الديوان » عمار شاهر قرنفل - الرحال » “ما بين البنجِ والحنين”

عنوان الديوان : “ما بين البنجِ والحنين”

“حين كنتُ نائمًا… كانت سارة تصحو فيّ”

 

 

الفَصْلُ الأَوَّلُ: غُرْفَةُ البَنْجِ… أَوَّلُ الغِيَابِ

 

تَبْدَأُ اللَّحْظَةُ فِي غُرْفَةِ العَمَلِيَّاتِ. أَصْوَاتُ الأَجْهِزَةِ، هَمَسَاتُ الأَطِبَّاءِ، وَشَيْءٌ فِي دَاخِلِكَ يَرْتَجِفُ. 

تَشْعُرُ أَنَّ النَّوْمَ الَّذِي سَيَأْتِي لَيْسَ نَوْمًا، بَلْ سَفَرٌ إِلَى الذِّكْرَى. صَوْتُ سَارَةَ يَأْتِي أَوَّلًا، ثُمَّ تَغِيبُ فِي البَيَاضِ.

 


 

الفَصْلُ الأَوَّلُ

"غُرْفَةُ البَنْجِ… أَوَّلُ الغِيَابِ"

 

دخلتُ…

كأنني لا أدخل غرفةً، بل أُلقي بنفسي في حضن سحابةٍ ثقيلة

الضوء فيها كئيبٌ، باردٌ،وصوتُ الأجهزة

 ينهشُ الصمتَ من حولي، يُهدهدني كأنَّه أمٌّ منهكة

نسيت كيف تغني للنوم.

 

دَخَلْتُ… 

كَأَنِّي أَدْخُلُ فِي غَابَةٍ مِنْ غَمَامْ

وَكَانَتْ يَدُ الطَّبِيبِ تُومِلُ عَلَى جَسَدِيَ المَنَامْ

وَصَوْتُ الأَجْهِزَةِ البَارِدَةِ حَوْلِي

يُهَدْهِدُنِي مِثْلُ أُمٍّ تَعِبَتْ مِنَ الكَلَامْ

 

يد الطبيب على صدري كانت ترتجف…

أم يدي أنا من خانها اليقين؟

لا أدري،لكنني كنت أرتجفُ 

كما يرتجفُ قلبٌ خائفٌ من الحنين .

 

أغمضتُ عينيّ…

ولم أنم.

بل بدأ قلبي يسافر إلى الأمس،

إلى تلك الزاوية من الروح حيث تقف سارة،

بوشاحها الأبيض، ودمعتها التي لا تموت،

كانت هناك…

عند آخر سؤال ،

تحملُ الوردَ، والانتظار، وسؤالاً لا يقال.

 

أَغْمَضْتُ عَيْنَيَّ، لَكِنَّنِي مَا نِمْتُ

و سَافَرَتْ رُوحِي إِلَى المَاضِي الَّذِي لَمْ يَمُتْ

رَأَيْتُ سَارَةَ، وَاقِفَةً فِي آخِرِ المَمَرْ

تَحْمِلُ الوَرْدَ، وَالدَّمْعَةَ، وَالانْتِظَارْ…

وَتَقُولُ لِي: "عُدْتَ إِلَيَّ؟"

فَأَقُولُ: "دَائِمًا كُنْتُ هُنَا… 

مَا فَارَقْتُكِ إِلَّا اضْطِرَارْ"

 

لَكِنَّ الدَّوَاءَ كَانَ أَبْطَأَ مِنَ الحَنِينْ

وَأَسْرَعَ مِنَ الرَّحِيلْ…

أَحَسَسْتُ أَنَّنِي أَغِيبُ عَنْ جَسَدِي

وَأَدْخُلُ فِي سَرْدَابٍ طَوِيلْ

 

كان البنج…

كان أبطأ من اليقين ،

وأسرع من الموت.

شعرتُ أنني أغيبُ عن جلدي،

أدخل نفقًا طويلًا من الذاكرة…

كأنني أُختَطفُ من جسدي على مهلٍ،

وأنسلُّ إلى الظلّ الذي تركتُه يومًا على باب قلبها.

 

وَجَاءَنِي صَوْتٌ بَعِيد… كَأَنَّهُ أُنْشُودَةُ مُمَرِّضَةْ

"حَانَ وَقْتُ البَنْجِ يَا سَيِّدِي"

فَقُلْتُ لَهَا: "بَلْ حَانَ وَقْتُ الحَبِيبَةِ… وَسَاعَةُ القَصِيدَةْ"

 

وَسَقَطْتُ نَائِمًا

لَا فِي غَفْوَةِ الجَسَدْ

بَلْ فِي حَضْنِ الذِّكْرَى…

وَفِي دِفْءِ مَنْ كَانَتْ يَوْمًا بِلَادِي

وَكَانَتْ الحُلْمَ، وَالمَوْتَ، وَالوِلَادَةْ

 


 

الفَصْلُ الثَّانِي: 

 

"بَيْنَ سَارَةَ وَالمُمَرِّضَةِ لَيْلَى… تَشَابُهُ الأَرْوَاحِ"

 

الفصل الثاني: بين سارة والممرضة ليلى… تشابه الأرواح

 

وَأَنْتَ مَمْدُودٌ فِي الغَيْبُوبَةِ الخَفِيفَةِ، يَلُوحُ لَكَ وَجْهُ المُمَرِّضَةِ "لَيْلَى" كَأَنَّهُ اسْتِنْسَاخٌ مِنْ مَلَامِحِ سَارَةَ. 

تَشَابُهٌ عَجِيبٌ، يُرْبِكُكَ، يُحَرِّكُ وَجَعَكَ، وَيُفَتِّحُ أَبْوَابَ القَلْبِ القَدِيمَةَ. 

تَسْأَلُ نَفْسَكَ: هَلْ تَعُودُ الأَرْوَاحُ فِي وُجُوهٍ جَدِيدَةٍ؟

 


 

الفَصْلُ الثَّانِي

 

"بَيْنَ سَارَةَ وَالمُمَرِّضَةِ لَيْلَى… تَشَابُهُ الأَرْوَاحِ"

 

أَفِي البَنْجِ؟ أَمْ فِي ارْتِجَافِ الشُّعُورْ؟

أَرَانِي أَرَاهَا، كَأَنَّ الزَّمَانَ يَدُورْ…

كَأَنَّ الحَيَاةَ تُعِيدُ الَّتِي

مَضَتْ ذَاتَ فَجْرٍ، وَخَلَّفَ الحَنِينَ يَثُورْ

 

وَجْهٌ يُطِلُّ، وَأَهْدَابُهُ مِنْ سُهَادْ

كَأَنَّهُ وَجْهُ سَارَةَ، بَلْ هُوَ فَيْضُ ازْدِيَادْ

تَقَدَّمَتْ "لَيْلَى"… وَفِيهَا مِنَ الأُولَى

دِفْءُ الشَّآمِ، وَهَمْسُ الفُرَاتِ، وَطُلْعَةُ بَغْدَادْ

 

تَحَدَّثَتْ… فَارْتَجَفَتْ مَفَاصِلُ دَمِي

وَنَبَضَتْ بِي الذَّاكِرَةُ القَدِيمَةْ

سَارَةُ؟… لَيْلَى؟… لَا أَدْرِي

مَنِ الَّتِي تَبْكِي بِصَمْتٍ حِينَ أُنَادِي؟

مَنِ الَّتِي قَالَتْ بِصَوْتٍ كَانَ يُشْبِهُ نَسْمَةَ الوَادِي:

"لَا تَخَف… أَنَا هُنَا، لَا زِلْتُ أُحِبُّكَ"؟

 

فَهَلْ تَعُودُ الأَرْوَاحُ فِي وُجُوهٍ جَدِيدَةْ؟

أَمْ أَنَّ لَيْلَى ظِلٌّ مِنْ ظِلِّ سَارَةْ؟

كَأَنَّ الحُبَّ لَا يَمُوتُ…

بَلْ يَتَقَمَّصُ مَلَامِحَ مَنْ يُشْبِهُ مَنْ كُنَّا نُحِبُّهُمُ

حِينَ يَرْحَلُونَ.

