عدد الابيات : 85
طباعةأَلَا فَاسْمَعِي يَا رَبَّةَ الشِّعْرِ وَاصْغِي
نِدَاءَ الْفُؤَادِ الْمُشْتَكِي وَالْمُخَاطِبِ
أَتَتْكَ قَوَافِي الشِّعْرِ تَجْلُو عَظَائِمًا
وَتَنْسِجُ مِنْ حُسْنِ الْكَلَامِ الْعَجَائِبِ
سَأَجْرِي عَلَى طُولِ الْمَدَى نَهْرَ مَدْحِكُمُ
يَفِيضُ بِأَشْعَارٍ كَزَهْرٍ مِنَ الرِّيَاضِبِ
أَطَلْتُ عَلَى ذِكْرِ الْكِرَامِ بِمَدْحِهِمْ
فَكُلُّ مَقَامٍ عِنْدَهُمْ غَيْرُ خَائِبِ
وَهَلْ مِثْلُهُمْ فِي الْعَالَمِينَ سَجَايَا
تُجَلِّي عَنِ الْقَلْبِ الْهُمُومَ النَّوَاصِبِ
أَيَا ابْنَ قَرَنْفُلٍ يَا كَرِيمَ مَحَامِدٍ
إِلَيْكَ ارْتَقَى فَخْرُ الْقَوَافِي وَصَاحِبِ
شُمُوخُكَ مِثْلُ الشَّمْسِ فِي كُلِّ مَوْطِنٍ
تُطِلُّ كَالْبَدْرِ فَتَخْبُو كُلُّ نَارٍ لِذَائِبِ
نَبِيلٌ كَرِيمُ النَّفْسِ مَا إِنْ تَرَاهُ
تَنَادَاكَ أَفْعَالٌ كَغَيْثِ السَّحَائِبِ
فَكَمْ مِنْ فَقِيرٍ ضَمَّهُ ظِلُّ كَفِّهِ
وَكَمْ مِنْ ضَعِيفٍ نَالَ خَيْرَ الْمَوَاهِبِ
أَيَا مَنْ حَمَى دَارَ الْمَكَارِمِ عِزَّهَا
وَزَيَّنَهَا بِالصِّدْقِ وَالْخُلُقِ الْوَاثِبِ
إِلَيْكَ الْمَدَى يَسْعَى بِفَيْضِ جَلَالِكُمْ
كَأَنَّكَ بَدْرٌ فِي دُجَى ظَلَامِ الْغَيَاهِبِ
فَلَوْ أَنَّ مَدْحِي فِيكَ يَرْقَى إِلَى الذُّرَا
لَكَانَ كَأَمْجَادِ سَيْفٍ يَفُلُّ كُلَّ مَضَارِبِ
رَأَيْتُكَ أَبْهَى فِي الْكِرَامِ مَكَانَةً
وَأَرْفَعَهُمْ قَدْرًا بِصِدْقِ الْمَطَالِبِ
فَمَا أَنْتَ إِلَّا النَّجْمُ فِي كُلِّ أُفْقٍ
تُضِيءُ لَنَا الدَّرْبَ الْعَتِيدَ الصَّعَائِبِ
كَأَنَّكَ رُوحُ الْمَجْدِ تَسْرِي بِذِكْرِهَا
فَتُوقِظُ مِنْ طَيِّ الزَّمَانِ الْغَيَاهِبِ
أَيَا شَاعِرًا لِلْحُبِّ وَالْحُسْنِ وَالنَّدَى
بِذِكْرِكَ تَحْيَا كُلُّ أَرْضٍ وَخَابِبِ
فَلَا يَسْبِقَنَّ الشِّعْرُ مَدْحَكَ فَائِقًا
إِذَا قِيلَ قَدْ أَعْيَا الْبَلَاغَةَ كَاتِبِ
لِأَنَّكَ أَنْتَ الشَّمْسُ فَوْقَ مَدَارِهَا
تَسِيرُ بِكَ الْأَفْلَاكُ سَيْرَ الْكَوَاكِبِ
أَيَا أَيُّهَا الْبَدْرُ الْمُنِيرُ بِفِعْلِهِ
إِذَا غَابَ ضَوْءٌ ظَلَّ نُورُكَ غَالِبِ
فَدَعْنِي أُخَاطِبْكَ الْبَيَانَ بِلُغَةٍ
تُضَاهِي بِهَا الشُّعَرَاءَ فِي كُلِّ جَاذِبِ
لَأُكْمِلَنَّ الشِّعْرَ فِيكَ مُخَلَّدًا
