عدد الابيات : 56
طباعةأَلَا بَانَ فِي الْأَرْجَاءِ نَفْحٌ يُطَيِّبُ
كَأَنَّ السَّمَاءَ الطُّهْرَ مِنْهُ تُقَرِّبُ
نَسِيمٌ تَسَامَى مِنْ أَثِيرٍ مُقَدَّسٍ
يُدَاعِبُ أَرْوَاحًا، وَقَلْبِي يُلَهِّبُ
تَجَسَّدَ فِيهِ الْحُسْنُ سِحْرًا مُجَرَّدًا
يُحَاكِي الْخَيَالَ حِينَ شَوْقِي يُصَبِّبُ
فَيَا أَيُّهَا الْعِطْرُ الَّذِي فِيهِ رَوْعَةٌ
أَرَى فِيكَ كَوْنًا فِي الْوُجُودِ يُرَتَّبُ
تُسَافِرُ بِي أَنْفَاسُهُ نَحْوَ بَهْجَةٍ
كَأَنَّ السُّرَى فِي عِطْرِهَا يَتَدَرَّبُ
أَيَا نَفَسًا قَدْ ضَاعَ فِي الرِّيحِ عَبَقُهُ
تُبَاهِي بِهِ الْأَرْوَاحُ حَتَّى تُعَجَّبُ
كَأَنَّ الْأَثِيرَ حِينَ يَحْمِلُ عِطْرَهَا
يُبَارِكُهُ الْعَرْشُ الْعَلِيُّ وَيُؤَهَّبُ
تَجَلَّتْ بِهَا الْأَكْوَانُ سِرًّا وَرِقَّةً
كَأَنَّ الْإِلْهَامَ مِنْهَا سِحْرٌ يُسَلَّبُ
فَمَا زَالَ عِطْرُكِ فِي الْخَوَاطِرِ مَعْبَدًا
تُؤَدَّى إِلَيْهِ فِي الْقُلُوبِ الْمَذَاهِبُ
أَيَا عِطْرَهَا، يَا مُرْسَلًا دُونَ مُرْسَلٍ
رَسَائِلَ شَوْقٍ بَيْنَنَا تَتَقَرَّبُ
كَأَنَّكَ سِرُّ الْعِشْقِ تُلْقِي بِنَبْضِهِ
عَلَى الرُّوحِ إِذْ تَغْدُو الْعُرُوقُ تُشَبِّبُ
وَيَا حَامِلًا هَمْسَ الْحَبِيبَةِ فِي الْهَوَى
تُخَبِّرُ عَنْ وَعْدٍ لِقَلْبٍ يُقَلِّبُ
إِذَا غِبْتَ عَنْ عَيْنِي، فَإِنَّكَ حَاضِرٌ
تُجِيبُ حَنِينَ الرُّوحِ حِينَ تُغَيِّبُ
تُصَافِحُ أَنْفَاسِي بِأَنْفَاسِهَا اللُّجَى
كَأَنَّ الزَّمَانَ بِاللِّقَاءِ يُحَسِّبُ
وَإِنْ غَابَ وَجْهُ الْحُبِّ عَنِّي لَحْظَةً
فَأَنْتَ حُضُورٌ بِالنَّدَى يُعَذِّبُ
كَأَنَّكَ طَيْفٌ يَسْتَقِرُّ بِخَاطِرِي
وَيَحْمِلُ أَسْرَارَ الْغَرَامِ وَيُجْذِبُ
فَيَا عِطْرَهَا، يَا آيَةَ الْحُسْنِ خَالِدًا
أَرَاكَ نِدَاءً فِي الصَّدَى لَا يُخَيَّبُ
إِذَا أَقْبَلَتْ، أَشْرَقَتْ هَالَةُ الْعَبِيرِ
تُضِيءُ الْمَسَافَاتِ الْحِسَانَ وَتُذْهِبُ
كَأَنَّ وُجُودَ الْعِطْرِ ظِلٌّ لِحُسْنِهَا