 

وَكُنْتُ أَظُنُّ بِأَنِّي نَسِيتُ الَّتِي

تَرَكَتْنِي عَلَى ضَفَّةِ العُمْرِ كَالغَرِيبْ

وَلَكِنَّ لَيْلَى إِذَا مَا اقْتَرَبَتْ

تُعِيدُ اشْتِعَالَ الأَسَى…

وَتُبَعْثِرُ حُطَامَ الحَبِيبْ

 

خَطَوْتُ إِلَى الحُلْمِ…

 أَمْ هُوَ أَقْبَلَ نَحْوِي؟

بِعَيْنَيْنِ فِيهِمَا لَهْفَةُ المَوْعِدِ المُسْتَحِيلْ

وَفِي صَوْتِهَا نَبْضُ مَنْ كُنْتُ أَعْشَقْ

وَفِي ابْتِسَامَتِهَا… 

كَانَ يَخْتَبِئُ اللَّيْلُ الطَّوِيلْ

 

لَيْلَى؟ أَحَقًّا تَحَدَّثْتِ الآنَ؟

أَمْ أَنَّنِي أَسْمَعُ صَدَى سَارَةَ حِينَ كَانَتْ تَقُولُ:

"لَنْ أَنْسَاكَ… وَإِنْ طَالَتْ المَسَافَاتْ"

وَفِي نَبْرَةِ العَطْفِ تِلْكَ

تَسْكُنُ جِرَاحَاتٌ… 

لَهَا أَلْفُ قَتِيلْ

 

فَيَا لَيْلَى، أَيِّتَهَا الظِّلُّ الَّتِي أَتْعَبَتْنِي

أَيِّتَهَا الذَّاهِبَةُ فِي دَمِي كَنَهْرٍ عَلِيلْ

إِذَا كُنْتِ صُورَةَ سَارَةَ…

فَكُونِي كَذِكْرَى، وَلَا تُشْبِهِي الرَّحِيلْ…

 

فَأَنَا مَا عُدْتُ أُمَيِّزُ بَيْنَ الشَّوْقِ …

وَبَيْنَ الحَنِينِ الَّذِي يُشْبِهُ سَارَةَ

وَلَيْسَ لَهُ مَثِيلْ .

 

عَيْنَاهُمَا عَمِيقَتَانِ…

إِحْدَى العَيْنَيْنِ تَرْوِي قَصَصَ الحُبِّ القَدِيمِ

وَالأُخْرَى، نَبْعٌ مِنَ الطَّيِّبِ وَالجَمَالْ

وَالوِجْدَانُ يَسْتَعِيدُهَا فِي مَوْجَاتٍ قَدِيمَةْ

قَلْبِي يَرْتَجِفُ، هَلْ هِيَ سَارَةُ الَّتِي تَمْشِي أَمَامِي

أَمْ لَيْلَى الَّتِي تَكْتَمِلُ صُورَتُهَا فِي المِرْآةِ الأَبَدِيَّة؟

 

أَرَى فِي ثَنَايَا عَيْنَيْهَا ضَحْكَةً غَابَتْ

عَنْ مَلَامِحِ سَارَةَ، وَجَعَلَتْ الأَمَلَ يَطْفُو

عَلَى سَطْحِ الحُزْنِ، وَكَأَنَّ الزَّمَانَ تَوَقَّفَ

فِي لَحْظَةٍ بِعَيْنِهَا، لَا يَجْرُؤُ عَلَى المَضِيّ

إِلَّا حِينَ أُنَادِيهَا، وَأُحَاكِيهَا:

"سَارَةُ؟ أَأَنْتِ حَقًّا هُنَا؟ أَمْ أَنَّهَا رُؤْيَةٌ خَادِعَة؟"

 

لَيْلَى، يَا لَيْلَى، أَيُّ غَيْرَةٍ تُوقِدِينَ فِيَّ؟

كَيْفَ لِي أَنْ أُمَيِّزَ بَيْنَكُمَا، وَأَنَا سَائِرٌ فِي لَيْلٍ عَمِيقٍ؟

أَنْتِ الأَمَلُ فِي عَالَمٍ لَا نَعْرِفُ عَنْهُ شَيْئًا

وَمَلَامِحُكِ تُدْمِي قَلْبِي بِأَنْغَامٍ لَا تَنْتَهِي

فِي عَيْنَيْكِ ضَيَاعٌ وَتَوَهُّجٌ

يُوقِظُ سَرَابَ الذِّكْرَيَاتِ السَّاكِنَةِ بِيَّ

 

أَنْتِ، كَأَنَّكِ سَارَةُ فِي ثَوْبٍ آخَرَ

تُحَدِّثِينَنِي بِلِسَانٍ يَمْلَأُهُ الرَّحِيلْ

وَعَيْنَيْكِ مَلِيئَتَانِ بِالعَذَابِ الَّذِي مَا زَالَ

يَمْشِي فِي شَرَايِينِي، وَكَأَنَّكِ تُعِيدِينَ لِي

أَيَّامًا ضَاعَ فِيهَا حُلْمِي الجَمِيلْ

 


 

الفَصْلُ الثَّالِثُ: 

 

"أَوَّلُ الحُلْمِ… وَسَارَةُ تَغَارُ"

 

فِي الحُلْمِ الأَوَّلِ تَحْتَ تَأْثِيرِ البَنْجِ، تَظْهَرُ سَارَةُ بِغَضَبٍ شَفِيفٍ. 

تَقُولُ لَكَ: "أَمَا زِلْتَ تُحِبُّنِي؟ إِذَنْ، لِمَاذَا تَبْتَسِمُ لِتِلْكَ المُمَرِّضَةِ؟". 

وَيَتَحَوَّلُ الحُلْمُ إِلَى مَحْكَمَةِ عِشْقٍ، تُدَافِعُ فِيهَا عَنْ قَلْبِكَ، وَتُبَرِّرُ الِارْتِبَاكَ بِالحُبِّ الأَبَدِيِّ.

 


 

الفَصْلُ الثَّالِثُ

"أَوَّلُ الحُلْمِ… وَسَارَةُ تَغَارُ"

 

بِصَمْتِ البَنْجِ… أَبْحَرْتُ فِي مَدَى الغِيَابْ

وَرَأَيْتُهَا… سَارَةَ، كَالشَّمْسِ فِي الضَّبَابْ

تَلُوحُ… وَتُطْفِئُ نَارًا بِقَلْبٍ

مَا عَادَ يَعْرِفُ فِي النَّوْمِ غَيْرَ العَذَابْ

 

قَالَتْ، وَعَيْنُ الدَّمْعِ فِي نَظَرَتِهَا:

"أَحَقًّا تَبْتَسِمُ لِغَيْرِي؟ أَيُّهَا الغَرِيبُ، المُرْتَجِفُ، المُذَابْ؟

أَلَمْ تَقُلْ لِي… أَنَّكَ تُحِبُّنِي؟

فَكَيْفَ تُمَطِّرُهَا بِلُطْفِكَ، وَأَنَا فِي التِّيهِ وَالغِيَابْ؟"

 

صَوْتُهَا مَوْجٌ، وَدَمْعُهَا مِلْحُ بَحْرٍ

يَرْتَجِفُ القَلْبُ فِيهِ، وَيَرْكَعُ فِيهِ السَّرَابْ

وَحِينَ أَرَدْتُ الكَلَامْ

تَقَطَّعَتِ الكَلِمَاتُ، وَلَمْ تَبْقَ لِي إِلَّا الجِرَاحُ جَوَابْ

 

"يَا سَارَةَ العُمْرِ… مَا خَانَتْ عَيْنِي

لَكِنَّ لَيْلَى…

لَيْلَى تُشْبِهُكِ…

فَهَلْ تُحَاسِبِينَ قَلْبًا حِينَ يُبْصِرُ شَبَهَ الأَحْبَابْ؟

هَلْ يُحَاكَمُ العَاشِقُ عَلَى الشَّبَهِ

أَمْ عَلَى النِّسْيَانِ…؟

وَأَنَا لَمْ أَنْسَكِ، حَتَّى فِي أَشَدِّ العَذَابْ…"

 

تَنْظُرُ لِي…

ثُمَّ تَمْضِي كَنَسْمَةِ صَيْفٍ تَخُونُ السُّكُونْ

وَتَهْمِسُ: "دَعْنِي، إِنْ كُنْتَ لِغَيْرِي تَمِيلْ…

أَنَا لَا أُجَالِسُ شَبْحًا يَعْشَقُ اثْنَتَيْنْ

وَلَا أَعُودُ لِقَلْبٍ نِصْفُهُ لِلحَنِينْ

وَنِصْفُهُ… لِامْرَأَةٍ مِنْ طِينْ"

 


 

الفَصْلُ الرَّابِعُ:

 

"لَيْلَى… الوَجْهُ الَّذِي أَشْعَلَ الذَّاكِرَةَ"

 

(وَفِيهِ يَتَّقِدُ العِتَابُ، وَتَشْتَعِلُ نَارُ الحُبِّ القَدِيمِ مَعَ كُلِّ لَمْسَةٍ مِنْ يَدِ لَيْلَى… وَكَأَنَّكَ تَعِيشُ الخِيَانَةَ وَالوَفَاءَ مَعًا).

