عدد الابيات : 54
يَا سَاحِرَتَيْنِ بِسِرِّهِمَا كُلُّ النَّظَرْ
تَفَجَّرَتْ أَنْهَارُهُمَا فِي مُخْتَصَرْ
يَا نَبْعَ شِعْرٍ كُلُّ حَرْفٍ فِيكِ ضَوْءٌ
يُهْدِي الْقُلُوبَ إِلَى الْيَقِينِ وَيَنْتَثِرْ
أَبْحَرْتُ فِيكِ وَلَمْ أَجِدْ إِلَّا فِكَرْ
كُلُّ النُّجُومِ بِمُهْجَتِي تَحْتَضِرْ
إِنِّي أَسِيرٌ فِي حُضُورِكِ أَرْتَجِي
شَمْسَ الرَّبِيعِ وَعِطْرَهَا حِينَ انْتَشَرْ
هَلَّ الصَّبَاحُ بِسِحْرِ عَيْنَيْكِ الَّتِي
حَكَتِ الْبُرُوقَ بِقَلْبِ شِعْرِي الْمُزْدَهِرْ
أَنْفَاسُهَا رَيْحَانَةٌ فِي عَالَمِي
لَمَّا رَأَيْتُ عُيُونَهَا رُوحِي احْتَضَرْ
فَتَحَتْ لِدُنْيَا الْعَاشِقِينَ حَدِيقَةً
زَهْرٌ بِهَا مِنْ طِيبِ سِحْرِكِ يَنْتَشِرْ
يَا أَنْتِ بَدْرٌ لَاحَ فِي أُفُقِ الْهَوَى
كُلُّ النُّجُومِ تَحَطَّمَتْ حَوْلَ الْقَمَرْ
فِي كُلِّ نَظْرَةِ جَفْنِكِ انْبَعَثَ الْأَمَلُ
وَانْدَاحَ فِي قَلْبِ الزَّمَانِ الْمُنْكَسِرْ
هَلْ فِيكِ سِرٌّ يَحْتَوِي الْأَكْوَانَ إِذْ
لَمْ أَبْلُغِ السِّرَّ وَانْثَنَى حَرْفِي وَعَثَرْ
أَشْرَقْتِ فِي عَيْنَيَّ دُنْيَا لَمْ تَزَلْ
تَحْكِي رَبِيعًا لَمْ يَكُنْ فِيهِ ضَجَرْ
أَشْعَلْتِ نَارَ الْأَمَلِ فِي عُمُقِ الرُّوحْ
فَأَضَاءَ ظِلُّ الْكَوْنِ، وَالنُّورُ انْحَسَرْ
حِينَ انْتَفَضْتِ أَمَامَ عَيْنِي شَعْلَةً
كُلُّ الْجِبَالِ بِحِسِّ حُبٍّ تَتَّزِرْ
عَيْنَاكِ بَحْرٌ لَا يَنَالُ شُطْآَنَهُ
مَنْ سَارَ فِيهِ تَاهَ، وَاسْتَعْذَبَ السَّفَرْ
مَوْجَاتُهُ تُغْوِي الْقُلُوبَ بِسِرِّهَا
وَتُرْسِلُ النَّبْضَ إِلَى كُلِّ الْوَتَرْ
فَأَنَا الْغَرِيقُ، وَلَيْسَ فِي عَيْنِي نَجَاةٌ
إِلَّا بِرُوحِكِ، حَيْثُ تَحْيَا الْأَثَرْ
أَسْبَحُ فِيهِمَا وَأَرَى مَا لَمْ أَرَ
مِنْ قَبْلِهِمَا، وَلَمْ أَجِدْ لَهُمَا نَظِيرْ
عَيْنَاكِ دُنْيَا كُلُّ مَا فِيهَا بَهَا
زَهْرٌ، وَطِيبٌ، وَسِرٌّ يَتَعَطَّرْ
هَلْ يَحْتَمِلُ قَلْبِي غَرَامَ عُيُونِكِ؟
أَمْ أَسْتَسْلِمُ لِحُبٍّ يَفْتَتِرْ؟
أَحْيَا عَلَى أَمَلِ اللِّقَاءِ كَأَنَّنِي
بَحَّارُ أَحْلَامٍ فِي شَوْقِ السَّفَرْ
فَتَحْتِ فِي الْأُفُقِ الْوَرِيفِ مَنَازِلًا
أَشْجَارُهَا تَرْفُلُ بِالزَّهْرِ النَّضِرْ
إِذَا نَظَرْتُ إِلَيْكِ غَابَ مَصِيرُنَا
فِي جَنَّةٍ لَا تَنْتَهِي وَلَا تَضِيرْ
يَا مَنْ تَمَلَّكْتِ الْقُلُوبَ بِلَحْظَةٍ
حَتَّى صَفَا الدَّهْرُ وَالْحُبُّ اسْتَتَرْ
فِي عَيْنِكِ السِّرُّ الَّذِي لَمْ يُفْشِهِ
كَاتِبُ الزَّمَانِ، وَلَا قَرِيبٌ أَوْ سَفِرْ
كَأَنَّهُمَا كَنْزَانِ خُصَّا بِالرُّؤَى
يَحْكِي الزَّمَانُ عَنْهُمَا مَا لَا يُقَرْ
أَحْكَى بِهِمَا كُلُّ الْوُجُودِ جَمَالَهُ
فَانْحَنَتِ الْأَشْجَارُ، وَالطُّيُورُ تَتَشَعَّرْ
لَوْ أَنْصَفَ الدُّنْيَا جَمَالُ عُيُونِكِ