إِذَا مَا تَجَلَّتْ، فَالْهَدَايَا تُرَتَّبُ
تُسَابِقُهَا الْأَنْفَاسُ حَتَّى إِذَا بَدَتْ
أَتَى الطِّيبُ يَحْنُو، وَالْجَمَالُ يُعَطِّبُ
فَيَا عَجَبًا، كَيْفَ الْتِقَاءٌ بِنُورِهَا
يَجْعَلُ الْهَوَى بَيْنَ الْقُلُوبِ يُنَسَّبُ
إِذَا مَا مَشَتْ، فَالزَّهْرُ يُغْبَطُ خَطْوَهَا
كَأَنَّ الْمَدَى بِالشَّوْقِ فِيهَا يُجَمَّبُ
يُحَدِّثُنِي عَنْهَا النَّسِيمُ كَأَنَّمَا
عَلَى كُلِّ وَرْدٍ حُبُّهَا يُتَرَكَّبُ
إِذَا ابْتَسَمَتْ، صَارَ الْعَبِيرُ قَصِيدَةً
تُرَدِّدُهَا الْأَشْوَاقُ حَتَّى تُرَتَّبُ
وَإِنْ غَابَتِ الْأَنْظَارُ عَنْهَا، فَإِنَّهَا
بِعِطْرِ حُضُورٍ لَا تَزَالُ تُقَرِّبُ
أَيَا عِطْرَهَا، فِي الْبُعْدِ كُنْتَ مُؤْنِسِي
وَفِي غَفْلَةِ الْأَزْمَانِ كُنْتَ الْمُقَرِّبُ
كَأَنَّكَ ذِكْرَى حُسْنِهَا حِينَ تَغْتَدِي
لِتَسْكُنَ فِي أَضْلَاعِ قَلْبٍ يُحَرَّبُ
وَإِنْ طَالَ بُعْدُ الدَّرْبِ عَنْهَا، فَإِنَّنِي
بِعِطْرِكَ أُحْيِي مَا أَضَاعَ الْمُغَيِّبُ
أَرَى فِيكَ وَجْهَ الشَّوْقِ يَسْرِي بِوَضْحِهِ
كَأَنَّ الزَّمَانَ بِالْحَبِيبِ يُقَرِّبُ
فَيَا أَيُّهَا الطَّيْفُ الَّذِي فِيهِ مُهْجَتِي
تُضِيءُ عَلَى آثَارِهِ مَا يُعَجِّبُ
كَأَنَّكَ وَعْدُ الْحُبِّ جَاءَ بِعِطْرِهِ
لِيَنْثُرَ فَوْقَ الرُّوحِ حُبًّا يُرَتَّبُ
فَلَا تَغْرُبَنَّ، أَيُّهَا الطِّيبُ إِنَّنِي
أَرَاكَ حَيَاةً لِلْغَرَامِ تُجَمِّبُ
لَقَدْ كُنْتَ يَا عِطْرَ الْحَبِيبَةِ آيَةً
تُخَلِّدُ عِشْقًا فِي الْقُلُوبِ وَتُجْذِبُ
كَأَنَّكَ نُورُ الْعِشْقِ لَا يَنْطَفِئُ لَهُ
سِرَاجٌ، وَإِنْ طَالَ الزَّمَانُ، يُلَهِّبُ
تُعَانِقُ فِي صَمْتٍ مَآقِي حَبِيبَتِي
وَتَبْقَى عَلَى الْأَيَّامِ سِرًّا يُطَيِّبُ
وَإِنْ كَانَ لِلذِّكْرَى مَكَانٌ بِخَافِقِي
فَأَنْتَ لَهَا تَاجٌ، وَذِكْرَى تُصَبِّبُ
فَلَا تَسْأَلَنَّ الْحُبَّ مَا سِرُّ بَوْحِهِ
فَفِي عِطْرِكَ السِّرُّ الَّذِي لَا يُكَتَّبُ