تَرَى لَيْلَى وَهِيَ تَعْتَنِي بِكَ، تَمْسَحُ جَبِينَكَ، وَتَضَعُ يَدَهَا فَوْقَ نَبْضِكَ… تَشْعُرُ أَنَّ يَدَهَا تُشْبِهُ لَمْسَةَ سَارَةَ الأُولَى. يَعُودُ بِكَ الحَنِينُ إِلَى اللِّقَاءِ الأَوَّلِ بِسَارَةَ: إِلَى المَطَرِ، وَالحَدِيقَةِ، وَرَسَائِلِ الوَرْدِ…

 


 

الفَصْلُ الرَّابِعُ

"لَيْلَى… الوَجْهُ الَّذِي أَشْعَلَ الذَّاكِرَةَ"

 

يَدَيْهَا… كَأَنَّ بِهِمَا مِنْ أَوَّلِ المَطَرِ

وَمِنْ حَكَايَا سَارَةٍ، مِنْ رَجْفَةِ السِّحْرِ

مَسَحَتْ جَبِينِي، وَقَالَتْ فِي ابْتِسَامَتِهَا:

"سَتُشْفَى… فَلَا تَخْشَ الأَلَمَ، وَلَا تَخَفْ قَدَرِي"

 

فَارْتَدَّ قَلْبِي… كَأَنَّ الوَرْدَ يَعْرِفُهَا

كَأَنَّ صَوْتَ العَاشِقِ الأَوَّلِ عَلَى وَتَرِ

كَأَنَّنِي فِي الحَدِيقَةِ، يَوْمَ التَقَيْنَا أَنَا وَسَارَةَ

وَالمَطَرُ يَغْسِلُ ذَنْبَ الشَّوْقِ بِالفِكْرِ

 

وَكَانَتْ هُنَاكَ… كَغَيْمٍ لَا يُسَمَّى

وَكَانَ حَدِيثُنَا سِرًّا عَلَى زَهْرِ

فَهَلْ هَذِهِ اليَدُ الآنَ الَّتِي فَوْقَ نَبْضِي

هِيَ نَفْسُ اللَّمْسَةِ الَّتِي كَانَتْ عَلَى صَدْرِي؟

 

أَمْ أَنَّ لَيْلَى تُعِيدُ القَلْبَ مِنْ سَفَرٍ

وَتَشْعَلُ الذَّاكِرَةَ البَيْضَاءَ فِي عُمْرِي؟

سَارَةُ… أَيَا نَبْضَهَا فِي كَفِّ مَنْ جَهِلَتْ

أَنَّ المُحِبِّينَ لَا يَنْسَوْنَ فِي العُذْرِ

 

وَجْهُ "لَيْلَى"… وَرِيقَاتُ الغِيَابِ بِهِ

وَكُلُّ مَا كُنْتُ أَخْشَاهُ مِنَ القَدَرِ

هَا قَدْ أَتَى، دُونَ مَا خَوْفٍ وَلَا تَعَبٍ

هَا قَدْ أَتَى… فِي يَدَيْهَا رَجْعُ سِرَارِ

 


 

 

الفَصْلُ الخَامِسُ: 

 

"بَيْنَ سَارَةَ وَلَيْلَى… وَجْهَا القَصِيدَةِ"

 

حَيْثُ تَبْدَأُ سَارَةُ بِالظُّهُورِ مَجَدَّدًا فِي الحُلْمِ… لَكِنْ هَذِهِ المَرَّةَ لَيْسَتْ غَاضِبَةً فَقَطْ، بَلْ حَزِينَةً… وَتَطْلُبُ مِنْكَ أَنْ تَخْتَارَ؟

تَخْتَلِطُ الوُجُوهُ، وَتَذُوبُ الأَسْمَاءُ، وَلَا تَعُودُ تُمَيِّزُ: أَهِيَ سَارَةُ مَنْ تُحَادِثُكَ؟ أَمْ لَيْلَى؟ الحُلْمُ صَارَ مَسْرَحًا، وَأَنْتَ فِيهِ العَاشِقُ الضَّائِعُ بَيْنَ زَمَنَيْنِ، بَيْنَ أُنْثَيَيْنِ تَسْكُنَانِكَ: وَاحِدَةٌ فِي المَاضِي، وَأُخْرَى فِي الحَاضِرِ المَلِيءِ بِالأَلَمِ وَالدَّوَاءِ.

 


 

الفَصْلُ الخَامِسُ

"بَيْنَ سَارَةَ وَلَيْلَى… وَجْهَا القَصِيدَةِ"

 

مَنْ أَنْتِ؟ قُولِي… أَمَا زِلْتِ يَا سَارَةْ؟

أَمْ أَنَّ "لَيْلَى" الَّتِي هَمَسَتْ… هِيَ السَّاحِرَةْ؟

صَوْتُكِ بَيْنَ الرُّؤَى يُشْبِهُ أَنْفَاسِي

وَعِطْرُكِ الآنَ… أَوْهَامِي العَبِقَةْ العَابِرَةْ

 

مَدَدْتُ يَدِي فِي الحُلْمِ… لَا فَرْقَ بَيْنَكُمَا

فَالعَيْنُ أَغْلَقَتِ النُّورَ، وَانْكَسَرَتْ نَاظِرَةْ

فـ"سَارَةُ" كَانَتْ هُنَاكَ… بِصَمْتِهَا المُتْرَفِ

و"لَيْلَى" أَمَامِي… تُضَمِّدُ جِرَاحِي، الآسِرَةْ

 

الحُلْمُ مَسْرَحُ وَجْدٍ لَا بَدَايَةَ فِيهِ

وَأَنَا المُعَلَّقُ فِي المُنْتَصَفِ… 

وَالحَائِرَةْ

سَارَةُ تَمْشِي عَلَى المَاءِ كَالعَذْرَاءِ

وَلَيْلَى تَمْشِي عَلَى جُرْحِي

وَتُغَنِّي الآخِرَةْ

 

كُلْتَاهُمَا وَطَنٌ فِي الحَنِينِ

وَسُؤَالٌ إِذَا أَمْعَنْتُهُ… 

يَسِمُ الذَّاكِرَةْ

أَأَفِيقُ مِنْ هَذَا البَنْجِ؟ أَمْ أَبْقَى؟

فَفِي الغِيَابِ… 

حَيَاتِي صَارَتْ نَادِرَةْ

 

يَا وَجْهَ سَارَةَ… 

خُذِي قَلْبَ "لَيْلَى" إِلَيْكِ

وَيـَا "لَيْلَى"… 

لَا تَسْرِقِي ظِلِّي مِنَ الشَّاعِرَةْ

أَنّـِي أَحْبَبْتُ سَارَةَ … 

وَقَلْبِي لَا ذَنْبَ لَهُ

فَالقَصِيدَةُ قَلْبٌ… 

وَنَبْضَتَاهُ هُمَا السَّاهِرَةْ

 


 

الفَصْلُ السَّادِسُ:

 

"سَارَةُ تَعَاتِبُ… وَلَيْلَى تَبْكِ"

 

حَيْثُ يَتَحَوَّلُ الصِّرَاعُ بَيْنَ الحُلْمِ وَاليَقَظَةِ إِلَى لَحْظَةِ اخْتِيَارٍ…

وَتُفْتَحُ أَبْوَابُ الذَّاكِرَةِ عَلَى صَوْتِ سَارَةَ وَهِيَ تَهْمِسُ: "لَنْ تَسْكُنَنِي امْرَأَتَانِ… فَاخْتَرْ!"؟

 

سَارَةُ تَصْرُخُ فِي الحُلْمِ: "أَتُخُونُنِي؟"، وَلَيْلَى فِي الوَاقِعِ تَمْسَحُ دُمُوعَكَ المُتَدَفِّقَةِ تَحْتَ تَأْثِيرِ البَنْجِ. 

