عدد الابيات : 85
طباعةأَرَانِي رَهِينَ الدَّهْرِ أَحْمِلُ صَبْرَهُ
وَأُطْفِئُ نَارَ الْهَمِّ إِذْ تَخْمُدُ الْجَذْوَهُ
سَعَيْتُ إِلَى الْعُلْيَا بِجُهْدِي وَلَمْ أَزَلْ
أُلَاقِي جَحِيمَ الْبُؤْسِ يُحْكِمُ سَرْدَهُ
فَمَنْ لِي بِوَصْلٍ لَا يَخُونُ عُهُودَهُ؟
وَمَنْ لِي بِخِلٍّ لَا يُغَيِّرُ وَعْدَهُ؟
جَفَانِي زَمَانِي وَهُوَ يُضْحِكُ غَيْرَنَا
وَكَيْفَ يَصُونُ الْعَهْدَ مَنْ جَارَ عَهْدُهُ؟
كَرِهْتُ الْهَوَى لَمَّا رَأَيْتُ حُكُومَهُ
يُزَكِّي سَفَّاكَ الْعَهْدِ إِذْ يَسْفِكُ الْوُدَّهُ
وَأَبْرَحَنِي فِي الْعِشْقِ قَهْرٌ وَجَوْرُهُ
فَلَا نَصْفُهُ يَرْوِي وَلَا حُكْمُهُ عَدْلُهُ
إِذَا مَا جَفَاكَ الدَّهْرُ فَاصْبِرْ فَإِنَّهُ
يُزَيِّفُ لِلْأَبْصَارِ حَظَّكَ حُلْوَهُ وَوِرْدُهُ
رَأَيْتُ رِجَالًا لَا يُرَاعُونَ وَجْهَهُ
فَكُنْتُ كَشِبْلِ اللَّيْثِ يَحْمِيهِ زَنْدُهُ
أُقَاسِي اللَّيَالِي وَالنَّوَائِبُ جَحَافِلٌ
يُذِيبُ الثَّرَى وَالْبَحْرُ يَفْنَى مَدَدُهُ
فَيَا نَفْسُ صُبِّي لِلصِّعَابِ وَلَا تَخَافِي
فَمَنْ رَامَ مَجْدَ الْعُرْبِ تَخْتَبِرُ الْجِدَّهُ
إِذَا جُرْتَ لَمْ تُبْقِ الْمَنَايَا سَلَامَةً
وَمَنْ خَانَ مِيعَادَ الرِّجَالِ فَقَدَّهُ
أَرَى النَّاسَ يَحْمِي سَيْفَهُ كُلُّ عَاجِزٍ
وَيُفْرِغُ كَيْدَ الْحَاقِدِينَ لِيَصْدُّهُ
فَمَا لِي أَرَى أَهْلَ النِّفَاقِ تُعِزُّهُمْ
لَيَالٍ بِهَا الْوَغْدُ الْمُهِينُ يَسُودُهُ؟
إِذَا الدَّهْرُ لَمْ يُبْقِ اللِّئَامَ بِذِلَّةٍ
فَيَا وَيْحَ هَذِي الْأَرْضِ يُكْرَمُ وَغْدُهُ
وَمَا الْعُمْرُ إِلَّا دُوَلٌ تَتَعَاقَبُ
بِهَا يَظْهَرُ الظُّلْمُ الْمَقِيتُ وَكَمَدُهُ
إِذَا شَاءَ رَبِّي أَنْ يُزِيلَ دَيَاجِرًا
سَتَسْطَعُ شَمْسٌ لَا يُعَكِّرُهَا غَمْدُهُ
فَلَا تَخْشَ مِنْ دَهْرٍ إِذَا مَا دُهِيتَ بِهِ
وَلَا تَسْأَلِ الْأَيَّامَ مَا الْبُؤْسُ؟ مَا جَدُّهُ؟
فَسُلْطَانُ هَذِي الْأَرْضِ صَبْرٌ وَثَوْرَةٌ
وَمِنْهَا تَنَالُ الْعِزَّ إِنْ خِفْتَ وَقَادَهُ
وَإِنِّي إِذَا ضَاقَتْ بِيَ الْأَرْضُ لَمْ أُطِقْ
أَرَى الذُّلَّ يَرْتَاحُ الْوَضِيعُ لِعَهْدُهُ
وَإِنِّي امْرُؤٌ أُدْعَى إِلَى الْحَقِّ صَادِقًا
إِذَا مَا رَأَيْتُ الْغَدْرَ أَقْطَعُ مَرَدَّهُ
أَنَا ابْنُ الْكِرَامِ الْعُرْبِ لَيْثٌ سَلِيلُهُمْ
إِذَا اشْتَدَّ هَيْجُ الْحَرْبِ أُضْرِمَ وَقْدُهُ
