عدد الابيات : 46
عَلَى رُبَى سَلْقِينَ أَلْقَيْتُ بِنَاظِرِي
وَبِالْوَادِي ذِكْرَى تُنَاجِي مَشَاعِرِي
وَقَفْتُ، وَسَيْفُ شَوْقٍ يُدْمِي جَوَانِحِي
وَهَبَّتْ نَسَائِمُهَا تُثِيرُ الْخَوَاطِرَ
فَيَا طَلَلًا قَدْ كَانَ مَهْدَ مَحَاسِنِ
وَفِيكِ الْتَقَى حُسْنُ دَلَالٍ بِمَحَاجِرِ
أَتَذَكَّرُ سَارَةَ إِذْ تَهَادَتْ كَغُصْنِهَا
وَفِي نَاظِرَيْهَا سِحْرُ لَيْلٍ سَافِرِ
فَيَا وَيْحَ قَلْبِي كَيْفَ ضَاعَ بِأَرْضِهَا
كَأَنِّي نَثَرْتُ الْعُمْرَ فَوْقَ الدَّفَاتِرِ
أَلُمُّ شَتَاتِي فِي رِحَابِكِ عَلَّنِي
أُعَانِقُ بِالْأَحْلَامِ ظِلَّ السَّوَاحِرِ
وَقَدْ لَاحَ فِي الْأُفْقِ سَرَابٌ كَأَنَّهُ
وُعُودُ التَّلَاقِي مِنْ سَرَابٍ نَوَاظِرِ
أَيَا دَارَ سِرًّا، هَلْ تَعُودُ كَمَا مَضَتْ
لَيَالِي الْهَوَى، أَمْ ضَاعَ عَهْدُ دَوَائِرِ؟
أَحِنُّ إِلَى لَثْمِ الْخُدُودِ بِنَظْرَةٍ
فَهَلْ تَقْبَلُ الْأَيَّامُ رَدَّ الْمَشَاعِرِ؟
وَلَكِنَّنِي، وَالْبَيْنُ يَسْحَقُ أَضْلُعِي
أَذُوبُ، كَمَا ذَابَتْ نُجُومُ الدَّيَاجِرِ
سَأَبْكِيكِ حَتَّى تُشْرِقَ شَمْسٌ بِالْمُنَى
فَإِنْ لَمْ يَكُ وَصْلًا، فَفِي حُلْمِي زَائِرِ
وَمَا سَارَةُ إِلَّا بَدْرٌ تَأَلَّقَ فِي الدُّجَى
يُضِيءُ بِسِحْرِ حُسْنٍ قَلْبَ الْحَوَاضِرِ
إِذَا مَا مَشَتْ هَبَّ النَّسِيمُ مُعَطَّرًا
كَأَنَّ صَبَا الْجَنَّاتِ مَرَّ بِالْأَنْهُرِ
لَهَا قَدُّ غُصْنٍ فِي رَبِيعِ شَبَابِهِ
وَفِي خَصْرِهَا أَسْرَارُ لُطْفِ مَقَادِرِ
حَدِيثُ لِسَانِ الدَّهْرِ زَهْرٌ بِكَفِّهَا
وَفِي لَفْظِهَا مَاءُ الْجُمَانِ الزَّوَاهِرِ
فَإِنْ نَطَقَتْ فَالدُّرُّ يَسْرِي حُرُوفَهُ
وَإِنْ صَمَتَتْ فَالرُّوحُ تَهْفُو لِنَاظِرِ
عُيُونٌ كَسِحْرِ اللَّيْلِ تَرْمِي بِسَهْمِهَا
فَتَفْنَى الْمُلُوكُ فِي هَوَاهَا وَجَائِرِ
إِذَا ضَحِكَتْ فَالْوَرْدُ يَزْهُو بِحُسْنِهِ
وَيَحْسُدُ نُورَ الشَّمْسِ مِنْهَا الْأَزَاهِرِ
مَلَكْتُ الْهَوَى مُذْ لَاحَ بِأُفُقِ طَيْفُهَا
فَيَا لَيْتَنِي أَفْنَى بِحُبِّ الْمَحَاسِرِ
أَيَا بِنْتَ سَلْقِينَ وَطِيبِ رِيَاضِهَا
فَأَنْتِ السَّنَا بِالْكَوْنِ، تَاجُ غَرَائِرِ
إِذَا سَارَةُ الْوَسْنَى أَطَلَّتْ بِوَجْهِهَا
تَسَاقَطَ نُورُ الصُّبْحِ بِكَفِّ سَاهِرِ
وَفِي خَدِّهَا وَرْدٌ تَلَأْلَأَ نَاضِرًا
كَأَنَّ بِهِ شَوْقِي تَفَجَّرَ فِي أَزَاهِرِ