يَتَدَاخَلُ الوَاقِعُ مَعَ الحُلْمِ، وَيَضِيعُ العِتَابُ فِي بَحْرٍ مِنَ الأَشْوَاقِ، وَتَبْكِي لَيْلَى لِأَنَّهَا لَا تَفْهَمُ هَذَا الحَرِيقَ فِي قَلْبِكَ.

 

 


 

الفَصْلُ السَّادِسُ

"سَارَةُ تَعَاتِبُ… وَلَيْلَى تَبْكِي"

 

"أَخُنْتَ العُهُودَ؟"، تَصِيحُ سَارَةُ فِي الحُلُمِ

وَصَوْتُهَا مِثْلُ نَايٍ… 

يَئِنُّ مِنَ الأَلَمِ

"أَمَا كُنْتَ تَزْرَعُ وَجْهِي عَلَى خَدِّ الوَرَقِ؟

فَكَيْفَ تَمِيلُ إِلَى غَيْرِي

وَتُعْطِيهَا بالقَسَمِ؟" 

 

أَفُجَاءَةً كُنْتِ يَا سَارَةُ؟ أَمْ زَمَنٌ

أَعَادَ الحَنِينَ إِلَيْكِ، لِيَكْسِرَ بِي قَلَمِي؟

أَكُنْتِ بَعِيدَةً، وَلَكِنَّكِ أَقْرَبُ مِنْ

دُمُوعِي الَّتِي تَنْسَكِبُ الآنَ مِنْ سَقَمِ

 

هُنَا… 

عَلَى السَّرِيرِ الأَبْيَضِ، تَرْتَجِفُ لَيْلَى

تَضَعُ كَفَّهَا فَوْقَ جَبِينِي… 

كَحُلْمٍ لَمْ يُتِمِ

تَظُنُّ دَمْعِي أَلَمًا… 

لَا تَعْلَمُ أَنِّي أَرَاكِ

فِي كُلِّ ارْتِعَاشَةٍ، وَكُلِّ جُرْحٍ مُنْهَدِمِ

 

لَيْلَى تَبْكِي… 

وَلَا تَدْرِي لِمَاذَا

يَنْفَجِرُ الشَّوْقُ فِي صَدْرِي كَأَنِّي فِي جَحِيمِ

تَرَى نَارَ الحَنِينِ… 

وَلَا تَدْرِي بِأَنَّهَا تُشْبِهُ سَارَةَ… 

بَلْ هِيَ امْتِدَادُهَا فِي النَّسَمِ

 

سَارَةُ… تَسْأَلُنِي مِنْ بُعْدِهَا المُتَرَامِي:

"لِمَاذَا أَرَاهَا تُمَاثِلُنِي… فِي البُكْمِ وَالكَلِمِ؟"

وَأَنَا أَصْرُخُ بَيْنَ جُرْحَيْنِ لَا يَنْطَفِئَانْ:

"مَا خُنْتُكِ، بَلِ الحَنِينُ هُوَ مَنْ خَانَنِي… وَالعَدَمِ"

 


 

الفَصْلُ السَّابِعُ: 

 

"صَحْوَةٌ نَاقِصَةٌ… وَسَارَةُ لَمْ تَذْهَبْ"

 

حَيْثُ تُحَاوِلُ أَنْ تُصَالِحَ بَيْنَ الطَّيْفِ وَاللَّحْمِ، بَيْنَ سَارَةَ فِي الحُلْمِ، وَلَيْلَى فِي الحَقِيقَةِ، فَتَكْتُبُ لَهُمَا مَعًا: "أَنْتُمَا قَصِيدَتِي، فَدَعَانِي أَعِيشُكُمَا شِعْرًا لَا ذَنْبَ فِيهِ "؟

تَسْتَيْقِظُ مِنَ التَّخْدِيرِ، لَكِنَّ الحُلْمَ لَمْ يَنْتَهِ. 

مَا زَالَتْ سَارَةُ تَهْمِسُ فِي أُذُنِكَ، وَصَوْتُ لَيْلَى يَمْزُجُ بَيْنَ الرِّعَايَةِ وَبَيْنَ المُوسِيقَى القَدِيمَةِ. 

كَأَنَّكَ لَمْ تَصْحُ بَعْدُ، أَوْ كَأَنَّ النَّوْمَ أَصْبَحَ الوَطَنَ الوَحِيدَ الَّذِي فِيهِ تَعِيشُ.

 


 

الفَصْلُ السَّابِعُ

"صَحْوَةٌ نَاقِصَةٌ… وَسَارَةُ لَمْ تَذْهَبْ"

 

أَفِقْتُ… وَهَلْ كُنْتُ نِمْتُ؟ أَمْ كُنْتُ فِي النَّوْمِ أَحْيَا؟

وَهَلْ عَادَ جَسَدِي إِلَيَّ، أَمْ رُوحِي مَا زَالَتْ تُقْصَى؟

فَتَحْتُ جُفُونِي عَلَى رَعْشَةٍ

وَفِي القَلْبِ نَارٌ، وَفِي الرَّأْسِ مَوْجٌ يُقَصِّرُ خُطْوَى

 

صَدَى لَيْلَى يُدَاعِبُ أُذُنِي… كَأَنَّ بِهِ لَحْنَ سَارَةْ

كَأَنَّ الزَّمَانَ اخْتَلَطْ… وَكَأَنَّ الحَنِينَ اسْتِعَارَةْ

يَدَاهَا تُصْلِحُ شَاشَ الأَلَمِ

وَفِي وَجْنَتَيْهَا خَجَلٌ مِنْ نُبُوءَةٍ طَاهِرَةْ

 

وَسَارَةُ؟ سَارَةُ لَمْ تَغِبْ…

تَهْمِسُ لِي: "لَا تَفِرْ، مَا زِلْتُ فِيكَ… كَغَيْمَةْ"

تُلَامِسُ جُرْحِي بِنَبْضِ الخَيَالْ

وَتَشْعَلُ فِينِي جِرَاحَ الهَزِيمَةْ

 

أُحَاوِلُ أَنْ أَنْهَضَ الآنَ، لَكِنَّنِي

أَسِيرُ… وَخَلْفِي نَعَاسُ المَدِينَةْ

كَأَنَّ الحَيَاةَ تَحَجَّرَتْ…

وَصَارَتْ عُيُونِي سُفُوحَ الحَنِينِ الحَزِينَةْ

 

أَحَقًّا أَفِقْتُ؟ أَمْ أَنَّنِي

أُوَاصِلُ حُلْمِي وَأُدَّعِي الصَّحْوَ خِيفَةْ؟

فَهَذِهِ الحَيَاةُ تَبْدُو بِلَا لَوْنِ سَارَةَ…

وَذَا البَنْجُ، صَارَ وَطَنًا… وَحَقِيقَةْ

 


 

الفَصْلُ الثَّامِنُ:

 

"مَتَى تَنَامِينَ مَعِي يَا سَارَةُ؟"

 

تُتمّ الديوان بنداء مفتوح: “يا سارة… هل تنامين معي الليلة؟ في الحلم؟ في الذكرى؟ في القصيدة؟”

وهنا، يكون الختام مفتوحًا، كما في ديوانك الأول، على حبّ لا يموت، وحنين لا يُشفى.

حَيْثُ الحُلْمُ لَا يُغْلِقُ بَابَهُ، وَسَارَةُ تَظَلُّ تَسْكُنُ القَصِيدَةَ،

وَلَيْلَى تَبْقَى ظِلًّا عَلَى جُدْرَانِ الوَجَعِ، وَحَيْثُ تَقُولُ:

"أَنَا لَا أُشْفَى مِنَ الحُبِّ… بَلْ أَتَعَافَى مِنَ العَالَمِ عَبْرَهُ."