دَعَوْتُكَ، يَا عِطْرَ الْجَمَالِ، بِأَنْ تَظَلَّ
بِهَا خَالِدًا، رُوحًا، وَنُورًا يُجَمَّبُ
تُعَانِقُ أَنْفَاسَ الْحَيَاةِ بِرِقَّةٍ
وَتَجْعَلُ فِي الْآمَالِ بَوْحًا يُعَطِّبُ
أَيَا نَفَسًا عَبَقَ الْحَيَاةَ بِطِيبِهِ
بِكَ الْعِشْقُ فِي الدُّنْيَا يَظَلُّ مُرَتَّبُ
فَلْتَبْقَ يَا عِطْرِي، دُعَاءً لِخَاطِرِي
بِهَا، وَمَعَ الْأَيَّامِ حُبًّا يُؤَيَّبُ
أَيَا عِطْرَهَا، خُذْنِي لِعَالَمِ دَهْشَةٍ
أَعِيشُ بِهِ بَيْنَ الْوُرُودِ وَأُطْرَبُ
كَأَنَّكَ سِرُّ الْخُلْدِ أُبْصِرُ طَيْفَهُ
فَتَبْقَى لِرُوحِي وَالْخَيَالِ الْمُحَبَّبُ
أَرَاكَ انْبِثَاقَ الْحُبِّ مِنْ قَلْبِ شَاعِرٍ
تُرَاوِدُهُ الْأَحْلَامُ حِينَ يُرَتَّبُ
إِذَا كُنْتَ لِي فَالْعُمْرُ يَمْضِي نَضَارَةً
وَإِنْ غِبْتَ، فَالْحُزْنُ الْعَمِيقُ يُقَلَّبُ
كَأَنَّكَ خَاتَمُ عِشْقِنَا وَمُلْهِمِي
وَفِيكَ الْجَمَالُ بِالزَّمَانِ يُكَتَّبُ
فَيَا طِيبَهَا، يَا آخِرَ السِّحْرِ وَالنُّهَى
وَيَا مَنْ إِلَيْهَا بِالشَّذَى الْقَلْبُ يُسْحَبُ
سَتَبْقَى قَصِيدَ الْحُبِّ إِنْ غَابَ وَرْدُهَا
تُخَاطِبُ أَنْفَاسِي وَأَنْتَ تُؤَجَّبُ
فَيَا أَيُّهَا الْعِطْرُ الَّذِي فِيهِ مَطْلَعٌ
لِنُورِ الْهَوَى، خَالٍ مِنَ الْبُعْدِ مُتَّبُ
تُبَارِكُكَ الْأَكْوَانُ إِذْ كُنْتَ لِلْحَبِيبِ
شَذًى، وَلِرُوحِ الْعَاشِقِينَ الْمُطَيَّبُ
فَلَا تَنْتَهِ يَا عِطْرُ مِنْهَا فَإِنَّهَا
بِكَ الْخُلْدُ، وَالْآمَالُ فِيهَا تُطَيَّبُ
فَيَا مَنْ يَقْرَأُ الْحُبَّ بَيْنَ سُطُورِهَا
وَيَشْدُو بِأَنْغَامِ الْقُلُوبِ الْمُرَتَّبُ
إِذَا شِئْتَ خُلْدَ الْحُبِّ فِي كُلِّ زَفْرَةٍ
تَذَكَّرْ عَبِيرَ الْعِشْقِ حِينَ يُجَذَّبُ
فَذَاكَ هَوَاهَا، ذَاكَ سِرٌّ تَجَسَّدَ
بِعِطْرٍ كَأَنَّ السِّحْرَ فِيهِ يُحَبَّبُ
لَقَدْ خَتَمَتْ أَبْيَاتِي بِحُسْنِ شَذَاهَا
وَكَانَتْ خِتَامَ الشِّعْرِ، حُبًّا يُطَوَّبُ
1280
قصيدة