عدد الابيات : 37
هُوَ الْعِشْقُ سَارِي الرُّوحِ، مَا لِلْعُذُولِ
مَهْرٌ إِلَيْهِ، وَلَا فِي صَدِّهِ حِيَلُ
وَإِنْ كَانَ قَتْلِي فِي هَوَانَا مُحَقَّقًا
فَفِي الْمَوْتِ وَصْلٌ مَا لِغَيْرِهِ وَصْلُ
لَقَدْ سِرْتُ دَرْبَ الْعَاشِقِينَ مُتَيَّمًا
فَلَا النُّصْحُ يُجْدِي، بَتًّا وَلَا الْعَذْلُ
أَذُوبُ كَمِسْكٍ فِي هَوَاهَا وَأَحْتَرِقُ
وَقَلْبِي عَلَى جَمْرِ اللَّظَى جَذِلُ
إِذَا سَارَةُ الْغِيدَاءِ لَاحَتْ بِوَجْهِهَا
تَجَلَّى ضِيَاءُ الْكَوْنِ، وَانْجَلَى الطَّلُّ
فَفِي خَدِّهَا نُورٌ، وَفِي طَرْفِهَا نُهًى
وَفِي ثَغْرِهَا سِحْرٌ لَهُ الْعِشْقُ يَمْتَثِلُ
أُحِبُّكِ، لَا أَنْفَكُّ عَنْ ذِكْرِكِ لَحْظَةً
كَأَنَّ هَوَاكِ الْقَلْبُ، وَالرُّوحُ لَا تَفِلُ
وَإِنْ غِبْتِ عَنْ عَيْنِي فَشَوْقِي مُؤَرَّقٌ
يُحَدِّثُ عَنْكِ الْقَلْبُ، وَالدَّمْعُ يَنْهَمِلُ
إِذْ قِيلَ: مَنْ تَهْوَى؟ قُلْتُ: سَارُ الْمُنَى
وَمَا غَيْرُهَا بِالْكَوْنِ بِالْحُبِّ لِي أَمَلُ
رَأَتْنِي، فَقَالَتْ: قَدْ شُغِفْتَ بِحُسْنِنَا؟
فَقُلْتُ: هَوَاكِ الْعَيْشُ، وَلَا يُكْتَمَلُ
وَإِنْ صَدَّنِي دَهْرِي فَحُبُّكِ زَادُهُ
وَإِنْ جَفَّنِي حَظِّي فَوَصْلُكِ الْمُقْبِلُ
فَكُونِي كَمَا شِئْتِ فَإِنِّي مُتَيَّمٌ
وَأَنْتِ الَّتِي فِي الْحُسْنِ لَا تَتَبَدَّلُ
أَلَا لَيْتَ شِعْرِي هَلْ تَعُودِينَ مُنْعِمًا
وَهَلْ يَنْثَنِي عَيْشٌ لَهُ الْحُسْنُ يُكْمِلُ؟
فَلَا السُّهْدُ يُنْسِينِي هَوَاكِ وَلَا الْأَسَى
فَإِنَّكِ فِي قَلْبِي كَالشَّمْسِ تَشْتَّعِلُ
هَنِيئًا لِقَلْبِي فِي هَوَاكِ، فَقَدْ غَلَا
بِنَارِكِ حَتَّى مَا اسْتَقَرَّ لِلْقَلْبِ ظِلُّ
تَغَلْغَلْتِ فِي رُوحِي فَصَارَ بِأَنْفُسِي
هَوًى سَرْمَدِيٌّ لَا يُحَاطُ لَهُ حَلُّ
إِذَا مَا ذَكَرْتُ الْوَصْلَ يَوْمًا تَبَسَّمَتْ
مَطَامِعُ آمَالِي وَضَاحَ بِهَا الْبِشْلُ
وَلَكِنَّ عَهْدَ الدَّهْرِ غَدَّارُ عِشْرَةٍ
فَكَمْ أَضْرَمَتْ نَارًا بِهِ هَدَأَتْ سُبْلُ
فَلَيْتَكَ يَا دَهْرُ الْوِصَالِ تَرَكْتَنِي