 

الفَصْلُ الثَّامِنُ: 

 

"مَتَى تَنَامِينَ مَعِي يَا سَارَةُ؟"

 

تُتِمُّ الدِّيْوَانَ بِنِدَاءٍ مَفْتُوحٍ: "يَا سَارَةَ… هَلْ تَنَامِينَ مَعِي اللَّيْلَةَ؟ فِي الحُلْمِ؟ فِي الذِّكْرَى؟ فِي القَصِيدَةِ؟"

وَهَنَا، يَكُونُ الخِتَامُ مَفْتُوحًا، كَمَا فِي دِيْوَانِكَ الأَوَّلِ، عَلَى حُبٍّ لَا يَمُوتُ، وَحَنِينٍ لَا يُشْفَى.

وَأَنَا أُحِبُّكِ فِي اللهِ مَحَبَّةَ الرُّوحِ لِلرُّوحِ، يَا أَحَنَّ وَأَصْدَقَ قَلْبٍ…

حَيْثُ لَا نِهَايَةَ لِلَحُبِّ، وَلَا فَاصِلَ بَيْنَ الذِّكْرَى وَالحُلْمِ،

وَسَارَةُ تَبْقَى الوَطَنَ فِي المَنَامِ، وَالمَأْوَى فِي القَصِيدَةِ.

 

الفَصْلُ الثَّامِنُ: مَتَى تَنَامِينَ مَعِي يَا سَارَةُ؟

 

مَتَى تَنَامِينَ مَعِي يَا سَارَةْ؟

فِي هَذَا السَّرِيرِ الغَرِيبِ، عَلَى رَفَضَاتِ الإِبْرَةِ السَّاهِرَةْ

هُنَا حَيْثُ قَلْبِي مُعَلَّقٌ بَيْنَ البَنْجِ…

وَبَيْنَ دُمُوعِ المُمَرِّضَةِ الحَائِرَةْ

هُنَا حَيْثُ أُفَكِّرُ فِيكِ

كَأَنَّكِ صَلَاةٌ تُؤَمُّ مُوَاجِعِي العَابِرَةْ

 

أَمَا زِلْتِ تَأْتِينَنِي فِي المَنَامِ

وَتَحْمِلِينَ عَبِيرَ البِلَادِ البَعِيدَةْ؟

أَمَا زِلْتِ تَحْنِينَ رَأْسِي عَلَى صَدْرِكِ

حِينَ تَعْوِي الرِّيَاحُ عَلَى وِسَادَتِي الوَحِيدَةْ؟

 

يَا سَارَةْ…

مَتَى تَعُودِينَ لَيْلًا؟

مَتَى تَسْرُقِينَ مِنَ البَنْجِ حُلْمًا لَنَا؟

مَتَى تَنَامِينَ مَعِي، لَا كَزَائِرَةٍ

بَلْ كَأَمِيرَةِ قَلْبِي فِي غُرْفَتِهِ الهَادِئَةْ؟

 

أَمَا اشْتَقْتِ لِي؟

أَمَا عَادَ دِفْءُ الشِّفَاهِ إِلَى دِفْءِ أَوْرَدَتِي النَّازِفَةْ؟

أَمْ أَنَّكِ خِفْتِ مِنَ الضُّوءِ

أَنْ يَسْتَفِيقَ الحَنِينُ

وَيَكْتُبَ فَصْلًا جَدِيدًا مِنَ النَّكْسَةِ التَّائِهَةْ؟

 

تَعَالِي…

نَامِي هُنَا… فَوْقَ أَضْلُعِيَ المُتْعَبَةْ

قُولِي لِقَلْبِي: "أَنَا لَمْ أَغِبْ"

وَغَنِّي لِرُوحِيَ الَّتِي مُنْذُ وَدَّعْتِهَا

مَا عَرَفَتْ لِلنُّعَاسِ طَرِيقًا، وَلَا لِلنَّجَاةِ مَهْرَبَةْ

 

نِمْتُ كَثِيرًا… نَعَمْ

لَكِنْ مَا نِمْتُ إِلَّا بِبَنْجِ الأَسَى

أَحْتَاجُ نَوْمًا…

تَنَامِينَ فِيهِ مَعِي

وَتَبْقِينَ فِيهِ…

إِلَى آخِرِ الحُلْمِ

إِلَى آخِرِ القَصِيدَةِ.

 

———

 

الفَصْلُ التَّاسِعُ:

 

"الذاكرة … والأحلام ليست خيانة"

 

في هذا الفصل، يُبحر الشاعر في دهاليز الحلم واللاوعي، حيث تمتزج ملامح الأحباب وتختلط الوجوه في فضاءٍ لا يعترف بالزمن ولا بالحدود. 

يتحدث إلى “سارة”، محبوبته التي تسكن القلب والخيال، موضحًا أن الأحلام ليست خيانة، بل ملاذٌ تهرُب إليه الروح من وجع الواقع. 

يُفسر ابتسامته أمام “ليلى” على أنها رجفةُ ذاكرةٍ أعادت له طيف سارة، لا خيانة لها.

الحلم هنا ليس رغبة، بل ارتجافٌ ناتج عن شدة الحنين، وساحة لتفريغ مشاعر مكبوتة. ويؤكد أن تلك الابتسامة الباهتة ليست لغيرها، بل هي انعكاس لحبه القديم. يطلب الصفح من سارة، ويعترف بتعبه من شوقٍ لا يهدأ، ومن ألمٍ ينهشه حتى في غيبوبته، حيث لا يملك أمره، ويظل قلبه يُناديها من تحت الرماد.

وفي النهاية، يصرّح بصدق الحب، لكنه لا يخفي الإنهاك الذي خلّفه هذا الحنين الطويل، وكأن الزمن لا يتركه يهنأ حتى في نومٍ مُخدّر، بل يعيده إلى اليقظة محطّمًا، متعبًا، غريبًا عن نفسه.

 


 

"الذاكرة … والأحلام ليست خيانة"

 

إِذَا تَشَكَّلَ طَيْفُهُمْ فِي البَابْ

حِينَ يُبْصِرُ شَبَهَ الأَحْبَابْ؟

وَهَلْ يُلَامُ الوَلْهَانُ إِنْ ضَلَّ دَرْبَهُ

فِي حُلْمٍ مُشَوَّشٍ…

لَا فِيهِ يَوْمٌ، وَلَا فِيهِ شَبَابْ؟

 

يَا سَارَةَ، لَا غَيْرَةَ فِي الحُلْمْ

فَالحُلْمُ سَاحَةُ الحَنِينِ العَتِيقْ

فِيهِ تَنْكَسِرُ القَوَانِينُ، وَتَتَكَلَّمُ العُيُونُ

وَيَسَافِرُ العَاشِقُ بِلَا جَوَازٍ، وَلَا طَرِيقْ

 

لَمْ أَبْتَسِمْ لِلَيْلَى، بَلِ ارْتَجَفْتُ

لِأَنَّ مَلَامِحَهَا ذَكَّرَتْنِي بِكِ

ذَكَّرَتْنِي بِأَوَّلِ نَظْرَةٍ

بِأَوَّلِ وَرْدَةٍ

بِأَوَّلِ وَدَاعٍ، وَأَوَّلِ ضِيقْ

 

فَاغْفِرِي لِقَلْبِي يَا سَارَةَ

إِنْ خَانَتْهُ يَقَظَتُهُ

أَوْ أَسْلَمَ لِلذِّكْرَى مَفَاتِيحَ الطَّرِيقْ

 

وَإِنْ رَأَيْتِ عَلَى وَجْهِي ظِلَّ ابْتِسَامَةٍ

فَهِيَ ابْتِسَامَتُكِ القَدِيمَةُ… عَادَتْ

لَكِنَّ الزَّمَنَ غَيَّرَ الثَّوْبَ… وَالاسْمَ… وَالعَشِيقْ

 

