عدد الابيات : 23
بِمَ التَّعَلُّلُ؟ لَا خِلٌّ وَلَا وَطَنُ
وَلَا أَنِيسٌ، وَلَا كَأْسٌ وَلَا سَكَنُ
أَبِيتُ أَرْنُو إِلَى الْآفَاقِ مُنْطَلِقًا
كَأَنَّنِي الرِّيحُ لَا قَيْدٌ وَلَا سَجَنُ
أُرِيدُ مِنْ زَمَنِي مَا لَسْتُ أَبْلُغُهُ
وَمَا يُحِيطُ بِهِ، فِي سِرِّهِ، الزَّمَنُ
لَا تُلْفِ دَهْرَكَ إِلَّا غَيْرَ مُكْتَرِثٍ
مَا دَامَ فِيكَ فُؤَادٌ نَابِضٌ وَفَنُ
فَكَمْ سُرُورٍ تَوَلَّى، كَانَ مُبْتَهِجًا
وَكَمْ غَدًا جَاءَ وَالْأَحْلَامُ تُرْتَهَنُ
مَا ضَرَّ أَهْلَ الْهَوَى إِلَّا غَرَامُهُمُ
هَوًى تَوَلَّوْا بِهِ، لَمْ يُدْرِكُوا الْفِطَنُ
تَجْرِي دُمُوعُهُمُ شَوْقًا، وَإِنْ نَظَرُوا
لَمْ يُدْرِكُوا قُبْحَ مَا بِالْوَجْهِ مُفْتَتَنُ
فَكُلُّ شَمْسٍ غُرُوبٌ لَا بَقَاءَ لَهَا
وَكُلُّ وَصْلٍ لَهُ هَجْرٌ وَمُرْتَهَنُ
يَا مَنْ نُعِيتُ إِلَيْهِ، وَهُوَ فِي دَعَةٍ
كَأَنَّنِي مَيِّتٌ قَدْ مَاتَ وَانْدَفَنُوا
كَمْ قَدْ قَتَلْتُ، وَكَمْ قَدْ مُتُّ مِنْ كَلَفٍ
ثُمَّ انْتَفَضْتُ، فَزَالَ الْقَبْرُ وَالْكَفَنُ
إِنِّي لَأَعْلَمُ بِأَنَّ الدَّهْرَ مُتَّهَمٌ
فِيمَا يُرِيدُ، وَإِنْ صَدَّقْتُهُ الْخُطَنُ
مَا كُلُّ مَا يَشْتَهِي الْإِنْسَانُ يُدْرِكُهُ
تَجْرِي النَّوَاءُ بِمَا لَا تَشْتَهِي السُّفُنُ
رَأَيْتُكُمْ لَا تُرَاعُونَ الْجِوَارَ، وَلَا
يَبْقَى لَكُمْ مِنْ عُهُودِ الْوُدِّ مُرْتَهَنُ
وَكُلُّ وُدٍّ لَهُ هَجْرٌ يُعَاقَبُ بِهِ وَجَعًا
وَكُلُّ قُرْبٍ لَهُ صَدٌّ وَضِدٌّ وَمُعْتَكَنُ
يَا هَاجِرِي، هَلْ تَرَى الْهَجْرَ مَكْرُمَةً؟
وَهَلْ يُسَرُّ فُؤَادٌ عَشِقَ جَفَّهُ الْوَسَنُ؟
إِنِّي أُصَاحِبُ حِلْمِي، وَهُوَ بِي كَرَمٌ
وَلَا أُصَاحِبُ حِلْمِي، وَهُوَ بِي جُبُنُ
وَلَا أُقِيمُ عَلَى مَالٍ تُذِلُّ كَرَامَتِي بِهِ
قَوْمِي، وَلَا أَبْتَغِي الذُّلَّ مُقْتَسَنُ
سَهِرْتُ بَعْدَ فِرَاقٍ، لَا عَزَاءَ لَهُ
وَالْعَيْنُ تَدْمَعُ، وَالْأَحْزَانُ تُفْتَتَنُ
فَإِنْ أُبْتَلَيْتُ بِالْوُدِّ مِثْلِ وُدِّكُمْ
فَإِنَّنِي أَرْضَى بِفِرَاقٍ مِثْلِهِ قَمِنُ
أَبْلَى الْأَجِلَّةَ مَهْرِي عِنْدَ غَيْرِكُمْ
وَصِرْتُ فِي قَبْضَةِ الْأَيَّامِ أَرْتَهِنُ
عِنْدَ الْكَرِيمِ، أَبِي الْمِسْكِ غَرِقَتْ
فِي جُودِهِ مُضَرُ الْحَمْرَاءِ وَالْيَمَنُ
وَإِنْ تَأَخَّرَ عَنِ الْوَعْدِ، فَبِعِزَّتِهِ
لَمْ تُؤَخِّرِ الْمَجْدَ، أَوْ تَهْوِي الْفِتَنُ
هُوَ الْوَفِيُّ، وَلَكِنْ خِلْتُهُ اخْتَبَرَتْ
مَوَدَّتِي، فَهُوَ يَبْلُوهَا، وَيَمْتَحِنُ
1146
قصيدة