بِحَرْفٍ كَصُبْحِ الصِّدْقِ، غَيْرَ الْكَوَاذِبِ
أَيَا أَيُّهَا الْجَبَلُ الْأَشَمُّ مَهَابَةً
لَكَ الْعِزُّ مَجْدُولًا بِحَبْلِ الْعَوَاقِبِ
تَنَالُ الْمَدَى، إِذْ أَنْتَ فِيهِ مُؤَسِّسٌ
كَبَدْرٍ عَلَى الْآفَاقِ سَامِي الْمَرَاتِبِ
حُسَامُكَ فِي وَجْهِ الْخُطُوبِ مَنَارَةٌ
تُضِيءُ دَيَاجِي اللَّيْلِ دُونَ الْمَحَارِبِ
يَدَاكَ إِذَا مُدَّتْ جَنَاحًا فَإِنَّهَا
غُيُوثٌ عَلَى جَدْبِ الْبِلَادِ الْخَرَائِبِ
كَأَنَّكَ فِي قَاعِ الْبِحَارِ لُؤْلُؤَةٌ
تَصُونُ جَلَالَ الطُّهْرِ عَنْ كُلِّ عَائِبِ
فَمَا كُلُّ مَنْ يَرْجُو السُّمُوَّ بِبَالِغٍ
وَمَا كُلُّ مَنْ رَامَ السَّمَا نَجْمٌ ثَاقِبِ
تَرَكْتَ الَّذِينَ اعْتَلَوْا زُورًا وَرُحْتَ
كَرِيمًا عَلَى نَهْجِ النُّبُوءَةِ كَاسِبِ
فَأَنْتَ ابْنُ أَصْلٍ لَا تَغِيضُ مَكَارِمٌ
وَلَا تَهْبِطُ الْأَنْسَابُ عِنْدَ الْمَصَاعِبِ
لَكَ الْخَيْرُ مَقْرُونٌ بِسَعْيِكَ حَيْثُمَا
سَعَتْ لِلْمَعَالِي أَنْفُسٌ فِي الْمَوَاكِبِ
تَقُولُ الْعُلَا إِذْ أَنْتَ فِيهَا مُشَرَّفٌ
لَكَ الْعَرْشُ مَأْهُولٌ بِسَامِحٍ وَوَاهِبِ
وَفِي كُلِّ يَوْمٍ فِي يَدَيْكَ تَحِيَّةٌ
تَشُقُّ سَمَاءَ الْمَجْدِ فَوْقَ الْكَوَاكِبِ
أَيَا سَيِّدِي، وَالْفَضْلُ مِنْكَ مُؤَيَّدٌ
بِكُلِّ جَمِيلٍ لَيْسَ عَنْهُ بِغَائِبِ
رَأَيْتُكَ فِي كُلِّ الْأُمُورِ مُقَدَّمًا
وَسَامِعْتُ أَصْدَاءَ الثَّنَاءِ الرَّغَائِبِ
فَلَا يَنْثَنِي فِيكَ الْقَرِيضُ مُجَازِفًا
وَلَا الشِّعْرُ عَنْ ذِكْرَاكَ يَعْدُو الْجَوَانِبِ
كَأَنَّكَ غَيْثٌ حِينَ هَطَلَتْ مُزُونُهُ
فَرَاحَ بِعَذْبِ الْمَاءِ يَسْقِي السَّحَائِبِ
فَيَا جَبَلَ الْأَمْجَادِ دُمْتَ مُؤَيَّدًا
بِفَيْضٍ مِنَ الْأَنْوَارِ غَيْرِ الذَّوَائِبِ
تَسَامَيْتَ فَوْقَ الْحُلْمِ حَتَّى بَلَغْتَهُ
فَسَالَتْ بِكَ الْأَيَّامُ نَهْرَ الْعَجَائِبِ
تَقَدَّمْتَ وَالْآفَاقُ تَشْهَدُ أَنَّهَا
رَأَتْ فِيكَ مَعْنًى لِلْوَفَاءِ الْمُجَانِبِ
فَهَا أَنَا ذَا أَخْتَتِمُ الْقَوْلَ خَاشِعًا
وَفِي الْقَلْبِ حُبٌّ لَا يَخُونُ الْمَنَاقِبِ
إِذَا الشِّعْرُ لَمْ يَحْظَ بِثَنَائِكَ مَطْلَعًا
فَمَا نَالَ مِنْ دَهْرِ الْمَدِيحِ الْمَآرِبِ
سَأَمْضِي بِحَرْفِي حَيْثُ أَنْتَ مُخَلَّدٌ
وَفِي كُلِّ بَيْتٍ مِنْكَ تُبْنَى الْمَنَاقِبِ
