عدد الابيات : 34
أَطَلَّ رَبِيعُنَا بِالزَّهْرِ مُزْدَهِيًا
وَالرَّوْضُ يَنْبِضُ بِالْأَلْوَانِ مُنْتَشِيَا
تَرَاقَصَتْ فِيهِ أَطْيَارٌ مُغَرِّدَةٌ
تُحْيِي الصَّبَاحَ بِنَغْمٍ عَذْبٍ لَحْنٍ شَجِيَّا
وَالنَّهْرُ يَجْرِي بِخَرِيرٍ يَسُرُّ بِهِ
قَلْبَ الْمُحِبِّ وَيُنْسِي الْهَمَّ وَالْأَسِيَّا
وَالْوَرْدُ يَفْتَرُّ عَنْ أَكْمَامِهِ فَرَحًا
كَأَنَّهُ بِابْتِسَامِ الصُّبْحِ مُغْتَبِطًا
وَالشَّمْسُ تُرْسِلُ أَشْعَاعًا مُذَهَّبَةً
تُضِيءُ دَرْبَ الْمَدَى بِالدِّفْءِ وَالْحُبُبَا
وَالنَّسِيمُ يَهْمِسُ بِالْأَسْرَارِ فِي خَجَلٍ
كَأَنَّهُ عَاشِقٌ بِالْوَصْلِ مُكْتَفِيَا
وَالْأَرْضُ تَخْضَرُّ بِالْأَعْشَابِ مُزْهِرَةً
تُبَاهِي السَّمَاءَ بِحُسْنِ الطَّلْعَةِ النَّضِرَا
وَاللَّيْلُ يَحْلُو بِنَجْمٍ زَاهِرٍ لَمَعَتْ
أَنْوَارُهُ فِي سَمَاءِ الْكَوْنِ كَالذَّهَبَا
وَالْقَمَرُ يَسْرِي بِوَجْهٍ بَاسِمٍ فَرِحٍ
يُنِيرُ دَرْبَ الْهَوَى لِلْعَاشِقِ الطَّرَبَا
هَذَا رَبِيعُ الْهَوَى، فَانْهَلْ مِنْ نِعَمٍ
وَامْلَأْ فُؤَادَكَ بِالْأَنْغَامِ وَالْهَدَبَا
أَتَى الصَّيْفُ بِحَرٍّ لَافِحٍ وَلَهِيبِ
وَالشَّمْسُ تَسْطَعُ فِي الْأُفُقِ كَالْمُشْعِبِ
وَالنَّهْرُ يَدْعُو مُحِبِّيهِ لِمَرْحَلَةٍ
مِنَ السِّبَاحَةِ بَيْنَ الْمَوْجِ وَاللَّعِبِ
وَالنَّخْلُ يَحْمِلُ أَثْمَارًا مُنَوَّعَةً
مِنَ الرُّطَبِ الشَّهِيِّ الطَّعْمِ وَالْعِنَبِ
وَالظِّلُّ يَمْنَحُنَا رَاحَةً مِنَ التَّعَبِ
تَحْتَ الشِّجَارِ وَفِي الْأَكْوَاخِ وَالْقُبَبِ
وَاللَّيْلُ يَأْتِي بِنَسَمَاتٍ مُنْعِشَةٍ
تُخَفِّفُ الْحَرَّ عَنْ جِسْمِ الْمُتْعَبِ
وَالْقَمَرُ يَسْرِي بِضِيَاءٍ نَاعِمٍ سَكَبَتْ
أَنْوَارُهُ فِي الدُّجَى كَالْمَاءِ فِي السُّحُبِ
وَالنَّجْمُ يَلْمَعُ فِي الْأُفُقِ مُبْتَسِمًا
كَأَنَّهُ لُؤْلُؤٌ فِي الْبَحْرِ مُنْتَخَبِ
وَالنَّاسُ تَسْهَرُ فِي الْأَفْرَاحِ مُبْتَهِجًا
بِالْغِنَاءِ وَالرَّقْصِ وَاللَّعِبِ
هَذَا هُوَ الصَّيْفُ، فَاسْتَمْتِعْ بِرَوْعَتِهِ
وَامْلَأْ حَيَاتَكَ بِالْأُنْسِ وَالطَّرَبِ
أَتَى الْخَرِيفُ بِرِيَاحٍ تَحْمِلُ الشَّجَنِ
وَالْأَرْضُ تَلْبَسُ ثَوْبَ الْحُزْنِ وَالْكَدَرِ
وَالشَّجَرُ يَفْقِدُ أَوْرَاقًا مُصْفَرَّةً
تَسْقُطُ عَلَى الْأَرْضِ كَالْأَمْوَاتِ فِي الْحُفَرِ
وَالْغَيْمُ يَحْجُبُ ضَوْءَ الشَّمْسِ فِي كَمَدٍ
كَأَنَّهُ سِتْرُ لَيْلٍ حَالِكِ السَّدَرِ
وَالنَّهْرُ يَجْرِي بِبُطْءٍ، مَاؤُهُ كَدِرٌ
كَأَنَّهُ يَحْمِلُ الْأَحْزَانَ فِي السَّفَرِ
وَالطَّيْرُ يَرْحَلُ عَنْ أَوْطَانِهِ هَرَبًا
مِنَ الْبَرْدِ يَبْحَثُ عَنْ دِفْءٍ وَعَنْ وَطَرِ
وَاللَّيْلُ يَطُولُ، فَلَا نَجْمٌ يُؤْنِسُهُ
وَلَا قَمَرٌ يُنِيرُ الدَّرْبَ لِلسَّمَرِ
وَالنَّاسُ تَحْتَمِي فِي الْبُيُوتِ مِنْ عَصْفِ
الرِّيَاحِ وَالْمَطَرِ الْمُنْهَمِرِ
هَذَا خَرِيفُ الْحَيَاةِ، فَاصْبِرْ عَلَى مِحَنٍ
وَامْلَأْ فُؤَادَكَ بِالْإِيمَانِ وَالصَّبْرِ
أَتَى الشِّتَاءُ بِثَلْجٍ نَاصِعِ الْبَيَاضِ
وَالْأَرْضُ تَلْبَسُ ثَوْبَ الطُّهْرِ وَالنَّقَاءِ
وَالْبَرْدُ يَقْرِصُ أَوْصَالَ الْجُسُومِ فَلَا
دِفْءَ إِلَّا بِنَارِ الْحَطَبِ وَالدِّفَاءِ
وَالْغَيْمُ يَسْقِي بِقَطْرِ الْمَاءِ أَرْضَنَا
فَتَخْضَرُّ بَعْدَ جَفَافٍ دَامَ فِي السَّنَاءِ
وَالنَّهْرُ يَفِيضُ بِمَاءٍ زَادَ مَنْسُوبُهُ
كَأَنَّهُ يَحْتَفِي بِالْخَيْرِ وَالنِّعَمَاءِ
وَالطَّيْرُ يَحْتَمِي فِي الْأَعْشَاشِ مِنْ بَرْدٍ
يَنْتَظِرُ الرَّبِيعَ لِلْعَوْدَةِ وَالْغِنَاءِ
وَلَا قَمَرٌ يُنِيرُ الدَّرْبَ لِلسَّمَرَاءِ
وَالنَّاسُ تَجْتَمِعُ حَوْلَ النَّارِ فِي دِفْءٍ
تَحْكِي الْحِكَايَاتِ فِي الْأَمْسَاءِ
1019
قصيدة