تَفَاخَرَ بِيَ الْأَقْوَامُ وَازْدَهَى الْفَضَا
وَكُلُّ رِجَالِ الْعُرْبِ تَخْتَبِرُ سَعْدُهُ
وَإِنِّي إِذَا مِتُّ الْكَرِيمَ فَلَحْدُهُ
جِهَادٌ، وَعُودُ الْقَوْمِ تَسْمُقُ بَعْدَهُ
أَلَا لَا يُغَالِينِي الْهَوَانُ بِظِلِّهِ
فَأَشْرَفُ مَوْتٍ فِي الْحَيَاةِ جِهَادُهُ
وَأَكْرَهُ أَنْ أَرْضَى الدُّنْيَا بِذِلَّةٍ
وَفِي كَفِّيَ السَّيْفُ الْعَزِيزُ وَوَعْدُهُ
رَضِيتُ بِعُسْرِ الْعَيْشِ لَا عَنْ قَنَاعَةٍ
وَلَكِنَّهَا الْأَقْدَارُ تَجْرِي وَحَدُّهُ
وَكُلُّ امْرِئٍ يَرْجُو زَمَانًا مُسَاعِدًا
وَلَكِنَّ سَيْرَ الدَّهْرِ يُفْنِي وَيُبْدُهُ
طَلَبْتُ وَفَاءَ الدَّهْرِ يَحْدُونِي أَمَلْ
فَخَانَ وَعَادَانِي صُدُودٌ وَمَكْدُهُ
حَسِبْتُ الْهَوَى لِينًا فَلَمْ أَدْرِ أَنَّهُ
سِيَاطُ حُمَمِ عَذَابٍ نَارُهُ لَا يُرَدُّهُ
يَذِلُّ لَهُ الْعَقْلُ اللَّبِيبُ وَإِنَّهُ
لَيَحْكُمُ بِالْهَوْسِ الَّذِي لَا يُحَدُّهُ
إِذَا مَا دَعَاهُ الْحُبُّ سَلَّ عَنِ التُّقَى
وَرَاحَ إِلَى الْغَاوِينَ يَشْدُو وَيَحْدُهُ
فَيَا عَجَبًا، كَيْفَ الْفَتَى وَهُوَ عَاقِلٌ
يُطِيعُ هَوَاهُ وَهُوَ يُدْمِي فُؤَادَهُ؟
يُفَرُّ مِنَ الرَّاحَةِ، وَهِيَ مُعِينَةٌ
وَيَأْوِي إِلَى الشَّكْوَى وُقُودًا وَرَدُّهُ
فَمَا الْحُبُّ إِلَّا صَارِمٌ غَيْرُ رَاحِمٍ
يَصُولُ فَلَا تُجْدِي الشِّكَايَةُ ضِدُّهُ
لَهُ فِتْنَةٌ سُكْرَى تُغَيِّرُ عُقُولَنَا
إِذَا أَظْلَمَ الدَّرْبُ اسْتَنَارَتْ قُدُودُهُ
فَمَنْ ذَا رَأَى قَلْبًا عَصَى سَطْوَةَ الْهَوَى
وَلَمْ يَشْتَكِ الْأَشْوَاقَ حَتَّى يُعِدُّهُ؟
يُقَالُ: غَرَامُ الْعَاشِقِينَ سَعَادَةٌ
وَلَكِنَّهُ نَارٌ تَزِيدُ أَجِيجَ وُقُودُهُ
جَرَّبْتُ لَوْعَاتِ الْغَرَامِ فَمُهْجَتِي
تَفَكَّكَ أَوْصَالًا وَضَاعَتْ حُدُودُهُ
فَيَا قَلْبُ، صَبْرًا، لَا تُغَرَّرْ فَلَيْتَنِي
قَنِعْتُ وَمَا رَاعَيْتُ طَيْفًا وَعِدُّهُ
فَكَمْ مِنْ فُؤَادٍ كَانَ يُزْهِرُ نُورُهُ
فَبَاتَ يُعَانِي مَا يَسُومُهُ وَهْدُهُ
إِذَا حَلَّ عِشْقٌ قَلْبَ حُرٍّ تَزَلْزَلَتْ
دَعَائِمُهُ، وَاخْتَلَّ مِنْهُ اسْتِنَادُهُ
فَإِنْ كُنْتَ ذَا لُبٍّ، فَزِدْهُ حِكَايَةً
فَقَدْ يُفْسِدُ الْعِشْقُ الْحَصِيفَ وُجُودُهُ
وَمَا الْحُبُّ إِلَّا كَالسَّرَابِ لِمَنْ غَوَى
يَرَى الْمَاءَ وَهْمًا ثُمَّ يَظْمَأُ وِرْدُهُ