لَقَدْ كُنْتَ فِي دُنْيَا الْعُلَى خَيْرَ شَاهِدٍ
بِأَنَّ السُّمُوَّ الْحَقَّ فِعْلُ الْمُجَانِبِ
بَنَيْتَ بِأَيْدِيكَ الْقَوِيَّةِ صَرْحَهَا
وَأَنْتَ الَّذِي أَعْطَيْتَ فَوْقَ الْمَوَاهِبِ
إِذَا مَا أَتَى ذِكْرُ الْجَمَالِ فَأَنْتَهُ
مَلَاذُ الْمَعَانِي وَالْمَقَامُ الرَّغَائِبِ
وَإِنْ قِيلَ مَنْ لِلْمَجْدِ نُصِبَتْ لِوَاؤُهُ
تُجِيبُكَ كُلُّ الْأَرْضِ: هَذَا الْمُجَانِبِ
مَلَكْتَ قُلُوبَ النَّاسِ لُطْفًا وَرِفْعَةً
كَأَنَّكَ طَيْفٌ فِي الْقُلُوبِ مُلَاعِبِ
يُضِيءُ مُحَيَّاكَ الْكَرَامَةَ نَاصِعًا
وَفِي كَفِّكَ الْأَقْدَارُ تَرْقَى الْمَرَاتِبِ
فَأَنْتَ لِسَانُ الْحَقِّ فِي كُلِّ مَوْطِنٍ
تُقِيمُ حُدُودَ الْعَدْلِ فَوْقَ الْكَتَائِبِ
وَإِنْ حَلَّ ظُلْمٌ فِي الدُّرُوبِ مُغَالِبٌ
وَقَفْتَ كَجَبَلٍ، لَا تَهُونُ الْمَصَاعِبِ
تُعَلِّمُ أَجْيَالًا بِأَنَّ الطَّرِيقَ سُؤْدَدٌ
إِذَا سَارَ فِيهِ الصَّادِقُونَ الْأَقَارِبِ
وَأَنَّ الْعُلَا لِلْمَرْءِ دَرْبٌ طَوِيلُهُ
صُمُودٌ، وَإِيمَانٌ، وَنَفْسٌ تُجَانِبِ
فَيَا مَنْ يُجَارِيكَ الْعَطَاءُ مُرَوِّضًا
وَيَا مَنْ نَدَى كَفَّيْهِ مِثْلُ السَّحَائِبِ
كَتَبْتُ بِحِبْرِ الْفَخْرِ عَنْكَ قَصَائِدِي
وَلَمْ تُغْنِ أَوْرَاقِي وَلَا أَلْفُ كَاتِبِ
فَمَا الشِّعْرُ إِلَّا نُقْطَةٌ مِنْ بِحَارِكَ
وَأَنْتَ الَّذِي يَرْوِي الزَّمَانَ الْعَجَائِبِ
فَدَعْنِي أَخْتِمْ بِالنَّقَاءِ قَصِيدَتِي
وَأَتْرُكْ فِي ذَاكَ الْفُؤَادِ مَذَاهِبِ
سَلَامٌ عَلَى عَلْيَائِكَ الطُّهْرِ دَائِمًا
وَسَيْرٌ عَلَى نَهْجٍ لِأَمْثَالِكَ وَاجِبِ
سَأَمْضِي بِبَحْرِ الشِّعْرِ حَتَّى نِهَايَتِي
وَأَسْكُبُ مِنْ قَلْبِي نَزِيفَ الْمَرَاتِبِ
فَيَا أَيُّهَا الْوِجْدَانُ إِنِّي مُغَرِّدٌ
بِأَجْنِحَةِ الْإِبْدَاعِ فَوْقَ الْكَوَاكِبِ
رَأَيْتُكَ فِي سِفْرِ الْخُلُودِ مُعَانِقًا
نُجُومَ السَّنَا، وَالْعِزَّ بَيْنَ الرَّكَائِبِ
وَأَبْصَرْتُ فِي كَفَّيْكَ نُورًا مُلْهِمًا
يُضِيءُ دُرُوبَ الْمَجْدِ فَوْقَ الْمَرَاتِبِ
كَأَنَّكَ بَدْرٌ فِي اللَّيَالِي مُبَشِّرٌ
يُزِيحُ عَنِ الْأَرْوَاحِ ظُلْمَ النَّوَائِبِ
إِذَا مَا تَكَلَّمَتِ الْقُلُوبُ بِصَمْتِهَا
نَطَقَتْ حُرُوفُ الْعِشْقِ بَيْنَ الْحَوَاجِبِ
