلَى مَنْ فِي ثَرَاكِ خَبَا
663
قصيدة