لَأَصْبَحَتِ الْأَرْضُ بِهِمَا تَتَزَوَّرْ
فِي كُلِّ زَاوِيَةٍ نَرَى بَرْقًا يُضِيءُ
مِنْ لَحْظِ عَيْنَيْكِ، يَكْسُو السَّحَرْ
إِنِّي لَأَعْجَبُ كَيْفَ لِلرُّوحِ سَاحِرٌ
يُحْيِي النُّفُوسَ بِعِطْرِ سِحْرٍ وَمَهَرْ
إِنْ كَانَ فِي عَيْنَيْكِ سِرٌّ يَسْتَتِرْ
فَإِنَّنِي بِسِرِّهِمَا كُلِّي أَفْتَخِرْ
أَعْيُنُ الْمَلَائِكَةِ لَمْ تَرَ مِثْلَهُمَا
وَلَا الْجِنَّ فِي الْأَسْرَارِ أَوْ مَا قُدِرْ
فِي حَفْنَةِ اللَّحْظِ الَّذِي تَجُودِينَ بِهِ
أَرَى الْحَيَاةَ كَأَنَّهَا تَتَكَرَّرْ
يَا مَنْ تَفَجَّرَ مِنْ عُيُونِكِ مَعْنًى
يُزْهِرُ الْوُجُودَ، وَبِهِ يَسْتَبْشِرُ الزَّهَرْ
عَيْنَاكِ غَيْمَتَانِ فِي جَوٍّ صَحْوِهِ
تُمْطِرَانِ وُدًّا فِي زَمَانٍ يَسْتَعِرْ
وَمَطَرُهُمَا لَا يَسْكُنُ فِي أَرْضٍ وَحْدَهَا
بَلْ يَسْقِي الْقُلُوبَ، وَيُحْيِي الشَّجَرْ
إِنِّي لَأَشْهَدُ أَنَّ عَيْنَيْكِ وَطَرْ
يَرْوِي الْحَكَايَا، وَيَصْنَعُ الْقَدَرْ
تَسْقِينَنِي مَطَرًا بِسِحْرِ نَظَرَتِكِ
حَتَّى أَرَى الْوُدَّ بِقَلْبِي يَسْتَعِرْ
أَصْبَحْتُ أَحْيَا فِي رُؤَاكِ، وَحُبُّكِ
غَيْمَةُ الْأَحْلَامِ تَرْوِي مَا قُصِرْ
إِذَا الْمَطَرُ جَاءَ مِنْ عَيْنَيْكِ، إِنَّهُ
يَمْلَأُ الْحُرُوفَ وَيُزْهِرُ السُّطُرْ
أَنْتِ الرَّبِيعُ إِذَا غَزَتْ عَيْنَاكِ رُوحِي
يَزُولُ الْحُزْنُ، وَتُكْتَبُ الْبُشَرْ
كَأَنَّكِ غَيْمَةُ وُدٍّ فِي السَّمَاءِ
تُسْقِي الْعُشَّاقَ وَتُحْيِي مَنْ قُهِرْ
عَيْنَاكِ سَيْلُ وِدَادٍ لَا يُقَاوَمُ
يُغْرِقُ الْوُجُودَ وَيَكْسُو الْأَثَرْ
فِي مَطَرِكِ السَّاحِرِ، أَجِدُ الْحَيَاةَ
وَأَرَى الزَّمَانَ كَأَنَّهُ فِي انْتِصَارْ
عَيْنَاكِ مِجْدَافَانِ فِي بَحْرِ الْهَوَى
يَقُودَانِ قَلْبِي حَيْثُ يُرْسَى بِالْقَدَرْ
فَإِذَا أَشَرْتِ لِي بِوَمْضَةِ نَظْرَةٍ
أَسْبَحُ كَمَا يَسْبَحُ الطِّفْلُ بِالنَّهَرْ
أَمْضِي إِلَى شَطِّ الْأَمَانِ بِهَدْيِهِمَا
وَأُشْرِعُ الْحُبَّ فِي رِيَاحِكِ وَأَسْتَقِرْ
كُلُّ الْمَدَائِنِ فِي عُيُونِكِ تَحْتَفِي
وَكُلُّ طُرُقِ الْعَاشِقِينَ لَهَا مَمَرْ
أَنْتِ السَّفِينَةُ، وَالْمَجَادِيفُ عَيْنَاكِ
أَسِيرُ فِي بَحْرِ الْجَمَالِ، وَأَفْتَخِرْ
مِجْدَافُ عَيْنَيْكِ لَمْ يُخِبْ مَنْ قَصَدَهُ
يُوصِلُ الْحُبَّ إِلَى قَلْبٍ مُنْتَظِرْ
فِي بَحْرِ عَيْنَيْكِ لَا يُرَى شَطٌّ بَعِيدٌ
كُلُّ الطُّرُقِ تُفْضِي لِوَصْلٍ يَتَمَصَّرْ
يَا مَنْ تُحَرِّكِينَ السُّفُنَ بِلَمْحَةٍ
وَتُشْرِعِينَ الْحُبَّ لِمَنْ أَبَى وَهَجَرْ
مِجْدَافُ عَيْنَيْكِ يَكْسُو الرُّوحَ بَهْجَةً
وَيَفْتَحُ الْأُفُقَ لِمَنْ فَاتَهُ السَّفَرْ
يَا مِجْدَافَ الْعُشَّاقِ، هَلْ مِنْ رِسَالَةٍ؟
تَحْمِلُ النَّجَاةَ لِقَلْبٍ قَدْ تَكَدَّرْ
1280
قصيدة