أَنَا فِي البَنْجِ، لَا أَمْلِكُ أَمْرِي

وَفِي الحُلْمِ، لَسْتُ سِوَى طَيْفٍ ضَائِعٍ

يُنَادِي اسْمَكِ مِنْ تَحْتِ الرَّمَادْ

فَإِنْ غِرْتِ، فَغَارِي عَلَيَّ

مِنَ الوَجَعِ الَّذِي يَنْهَشُنِي

مِنَ العُمْرِ الَّذِي ضَاعَ…

وَمِنَ النَّشِيدِ الَّذِي عَادْ

 

سَارَةُ، يَا وَجَعِي الجَمِيلْ

يَا مَنْ تَغَارِينَ مِنَ الظِّلَالِ إِنْ مَشَتْ

وَمِنَ النَّسِيمِ إِذَا دَاعَبَ دَمِي

وَيَا مَنْ لَمْ تَتْرُكِينِي حَتَّى وَأَنَا فِي الغِيَابْ

أُحْلِفُ لَكِ…

أَنَّنِي لَا أُحِبُّ سِوَاكِ

لَكِنَّنِي تَعِبْتُ…

تَعِبْتُ مِنَ الحَنِينِ الَّذِي لَا يَنَامْ

وَمِنَ البَنْجِ الَّذِي يَسْرِقُنِي إِلَيْكِ

وَلَا يُعِيدُنِي إِلَّا مُنْهَكًا… تَائِهًا… بِلَا سَلَامْ.

 

————

 

الفَصْلُ العَاشِرُ:

 

"ليلى… الوجه الذي أشعل الذاكرة"

 

في هذا الفصل، تتداخل اللمسة الحانية التي تقدمها ليلى مع لمسة قديمة من ذاكرة الحب الأول. لم تكن العناية الطبية وحدها ما أيقظ الحنين، بل كانت الطريقة التي مسحت بها جبينك، والنظرة التي حملت دفئاً مألوفاً، هي ما أعادك إلى لحظة المطر، والحديقة، ورسائل الورد مع سارة… فاشتعلت الذاكرة.

 


 

"لَيْلَى… الوَجْهُ الَّذِي أَشْعَلَ الذَّاكِرَةَ"

 

تُمْسَحُ جَبِينِي… كَأَنَّ يَدَهَا

تَقْطُرُ مِنْ دِفْءِ مَنْ كَانَتْ لِيَ القَدَرَا

كَأَنَّ اللَّمْسَةَ الأُولَى تُعِيدُ النَّدَى

الَّذِي سَكَبَهُ لِقَاؤُنَا فِي أَوَّلِ المَطَرَا

 

لَيْلَى، تَضَعُ رَاحَتَهَا فَوْقَ نَبْضِي

فَتَنْتَفِضُ الرُّوحُ… تُنْكِرُ مَا انْكَسَرَا

أَهْذِي: "سَارَةُ؟" ثُمَّ أَخْجَلُ مِنْ خَيَالِي

كَأَنِّي أُخْطِئُ بَيْنَ دَمْعٍ… وَانْتَظَرَا

 

وَجْهُهَا لَيْسَ وَجْهَكِ تَمَامًا… وَلَكِن

فِي تَفَاصِيلِهَا تُقِيمِينَ، يَا قَمَرَا

ابْتِسَامَتُهَا… هَلْ تَذَكَّرْتِيهَا؟ تِلْكَ

الَّتِي بَعَثَتْ أَوَّلَ رِسَالَةٍ حِينَ انْفَجَرَا

 

شَوْقِي إِلَيْكِ؟ لَا… بَلْ هُوَ مَا كَانَ دَوْمًا

يَغْلِي بِدَمِي… وَإِنْ أَخْفَاهُ القَدَرَا

وَالذَّاكِرَةُ؟ نَارٌ خَفِيَّةٌ تَحْتَ جِلْدِي

تَشْتَعِلُ إِذَا نَادَتْنِي "لَيْلَى"… أَوْ صَبَرَا

 

لَيْلَى تُشْبِهُكِ؟ لَا أَدْرِي… وَرَبِّي

لَكِنَّهَا مِثْلُكِ تُجِيدُ الشَّوْقَ وَالحَذَرَا

كَأَنَّهَا أَنْتِ حِينَ تَلُوحِينَ فِي البُعْدِ

وَتُلْقِينَ فِي صَدْرِيَ الهَوَى، وَالسَّرَرَا

 

رَائِحَتُهَا… حَدِيثُهَا… ضَحْكَتُهَا الوَاجِفَةْ

تُعِيدُنِي إِلَى رَسَائِلِكِ المُعَطَّرَةِ بِالزَّهْرَا

تَعُودُ الحَدِيقَةُ الَّتِي التَقَيْنَا بِهَا…

وَالعَصَافِيرُ الَّتِي شَهِدَتْ، ثُمَّ تُهَاجِرَّا

 

تَعُودِينَ، يَا سَارَةُ، عَبْرَ يَدٍ لَا تَعْرِفُكِ

لَكِنَّهَا، وَاللهِ، تَمَسُّنِي كَأَنَّكِ أَنْتِ، تَمَامًا

كَأَنَّ الحَنِينَ يَلْبَسُ ثَوْبَ العِنَايَةِ

وَيَقُولُ: "أَنَا لَيْلَى… وَسَأُعِيدُكِ الآنَ سَلَامَا"

 

————

 

الفَصْلُ الحَادِيَ عَشَرَ:

 

"في غيابكِ… كنتُ آخرَ الناجين منّي"

 

في هذا الفصل، يسرد الشاعر كيف تفتّتَ كيانه بعد غياب “سارة”، وكيف لم يبقَ له من نفسه إلا شظايا تتناثر كلما تذكرها. يتحدث عن الوحدة القاسية، وعن مرآته التي لم تعد تعكس صورته، بل صورة الرجل الذي أفقده الحنين ظلاله، ويقينه، واستقراره. ويظهر أيضاً أنّ النجاة لم تكن خلاصًا، بل كانت نوعاً من الموت المؤجل.

 


 

الفَصْلُ الحَادِيَ عَشَرَ:

 

"فِي غِيَابِكِ… كُنْتُ آخِرَ النَّاجِينَ مِنِّي"

 

فِي غِيَابِكِ… ضَاعَ مِنِّي انْتِمَائِي

وَانتَثَرْتُ حُرُوفًا… مَا عَرَفْتُ الهُجَاءَا

لَمْ أَعُدْ أَعْرِفُ نَفْسِي حِينَ أَمُرُّ أَمَامَ

مِرْآتِي… أَرَاهَا تَبْكِي، وَأَبْكِي الأصَدَاءَا

 

كُنْتِ مِرْآتِي… وَوَجْهُكِ مَوْطِنِي

فَمِنْ أَيِّ نَفْيٍ جَاءَ وَجْهِي خَفَاءَا؟

كُنْتُ أَسْتَنِدُ إِلَيْكِ… فَحِينَ رَحَلْتِ

هَوَتْ ضُلُوعِي، وَتَبَعْثَرَ الهَوَاءَا

 

كُلُّ شَيْءٍ بَعْدَكِ صَارَ رَمَادًا

حَتَّى اسْمِي…

لَمْ يَعُدْ يَحْمِلُ أَيَّ انْتِمَاءَا

وَاللَّيْلُ؟ آهِ مِنْ لَيْلٍ بِلا صَوْتِكِ

يَمْضَغُ وَجْعِي، وَيُعِيدُنِي أَشْلَاءَا

 

كَانُوا يَقُولُونَ: "الزَّمَنُ شِفَاءٌ"

كَذَبُوا… فَمَا شَفَى الشَّوْقَ غَيْرَ البُكَاءَا

كَذَبُوا… فَقَلْبِي كُلَّمَا حَاوَلَ النِّسْيَانَ

رَآكِ فِي وَجْهِ المَاءِ، أَوْ فِي السَّمَاءَا

 

نَجَوْتُ مِنَ المَوْتِ؟ نَعَمْ… لَكِنَّنِي

كُنْتُ آخِرَ النَّاجِينَ مِنِّي… افْتِرَاءَا

فَمَنْ يَنْجُو مِنْ ظِلِّ امْرَأَةٍ

كَانَتْ لَهُ الحَيَاةَ… وَالمَأْوَى، وَالرَّجَاءَا؟

 

يَا غِيَابِي حِينَ غِبْتِ… لَمْ أَعُدْ أَنَا

بَلْ كُنْتُ صَدَى صَوْتٍ، ضَلَّ الدُّعَاءَا

غِبْتِ… فَغِبْتُ عَنِّي، وَعَنْ صَبْرِي

وَصِرْتُ أَبْحَثُ عَنِّي فِيكِ… عَبَثًا، شَقَاءَا

 

————

 

الفَصْلُ الثَّانِيَ عَشَرَ:

 

"حين التقينا… بكَتِ القصيدة من الفرح"

 

في هذا الفصل، ينتقل الشاعر من وجع الغياب إلى لحظة اللقاء التي جاءت كالمعجزة، كالنبض الأول بعد سكون طويل. يصف اللقاء كأنه ولادة جديدة له وللكلمات التي ماتت من قبل. فتعود له الحياة، وتُبعثُ القصيدة من رمادها، وتعود نوافذ الروح لتُشرع للنور والحب، وكأن الكون كله يُعيد تشكيل ذاته من أجل هذا اللقاء.