لَقَدْ كُنْتُ أَنْصَحُنِي وَلَكِنَّ خَافِقِي
أَبَى أَنْ يُطِيعَ الرَّأْيَ، ضَلَّ سُدُودُهُ
فَيَا لَيْتَنِي مَا كُنْتُ أُنْشِدُ فَرْحَةً
فَكَمْ ذَا الْأَسَى أَمْسَى يُسَرِّي سُهُودُهُ
كَأَنَّ شَبَابِي قَدْ تَبَدَّدَ طَيْفُهُ
وَأَصْبَحْتُ لَا أَرْجُو الرَّبِيعَ وَعَهْدَهُ
فَمَا الْعَيْشُ إِلَّا حُلْمُ فَجْرٍ تَبَدَّدَتْ
مَعَالِمُهُ، وَالدَّهْرُ يَمْحُو وُجُودُهُ
صَحِبْتُ بَنِي الدُّنْيَا سِنِينًا فَلَمْ أَجِدْ
خَلِيلًا وَفِيًّا لَمْ يُغَيِّرْهُ وَجْدُهُ
فَمَنْ لِي بِأَخٍ لَا تُفَرِّقُ بَيْنَنَا
مَصَائِبُ هَذَا الدَّهْرِ مَهْمَا يُشَدُّهُ
وَيَا دَهْرُ، إِنِّي قَدْ أُرْهِقْتُ فَانْتَهِ
فَقَدْ سَئِمَتْ رُوحِي أَذَاكَ وَكَدُّهُ
أَرَى الظُّلْمَ يَسْرِي فِي الْعِبَادِ كَأَنَّهُ
سِيَاطٌ تُدَارِي كُلَّ خِسٍّ وَغُدُّهُ
مَتَى يُدْرِكُ الْأَحْرَارُ أَنَّا بِلَيْلِنَا
نَبِيتُ، وَنُورُ الشَّمْسِ يُطْفِئُ وَهْدُهُ؟
إِذَا الْمَرْءُ لَمْ يَدْفَعْ يَدَ الْغَدْرِ صَامِتًا
فَذَاكَ جَبَانٌ خَانَ مَجْدًا وَسَعْدُهُ
فَمَنْ رَضِيَ الذُّلَّ اسْتَبَاحَتْ كَرَامَهُ
وَمَنْ هَابَ بَأْسَ الْمَوْتِ فَاتَهُ وُجْدُهُ
وَأَبْشَعُ أَمْرٍ أَنْ تَرَى الظُّلْمَ ظَاهِرًا
يُمَجَّدُ فِي الدُّنْيَا وَيَعْلُو صُعُودُهُ
فَيَا وَيْحَ قَوْمٍ نَامَ فِيهِمْ شُجَاعُهُمْ
وَأَضْحَى يَقُودُ الْجَمْعَ أَرْذَلُ وِلْدُهُ
إِلَى مَتَى نَحْيَا بِمَجْدٍ مُهَشَّمٍ
وَيُسْلَبُنَا الْأَوْغَادُ دَهْرًا وَعَهْدُهُ؟
إِذَا الْمَرْءُ لَمْ يَرْكَبْ عَلَى الْمَوْتِ مُقْدِمًا
فَعَيْشُهُ عَارٌ، وَحَظُّهُ مُنْكَدُّهُ
فَإِمَّا حَيَاةٌ تَرْفَعُ الرَّأْسَ عِزَّةً
وَإِمَّا مَمَاتٌ لَا يُضَامُ فَغُرْدُهُ
أَنَا ابْنُ الْأُلَى لَا يَنْحَنُونَ لِمِحْنَةٍ
وَبِالسَّيْفِ مَا يَكْفِي لِمَنْ رَامَ سَعْدُهُ
فَمَنْ عَاشَ لَا يَحْمِي الْحُقُوقَ فَحَيَاتُهُ
سَرَابٌ يُجَافِيهِ النَّدَى وَالْمَسَرُّهُ
فَيَا دَهْرُ، إِنِّي قَدْ عَزَمْتُ صُمُودَتِي
وَإِنْ طَالَ فِي ظُلْمِ اللَّيَالِي عُدُودُهُ
أَنَا ابْنُ الْكِرَامِ الطَّاهِرِينَ، إِذَا غَدَا
سِهَامُ الْعُلَا فِينَا فَنَحْنُ أُسُودُهُ
أَنَا ابْنُ الْعُلَا وَالْمَجْدُ يَشْهَدُ أَنَّنِي
سَلِيلُ الْجِبَالِ الشُّمِّ عِزًّا وَصَفْدُهُ
إِذَا صِحْتُ بِالْقَوْمِ اسْتَجَابَتْ رُجُولَةٌ