أَمَّا شَفَتَاهَا فَالنَّدَى فِي عَقِيقِهَا
إِذَا نَطَقَتْ، سَالَتْ شُهُودُ الْأَوَابِرِ
وَفِي رَمْشِهَا سَيْفٌ يُمَزِّقُ مُهْجَتِي
كَأَنَّ بِهِ حَتْفَ الْقُلُوبِ الضَّوَامِرِ
إِذَا ضَحِكَتْ فَاللَّيْلُ يَسْكَرُ نَاعِمًا
وَيُنْسَى الْأَسَى لِشَدْوِهَا مُتَوَاتِرِ
تَمِيسُ كَأَنَّ الْبَدْرَ مَالَ بِغُصْنِهَا
وَتَسْحَرُ أَرْوَاحَ الْوَرَى بِالْمَحَاجِرِ
سَقَتْنِي بِكَفَّيْهَا كُؤُوسَ مُدَامَةٍ
فَمَا أَنَا إِلَّا فِي هَوَاهَا بِسَاجِرِ
وَلَوْلَا حَيَائِي مِنْ عُيُونِ عَوَاذِلِ
لَأَسْكَبْتُ دَمْعِي بِوَرْدِ الْمَعَاصِرِ
فَسَارَةُ دُرُّ الْحُسْنِ، رَوْضٌ مُعَطَّرٌ
بِهَا سُكِّرَ النَّسِيمُ وَحَارَ الْمَشَاعِرِ
أُحِبُّكِ، لَا رَيْبٌ، فَحُبُّكِ قَاتِلِي
وَفِيكِ احْتَرَقْتُ وَبِهَوَاكِ مَصَائِرِي
وَأَنْتِ نُجُومُ الْعِشْقِ بِأُفْقِ مُهْجَتِي
وَأَنْتِ الرُّؤَى لِلَّيْلِ قَلْبِي حَسَائِرِ
سَكَنْتِ شُعُورِي فَاكْتَسَيْتُ بِنُورِكِ
وَصِرْتُ بِعَيْنَيْكِ الْعَلِيلِ نَوَاظِرِ
إِذَا مَا دَنَا طَيْفُكِ سُكْرًا بِحُسْنِهِ
تَهَاوَتْ وُجُوهُ الْبَدْرِ غَيْرَ مُبْهِرِ
أُحِبُّكِ حُبَّ الْمَوْجِ بَحْرًا مُتَيَّمًا
أُحِبُّكِ شَمْسًا بِالسَّمَاءِ مُسَافِرِ
وَإِنْ كُنْتُ فِي بُعْدٍ فَقَلْبِي مُقِيمُهُ
بِدَرْبِكِ، لَا يَرْنُو لِغَيْرِ الْمَآزِرِ
أَنَا الْعَبْدُ لِبَحْرِ الْغَرَامِ مُقَيَّدٌ
فَذُوبِي بِرُوحِي كَيْفَ شِئْتِ، وَحَاذِرِ
بَكَيْتُ، وَهَلْ يُجْدِي الْبُكَاءُ لِمُغْرَمِ
وَقَدْ بَاعَدَتْهُ عَنْ هَوَاهُ الْمَقَادِرِ؟
رَحَلْتِ، وَأَبْقَيْتِ الْفُؤَادَ مُعَذَّبًا
تُؤَرِّقُهُ الذِّكْرَى، وَتُدْمِي ضَمَائِرِ
أَمَا آنَ لِلْقَلْبِ الْكَسِيرِ تَلَاقِيًا؟
أَمَا آنَ لِلْأَيَّامِ وِصَالًا مُبَادِرِ؟
تَرَكْتِ بِعَيْنِي الدَّمْعَ، يَسْرِي كَأَنَّهُ
سَيْلٌ جَرَى فِي مُهْجَتِي الْمَقَادِرِ
لَا اللَّيْلُ يُسَلِّينِي، وَالصُّبْحُ مُشْرِقٌ
كَأَنَّ وُجُودِي فِي الْحَيَاةِ مَظَاهِرِ
أَحِنُّ إِلَى لَمْسَاتِ كَفِّكِ لَحْظَةً
وَأَشْتَاقُ أَنْ تَحْنُو عَلَيَّ السَّوَاحِرِ
لَقَدْ ذُبْتُ فِي بُعْدِكِ حَتَّى كَأَنَّنِي
سَرَابٌ تَلَاشَى وَالْهُمُومُ مُهَاجِرِ
وَلَكِنَّنِي أَرْجُو اللِّقَاءَ بِنَظْرَةٍ فَرَبُّ
السَّمَا يُحْيِي الْقُلُوبَ الْقَوَافِرِ
لَعَلَّ غَدًا تَأْتِي الرِّيَاحُ بِنَسْمَةٍ
تُعِيدُ لَنَا وَصْلَ الْقُلُوبِ النَّوَاضِرِ
1280
قصيدة