وَإِنْ سَاءَلَتْ نَفْسِي عَنِ السِّرِّ فِيكُمُ
وَجَدْتُ بِأَنَّ الطُّهْرَ سِرُّ الْمَنَاقِبِ
أَيَا فَارِسًا لِلْخَيْرِ يَمْضِي بِعَزْمِهِ
كَرِيحٍ تَسِيرُ الْعَدْلَ دُونَ الْمَطَالِبِ
تَسِيرُ بِأَخْلَاقٍ تُوَشِّحُ عَرْشَكَ
وَتَجْعَلُ مِنْ صِدْقِ النَّوَايَا مَآرِبِ
رَأَيْتُكَ لِلْأَجْيَالِ فَخْرًا مُعَطَّرًا
كَعِطْرِ الْخُزَامَى فِي الْوِدْيَانِ الْخَضَائِبِ
فَيَا مَنْ لَهُ الْقَلْبُ اسْتَرَاحَ مُكَرَّمًا
وَيَا مَنْ لَهُ الْمَجْدُ اصْطَفَى فِي الْمَوَاكِبِ
أَقُولُ وَفِي قَلْبِي امْتِدَادٌ لِدَهْشَةٍ
تَفُوقُ مِسَاحَاتِ الْبَيَانِ الْعَجَائِبِ
فَأَنْتَ جَمَالُ الْحُسْنِ حِينَ تَنَاثَرَتْ
نُجُومُ السَّمَا فِي لَيْلِهَا كَالذَّنَائِبِ
فَلَا يَنْتَهِي قَوْلِي وَلَوْ طَالَ مُدَّتِي
وَلَيْسَ لِمَدْحِكَ فِي الْقَصَائِدِ طَالِبِ
وَلَكِنْ سَأَخْتِمُ بِالدُّعَاءِ وَأَرْتَجِي
لَكَ الْعُمْرَ مَكْلُولًا بِأَزْكَى الْمَطَالِبِ
سَأَمْضِي بِأَشْعَارِي كَبَحْرٍ مُزَمْجِرٍ
تُحَرِّكُهُ الْأَشْوَاقُ مِثْلَ الْمَرَاكِبِ
وَأَرْسُمُ فِي وَجْهِ السَّمَاءِ قَصِيدَةً
تُضِيءُ كَأَضْوَاءِ السُّيُوفِ الْقَوَاظِبِ
إِذَا مَا ذَكَرْتُ الْعِزَّ كُنْتَ مَنَارَةً
تَهْدِي ضَلَالَ الْحَائِرِينَ الْمَحَابِبِ
فَيَا صَانِعَ الْأَمْجَادِ صَرْحُكَ شَامِخٌ
كَأَنَّكَ فَوْقَ الدَّهْرِ رَبُّ الْمَرَاتِبِ
وَقَلْبُكَ لِلْإِحْسَانِ جِسْرٌ مُوَطَّدٌ
يَمُدُّ كُفُوفَ الْخَيْرِ فِي كُلِّ جَانِبِ
وَقَفْتَ كَنَهْرٍ فِي الْعَطَاءِ مُفِيضًا
تُفِيضُ عَلَى الدُّنْيَا كَزَهْرِ الْجَدَاوِبِ
إِذَا أَظْلَمَتْ دَرْبُ الْحَيَاةِ بِنِقْمَةٍ
فَوَجْهُكَ بَدْرٌ يَمْحُو اللَّيْلَ كَالْكَوَاكِبِ
عَظِيمٌ إِذَا حُدِّثْتَ عَنْكَ مَآثِرٌ
تُسَافِرُ كَالْأَصْدَاءِ فَوْقَ الرَّكَائِبِ
تَفِيضُ سَمَاحًا كَالسَّحَابِ إِذَا سَرَى
تُرَوِّي الْقُلُوبَ الْعَطْشَى بِالْمَوَاهِبِ
أَيَا فَارِسَ الْمَيْدَانِ يَا تَاجَ عِزَّةٍ
تَفُوقُ بِرُوحِكَ كُلَّ مَجْدٍ وَغَارِبِ
كَتَبْتُكَ مِنْ وَحْيِ النُّجُومِ مَلْحَمَةً
تُغَنِّي بِهَا الْأَزْمَانُ صَوْتَ الْمَطَالِبِ
فَخُذْ مَا أَقُولُ الْيَوْمَ وَازْرَعْهُ فِي الْوَرَى
فَإِنَّكَ فِي ذَا الشِّعْرِ أَسْمَى الْمَنَاقِبِ
946
قصيدة