تَفُكُّ قُيُودَ الضَّيْمِ تَحْمِي وُرُودُهُ
سَلُوا الْأَرْضَ عَنَّا، كَيْفَ كُنَّا رِجَالَهَا
وَكَيْفَ بَنَيْنَا بِمَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ مُلْكُهُ
وَكَيْفَ إِذَا الدُّنْيَا اسْتَبَدَّتْ بِأَهْلِهَا
وَقَفْنَا كَصُمِّ الصَّخْرِ لَا نَخْشَ نَكْبَهُ
فَلِلَّهِ دَرُّ الْقَوْمِ، أَيْنَ زَمَانُهُمْ؟
أَمَا آنَ أَنْ تَحْيَا الْعَزَائِمُ نَخْبَهُ؟
أَمَا آنَ لِلْعُرْبِ الْكِرَامِ رُجُوعُهُمْ؟
أَمَا آنَ أَنْ يَعْلُوَ عَلَى الظُّلْمِ صَخْبَهُ؟
أَلَا يَا بَنِي الْأَحْرَارِ، هَلْ مِنْ مُجِيبِنَا؟
لَقَدْ طَالَ لَيْلُ الْقَهْرِ، وَالْحَقُّ مَذْهَبُهُ
فَإِنْ لَمْ نَقُمْ يَوْمًا لِنَفْدِي كَرَامَةً
فَتَبًّا لِحَيٍّ قَدْ تَهَاوَى بِالذُّلِّ مَغْلَبُهُ
فَيَا دَهْرُ، رَوِّدْ، إِنَّ لِي فِيكَ رَايَةً
سَأَرْفَعُهَا لِلْعُلَا حَتَّى يَزُولَ تَقَلُّبُهُ
فَإِمَّا حَيَاةٌ فِي الْعُلَا لِيَ سُؤْدَدٌ
وَإِمَّا فَنَاءُ عِزٍّ لَا يُضَامُ مُحَبَّبُهُ
أَنَا ابْنُ السُّيُوفِ، الْحُرُّ دِينِي وَعِزَّتِي
وَبِالْمَوْتِ مَجْدِي، وَالْحَيَاةُ تَعَذُّبُهُ
فَمَنْ رَامَ مَجْدًا دُونَ عِزٍّ وَكِبْرِيَاءِ
فَقَدْ ضَاعَ دَهْرًا، لَا يُجَارَى تَلَهُّبُهُ
فَيَا لَيْلُ، مُهْ، فَالصُّبْحُ آتٍ مُبَشِّرٌ
وَمَا طَالَتِ الظُّلُمَاتُ إِلَّا يَغِيبُهُ
أَنَا ابْنُ الَّذِي إِنْ صَاحَ، قَامَتْ جُمُوعُهُ
تُزَغْرِدُ لِلْمَجْدِ الْمُنِيفِ وَتَحْسِبُهُ
أَنَا ابْنُ الْفَصَاحَةِ، لَا تُجَارَى بَلَاغَتِي
وَفِي نَحْرِ ظُلْمِ الْقَهْرِ سَيْفِي أُشْهِدُهُ
إِذَا قُلْتُ قَوْلًا، كَانَ عَهْدًا وَعِزَّةً
وَلَمْ يَكُ كَالْوَهْمِ الَّذِي لَا يُسَدَّدُهُ
لَنَا فِي الْعُلَا سِفْرٌ يُسَطِّرُ مَجْدَنَا
وَنَارُ الطُّمُوحِ فِي الْقُلُوبِ تَوَقُّدُهُ
إِذَا مَا سَلَكْنَا الدَّرْبَ لَا نَخْشَ فِتْنَةً
فَإِمَّا ظَفَرْنَا أَوْ فَنَيْنَا تُخَلِّدُهُ
رُوَيْدَكَ يَا دُنْيَا، فَإِنِّي فَتًى لَهُ
قَوَافِي تُعِيدُ الصَّبْرَ صَخْرًا يُشَيَّدُهُ
فَإِنْ ظَلَمَ الْبَاغِي وَصَالَ بِجَوْرِهِ
فَفِينَا سُيُوفٌ لِلظَّلَامِ تُبَدِّدُهُ
لَقَدْ طَالَ لَيْلُ الصَّمْتِ، آنَتْ صَيَاحَتِي
وَجَاءَ نِدَاءُ الْعِزِّ، فَالْحَقُّ مَوْعِدُهُ
فَلَا تَسْأَلُوا الْأَيَّامَ كَيْفَ تَقَلَّبَتْ
وَلَكِنْ سَلُوا الْأَحْرَارَ كَيْفَ تُجَدِّدُهُ
805
قصيدة