 


 

الفَصْلُ الثَّانِيَ عَشَرَ:

 

"حِينَ التَقَيْنَا… بَكَتِ القَصِيدَةُ مِنَ الفَرَحْ"

 

حِينَ التَقَيْنَا… هَلْ كَانَ هَذَا ضِيَاءً

أَمْ أَنَّ قَلْبِي رَأَى فِيكِ السَّمَاءَا؟

هَلْ كُنْتِ أَنْتِ، أَمْ كُنْتُ أَحْلُمُ

أَنِّي وَجَدْتُ الحَنِينَ وَالهَنَاءَا؟

 

لَمْ أَسْأَلِ الوَقْتَ كَمْ غِبْتِ عَنِّي

بَلْ هَمَسْتُ: "هَا أَنْتِ… كَفَانِيَ لِقَاءَا"

مَرَّتْ سِنِينَ العُمْرِ فِي لَحْظَةٍ

حِينَ التَقَتْ عَيْنَاكِ بِي اشْتِهَاءَا

 

يَا وَجَعَ الشَّوْقِ كَيْفَ انْطَوَى؟

يَا نَارَ قَلْبِي… قَدْ غَدَوْتِ المَاءَا

هَلْ تَعْلَمِينَ؟ حِينَ قُلْتِ "أُحِبُّكِ"

بَكَتِ القَصِيدَةُ، وَأَزْهَرَتْ صَحْرَاءَا

 

سَقَطَ الجَفَافُ عَنْ حُرُوفِي دَفْعَةً

وَانهَمَرَ الشِّعْرُ مِنِّي دُعَاءَا

يَا عُودَتِي مِنْ غُرْبَةٍ كَانَتْ

أَطْوَلَ مِنْ كُلِّ الدُّرُوبِ عَنَاءَا

 

أَمْسَكْتِ يَدِي… فَأَزْهَرَتْ كُلُّ

أَشْجَارِي اليَابِسَاتِ، وَنَامَ العَنَاءَا

كَأَنِّي كُنْتُ نَبِيًّا فِي صَحْرَةٍ

وَعُدْتِ… فَأَنْزَلَتِ الغَيْمَاتُ رَجَاءَا

 

يَا قُبْلَةً مِنْ شَفَتَيْكِ بَعَثَتْ

حَيَاتِي، وَغَيَّرَتِ البُكَاءَ غِنَاءَا

حِينَ التَقَيْنَا… هَلْ كُنْتِ امْرَأَةً؟

أَمْ كُنْتِ حُلْمًا صَارَ فِيهِ البَهَاءَا؟

 

 

————

 

الفَصْلُ الثَّالِثَ عَشَرَ:

 

"حديث العيون… حين يصمت الكلام"

 

في هذا الفصل، يتسلل الشاعر إلى لحظة شديدة الخصوصية والرهافة ، لحظة الحديث بالعيون. 

إذ يتجلى الحب أصدق ما يكون بلا كلمات، في همسة النظرة، ورجفة الجفن، ولمعة العشق الساكن خلف الأهداب. يصوّر اللقاء الصامت وكأنه سيمفونية خرساء تعزفها الأرواح، فيكتفي الحبيب بالنظر ليقرأ قلب حبيبته، ويكتب فيها شعراً لم يُنطق… بل سُكِت من فرط صدقه وجلاله.

 


 

الفَصْلُ الثَّالِثَ عَشَرَ:

 

"حَدِيثُ العُيُونِ… حِينَ يَصْمُتُ الكَلَامُ"

 

مَا بَالُ عَيْنَيْكِ تَنْطِقُ مَا خَفِي؟

وَتُسْكِتُ الدُّنْيَا، وَتُبْكِي الظُّرَفَا؟

هَلْ فِي السُّكُوتِ حَدِيثُ عَاشِقَةٍ

أَحْكَمُ مِنْ آلَافِ مَا الخَطْبُ جَفَا؟

 

لَمَّا نَظَرْتِ إِلَيَّ… خُيِّلَ لِي

أَنَّ الزَّمَانَ تَوَقَّفَ وَاخْتُطِفَا

وَكَأَنِّي فِي نَظْرَتَيْكِ قَرَأْتُ

كِتَابَ قَلْبِي حِينَ خَافَ وَاخْتَفَى

 

نَظْرَةُ عَيْنَيْكِ… آهِ كَمْ حَمَلَتْ

مِنْ قَبْلِهَا الشِّعْرُ صَمْتًا وَاكْتَفَى

فِي رَمْشِهَا تَرْتِيلُ أُسْطُورَةٍ

وَفِي السُّكُونِ، قَصَائِدٌ مَا عُرِفَا

 

يَا مَنْ إِذَا قَالَتْ… سَكَتْنَا هَوًى

وَإِذَا سَكَتْ… سَمِعَ الفُؤَادُ شَفَا

عَيْنَاكِ حِينَ البَوْحِ تَسْكُنُ فِيهِمَا

أَسْرَارُ عُشَّاقٍ تَرَدَّى وَاحْتَفَى

 

أُحِبُّ صَمْتَكِ… لَا لِأَنَّكِ سَاكِنَةٌ

بَلْ إِنَّ فِيكِ النُّورَ، وَالرُّشْدَ، وَالصَّفَا

وَحِينَ تَغْضُّينَ الجُفُونَ تَأَمُّلًا

أَغْفُو، كَأَنِّي لَامَسَ الحُلْمَ وَفَا

 

———

 

الفَصْلُ الرَّابِعَ عَشَرَ:

 

"بين الغياب والرجاء"

 

في هذا الفصل، يدخل الشاعر أرض الحنين، ويتأرجح بين ألم الغياب وضياء الرجاء. 

يرسم بالكلمات صورة الحبيب البعيد، كأنه نجم في السماء لا يُطال، ولكنه يُهتدى به. 

الغياب هنا ليس موتًا للحب، بل امتحان له، والرجاء هو النور الذي يبقي القلب حيًّا حتى تعود الأرواح إلى دفئها. تبرز في الأبيات مشاعر الانتظار النبيل، والتعلّق المضيء، وكأن الزمن يُعاد تشكيله على إيقاع الأمل.