عَلَى جَمْرِ هَجْرٍ لَا يَزُولُ لَهُ وَقْلُ
فَفِي الْقُرْبِ عُشَّاقٌ يَمُوتُونَ حَسْرَةً
وَفِي الْبُعْدِ أَحْبَابٌ تَذُوبُ بِهِمْ عَلَلُ
وَأَنْتِ الَّتِي أَبْدَعْتِ فِي الْقَلْبِ لَوْعَةً
فَكَيْفَ الْهَوَى إِلَّا عَلَى يَدِكِ يُجَمَّلُ؟
سُقَامِي لَدَيْكِ عَافِيَةٌ مُشْتَهَاةٌ لِي
وَدَائِي دَوَاءٌ إِنْ جَرَى مِنْهُ حُلْوُ
وَقَلْبِي وَإِنْ عُذِّبْتُ فِيكِ بِنَارِهِ
يُحِبُّ الَّذِي أَلْقَاهُ مِنْكِ وَلَا يَمَلُّ
وَإِنْ زِدْتِ جَوْرًا زِدْتُ صَبْرًا وَسَلْوَةً
كَأَنَّ عَذَابِي مِنْ مَحَاسِنِكِ مَنَاهِلُ
مَلَكْتِ الْهَوَى، فَالْحُكْمُ فِيكِ مُسَلَّمٌ
وَمَا لِي سِوَى تَسْلِيمٍ لِحُكْمِ الْعَذْلِ
حَيَاةُ الْمُحِبِّينَ الْأَمَانِي وَإِنَّمَا
رَجَائِيَ أَنْ أَلْقَاكِ يَوْمًا فَيَشْتَّمِلُ
فَإِنْ شِئْتِ زِيدِي فِي الْغَرَامِ تَأَلُّقًا
وَإِنْ شِئْتِ فَاقْتُلْنِي، وَلِقَتْلِكِ الْفَضْلُ
وَإِنْ شِئْتِ فَاقْتُلْنِي بِسِحْرِكِ إِنَّهُ
حَدِيثُ الْهَوَى، وَالسِّحْرُ لِقَتْلِهِ عَدْلُ
فَمَا كُنْتُ إِلَّا عَاشِقًا، كُلُّ نَبْضَةٍ
تَهِيمُ بِذِكْرَاكِ الَّتِي دُونَهَا النُّبْلُ
إِذَا غَابَ عَنْ عَيْنِي جَمَالُكِ سَاعَةً
تُنَادِي عُيُونِي، أَيْنَ يَا نَظَرِيَ النُّهْلُ؟
وَكَيْفَ لِقَلْبِي أَنْ يُفِيقَ مِنَ الْجَوَى؟
وَفِي كُلِّ دَرْبٍ أَنْتِ يَا حُسْنُ لِي نُزْلُ
مَلَكْتِ فُؤَادِي، لَا سِوَاهُ، وَمَا لَهُ
سِوَى طَاعَةِ الْحُبِّ الْمُبَرَّحِ إِذْ يَخْلُو
فَلَا الْعَيْشُ يَحْلُو دُونَ وَجْهِكِ مُشْرِقًا
وَلَا الْكَوْنُ إِلَّا مِنْ ضِيَاءِ الْمُنَى يَحْلُو
دَعِينِي أَسِيرُ فِي الدُّرُوبِ تَائِهًا
فَإِنِّيَ فِيهَا قَدْ وَجَدْتُ الْهَوَى سَبْلُ
فَمَا كَانَ حُبِّي فِي يَدَيَّ أُسِيرُهُ
وَلَكِنَّهُ أَسْرٌ، وَمِنْهُ أَنَا الْعَبْلُ
سَأَبْقَى عَلَى الْعَهْدِ الَّذِي قَدْ عَرَفْتُهُ
وَفِيكِ فُؤَادِي مَا اسْتَبَدَّ بِهِ وَغْلُ
أُحِبُّكِ حُبًّا، لَوْ عَلِمْتِ بِسِرِّهِ
لَمَا كُنْتِ إِلَّا لِلْهَوَى وَالْوَفَا أَهْلُ
663
قصيدة