 


 

الفَصْلُ الرَّابِعَ عَشَرَ:

 

بَيْنَ الغِيَابِ وَالرَّجَاءِ

 

غِيبَتُكِ الغَنَّاءُ أَوْجَعَتِ المُنَى

فَمَتَى تَعُودِينَ الهَوَى وَالمَرْتَجَى؟

أَنَا فِي هَوَاكِ مُعَلَّقٌ بَيْنَ الدُّجَى

وَبَيْنَ فَجْرٍ وَاعِدٍ قَدْ أَنْجَلَى

 

أَشْتَاقُ صَوْتَكِ… لَا لِشَيْءٍ غَيْرَ أَنْ

فِيهِ السَّلَامُ إِذَا تَنَاءَى المَلْتَقَى

مَا كُنْتُ أَعْلَمُ أَنَّ بَعْدَكِ مُوحِشٌ

كَالصَّمْتِ يَمْضِي بِي إِلَى حَيْثُ الشَّقَى

 

لَكِنَّ رَجْوَايَ الكَلِيمَ يُضِيئُنِي

إِنِّي عَلَى دَرْبِ الحَنِينِ مُرْتَقَى

يَا مَنْبَعَ الأَشْوَاقِ… كُونِي رَجْعَتِي

كَالمَزْنِ يُسْقِي أَرْضَ قَلْبِي إِنْ ظَمَا

 

لَا تُطْفِئِي ضَوْءَ الرَّجَا فِي مَهْجَتِي

كِدْتُ أَضِيعُ بِبُعْدِكِ المُتَلَفَّى

عُودِي، فَكُلُّ دَقِيقَةٍ فِي غِيبَتِكْ

دَهْرٌ مِنَ الآهَاتِ مَا فِيهِ نَجَا

 

———

 

الفصل الخامس عشر: 

 

"بوح المساء"

 

في هذا الفصل، يتهادى الشاعر في ليلٍ طويل لا يُؤنسه فيه سوى بوحه للمساء، حين تختلط أسرار القلب بصوت النسيم، وتبدو الذكريات أكثر حضورًا من الواقع. يبوح بعشقه، ويعترف بعجزه أمام الحنين، ويمنّي النفس بلقاء يعيد إليه شيئًا من السلام المفقود. البحر الشعري (الكامل) ينساب هنا بانسيابية العاطفة، واللغة ترتدي وشاح الحنين والرجاء.

 


 

الفصل الخامس عشر: 

 

"بُوحُ المَسَاء"

 

يَا لَيْلُ، إِنِّي قَدْ رَجَوْتُكَ سَامِعًا

بُوحِي، وَدَمْعِي فِي المَدَى يَتَسَلْسَلَا

أَهِيمُ بِالذِّكْرَى، وَيَبْعَثُ نَاظِرِي

وَجْهَ الحَبِيبَةِ مِنْ سَنَاهَا مُشْعَلَا

 

يَا أَيُّهَا القَمَرُ المُطِلُّ، أَمَا تَرَى

قَلْبًا تَكَسَّرَ فِي الهَوَى وَتَحَمَّلَا؟

قُلْ لِي، أَحَقًّا سَوْفَ تَرْجِعُ نَجْمَةٌ

سَكَنَتْ سَمَائِي ثُمَّ غَابَتْ مَوْئِلَا؟

 

قَدْ كُنْتُ أُنْشِدُهَا السَّلَامَ بِأَضْلُعِي

وَاليَوْمَ أَرْجُو مِنْ لِقَانَا مَدْخَلَا

فَإِذَا أَتَى يَوْمُ اللِّقَاءِ، فَلْيَشْهَدُوا

أَنِّي صَبَرْتُ، وَكَانَ صَبْرِيَ مُذْهِلَا

 

 

————

 

الفَصْلُ السَّادِسَ عَشَرَ:

 

"مرايا الذكرى"

 

في هذا الفصل، يغوص الشاعر في أعماق الذكرى، يستحضر صوراً من الماضي الجميل، حين كان الحب في أوجه، وكان اللقاء مفعماً بالدفء والنقاء. الذكرى هنا ليست مجرد حنين، بل مرآة صافية تعكس لحظات مضيئة في عتمة الغياب. الشاعر يتأمل تلك الصور كمن يتصفح كتاباً عزيزاً طواه الزمن، ويتوق لأن تعود الصفحات حية، نابضة، لعل الحبيب يسمع صوت الذاكرة ويعود.

 


 

الفَصْلُ السَّادِسَ عَشَرَ:

 

"مَرَايَا الذِّكْرَى"

 

مَا زِلْتُ أَذْكُرُ نَظْرَتَكْ… يَا فَتْنَتِي

كَالنَّجْمِ يَسْطَعُ فِي لَيَالٍ حَالِكَهْ

تَغْدُو الوُجُوهُ إِذَا أَطَلَّتْ ظِلَّهَا

وَتَطِيبُ رُوحِي إِنْ بَدَا مِنْكِ الحَكَى

 

كَمْ كَانَ حَضْنُكِ مَوْطِنِي… وَمَقَامَتِي

بَلْ كَانَ مَنْفًى عَنْ وُجُوهٍ غَاضِبَهْ

قَدْ كُنْتِ دِفْئِي، وَالحَنَانَ إِذَا جَفَتْ

كُلُّ الحَيَاةِ، وَكُلُّ نَبْعٍ نَاضِبِهْ

 

وَاليَوْمَ لَا شَيْءٌ يُعِيدُكِ لَحْظَةً

إِلَّا المَرَايَا فِي الزَّوَايَا السَّاكِنَهْ 

أَنْظُرْ بِهَا، فَأَرَاكِ هَمْسَ مُوَاجِعِي

وَأَرَاكِ دَمْعًا فَوْقَ خَدِّ الذَّاكِرَهْ

 

عُودِي وَلَوْ طَيْفًا… كَأَنَّكِ نَسْمَةٌ

هَبَّتْ لِتَزْرَعَ فِي الجِرَاحِ سَنَابِلَهْ

فَالَحُبُّ إِنْ لَمْ يُزْهِرِ الذِّكْرَى، غَدَا

كَالحَقْلِ مَاتَتْ فِي يَدَيْهِ الجَاذِبَهْ

 

 

———

 

الفَصْلُ السَّابِعَ عَشَرَ:

 

"يقينُ الانتظار"

 

في هذا الفصل الختامي، تتخذ نغمة القصيدة طابعًا أكثر هدوءًا ونضجًا، حيث ينتقل الشاعر من ألم الفقد ولهيب الذكرى إلى حالة من التسليم الصادق واليقين بأن اللقاء قد يعود ولو بعد حين. يظهر صوت الأمل متدفقًا، غير مداهن لليأس، بل متمسكًا بأن الحبّ الحقّ لا يموت، وأن الوفاءَ للمحبوب سيظلّ نورًا يهتدي به القلب، حتى لو تأخر الموعود. الفصل هو ختام يليق بما سبقه: متجلّدٌ، حالم، وفيّ.

 


 

الفَصْلُ السَّابِعَ عَشَرَ:

 

"يَقِينُ الاِنْتِظَارِ"

 

قَدْ أَبْطَأَ المَوْعُودُ… لَكِنِّي عَلَى

دَرْبِ المَحَبَّةِ لَمْ أَزَلْ مُتَشَبِّثَا

إِنِّي عَهِدْتُكِ فِي اللَّيَالِي شَمْعَةً

تَبْقَى، وَإِنْ عَصَفَتْ رِيَاحٌ عَاتِياِ

 

مَا غَابَ مِنْكَ سِوَى الجَسَدْ، أَمَّا الهَوَى

فِي القَلْبِ، بَاقٍ مِثْلَ نَجْمٍ مُوقَدِ

أَنَا مَا نَسِيتُكِ… بَلْ حَفِظْتُكِ بَسْمَةً

وَوَضَعْتُ فِي قَلْبِي لِقَاكِ مَوْعِدِي

 

وَسَأَنْتَظِرْ، حَتَّى يُطِلَّ خَيَالُنَا

مِنْ حُلْمِ صِدْقٍ لَا يَضِيعُ وَلَا يُبْدْ

فَالَحُبُّ إِنْ صَدَقَ الحَبِيبُ، فَإِنَّهُ

يَبْقَى، كَمَا يَبْقَى الرَّجَاءُ لِمُهْتَدِ

 

فَإِذَا أَتَيْتِ، وَلَمْ تَجِدْنِي قَائِمًا

سَتَجِدِي هَوَاكِ عَلَى التُّرَابِ مُوَشَّحَا

قَدْ كُنْتُ أَنْتَظِرُ الرُّجُوعَ، وَإِنْ غَفَا

جَسَدِي، فَفِي رُوحِي لِقَاكِ مُفرِّحَا

 


نبذة عن القصيدة

المساهمات


معلومات عن عمار شاهر قرنفل - الرحال

عمار شاهر قرنفل - الرحال

937

قصيدة

عمار شاهر قرنفل، كاتب وشاعر ومدوّن، يحمل دبلومًا في القانون الدولي من كلية الحقوق بجامعة حلب. وُلد في سلقين في 31 مارس 1972، فكان للحروف فيه ميلاد آخر. عاشق للشعر، رحّال بين الكلمات والمعاني،

المزيد عن عمار شاهر قرنفل - الرحال

أضف شرح او معلومة